السجون السرية والإنتهاكات في غوانتانامو.. هل يستمر التحقيق؟
بعد أن تطرقنا مع رئيسة فريق العمل المعني بالحبس التعسفي بالأمم المتحدة السيدة ليلى زروقي لوضع معتقلي غوانتانامو، نستعرض معها ما توصل اليه الفريق في تحقيقاته حول السجون السرية الأمريكية.
موضوع السجون ومراكز الاعتقال السرية التي أقامتها الولايات المتحدة في إطار حربها ضد الإرهاب، والتي تحوم شكوك حول تورط بعض الدول العربية فيها، ستكون محور اهتمام الفريق في المستقبل.
في الحلقة الأولى من هذا الحوار مع رئيسة فريق العمل المعني بالحبس التعسفي في الأمم المتحدة السيدة ليلى زروقي، كنا قد استعرضنا الاتهامات التي رفعها خمسة مقررين خاصين في إطار عمل مجلس حقوق الإنسان، ضد واشنطن بشأن كيفية معاملتها لمعتقلي جوانتانامو.
في الحلقة الثانية والأخيرة، نستعرض مع السيدة زروقي ما توصل إليه الخبراء في تحقيقهم حول السجون السرية التي عمدت الولايات المتحدة الى إقامتها لتمويه اعتقال أشخاص خارج القانون بتهمة الإشتباه في انتمائهم إلى جماعات إرهابية.
سويس إنفو: هناك شائعات متعاظمة، أدت بالإدارة الأمريكية الى الإعتراف بوجود سجون سرية، هل عالجتم هذا الموضوع أيضا ضمن تحقيقكم في موضوع غوانتانامو؟
ليلى زروقي: لقد رغبنا في البداية التطرق الى كل القضايا والتحقيق في وضع كل الأشخاص الموجودين رهن الاعتقال في كل الأماكن، لكن لما لمسنا أن هناك إمكانية تعامل من طرف الحكومة الأمريكية معنا من أجل زيارة غوانتانامو، قررنا تحديد تحرياتنا حول غوانتانامو أولا. لكننا ننتظر لمواصلة التحقيق فيما يتعلق بالسجون السرية.
وقد خصص فريق العمل الخاص بالحبس التعسفي جزءا من تقريره لهذه السنة للمعلومات التي وصلته عن الأشخاص الموجودين في السجون السرية وعن الانتهاكات التي تسببها هذه الطريقة من الاعتقال. وموضوع السجون السرية سيكون محل نقاش كبير في المستقبل و على مستوى الخبراء الخمسة بالطبع.
سويس إنفو: فيما يتعلق بهذه السجون السرية ما هي المعلومات المتوفرة لديكم؟ لا شك أنكم تعلمون أن السويسري ديك مارتي أجرى تحقيقا كلفته به الهيئة البرلمانية التابعة لمجلس أوروبا حول هذا الموضوع ثم اعترف الرئيس بوش بوجود تلك السجون..
ليلى زروقي: نحن كانت لدينا معلومات قبل أن تبدأ التحقيقات على مستوى المؤسسات في أوروبا او اعتراف الرئيس الأمريكي. فقد وصلتنا معلومات دقيقة تؤكد بأن السجون السرية موجودة، أولا، عندما استمعنا الى الأشخاص الذين خرجوا من غوانتانامو. فهؤلاء قبل وصولهم الى غوانتانامو، مروا على أماكن أخرى . وهؤلاء الأسرى لم يكونوا يعرفون بدقة أين توجد تلك السجون. لكنهم كانوا يحاولون تحديد الأماكن من خلال الخبز الذي كان يقدم لهم. فهناك من كان يحدد المكان على أنه في شرق افريقيا لأن الخبز المقدم يشبه الى حد كبير الخبز المتداول في الصومال او جيبوتي.
كما اننا في فريق العمل الخاص بالحبس التعسفي تلقينا شكايات فردية من أشخاص مروا على سجون سرية من بينهم اليمنيون الثلاثة الذين اعتقلوا لمدة حبس طويلة في السجون السرية ثم تم تحويلهم الى بلدهم اليمن وطلب منه إبقائهم في السجن . وقد تم الافراج عنهم بعد ان قرر فريق العمل المعني بالحبس التعسفي ان حبسهم كان تعسفيا. وهؤلاء كانوا أشخاصا عاديين كانوا في طريق العودة من اندونيسيا التي كانوا يقيمون فيها. وهؤلاء قالوا إنهم ألقي القبض عليهم وانهم قضوا في الأردن اكثر من 18 شهرا في سجون سرية.
وهناك معلومات من أشخاص استمع لهم فريق التحقيق تفيد بأنهم قضوا وقتا في بلد بارد جدا، وقيل أوروبا، وهناك من قال إن توقيفه تم في إفريقيا. وهناك من قال ان المحققين كانوا أمريكيين يتكلمون الإنجليزية وليس من أبناء البلد. طبعا هذه المعلومات تحتاج الى تدقيق لكي نقول أنها صحيحة.
وقد اتخذ الفريق العامل قرارات في هذا الإطار ولا يمكنني في الوقت الحالي الإفصاح عنها لأننا أرسلنا الى الحكومات المعنية وننتظر انتهاء مدة ثلاثة أسابيع حتى نتحدث للجمهور، لكن هناك أيضا معلومات مؤكدة، وقد أكد الرئيس الأمريكي نفسه ذلك عندما اعترف بأن هناك سجونا سرية.
سويس إنفو: وهل هناك دول عربية يشتبه في مشاركتها في عمليات السجون السرية؟
ليلى زروقي: هناك دول مذكورة لكن الشيء الذي تأكد لفريق العامل في قضية اليمنيين هو الأردن. وهناك معلومات قدمتها منظمات غير حكومية عن شخص قضى مدة في المغرب. وهناك معلومات وردت ولكن لا استطيع ان أؤكدها . وطبعا هناك قضية (المواطن الكندي من أصل لسوري، التحرير) عرعر في سوريا.
إذن هناك دول عربية مذكورة ولكن هناك دول افريقية وأيضا هناك ما يعرف بالبواخر الموجودة في أعالي البحار وبها أشخاص مسجونين.
وهناك أشخاص مسجونين في الولايات المتحدة إما بوصفهم “أعداء مقاتلون”، وهناك شخصان او ثلاثة يوجدون رهن اعتقال ليس في سجون سرية ولكن في عزلة تامة بدون اية امكانية زيارة او مكاتبة الأهل.
إذن هناك معلومات كثيرة تحتاج الى تحقيق وإلى مهمة واضحة من مجلس حقوق الإنسان في موضوع السجون السرية. ونحن في انتظار معرفة كيف سيتعامل مجلس حقوق الإنسان مع تقريرنا الأول، هل سيتخذ موقفا واضحا أم لا ؟
سويس إنفو: ما الذي تنتظرونه من مجلس حقوق الإنسان؟
ليلى زروقي: ننتظر بصراحة أن يكلفنا بمهمة تحقيق في مسالة السجون السرية وفي الانتهاكات في غوانتانامو.
سويس إنفو: عندما يقول السفير الأمريكي (لدى الأمم المتحدة في جنيف، التحرير) بأن هذا التقرير لا يرتكز على دلائل واضحة و صحيحة، كيف تردون على ذلك؟
ليلى زروقي: اجبنا في قاعة المجلس وقلنا بأن المعلومات التي ارتكزنا عليها هي معلومات مستمدة من وثائق رسمية تم رفع السرية عنها. قلنا أيضا إن المعنيين الذين استمعنا إليهم هم أشخاص مروا بهذه السجون وقضوا سنوات فيها. لذلك فإن المعلومات التي حصلنا عليها هي معلومات من مصادر أولية موثوقة.
طبعا نحن لا نأخذ كل ما يقال على أنه صحيح لكن لدينا الخبرة الكافية لكي نميز بين ما هو صحيح وغير صحيح. فالوثائق اتي اعتمدنا عليها هي وثائق رسمية أو وثائق مستخرجة من ملفات محامين تم رفع السرية عنها.
عندما قلنا إن هؤلاء الأشخاص من حقهم الطعن في شرعية اعتقالهم، قيل لنا أنكم مخطئون في تفسير القانون. اليوم المحكمة العليا الأمريكية أعطتنا الحق. ونفس الشيء عندما تحدثنا عن ممارسات تصل الى مستوى التعذيب، لم نعتمد فقط على أقوال المعنيين بل هي معلومات أخذناها من وثائق وقع عليها وزير الدفاع الأمريكي.
الرئيس الأمريكي جورج بوش تحدث عن معتقلين يجب التحقيق معهم. إذا ما نظرنا الى القانون الإنساني الدولي: فهو إذا كان لا يعارض إلقاء القبض على محاربين، فإنه لا يسمح باستنطاقهم. وعندما نشرع في عملية الاستنطاق فمعنى ذلك أننا دخلنا في ميدان الجريمة. وحتى في حال الجريمة فإن عملية الاستنطاق لها ضوابط وتحديدات تتطلب وجود محام للمتهم ومن حق المتهم التزام السكوت.
سويس إنفو: إذن في حالة هؤلاء المعتقلين لا تطبق لا قوانين الحرب ولا قوانين الجريمة؟
ليلى زروقي:نحن أولا قلنا ان الحرب ضد الإرهاب ليست حربا ولا نعتبرها كذلك إلا إذا كان الإرهاب في إطار حرب بالمفهوم التقليدي. أما إذا كانت هناك متابعة أشخاص لأنهم متورطين في جرائم الإرهاب، فنحن لا نقول أنه لا يحق إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم، بل نقول أن هناك ضوابط وأن هناك حقوقا لا يمكن إلغاؤها بدعوى أننا في حرب ضد الإرهاب كالحق في المحاكمة العادلة والحماية من التعذيب والحق في الطعن في شرعية الاحتباس لأنها حقوق ومبادئ أساسية. وقد اعترفت المحكمة العليا الأمريكية بذلك اليوم. ومن يريد ان يقارن بين ما تقوله الإدارة الأمريكية وما نقوله نحن ما عليه إلا الإطلاع على تقريرنا وينظر إلى الإسنادات التي توضح من أين استقينا المعلومات. لما فسرنا القانون الإنساني الدولي فسرناه استنادا الى اللجنة الدولية للصليب الأحمر واستنادا الى تفسير محكمة العدل الدولية ولجنة حقوق الإنسان التي تتكفل باتفاقية الحقوق المدنية والسياسية.
سويس إنفو: آخر التطورات في ملف غوانتانامو تبدي اتفاقا بين الرئاسة الأمريكية والديمقراطيين حول صيغة لمحاكمة المعتقلين فيه، كيف تنظرون أنتم لهذا الاتفاق؟
ليلى زروقي: طبعا نحن في تصريحنا الشفوي أمام مجلس حقوق الإنسان قلنا بأننا متخوفون من أن يتم سن قوانين تعطي الشرعية لما اعتبر غير شرعي من قبل المحكمة العليا الأمريكية. المحكمة العليا قالت ان السلطة التنفيذية ليس من حقها إنشاء محاكم. فإذا ما تم اللجوء للكونغرس للحصول على ترخيص لإقامة نفس المحاكم التي لا تتوفر على مبادئ المحاكمة العادلة، فإن هذا لن يغير شيئا من أن القانون الدولي منتهك.
فنحن نتمنى في حالة اعتبار ان هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم، ان تتم محاكمتهم طبقا لمبادئ المحاكمة العادلة. وإذا لم يرتكبوا جرائم فيجب الإفراج عنهم والأخذ بعين الإعتبار عدم إرسالهم الى دولهم لأنه – ربما – قد تنتهك حقوقهم هناك بتعريضهم للتعذيب او إعادة سجنهم بدون محاكمة عادلة وما إلى ذلك.
فالحكومة الأمريكية التي كانت السبب في إيجاد هذا المعتقل هي المطالبة بإيجاد حلول لهؤلاء الأشخاص وفقا للقانون الدولي ولالتزامات الولايات المتحدة ولما ينص عليه الدستور الأمريكي. واي انتهاك للقانون الدولي نحن لا نرضى به.
سويس إنفو: كانت هناك مخاوف من أن يتعرض عمل بعض المختصين من أمثالكم إلى التهميش داخل مجلس حقوق الإنسان الجديد. كيف كان رد الفعل داخل المجلس على تقريركم؟
ليلى زروقي: كان هناك اهتمام كبير داخل قاعة المجلس لما تم تقديم التقرير. فهناك تدخل للعديد من الدول البعض لأنه في خلاف مع أمريكا ويريد التشهير بالخروقات التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن هناك دول أخرى ليست في هذا الوضع تدخلت واعتبرت أن الوضع في غوانتانامو هو انتهاك للقانون الدولي ولحقوق الإنسان. كما ان منظمات المجتمع المدني ساندتنا كثيرا وكان هناك لقاء مع الصحافة وكان فيه تجاوب كبير مع الصحافة.
واعتقد بأنه يصعب القول بأننا غير مستقلين في هذا العمل لأننا أخذنا على عاتقنا كممثلين لمختلف مناطق العالم، القيام بهذا العمل خدمة لمصداقية الأمم المتحدة. لأنه من المهم جدا ألا ندين فقط الدول الصغيرة او الضعيفة بل ان ندين تلك الانتهاكات أيا كان مرتكبها سواء كان أكبر قوة عظمى في العالم أو أصغر الدول مثل جيبوتي او النيبال.
وإذا كنا ننتقد الدول على كيلها بمكيالين، فيجب علينا أن ندين الانتهاكات حيثما وقعت لأن ما يجري في غوانتانامو انتهاك خطير ولأن الحبس السري انتهاك خطير. فكون أن الولايات المتحدة هي المعنية بهذا المشكل يجب الا يمنعنا من قول الحقيقة وإعطاء مصداقية للأمم المتحدة وللمنظمات الدولية، لأن حديثنا غدا عن انتهاكات في دول صغيرة سوف لن يقابل بالقول لنا كيف أنكم التزمتم الصمت عندما تعلق الأمر بالولايات المتحدة أو روسيا أو الصين.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
السيدة ليلى زروقي (من الجزائر): رئيسة الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي.
السيد ليناردو ديسبوي (الأرجنتين): المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين
السيد مانفريد نوفاك (النمسا): المقرر الخاص المعني بمسالة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او المهينة.
السيدة أسماء جاهانغير (باكستان): المقررة الخاصة المعنية بحرية الدين والمعتقد.
السيد بول هونت (نيوزيلندا): المقرر الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية.
ينبغي لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية
– إما تقديم جميع المحتجزين في خليج غوانتتانامو للمحاكمة على وجه السرعة، امتثالا للفقرة 3 من المادة 9 والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أو إطلاق سراحهم من دون تأخير.
– أن تغلق مرافق الإحتجاز في خليج غوانتانامو من دون المزيد من التأخير.
-الإمتناع عن إبعاد أو إعادة أو تسليم المحتجزين في خليج غوانتانامو إلى دول توجد أسباب قوية تدعو إلى الإعتقاد بأعنهم سيواجهون فيها خطر التعرض إلى التعذيب.
– أن تكفل حق كل محتجز في تقديم شكوى بشأن المعاملة التي يتلقاها، والنظر في شكواه على وجه السرعة، أو بطريقة سرية إن طلب ذلك.
– أن تكفل قيام هيئة مستقلة بالتحقيق الدقيق في جميع ادعاءات التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وأن تكفل أن يُقدّم للعدالة جميع الأشخاص الذين اتضح أنهم ارتكبوا هذه الممارسات أو أمروا بها أو سمحوا بها أو غضوا الطرف عنها، إلى أعلى مستويات القيادة العسكرية والسياسية.
– أن تكفل التعويض العادل والمناسب لجميع ضحايا التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وذلك وفقا للمادة 14 من اتفاقية مناهضة التعذيب، بما في ذلك وسائل إعادة تأهيلهم على أكمل وجه ممكن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.