السرطان في العالم العربي بين تحديات “المسح الجيني” ودجل “التداوي الشعبي”
هل عرف انتشار مرض السرطان ارتفاعا أكثر في الدول النامية، وما هي الوسائل العلمية الحالية لاكتشاف وعلاج ناجع للمرض، وما هي الجهود لمبذولة في ليبيا وفي البلدان العربية، وهل يمكن اللجوء للطب الشعبي وطب الأعشاب لعلاج هذا المرض الخطير؟
هذه التساؤلات يجيب عنها الخبيران الليبيان الدكتور حسين الهادي الهاشمي، المدير التنفيذي للمعهد الإفريقي لعلاج الأورام، والدكتور محمد أحمد الفقيه، المدير التنفيذي للمعهد القومي لعلاج الأورام في مدينة مصراتة، على هامش مشاركتهم في فعاليات المؤتمر العالمي الثامن لمحاربة السرطان المنعقد حاليا في جنيف.
ما يميز الدورة الحالية للمؤتمر العالمي المنعقدة ما بين 27 و 31 أغسطس 2008، هو النداء الصادر في الجلسة الافتتاحية عن السويسري فرانكو كافالي، رئيس الاتحاد العالمي لمحاربة السرطان الذي دعا المجموعة الدولية إلى إعطاء أولوية لمحاربة السرطان مماثلة لتلك التي توليها لمحاربة انتشار مرض نقص المناعة المكتسب إيدز أو سيدا.
هذا النداء كان له صدى كبير بين الخبراء الـ 2500 المشاركين في المؤتمر للاطلاع على آخر ما تم التوصل إليه في مجال محاربة الأورام الخبيثة والاستفادة من خبرة الآخرين في مجالات الاستكشاف والعلاج والوقاية.
تحسن طرق استكشاف السرطان في الدول النامية
على العكس مما أثاره رئيس الاتحاد الدولي لمحاربة السرطان بخصوص ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان في الدول النامية، يرى الدكتور حسين الهادي الهاشمي أنه “من خلال الدراسات التي قدمت والإحصائيات نلاحظ أنه ليست هناك فرقات كبيرة بين ما هو موجود في البلدان النامية والمتقدمة بل بالعكس، نجد أن نسبة الأورام في الدول النامية وفي حالات معينة اقل بكثير من الدول المتقدمة”.
وعن تكاثر نسب انتشار السرطان في البلدان النامية بشكل واضح في الآونة الأخيرة وظهور احصائيات تؤكد ذلك يقول الدكتور الهاشمي “هذا ليس لأن فيه ارتفاعا في نسب الإصابة بل لأن طرق التشخيص في الدول النامية بدأت تتطور. بحيث كانت هناك أورام مخفية يمكن أن تؤدي الى الوفاة بدون أن يتعرض المصاب إلى تشخيص”.
ويستشهد المدير التنفيذي للمعهد الإفريقي لعلاج الأورام في ليبيا بما هو مسجل في الجماهيرية حيث يقول “لو نأخذ بعين الاعتبار الأرقام في ليبيا حيث قمنا بمسح سكاني للأورام وحيث وجدنا أن هناك أورام منتشرة بكثرة في الرجال مثل سرطان الرئة والقولون والبروستات ولكن مع ذلك تبقى النسبة اقل بكثير مما هو موجود في البلدان المتقدمة”.
وبالنسبة للأورام التي تصيب النساء ودائما حسب هذه الإحصائيات الليبية يضيف الدكتور الهاشمي “أكثر الأورام انتشارا لدى النساء هو سرطان الثدي ومع ذلك لو نقارن إحصائيات ليبيا مع بريطانيا نجد أن بريطانيا تعرف حالة إصابة من كل تسع حالات بينما تقدر بحالة إصابة لكل عشرين حالة في ليبيا”.
ويختتم الدكتور الهاشمي تعقيبه بقوله “وهذا دليل على أن الأورام في الدول النامية أقل بكثير مما هو مسجل في الدول المتقدمة وهذا لعدة أسباب مثل انتشار التدخين وتلوث البيئة والازدحام السكاني وكثرة العناصر الكيميائية في الدول المتقدمة”، ولو أن بعضا من هذه المسببات بدأت تتعاظم أيضا في الدول النامية مثل التدخين.
وإذا ما نظرنا الى ترتيب الأورام سواء لدى الرجال أو النساء حسب نسبة الانتشار نجد عند الرجال سرطان الرئة في المقدمة، ثم القولون ثم البروستات ثم الأورام اللمفاوية واللوكيميا وبالنسبة للنساء فإن أكثر الأورام انتشارا هو سرطان الثدي ثم القولون ثم اللمفوما واللوكيميا.
النجاعة في علاج متكامل
تأتي مشاركة المئات من أبرز الخبراء الدوليين في مثل هذه المؤتمرات في سياق التعرف على آخر التطبيقات المسجلة في الدول المتقدمة في مجالات الاكتشاف والعلاج والوقاية. وتؤكد الدراسات التي تم تداولها في مؤتمر جنيف مرة أخرى أن المواجهة الناجعة لمرض السرطان تتطلب متابعة طويلة الأمد وعلاجا مكلفا يبدأ من التشخيص الى المتابعة الى العلاج وما بعد العلاج.
وعن آخر أساليب العلاج الناجعة، يقول الدكتور محمد أحمد الفقيه المدير التنفيذي للمعهد القومي لمعالجة الأورام في مصراتة “عرفت أساليب علاج السرطان تطورا سريعا ومتنوعا يتراوح ما بين العلاج الجراحي والعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي والعلاج النفسي والعلاج الهرموني. وهناك تنافس كبير بين الشركات في الدول المتقدمة لاستكشاف الجديد في مختلف هذه العلاجات”.
وإذا كان الدكتور الفقيه يرى أن ما هو متوفر على مستوى العلاج في الدول العربية يواكب إلى حد ما ما هو موجود في الدول المتقدمة، ويشير إلى أن هناك دولا مثل ليبيا توفر الأدوية الكيماوية بنفس المستوى المتاح في الدول المتقدمة على اعتبار أن الدولة توفر العلاج المجاني لكل مريض، فإنه يحذر من أن علاج السرطان “لا يقتصر فقط على العلاج الكيماوي بل هو علاج تكاثفي أو جماعي يتطلب أيضا الإشعاعي والهرموني والنفسي وهذا التنسيق بين مختلف العلاجات هو الذي ينقصنا في الدول العربية”، ويضيف “هذا التنسيق بين مختلف طرق علاج السرطان هي التي نحاول اكتسابها من خلال حضورنا لمثل هذه المؤتمرات والوقوف على آخر المستجدات”.
نقص في الأبحاث في العالم العربي
إذا كانت الأدوية متوفرة في أغلب الدول العربية، والساهرون على العلاج متوفرون في العالم العربي فإن الدكتور محمد يرى أن أكثر ما يفتقر إليه العالم العربي يتمثل في “الأبحاث لأنها تحتاج الى تمويل والى قدرات بشرية ومصادر للمعلومات” ويشدد قائلا “على الدول العربية ووزارات المالية تخصيص الميزانية الضرورية للبحث العلمي الذي نعاني منه رغم وجود المادة العلمية ووجود الأشخاص القادرين على القيام به. ومعظم الأبحاث التي عرضها العالم العربي حتى في هذا المؤتمر هي أبحاث تحليلية أكثر منها أبحاث علمية أو اكتشافات أو تجارب”.
وتتمثل نقطة قوة الدول الغربية الرئيسية في مجال البحث العلمي في أنها فتحت هذا المجال للشركات الخاصة الأمر الذي يسمح بتوفير الأموال الضرورية للقيام بها. ويرى الدكتور الفقيه أن “الدول العربية لو انتهجت نفس النهج وتخلت عن احتكار القطاع العمومي لمجال البحث العلمي وتم الانفتاح على الشركات الخاصة، لتم تذليل الصعوبات التي يواجهها ميدان البحث العلمي وأن أكثر من سيستفيد هو المواطن العربي”.
الاستكشاف الجيني من وسائل الوقاية… لكنه مكلف
عند الحديث عن أي مرض، سرعان ما تثار مسالة الوقاية. فهل يمكن للوقاية أن تكون ناجعة في مجال محاربة السرطان؟ تساؤل طرحناه على الدكتور محمد أحمد الفقيه الذي ذكّر بأن
“ما يلفت الانتباه فيما عرض لحد الآن في هذا المؤتمر في جنيف هو التركيز على حملات التوعية للجمهور أكثر منها على الجانب العلاجي وهذا بصراحة نعتبره هو الأساس في مجال الوقاية من السرطان. إذ عادة ما تركز بعض المؤتمرات العلمية التي شاهدناها في أمريكا أو إسبانيا أو ألمانيا على الجانب العلمي أو الجيني الذي تحدثنا عنه” وأضاف “بالنسبة لنا كدول عربية أرى ان جانب التوعية أنسب، ولكن هذا الجانب مفقود عندنا أكثر”.
وعن الأساليب المستخدمة للوقاية من الإصابة بمرض السرطان، يشير الدكتور الفقيه إلى أن “الوقاية قد تكون بالمسح الجيني للأسرة أو بالتركز على النمط الغذائي والنمط السلوكي. وهناك بعض الأمراض مثل القولون والثدي وسرطان الرئة تم التعرف على السلوك الجيني لبعضها وتم التأكيد على استكشاف الأورام حتى قبل حدوثها”.
ولكن الدكتور الفقيه يعترف في المقابل بأن “عملية الاستكشاف الجيني من الأشياء المكلفة جدا والتي تنقصنا في العالم العربي لأنها هي الطريقة التي تسمح بتحليل أوضاع الأسر واستكشاف الأسر التي لديها قابلية للإصابة بهذه الأمراض”.
ومن وسائل الوقاية الأخرى تثقيف المجتمع بالقيام بحملات ضد مضار التدخين وبمزايا السلوك الغذائي او النفسي. ويرى الدكتور الفقيه أن “الاتحاد العالمي لمحاربة السرطان يصرف أموالا طائلة لعملية التثقيف والوقاية من أمراض يمكن تفاديها مثل سرطان الرئة وسرطان الدم أو انواع السرطان المترتبة عن التلوث أو عن طريق السلوك النفسي غير الصحيح”.
وفي هذا السياق يرى زميله الدكتور حسين الهادي الهاشمي أن “ليبيا كباقي الدول العربية تقوم بحملات لمحاربة التدخين، كما خصصت يوما لمحاربة التدخين، تتم فيه توعية المواطن لمضار التدخين سواء فيما يتعلق بالسرطان أو باقي الأمراض الأخرى مثل القلب والأوعية الدموية”.
ويضيف بأن عملية التثقيف والتوعية في ليبيا “تتخذ عدة أشكال ولا تستهدف التدخين فقط، بحيث قام المعهد الافريقي لعلاج الأورام بزيارات عديدة للجامعات والمدارس الثانوية لتوعية العنصر النسائي بكيفية الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي. لأن المريض عندما يأتي في مرحلة متقدمة لا يمكن التغلب على هذا الورم”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
في عام 2007، أشارت التقديرات إلى أن 7،6 مليون شخص توفوا بسبب مرض السرطان في العالم وإلى أن عدد الإصابات الجديدة فاق 12 مليون.
إذا لم تحدث تغييرات على الوضع الحالي، فإن العدد السنوي للوفيات قد يرتفع إلى 11،5 مليون شخص وحجم الإصابات الجديدة إلى 16 مليون.
ظهرت أخيرا في العالم العربي موجة اللجوء بكثرة الى الطب الشعبي أو التداوي بالأعشاب أو الطب البديل وهذا في أغلب الأحيان بدافع تراجع القدرة الشرائية وغلاء الأدوية الكيماوية. وإذا كان هذا النوع من العلاج قد خفف في حال بعض الأمراض، فهل يمكن القول أنه يمكن اللجوء إليه في حالة الإصابة بالسرطان؟
عن هذا التساؤل يجيب الخبيران الليبيان بابتسامة معبرة قبل أن يصفه الدكتور محمد أحمد الفقيه بـ “الدجل الذي نعاني منه في العالم العربي والذي يجب على حملات التوعية والتثقيف ان تواجهه”.
ويرى الدكتور الفقيه أن “مرض السرطان يتطلب تضافر جهود العديد من الأخصائيين وأنا كجراح لا يمكنني لوحدي معالجة المريض لأن ذلك يتطلب إعداد أخصائي الجراحة وأخصائي الأشعة وأخصائي الدم وأخصائي الأورام كعلاج هروموني وعلاج كيماوي وإشعاعي ونفسي”.
أما عن سبب لجوء الكثير من الناس الى هذا النوع من العلاج، فيعزوه الدكتور الفقيه إلى “النقص في التوعية في البلدان النامية والعالم العربي في المجال الصحي مما يدفع الغالبية الى البحث عن أسهل الطرق وارخص الطرق واللجوء للوصفات الشعبية والتداوي بالأعشاب.
فالعالم العربي يعتبر بشكل عام عالما روحانيا لكن المشكلة تواجهنا في مجال علاج الأورام بحيث نجد أناسا يدعون بالقدرة على علاج الأورام بالأعشاب وبالثعابين. وهناك البعض منهم، سامحهم الله أطلقوا قنوات فضائية ويدعون أنه بإمكانهم معالجة الأورام وهذا مع الأسف يعتبر دجلا وكذبا على صحة المريض مما يؤدي الى تأخر اكتشاف الحالة المرضية للمريض. إذ بدل ان يأتي المريض الى الطبيب في المرحلة الأولى يأتيه في المرحلة الثالثة أو الرابعة” .
ويقول الدكتور الفقيه “الدول المتقدمة تصرف المليارات في الأبحاث العلمية وعلى الجينات وما إلى ذلك، وعندنا يأتيك واحد يعطيك وصفة عبر الهاتف، بألف دولار، ويقول لك حولها لمصرف في عمان او في مكان آخر معتبرا أنك ستتشافى خلال أسبوع أو أسبوعين. ويُدخل في ذلك الجانب الفقهي والجانب الديني على اعتبار أن المسلمين والعرب يؤمنون بالتداوي بالروحانيات. هذا جانب من العلاج وليس كل العلاج لأنني كما قلت الإنسان المهيأ نفسيا يكون علاجه أسهل بكثير لكن لا يمكن أن يكون هذا كل العلاج. وهذا ما قلت عنه أننا نركز على جانب ونهمل الجوانب الأخرى من العلاج . فلا يمكن التركيز على الجراحة فقط أو الروحانية فقط او الكيماوي فقط بل يجب التنسيق بين الكل”.
ويضيف زميله الدكتور حسين الهادي الهاشمي “مش معقول أن يعطيك شخص وصفة واحدة تداوي السرطان ومرض السكر وداء الكبد الوبائي إذا كان العلاج بهذه البساطة فليس هناك داع لهذه الشركات التي تدير الأبحاث التي تكلف المليارات. للأسف أن هؤلاء الأشخاص هدفهم هو الكسب والإنسانية بعيدة عنهم كل البعد. ونأسف لهذا النمط من العلاج الذي هو غير شريف”.
يتم تنظيم مؤتمر محاربة السرطان كل سنتين من قبل الاتحاد العالمي لمحاربة السرطان
دورة العام 2008 في جنيف استمرت من 27 الى 31 أغسطس بحضور 2500 خبير في مجال السرطان من مختلف أنحاء العالم. وحضر الافتتاح كل من رئيس الكنفدرالية السويسرية باسكال كوشبان ورئيس اوروغواي تاباري فاسكيز والمديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية مارغااريت شان .
واشتمل برنامج المؤتمر على تقديم الدراسات الحديثة المتعلقة بسرطان الرحم ونتائج دراسة مقارنة دولية حول معرفة الجمهور بمخاطر الإصابة بالسرطان.
أما البرنامج العلمي فقد ركز على خمسة مواضيع من بينها محاربة التدخين.
وعلى هامس المؤتمر تم تنظيم مهجران للفيلم تم خلاله عرض 33 فيلما من 16 بلدا تدور أحداثها كلها حول مرض السرطان.
من بين الأفلام المشاركة في المسابقة فيلم ” فري هيلد” الذي فاز بجائزة أوسكار لأحسن فيلم قصير في العام
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.