“الساعة تدور والتطرف يتزايد..”
"السلام ممكن. فمن يريد السلام يحققه. لكننا نسابق الزمن، لأن الوقت ليس في صالح عملية السلام في الشرق الأوسط."
كلمات الصحفي السويسري المعروف فيكتور كوخر رغم تفاؤلها الحذر، كانت واقعية، وعكست إلى حد كبير الرؤية التي سادت في المؤتمر السنوي لوزارة الخارجية حول الأمن الإنساني.
قد يبدو غريباً للمتابع للأحداث في منطقة الشرق الأوسط ذلك التفاؤل، الذي أبدته وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – راي خلال المؤتمر السنوي لوزارتها حول الأمن الإنساني، والذي خصصت فعالياته هذه المرة للسلام في الشرق الأوسط.
فالسيدة “الحديدية” مثلما يصفها البعض في برن، شددت مراراً يوم الاثنين 6 سبتمبر الجاري على أن السلام ليس “يوتوبيا”، مجددة ً مرة أخرى دعمها لمبادرة جنيف.
قالت ذلك رغم المؤشرات السلبية التي أطلقها بعض الصحافيين الغربيين العاملين في المنطقة، ومنهم الصحافي الألماني أورليخ تيلجنر الذي قال بلا مواربة “أنا لا أرى إمكانية للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على الأقل ليس على المدى القصير. فإمكانية السلام تتضاءل”.
ذلك التباين بين التوقعات السياسية وما هو قائم على أرض الواقع، دفع سويس إنفو إلى التوجه إلى الصحافي السويسري المعروف فيكتور كوخر، ومراسل صحيفة النويه تسورخر تسايتونغ (تصدر في زيورخ) الرصينة في الشرق الأوسط، والذي شارك في فعاليات المؤتمر، لتجري معه الحوار التالي:
سويس إنفو: وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – راي أعادت في مؤتمر الاثنين دعمها لمبادرة جنيف، قائلة إن السلام ليس يوتوبيا. ألا تعتقد أن الوقت قد فات على مبادرات السلام؟
فيكتور كوخر: والله، مبدئيا نوافق الوزيرة لأن السلام ممكن، والإنسان يريد سلام، وهناك إشارات واضحة من الطرفين أن أغلبية الشعب الإسرائيلي والفلسطيني تريد السلام. لكن طبعاً إذا نظرنا إلى مسرح القتال، وهذا الذي ذكره الصحفي أورليخ تيلجنير المتخصص في الشرق الأوسط (خلال المؤتمر)، هناك تيار متنامي مخيف للتطرف وللعنف، وهو قال في خطابه إن هناك سباقاً في الزمن بين مبادرات السلام والتطرف والعنف، وهو يخشى في الوقت الحالي – كما ذكرت أنت – أنه فعلاً: تنامي العنف واستعمال السلاح الثقيل، وأسلوب الإرهاب المركز على الأبرياء، قد خرب مناسبة السلام.
سويس إنفو: إذن هل تشاطر الصحفي الألماني أورليخ تيلجنير رأيه؟
فيكتور كوخر:أنا شخصياً أقول نحن نخطئ إذا قلنا إن هناك طرفين متساويين. لأن الذي نشاهده هو صراعات غير متساوية، يعني بين قوة عظمى، يا إما أمريكا وحلفاؤها، يا إما قوة إقليمية مثل إسرائيل، و(بين) محاربين من جماعات صغيرة، والجماعات الإسلامية، وجماعات مثل حماس، وكتائب شهداء الأقصى، ومن هذا القبيل، وهؤلاء ليسوا متساويين (مع) الدول والقوى العظمى. وأنا نظريتي الشخصية أنه طالما القوة أو الدولة المسيطرة على الساحة بشكل عام تريد أن تهيئ الساحة للسلام، فباستطاعتها ذلك. وأسوق لذلك برهان أن أمريكا صحيح احتلت العراق، ولكن فهمت أن عليها أن تسلم بعض السيطرة لحكومة عراقية، وبالفعل وبالرغم من أن الإرهاب مستمر وعنيف جداً، وأن أمريكا كل يوم تخسر من عساكرها في الساحة، بالرغم من كل ذلك، فقد جهزت ملفا تسميه استقلال وسيطرة، وهيئت حكومة ما، يعني ممثلين محترمين (من قبل) الشعب العراقي، وسلمت لهم هذه السيادة والسيطرة، وهذه مبادرة مهمة جداً.
سويس إنفو: إذن برأيك ما الذي يمكن أن يدفع إسرائيل، والولايات المتحدة، الوصول إلى تلك النقطة، أي الإقرار بأن هناك حاجة بالفعل إلى إيجاد حل؟
فيكتور كوخر: أظن أن هذا سيدفع كل دولة حتماً إلى فهم أن الحل بالقوة فقط وبالسيطرة العسكرية ليس مفيدا وليس ناجحا، لأن الحل هو برضى الشعب بالحال، ومن هنا نرجع إلى الإستراتيجية السويسرية للأمن الإنساني (Human Security)، أنه ليس هناك أي إمكانية للسلام إلا إذا كان المواطن بأمان وبخير.
سويس إنفو: تابعت يوم 6 سبتمبر المؤتمر السنوي لوزارة الخارجية حول الأمن الإنساني، هل تعتقد أن بإمكان سويسرا – في ظل التوازنات الدولية الحالية – لعب دور ما في تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟
فيكتور كوخر: طبعاً هناك دورٌ، وسويسرا فاعلة فيه، والذي هو كما شرحناه، وهو تأييد مبادرات شعبية للمجتمع المدني لإنشاء ثقة بالطرف المقابل، وليس فقط على مستوى الحكومات والوزراء، ولكن أيضاً بين الشعب وبين أفراد الشعب وبين المواطنين، وهذا مهم جداً. وهناك مبادرات مثلاً، ذكرت مبادرة جنيف، سويسرا تؤيد تنسيق حلقات حوار وعرض لهذا التفكير في المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني بشكل واسع، وهذا مهم جداً، بمعني إنشاء فهم بين المواطنين أن هناك أملا للسلام، وهناك ضرورة ثقة بالمقابل.
سويس إنفو: إذن المسألة في حاجة إلى وقت؟
فيكتور كوخر: المسألة في حاجة إلى وقت، وفي ذات الوقت إلى الاستعجال، لأن الساعة تدور والتطرف يتزايد، ويعرقل مثل هذه المبادرات الحميدة.
سويس إنفو: البعثة السويسرية في الاتحاد الأوروبي في بروكسيل ستعقد هذا الأسبوع اجتماعا يضم مبعوثين من أكثر من 40 دولة، للترويج للمبادرة، هل هذا يعكس إصراراً شخصياً من وزيرة الخارجية على لعب دورٍ دولي، أم أنه يجسد قناعة سويسرية حكومية؟
فيكتور كوخر: أنا لا أريد أن أناقض الحكومة السويسرية بشكل مباشر، ولكن نعرف أن السياسة بشكل عام فيها عنصر من ما يسمى Show Business (صناعة الفرجة). إذا كانت هناك شخصية سياسية لها شعبية، سيكون لها تأثير متنامي وجيد لدى الشعب، وستوصل رسالتها، ..، وأي مبادرة سياسية من دون نجومية (أو) من جاذبية ممثليها و(صانعيها) لن تنجح.
سويس إنفو: هل برأيك أنه سيأتي يوم تلتفت فيه الولايات المتحدة جدياً إلى مبادرة جنيف؟
فيكتور كوخر: .. أمريكا التفتت لمثل هذه المسائل من ذي قبل، لأن أساس عملية أوسلو هو نفس هذا الأساس، نفس مبادرة جنيف، فقط أن أمريكا في عملية أوسلو قد تركت للطرفين (عملية التفاوض)، ومع الأسف تبين أن الطرف الأقوى، الذي هو إسرائيل، أمسك هذه الفرصة لتغيير جوهر الاتفاقية المنشودة لصالحه، (وبسبب ذلك) فشلت المبادرة بكاملها. ومن هنا أتت الحركة التصحيحية لمبادرة جنيف: أنه يجب أن تكون (المفاوضات قائمة على) رزمة كاملة لكل عناصر السلام، رزمة واحدة ومتكاملة وغير منقسمة، وغير مرحلية، هذا هو التغيير، وهو ليس جوهريا ولكنه شكلي إلى درجة ما.
سويس إنفو: البعض يعتقد أن الحل الوحيد للنزاع هو في إنشاء دولة ديمقراطية واحدة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، تحت ظل ديمقراطية تعطي لكل شخص فيها حق التصويت. ما هو تعليقك؟
فيكتور كوخر: بالنسبة لي يبدو لي تصوراً يفرض نفسه على الساحة بالنظر إلى التطورات الحالية والسابقة. لأن الطروحات الإسرائيلية، وبالأخص لحكومة شارون، لتطورات وحلول ما يسمى بحلول للمشكلة، لا تبدو حقيقية ولا تبدو جدية، وهو ما يعني أن إسرائيل كأنها تريد كل الأرض بدون شعب فلسطيني. وهذا غير ممكن. ولكن هذا الطرح للدولة الوحيدة أظن أنه سيمثل خطراً على الدولة الإسرائيلية ذات الأغلبية اليهودية، وهذا المرغوب لدى اليهود، ولدى إسرائيل، ولدى قادة إسرائيل. ومن هنا، طرح الدولة الوحيدة المزدوجة يمثل عنصر ضغط متنام على القيادة الإسرائيلية، وأظن (أنه) يساعد في تحقيق حل الدولتين.
أجرت الحوار في برن إلهام مانع – سويس إنفو
المؤتمر السنوي لوزارة الخارجية حول الأمن الإنساني:
انعقد هذا العام يوم 6 سبتمبر في العاصمة الفدرالية برن.
أتخذ شعار “مساندة القوى المدنية للسلام في الشرق الأوسط”.
ترأسته وزيرة الخارجية، وشارك فيه خبراء وصحافيون وممثلو جمعيات مدنية.
اختتمت السيدة كالمي – راي فعالياته بالتأكيد على دعمها لمبادرة جنيف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.