السلطات اليمنية والقاعدة.. من الاحتواء إلى المواجهة!
في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات اليمنية عن اعتقال المزيد من من المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة في البلاد، يرى مراقبون أن صنعاء انتقلت في الآونة الأخيرة من سياسة الاحتواء والتّـرغيب، التي اتبعتها مع الجيل الأول من أعضاء القاعدة، إلى سياسة المواجهة بل محاولة الإستئصال.
في دلالة على خطوات تصعيد مُـحتملة بين تنظيم القاعدة والسلطات اليمنية، حمّـلت (قاعدة الجهاد في اليمن) بشدّة على ما أسمته بقوات الرِدّة والكُـفر في اليمن – أجهزة الأمن – وتوعّـدت في بيان لها نُـشر يوم الأربعاء 20 أغسطس على موقع “شبكة الإخلاص الإسلامية”، التي عادة ما تنشر بيانات “القاعدة”، بالانتقام لأحد قادتها الميدانيين حمزة القعيطي، الذي سقط قتيلا مع أربعة من رِفاقه بمواجهات مع قوات الأمن في مدينة تريم، بمحافظة حضرموت يوم 11 أغسطس الجاري.
ويأتي التّـصعيد بين السلطات وتنظيم قاعدة اليمن، استمرارا لمنحى جديد في المواجهات، بدأت معالِـمه تتشكّـل خلال الفترة الأخيرة، ومن أبرز ملامحه أن صِـراع هذه الجماعة مع السلطات اليمنية، أصبح يحتلّ أولوية في تحرّكاتها ونشاطها من خلال تكثيفها من العمليات الموجّـهة لأهداف يمنية، ليس من بينها مصالح غربية كما العادة.
فالعمليات، سواء منها المنفذة أو التي أحبطتها قوات الأمن، كانت موجهة لمصالح يمنية صرفة: مصافي تكرير النفط ومعسكر الأمن العام في سيئون ودوريات شرطة ومصالح حيوية داخل اليمن والسعودية، وتزامنت مع ارتفاع وتيرة انتقاد شديدة وتهديد ووعيد من قِـبل من يطلِـقون على أنفسهم “تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة” و”كتيبة جند التوحيد”.
فهذه الجماعات ارتفعت نَـبرة انتقاداتها لما تقول إنه ملاحقة لأعضائها ممّـن تسميهم بـ “المجاهدين”، أسفرت عن الزَّج بالآلاف منهم في السجون، وِفق ما تبثّـه أشرطتها التسجيلية وبياناتها المنشورة على بعض مواقع الإنترنت.
من الترغيب إلى المواجهة
طِـبقا لكل تلك المؤشرات، يرى المراقبون أن صنعاء انتقلت حاليا من سياسة الاحتواء والتّـرغيب، التي اتبعتها مع الجيل الأول من أعضاء القاعدة، إلى سياسة المواجهة، لاسيما بعد أن تعرّضت الوسائل التي اتّـبعتها لانتقادات شديدة من قِـبل الشريك الأول في مكافحة الإرهاب، الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الجارة السعودية، والتي وصلت إلى حدّ التحذير من أن تتحوّل اليمن إلى مِـنصّـة انطلاق لعمليات القاعدة ضدّ المصالح الأمريكية والغربية في بلدان الخليج وشبه الجزيرة العربية، وهو ما تخشاه أعلى مراكز صُـنع القرار في الإدارة الأمريكية.
فقد جاء في تقرير لخبير مُـكافحة الإرهاب الأمريكي مايكل شوير نُشر في شهر فبراير الماضي، أن للقاعدة في تحرّكاتها المستقبلية “رؤية إستراتيجية، تسعى من خلالها إلى إقامة معسكر لها في اليمن، سيمثل قاعدة مركزية حيوية”، مستنداً بذلك إلى تحليلات خُـبراء حرب العِـصابات والحرب اللامتماثلة، والتي تقول بأن اليمن “تُـمثل وفقاً لكل الحسابات، البلد الأفضل والأمثل لنشاط هذا النوع من الحروب”.
ويرى الكاتب محمد حيدر في حديث مع سويس انفو، أن مثل تلك المخاوف لها ما يُـبررها لدى الكثيرين قائلا: “الحقيقة، أن أهمية اليمن راسخة في (تفكير) القاعدة منذ زمن ليس بالقصير، ورغم أن البعض يربط أهمية اليمن لدى القاعدة بأصول “أسامة بن لادن” الحضرمية، إلا أن هذه تبقى مسألة رمزية فحسب”.
ويضيف: “فالتيار السلفي – الجهادي، بمختلف تلويناته عموماً، وتنظيم “القاعدة” بوجه خاص، يمتلك رؤية جيو سياسية خاصة لليمن، لعلّ أفضل من عبّـر عنها، أحد أهم منظِّـري التيار والمعتقل في باكستان حالياً، “عمر عبد الحكيم”، المعروف بـ “أبي مصعب السوري”، الذي كتب في عام 1999 كتاباً صغيراً بعنوان “مسؤولية أهل اليمن تُـجاه مقدّسات المسلمين وثرواتهم”، أبرز فيه تلك الرؤية، فأشار إلى أن العامل الديموغرافي في اليمن والمرتبط بالشكيمة اليمنية والفقر في آن معاً، إضافة إلى العامل الجغرافي المرتبط بما تتميّـز به اليمن من طبيعة جبلية حصينة، “تجعل منها القلعة الطبيعية المنِـيعة لكافة أهل الجزيرة، بل لكافة الشرق الأوسط، فهي المعقل الذي يمكن أن يأوي إليه أهلها ومجاهدوها”.
سياسة الترهيب والترغيب
على خلفية هذه المخاوف، ما فتئت واشنطن تبدي عدم رضاها عن مسار مكافحة الإرهاب في اليمن ووصل عدم الرضا ذلك إلى حدّ ممارساتها ضغوط قوية على صنعاء، حملتها على ما يبدو على تكثيف ملاحقاتها للقاعدة، وترتب على ذلك الدخول في مرحلة جديدة من مواجهة مختلفة، خاصة بعد ظهور بوادر تحالُـف بين فرع تنظيم القاعدة اليمني مع السعودي، وِفقا لما كشفته التحقيقات مع المقبوض عليهم مؤخرا في مدينة تريم، الذين أدلوا بمعلومات أفشلت تنفيذ هجمات على أهداف حيوية في كل من اليمن والسعودية.
وحول هذه المرحلة الجديدة للمواجهات بين السلطات اليمنية والقاعدة قال لسويس انفو الأستاذ عايش عواس، الباحث في الحركات الإسلامية ومكافحة الإرهاب بمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية: “التطورات الأخيرة تُـشير في حقيقة الأمر إلى أن المواجهة بين الحكومة اليمنية والقاعدة مرشّـحة للدخول في حِـقبة جديدة، يُـتوقّـع أن تتَّـسم بطابَـع الحدّة والعُـنف، على الأقل في المدى القريب والمتوسط”، ويدعم ذلك حسب عواس، ثلاثة مؤشرات أساسية: أولها، صعوبة احتواء القاعدة في الوقت الراهن، مستطردا بقوله “صحيح أن السلطات اليمنية عبر سياسة الترهيب والترغيب التي اتبعتها في الفترة الماضية، نجحت في ترويض مُـعظم قيادات وعناصر القاعدة، لكن تحقيق ذلك حاليا يبدو أمرا صعبا. فخلال السنتين الأخيرتين، أظهرت الوقائع تشكيل جيل جديد من تنظيم القاعدة، يحمل توجّـهات رافضة للمهادنة والتفاوض مع الحكومة، إلى درجة يصعُـب معها التكهّـن بإمكانية احتوائه”.
المؤشر الثاني: مرتبط بتغيّـر نظرة القاعدة للنظام. فقد أصبح تنظيم القاعدة في الوقت الراهن، طِـبقا لتصريحات قياداته في الداخل والخارج، ينظر إلى النظام بأنه غير شرعي، كونه موالي إلى الغرب، ومن ثَـم يري التنظيم ضرورة مواجهته والعمل على إسقاطه.
أما المؤشر الثالث، كما يسرده عواس هو: أن نشاط القاعدة في هذه المرحلة لم يعُـد موجّـها فقط ضدّ مصالح الدول الغربية ورعاياها، وإنما امتدّ ليَـطال أهداف محلية.
مواجهات مفتوحة واحتقان داخلي
ويعلّـق خبير مكافحة الإرهاب على ذلك بقوله: “كل المعطيات سالِـفة الذِّكر تؤكِّـد بصورة أو بأخرى أن المواجهة في المرحلة القادمة ستكون مفتوحة، خصوصا في ظلِّ تزايُـد الضغوط الخارجية على الحكومة اليمنية بضرورة تبنيها إجراءات حازمة في مكافحة الإرهاب، وتواتر المعلومات التي تفيد أن القاعدة، بعد التضييق على عناصرها في الدول المجاورة، قرّرت في السنوات الأخيرة نقل نشاطها إلى اليمن”.
ويضيف الأستاذ عايش عواس أنه “لا يجب أن ننسى بهذا الصدد أيضا، أن تسرّب مقاتلي القاعدة إلى ساحات المواجهة في العراق والقرن الإفريقي، وقبلها في أفغانستان، ربما كان يشكل متنفّـسا لهؤلاء المقاتلين لتفريغ طاقاتهم خارج البلد، غير أن تشديد الرقابة المحلية والدولية على تحركاتهم قد يؤدّي إلى مضاعفة حالة الاحتقان الداخلي”.
ويخلص الباحث في الحركات الإسلامية ومكافحة الإرهاب بمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية إلى القول: “المواجهة بين الحكومة اليمنية والقاعدة في المرحلة القادمة، تُـعد أقرب الاحتمالات، لكن السؤال المطروح هنا يدور حول مَـداها الزمني وما إذا كانت الحكومة قادرة على حسم المواجهة قريبا أم أن الأمر يتطلّـب وقتا أطول؟ باعتقادي الشخصي، مكافحة الإرهاب في بلد مثل اليمن، ليست مسألة صعبة. فالإرهاب من حيث المبدأ، ظاهرة وافدة، وبالتالي، فليس له جذور عميقة في المجتمع، بحيث يصعب مكافحته”.
لكن بالمقابل، يرى الكاتب محمد حيدر عكس ذلك موضِّـحا بقوله: “إن تنظيم القاعدة الإرهابي يجِـد في اليمن بيئة ملائمة لنشاطه، فهو بلد فقير وتتجذر فيه الروح القبلية والدّينية المحافظة بقوة، وله طبيعة جبلية وعرة وحدود مفتوحة ونمو سكاني مرتفع، كل ذلك يوفر بيئة ملائمة قابلة للاستغلال الفكري والتنظيمي تمكن من إدارة حملة منظمة للتعبئة والحشد العقائدي المسيس، لاسيما وسط الشباب، الشريحة الاجتماعية الأوسع”.
.. دوّامة عنيفة!
الخلاصة، أن اليمن يواجه تحدِّيا جديدا مع تنظيم القاعدة، الذي جلب لهذا البلد المتاعِـب بتوجيه ضربات قاتلة للاقتصاد الوطني عامة، وللقطاع السياحي على وجه الخصوص، وهو حاليا أمام منعطَـف حرِج، إما أنه سييضع حدّا لهذا الإشكال أو سيدخل في دوامة جديدة من المواجهات مع جماعات تُـراهن على أن تكون اليمن منطلقها لدولة الخلافة التي تريد، لكن الخِـشية في أن تطول مدّة الحسم أو من أن تتحول اليمن إلى ساحة لمواجهة وتجميع ما يسمى بالإرهاب، تحت ذرائع لا تخرجه من دوامته هذه، التي تبدو بكل مؤشراتها أنها ستكون دوامة عنيفة، خاصة وهي في مواجهة جيل جديد من القاعدة يرفُـض الحوار وينزع الشرعية عن الدولة، مصنفا لها في “فئة المرتدّين والكَـفَـرة”، كما جاء في بيانها الأخير.
ومع أن كل المؤشرات تقول إن السلطات اليمنية عازمة على حسم ملف القاعدة الشائك بالقوة هذه المرة، بدلا من سياسية الاحتواء والإدماج، التي اعتادت عليها في الماضي، إلا أن نجاح ذلك يتوقّـف على ما إذا كانت قد أعدّت العُـدّة لهذه المرحلة الجديدة، أما إذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن مصاعب كثيرة ستعترض هذه المهمّـة وستجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات.
عبد الكريم سلام – صنعاء
31 مايو 2008: “كتائب جند اليمن”، التابعة لتنظيم القاعدة، تعلن مسؤوليتها عن هجوم استهدف أكبر مصفاة نفط في عدن، جنوبي البلاد.
25 يونيو 2008: أعلنت “كتائب جند اليمن”، التابعة لتنظيم “القاعدة” مسؤوليتها عن هجوم صاروخي استهدف مصافي النفط في مأرب الأربعاء الماضي، وقالت في بيانٍ نشرته على شبكة الإنترنت: إن العملية “قامت بها سرية من كتيبة خالد بن الوليد”.
25 يوليو 2008: عملية انتحارية استهدفت معسكرا للأمن العام في سيئون، والقاعدة جند اليمن تعلن مسؤوليتها عن العملية وأن منفذها أحد مجاهديها أحمد المشجري من مواليد السعودية في 12 سبتمبر 1984.
10 أغسطس 2008: تُـعلن (كتائب جند اليمن) في بيان لها مسؤوليتها عن إلقاء قنبلة على دورية شرطة في مديرية المكلاء، محافظة حضرموت، وتقول إن العملية “نصرة لإخواننا الأسرى في سجون الطواغيت فك الله أسرهم”.
12 أغسطس 2008: قوات الأمن اليمنية تشتبك مع مجموعة من القاعدة في مدينة تريم، محافظة حضرموت، وقد أسفرت عن مقتل حمزة القعيطي، أحد أبرز قادة القاعدة في اليمن مع أربعة من رفاقه، فيما ألقي القبض على اثنين آخرين، هما محسن صالح العكبري ومحمد سعيد أحمد باعويضان، وكشفت التحقيقات أن القاعدة كانت تخطِّـط لشن هجمات على أهداف حيوية داخل اليمن والسعودية.
16 أغسطس 2008: قالت السلطات اليمنية إنها تتعقب (35) شخصاً من أعضاء تنظيم القاعدة ينتشرون في عدد من المحافظات اليمنية، وأن مطاردتهم تجري بناء على معلومات حصلت عليها الأجهزة الأمنية من تحقيقاتها مع المحتجزين في مواجهة تريم، الذين القي القبض عليهم، وهما محسن صالح العكبري ومحمد سعيد أحمد باعويضان، وهما عضوان في خلية تريم احتجزوا إثر إصابتهما بأعيرة نارية، وكلاهما يحملان الجنسية اليمنية، وقد كشفا عن تفاصيل إضافية حول المخطّـط الإرهابي الذي كانت قاعدة اليمن والجزيرة بصدد تنفيذه في كل من اليمن والسعودية، ويستهدف ضرب منشآت نفطية وسياحية واقتصادية.
20 أغسطس 2008: ألقت قوات الأمن اليمنية القبض على خمسة من كتائب التوحيد التابع لتنظيم القاعدة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.