مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الساحة الفلسطينية تدخل مرحلة إعادة التشكيل

رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) حضر جلسة حكومة إنفاذ حالة الطوارئ برئاسة سلام فياض في رام الله يوم 4 يوليو 2007 Keystone

الآن، وبعد أن سكتت المدافع وانتقلت عُـهدة قطاع غزة إلى حركة حماس الإسلامية واحتفظت حركة فتح بالضفة الغربية، يكون الفلسطينيون قد دخلوا دربا جديدا، لا يعرِف أحد بالتأكيد إلى أين تقود.

ولعلّ المنافسة الجارية على القيادة الجديدة للفلسطينيين، تضفي بُـعدا سرياليا على المسالة، لاسيما وأن غِـمار المعركة الجديدة على أهلية القيادة، طغت على الذكرى الأربعين للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، إذ تجري الأمور، وكأن الاحتلال قد ولّـى بالفعل.

ربّـما باتت ذاكرة الفلسطينيين قصيرة، قصيرة جدّا، ولم يعد بمقدور المساحة المتبقية، استقبال أي جديد، لكن، ثمة من هُـم هناك على قمّـة القرار الفلسطيني الداخلي، منشغلون في تقسيمات وظيفية يعتقدون أنها ستسبغ عليهم ثوب الشرعية.

وفي الوقت الذي تتنافس فيه كل من قيادة غزة وقيادة الضفة على الفوز بالباب الجمهوري المتعب المنهك، تأخذ تداعيات سفك الدّم، التي سمحت بسيطرة حماس على القطاع، أبعادا ليس بالمقدور فهمها على وجه التحديد.

فجردة حساب فلسطينية حالية، ستكون عصيّـة على الفهم وخارجة عن المألوف، خصوصا وأن احتمالات الوقوف على الحقائق والمعطيات قد تبخّـرت، ولم يعُـد ثمة مجال لمراجعة جدّية صادقة. ليس هناك متّـسع من الوقت ولا وجود لذاكرة يُـمكن لها أن تُـحفّـز على التفكر.

وفي غضون ذلك كله، يجد المتنافسون على دفّـة القيادة والسلطة، الوقت كله لرسم معالم طريقهم وعرض إمكانياتهم ومهاراتهم على القيادة السديدة والحكم الرشيد، إنها فرصة العمر لمَـن أراد أن يصعد إلى قطار السلطة الفلسطينية الجديد.

إنها إذن، بذور تُـزرع على عجَـل وفي أرض شديدة الملوحة عطشى للمطر، بذور لإعادة تشكيل الكيان الفلسطيني الذي ما فتئ يبحث عن استقرار.

الوقائع الجديدة

يشعر الجميع هنا، أن ثمة عهدا جديدا قد بدأ، عهد هُـلامي غير واضح الملامح، لكنه قد انطلق بالفعل. ها هي حركة حماس بسطت يدها، ليس كل البسط على قطاع غزة، هي التي تحمل السلاح وتنظم السير وتطلق سراح المختطفين، لكنها تغضّ الطرف عن دور حكومة الطوارئ في إدخال الأموال والغذاء وكل الأمور الحياتية الأخرى.

تعمل حماس على تأكيد صحة نظريتها وشعارها، بأنها الأقدر على فرض الأمن والقانون، بعد أن فشلت حركة فتح، ممثلة بالسلطة الفلسطينية، في ذلك.

وهناك في الضفة الغربية، لا زالت الرئاسة قائمة وحكومة الطوارئ تُـدير الشأن المالي الإداري، إذ لا حاجة للتشريع والقانون مع تعطّـل المجلس التشريعي، المعطَّـل أصلا، وهي أيضا ممثل الفلسطينيين الشرعي بصورته الدولية، حيث يحضره استقبال الضيوف الأجانب الرسميين.

أما الأمر الواضح الأكيد، فهو انقسام الجمهور الفلسطيني بين مؤيد لحماس وآخر للرئاسة، إذ لا يردّ اسم حركة فتح كثيرا هذه الأيام، عند تناول التأييد والمعارضة، خصوصا وأن تجربتها القاسية المؤلمة أمام حماس في غزة، قد جعلت منها قوة افتراضية لا أكثر.

وفي مسألة فرض الوقائع الجارية في إطار السباق على القيادة، تؤكد مصادر الرئاسة أن الرئيس محمود عباس، وبصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، يُـعِـد لدعوة المجلس الوطني للانعقاد من أجل شل المجلس التشريعي، الذي تسيطر عليه حركة حماس.

ويمكن لهذه الإجراءات والخطوات أن تستمر لأشهر قادمة، الأمر الذي يعني تحويل حكومة الطوارئ برئاسة سلام فياض، إلى حكومة تشغيلية كاملة واستمرار حماس في فرض سيطرتها الأمنية على قطاع غزة، دون الحاجة إلى فعل ما هو أكثر من ذلك.

التوقعات

بإمكان كل طرف في غزة والضفة أن يقدم النموذج الذي يريد، عن قدرته على الحكم والقيادة، لكن ذلك لا يُـلغي على الإطلاق إدراك كل منهما الحاجة إلى الحوار في نهاية المطاف، وفي حين يُـصر الرئيس عباس على رفض التحاور مع من سمّـاهم “الانقلابيين” في قطاع غزة، فإن ثمة من هم غير انقلابيين ويُـمكن التحاور معهم.

ولا يمكن تصّور تراجع حركة حماس عن سيطرتها الحالية على قطاع غزة دون مقابل، وهي التي راحت منذ تأسيسها على مدار عشرين عاما تعمل للوصول إلى قمة القيادة الفلسطينية، ولم يكن مفاجِـئا دعوة حماس للحوار فور سيطرتها على غزة.

ويؤكد أكثر من مصدر، وجود وساطة قطَـرية تعمَـل على جمع حماس وعباس مجدّدا، لكن الرئيس العنيد مُـصمِّـم على عدم محاورة الانقلابيين (إسماعيل هنية ومحمود الزهار وسعيد صيام)، بل ومحاكمتهم أيضا، لذلك يتوقع أن “تضحِّـي حماس بهؤلاء” في سبيل الحصول على مغانم أكبر من حِـصة القيادة الفلسطينية.

ذلك جلّـه مرتبط بمدى قُـدرة حصول عباس على نتائج في محادثاته مع الإسرائيليين والأمريكيين، إذ سيكون من الصّـعب على الرئاسة وحكومة الطوارئ أن تشق طريقها بدفع الرواتب فقط، يمكن لذلك أن يعطيها فرصة بقاء محدودة، لكن ليس إلى ما لا نهاية.

وإلى حين ظهور نتائج مسابقة الفوز بالقيادة الفلسطينية، لن يعرف أحد بالتأكيد كيف سيكون الشكل الجديد لهذه القيادة، لكن الأمر الحتمي، أن إسرائيل ستكون قد فازت بنتيجة ادِّعاء أن النزاع مع الفلسطينيين، ليس مردّه الاحتلال، بل الفلسطينيين أنفسهم.

هشام عبدالله – رام الله

رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – توعد سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطيني يوم الخميس 5 يوليو، بالحمل على المسلحين في الضفة الغربية، لكنه علق نجاح الحملة على موافقة إسرائيل على الامتناع عن ملاحقتهم بنفسها.

وفي مقابلة مع رويترز، قال فياض الذي يرأس حكومة الطوارئ، التي شكلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشهر الماضي بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة، إن حملة فرض النظام والقانون، لن تستهدف الحركة الإسلامية وحدها، وأضاف فياض “نحتاج لأن نكون جادّين للغاية في هذا الصدد، بغض النظر عن مَـن هم وإلى أي حزب ينتمون. إذا اختاروا عدم التعاون في هذا الجهد، فهم خصوم.. لقد انتهى الحفل، لا نستطيع أن نكون جادين في بناء دولة، وفي الوقت نفسه نقبل بالميليشيات المسلحة… علينا أن نعيد الأمور تحت السيطرة، قد تكون هذه فرصتنا الأخيرة”.

لكن فياض قال، إنه على إسرائيل أن تتعهد بأن لا تستغل حملة نزع سلاح الميليشيات وتواصل ملاحقتهم، كما وعدت بذلك، واستطرد “وإلا ما نوع المصداقية التي ستتمتع بها جهودنا الأمنية.. أستيطع القول أنها لن تكون بالشيء الكثير، ستنهار”.

وصرح رئيس الوزراء الفلسطيني بأن حكومته تجري محادثات مع إسرائيل في هذا الصدد، وتنتظر الرد، واستطرد “نأمل ألا ننتظر طويلا لأن هذا ضروري لنا، حتى نحقق ما وعدنا به من فرض النظام والقانون، هذه أولوية كبرى بالنسبة لهذه الحكومة ويجب أن ننجح، ببساطة لا نستطيع أن نفشل”.

وبدأت بالفعل قوات الأمن الفلسطينية، التابعة لحركة فتح التي يتزعمها عباس، في ملاحقة مسؤولي حماس، الذين يعتقد أنهم يشاركون في تشكيل “القوة التنفيذية”، التابعة للحركة الإسلامية في الضفة الغربية.

وذكرت مصادر امن فلسطينية ومسؤولو حماس، أن عشرات اعتقلوا، لكن أفرِج عن كثيرين بعد استجوابهم.

ولعبت القوة التنفيذية لحماس دورا بارزا في القتال، الذي تمكنت خلاله القوة من طرد مقاتلي فتح من قطاع غزة قبل ثلاثة أسابيع.

وصرح مسؤول من حماس لرويترز، بأن قادة الحركة الإسلامية في الضفة الغربية اختبؤوا بعد القتال الذي حدث في غزة، لتفادي الاعتقال أو هجمات ثأرية من فتح، وذكر أن حركته لديها خلايا كامنة مسلحة تسليحا جيدا في الضفة الغربية، لكنها لن تتحرك في العلن “بعدُ”، لأنها مهدّدة أيضا من جانب الجيش الإسرائيلي.

وصرح رئيس الوزراء الفلسطيني بأن بعض المسلحين في الضفة، سلّـموا بالفعل أسلحتهم للسلطة الفلسطينية، وقال “تشجعت حقيقة من استجابة عدد جيِّـد من الناس الذين لديهم سلاح وأبدوا استعدادا لتنفيذ هذه الرؤية والتعاون”، وأضاف “لكن هناك حدّا للمدى الذي يمكن أن نذهب إليه في هذا المجال، دون أن يتعهد الإسرائيليون بموقف معيَّـن ضروري لضمان إنجاح جهودنا”.

وعمل فياض، وهو خبير اقتصادي يلقى الاحترام على المستوى الدولي، وزيرا للمالية في حكومة الوحدة التي شكلتها حماس وفتح في مارس الماضي، وبعد أن عينه عباس ليرأس الحكومة الجديدة، أنهت القوى الغربية الحظر الذي فرضته على السلطة الفلسطينية، لكنها أبقت على العقوبات المفروضة على حماس في غزة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 يوليو 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية