السلام في السودان أمام مفترق طرق
بدأت يوم الخميس الجولة الثالثة من محادثات السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في ضاحية "كارن" الكينية القريبة من العاصمة نيروبي.
وتسعى الجهات الوسيطة في هذه المفاوضات إلى تحقيق تقدم ملموس في النقاط التي لا زالت محل خلاف بين الطرفين.
تأتي الجولة الجديدة متأخرة عن موعدها 17 يوما، حيث كان الوسيط الكيني الجنرال لازاراس سيبمويو قد أتفق مع طرفي النزاع في ختام الجولة السابقة في 18 نوفمبر من العام الماضي، علي استئنافها في 5 يناير الحالي.
لكن دعوة الوسيط لعقد جلسة تفاوض حول المناطق المهمشة الثلاث “جبال النوبة وابيي وجنوب النيل الازرق” في ذات الموعد أدت إلى نشوب أزمة، حيث أعلنت الخرطوم مقاطعة الجلسة لتجاوز الوسيط للتفويض الممنوح له، الأمر الذي اضطر المبعوث الرئاسي الأمريكي جون دانفورث إلى التدخل لحل الإشكال.
وتحولت جلسات المفاوضات الي ورشة ليس لها توصيات وغير ملزمة للطرفين اختتمت يوم الثلاثاء الماضي، بعد ثلاثة أيام طرح فيها خبراء غربيون رؤيتهم لمعالجة قضايا المناطق المتنازع عليها.
وتقاطعت مواقف طرفي النزاع إزاء المفاوضات، ففيما تري الحكومة أن مشكلاتها مرتبطة بالتنمية وتقوية النسيج الاجتماعي، فإن الحركة تعتقد ان القضايا التي لها صلة بأزمة الحكم والتهميش السياسي والاقتصادي والثقافي هي الاجدر بالنقاش، ودعت إلي إعادة هيكلة الحكم واعتماد التعددية الدينية والاثنية، مع إيجاد آلية تحدد رغبة مواطني تلك المناطق بين الوحدة أو الانفصال.
وتم الاتفاق علي معالجة قضايا هذه المناطق قبل إقرار اتفاق سلام نهائي نسبة لمتاخمتها للجنوب وارتباط الترتيبات الامنية والعسكرية في المنطقتين .
مواقف متقاطعة
لقد حسمت جولة التفاوض الاولي بين الحكومة والحركة الشعبية – في ضاحية مشاكوس الكينية – قضايا مهمة، ظلت مثار خلاف منذ بداية النزاع المسلح والحرب الاهلية قبل نحو 20 عاما، حيث وقع الطرفان برتوكولا في 20 يوليو من العام الماضي يتضمن إتفاقا علي منح الجنوب السوداني حق تقرير المصير بين الوحدة والانفصال بعد فترة انتقالية مدتها ست سنوات، ومعالجة قضية الدين والدولة ومنح الجنوب حكماً ذاتياً أثناء تلك الفترة الانتقالية.
ولم تحقق جولة التفاوض الثانية التي اختتمت في 18 نوفمبر تقدماً في القضايا التي طرحت للنقاش والتي شملت اقتسام السلطة والثروة. لكن الطرفين اتفقا علي تمديد وقف إطلاق النار لمدة ثلاث اشهر، أي حتى نهاية مارس المقبل.
وتبادل الطرفان غير ما مرة اتهامات بخرق الهدنة، خصوصاً في المناطق الغنية بالنفط في جنوب البلاد، واقنع المبعوث الرئاسي الامريكي للسلام الرئيس عمر البشير والعقيد جون قرنق الذين التقاهما الاسبوع الماضي في الخرطوم ونيروبي، علي نشر قوات دولية للتحقق من الالتزام بوقف النار.
وعلى مدى الأسابيع الخمسة المقبلة، ستناقش المفاوضات اقتسام السلطة وتشمل: رئاسة الجمهورية وتمثيل الجنوبيين فيها وفي الحكومة الاتحادية والخدمة المدنية والبرلمان، حيث تطالب الحركة بمنصب النائب الاول للرئيس بصلاحيات موسعة، وان يكون له حق النقض”الفيتو” في القرارات التي يتخذها الرئيس.
كما تطالب بـ 50 % من مقاعد مجلس الوزراء، ومنها وزارات سيادية، و40 % في الخدمة المدنية والبرلمان، لكن الحكومة تري أن مطالب الحركة غير موضوعية وغير عادلة، وتقترح أن يكون للرئيس نائبين، الاول لشؤون مجلس الوزراء.
ولا تمانع الحكومة في منح الجنوبيين منصب نائب للرئيس يكون مسؤولا عن شؤون الجنوب، كما تقترح منحهم 20 % من الخدمة المدنية ومقاعد البرلمان، أو الاحتكام إلي إحصاء لقياس وزن الجنوب الحقيقي وفق عدد سكانه.
كما تطالب الحركة باقتسام عائدات النفط مع الشمال، وان تكون ملكية الارض وما تحتها لسكانها، وتطالب أيضاً بمنحها الحق في انشاء بنك مركزي في الجنوب وعملة خاصة بها أثناء تلك الفترة الانتقالية، وهو الامر الذي ترفضه الحكومة التي تقترح منح الجنوب 20 % من عائدات النفط، وان تكون الثروات الاخري قومية وتري أن البنك المركزي والعملة من مظاهر السيادة، وترى أن مطالبة الحركة بها يحمل علي الاعتقاد أنها تفكر في خطوة انفصالية مستقبلا.
ضغوط أمريكية ومحفزات أوروبية
يبدو أن رعاة محادثات السلام قد سئموا استمرار الحرب الأهلية والتقدم البطيء في المفاوضات. فقد أعلن المبعوث الأمريكي نهاية الأسبوع الماضي في الخرطوم أن فرص السلام باتت محدودة، وأن الثلاثة اشهر المقبلة ستكون حاسمة، حيث سيكون الرئيس جورج بوش مطالبا في نهايتها بتقديم تقرير الي الكونجرس عن تطور السلام في السودان طبقا لما ينص عليه “قانون سلام السودان” الذي أصدره الكونجرس في أكتوبر الماضي ووقعه بوش.
وينص هذا القانون علي فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية علي الحكومة، بينما يمنح الجنوبيين المتمردين 300 مليون دولار علي مدى ثلاث سنوات، إذا لم تحرز عملية السلام تقدما بعد ستة اشهر تنتهي في مارس المقبل، الأمر الذي اعتبرته الخرطوم ضغوطا عليها غير عادلة لأن القانون لا يعاقب الطرف الآخر.
وفي المقابل طرحت المفوضية الأوربية أخيرا محفزات للسلام، حيث أعلنت أنها ستشرع في رفع الحظر عن مستحقات السودان المجمدة بموجب اتفاقية كوتونو واستحقاقاته السابقة بموجب صندوق التنمية الاوروبي والتي تبلغ 407 مليون دولار. كما وعدت المفوضية بانفاق مليار دولار في مشروعات تنموية بعد إقرار اتفاق السلام النهائي وتمويل مشروعات تساعد علي تحقيق الهدوء والأمن وبناء الثقة.
وبدا أن التحرك الغربي الكثيف وضغوطه علي الخرطوم دفع الدول العربية إلي اتخاذ خطوات نحو السودان، الذي شهد الأسبوع الماضي اجتماعا وزاريا عربيا وزيارة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي. حيث عبر الوزراء عن قلقهم من دعاوى انفصال الجنوب وأعلنوا عن مساندتهم لوحدة البلاد.
وقد عينت الجامعة العربية وزيرة البيئة المصرية السابقة نادية مكرم عبيد مبعوثاً للسلام في السودان، لكن يسود اعتقاد علي نطاق واسع أن الظروف الإقليمية والدولية والموقف العربي عموماً، لن يجعل التحرك العربي ذا اثر، الأمر الذي يرشح أن يكون الموقف الغربي وخصوصا الأمريكي هو الحاسم في النهاية.
النور احمد النور – الخرطوم
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.