“الزنزانة غير مطابقة للمواصفات!”
ارتفعت بعض أصوات السياسيين السويسريين منتقدة لأوضاع الزنزانات في بعض السجون الواقعة في كانتون برن.
ودعا متحدث باسم الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية برن إلى الالتزام بالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكنه أقر بأن هذه القضية ليست أساسية بالنسبة لمنظمته.
لو أن سجيناً قادما من دولة عربية أو إفريقية وجد نفسه في أحد سجون كانتون برن لتصور أنه دخل إلى فردوس مصغر. لكنها المعايير المختلفة التي تجعل مما هو حق للإنسان ترفاً يتمتع به البعض، وحلما لا يُطاوله البعض الأخر.
هذه المفارقة برزت مجددا عندما وجهت برلمانية سويسرية انتقادات لأوضاع الزنزانات في بعض سجون كانتون برن.
فقد أدت السيدة فلافيا فاسرفالين، عضوة البرلمان المحلي لكانتون برن، زيارة تفقدية إلى سجن هينديلبانك ( Hindelbank )، واكتشفت أن مواصفات بعض زنزاناتها لا تتطابق مع المواصفات المنصوص عليها في المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وبصورة أكثر تحديداً، وجدت السيدة فاسرفالين أن 34 زنزانة في السجن اتسمت بضيق المساحة كما لم يتم تجديد بناءها منذ 40 عاماً.
نتيجة لذلك، طالبت السيدة فاسرفالين (في استجواب طرحته في البرلمان المحلي) حكومة الكانتون بتقديم تفسير لتلك الأوضاع، وتساءلت في الوقت ذاته عن أوضاع السجون الأخرى المتواجدة في كانتون برن.
المشكلة معروفة… وأسبابها أيضاً!
ما أن ُطرح الموضوع على البرلمان حتى تلقفته صحيفة دير بوند الناطقة باللغة الألمانية لتجري تحقيقاً حوله، وأظهرت أن مشكلة ضيق مساحة الزنزانات منتشرة أيضاً في سجون كل من بيل (Biel) وبرن (Bern) وبورجدورف (Burgdorf) وثوربيرج (Thorberg).
كما أبرزت الصحيفة أن المكتب الفدرالي للعدل اصدر تعميماً يدعو فيه سلطات السجون إلى الالتزام بالمواصفات التي حددتها المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان عند بناء زنزانات جديدة.
لكن المشكلة ظلت قائمة في كانتون برن بسبب عدم تخصيص موارد مالية في الميزانية لإعادة بناء نحو 230 زنزانة، تم تشييدها قبل عدة عقود.
وتنص المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان على ضرورة أن تكون مساحة الزنزانة 12 متراً مربعاً، تُخصص 10 أمتار منها لمعيشة السجين ومتران لحمام خاص به.
وتقدر مساحة معظم الزنزانات التي أثيرت بسببها المشكلة في كانتون برن بـ 8 أمتار مربعة، في مقابل 27 زنزانة لم تزد مساحتها عن 7.7 متر مربع.
من جهتها صرحت مديرة إدارة شرطة كانتون برن دورا أندريس لصحيفة دير بوند بأنها مدركة لمشكلة ضيق مساحة بعض الزنزانات في بعض سجون الكانتون. واعترفت بأن هناك أيضا حاجة لبناء فناء يتمشى فيه المساجين في سجن بورجدورف بالتحديد، لكنها أردفت بالقول:”بسبب إجراءات التقشف، اضطررت إلى تأجيل العديد من المشاريع”.
“ليست قضية أساسية”
دفعت الضجة الإعلامية، التي أثُيرت عقب الإعلان عن ذلك التقصير، سويس إنفو إلى التوجه إلى الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية للتعرف على موقف المنظمة من هذه القضية.
وكانت ردود المتحدث بإسم الفرع السويسري، التي تميزت بالهدوء والتحفظ والحذر في الوقت ذاته، مؤشرا على طبيعة ذلك الموقف.
ففي رده عن السؤال عما إذا كان يعتبر تلك القضية مشكلة “كبيرة” مقارنة مع أوضاع السجون في بلدان أخرى، نبه السيد يورج كيللر إلى أن اللجنة الأوروبية ضد التعذيب تقدمت بمواصفات تختلف عن تلك الواردة في المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، إذ حددت مساحة الزنزانة ب 8 أمتار مربعة.
وأكمل قائلا:”إذن هناك مقاييس مختلفة ولجان مختلفة. وأعتقد أن هذه الزنزانات يجب أن تكون كبيرة بما فيه الكفاية بحيث يتمكن هؤلاء السجناء من العيش فيها لفترة طويلة، فأقامتهم فيها لن تقتصر على أيامٍ معدودة، بل لسنوات طوال”.
رغم ذلك، عند السؤال عن موقف الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية من هذه القضية، جاءت كلمات السيد كيللر مدروسة وحذرة في الوقت ذاته.
فقد صرح قائلا:”بصورة جوهرية نحن نقول إن على سويسرا أن تتبع بنود المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان في هذا الشأن، لكنها ليست قضية أساسية بالنسبة لنا(..)، هناك قضايا أكبر يجب حلها … في سويسرا”.
بالفعل، هناك قضايا أهم!
لا يوجد تناقض من أن يصدر مثل هذا التصريح عن متحدث لمنظمة معنية بحقوق الإنسان في سويسرا. ففي الحقيقة تبدو الزوبعة التي أثيرت بسبب ذلك النقص في مساحة بعض الزنزانات مبالغا فيها.. إلى حد كبير.
فما يدركه الجميع هنا، هو أن تلك الزنزانات على ضيقها تحتوى على وسائل ترفيه وراحة تُعين السجين على قضاء الوقت فيها. إذ تحتوي مثلاً على مكتب للقراءة والكتابة، وثلاجة صغيرة، إضافة إلى جهاز راديو وتلفزيون خاص.
وللتدليل على المدى الذي تذهب إليه سلطات السجون في تأمين “الراحة” داخل الزنزانات، يُشار إلى أن السجناء العرب في بعض سجون كانتون زيورخ يُـوفر لهم
لاقط هوائي (الدش) ليتمكنوا من مشاهدة الفضائيات العربية!
لكن هذا لا يعني أن السجون السويسرية لا تعاني من بعض أوجه التقصير التي يتوجب علاجها. وفي هذا الصدد يقول السيد كيللر:”هناك قضايا اكبر يجب حلها عندما يتعلق الأمر بالسجون، مثل السماح للمساجين بالمشي لمدة ساعة يومياً، أو أن لا يتعرضوا إلى أي صورة من صور التعذيب”.
لذلك لا غرابة أن تحتل قضية الزنزانات هامشاً محدودا من اهتمام الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية. فعند مقارنة ما هو متاح للسجين في زنزانته الضيقة مع قضية أساسية، كمشكلة العنف الذي يمارسه بعض أفراد الشرطة في تعاملهم مع اللاجئين، تبدو مساحة الزنزانة مجرد تفصيل مثير .. للابتسام.
إلهام مانع – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.