السودان يدافع عن إصلاحاته ويعترف بتجاوزات في دارفور
شدد السودان في تقريره الثالث حول تطبيق بنود العهد الدولي حول الحقوق السياسية والمدنية على الإصلاحات التي تم إدخالها على الدستور وعلى قانون الأحزاب وحرية الصحافة والجهود المبذولة لمعالجة التجاوزات المرتكبة في دارفور.
لكن خبراء اللجنة يرون أن أمام السودان الكثير من أجل تحسين ملفه في مجال حقوق الإنسان مثل وقف الانتهاكات المرتكبة في دارفور ومعالجة التجاوزات وتجنب الإفلات من العقاب بالنسبة لكبار الضباط وتوفير حماية أفضل للمرأة والقضاء على تجنيد الأطفال.
قدم السودان يومي 11 و 12 يوليو في جنيف، تقريره الثالث أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في مجال تطبيق بنود العهد الدولي المتعلق بالحقوق السياسية والمدنية.
وقد تم ذلك في جلسة شارك فيها وفد برئاسة السيد عبد الدائم زمراوي نائب كاتب الدولة بوزارة العدل والسفير السوداني لدى المم المتحدة في جنيف السيد إبراهيم محمد خير.
الجلسة التي دارت في أجواء وصفها الخبراء بالصريح، تضمنت توضيحات رد بها أعضاء الوفد على تساؤلات الخبراء التي شملت القوانين المكتوبة والتعديلات القانونية المرتقبة والممارسات اليومية على الساحة وبالأخص تلك التي تتميز بها مناطق الصراعات مثل دارفور.
” ثورة في ميدان الحقوق السياسية والمدنية”
أثناء تقديمه للتقرير الثالث أوضح سفير السودان إبراهيم محمد خير بأن بلاده “حققت تقدما كبيرا في ميدان الحقوق السياسية والمدنية منذ تقديم التقرير الأخير في عام 1997″، مؤكدا أن ا أن سودان اليوم “هو سودان مغاير تماما”.
ومن هذه التحسينات عدد التقرير اتفاقات السلام المختلفة، وبالأخص اتفاقية السلام في الجنوب التي وضعت حدا لصراع دام زهاء النصف قرن، وأورد أيضا إدخال نظام التعددية الحزبية وحرية الصحافة. وقد ذهب السفير إبراهيم محمد خير إلى حد وصف ما يتم في السودان اليوم بـ “الثورة الفعلية في مجال الحقوق السياسية والمدنية”.
كما شدد أعضاء الوفد الرسمي السوداني على أن مشروع الدستور المؤقت لعام 2005 سيعمل على “بناء مؤسسات قادرة على إرساء قواعد نظام ديمقراطي يحكمه المنطق”.
اعتراف بالنقائص أيضا
لكن الوفد السوداني وعلى لسان رئيسه ونائب كاتب الدولة بوزارة العدل عبد الدائم زمراوي اعترف ” بأن السودان بعيد جدا عن المثالية “. إذ كرر مرارا بأن “الانتهاكات ما زالت موجودة، وأن بعض القوانين ما زالت تحتاج الى تعديل أو تنقيح أو إعادة صياغة”، لكي تتماشى والمعايير الدولية ومعايير العهد الدولي لحقوق السياسية والمدنية.
وبالنظر الى أزمة دارفور وما تناقلته وسائل الإعلام والتقارير الدولية والأممية من انتهاكات في حق المدنيين عموما والنساء بالخصوص، اعترف رئيس الوفد السوداني بأن “الحكومة السودانية ورغم الظروف الصعبة تتحمل مسئولياتها وتنوي تقديم كل مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية أمام العدالة”.
وقدم رئيس الوفد السوداني أمثلة عن محاكمات تمت في حق اعضاء من القوات المسلحة الذين ارتكبوا انتهاكات في دارفور سواء في شكل اغتصاب، او نهب وسرقة، أو قتل متعمد باستعمال الأسلحة، لكن بعض الخبراء تساءلوا عن أسباب عدم تجاوز أعلى رتبة لمتهم قدم للمحاكمة النقيب واعتبروا أن الاتهامات “طالت مطبقي الأوامر وليس مصدريها”.
انتقادات في شكل تساؤلات
خبراء لجنة حقوق الإنسان الثمانية عشرة الذين اثنوا على صراحة وتعاون الوفد السوداني، أثاروا العديد من القضايا على شكل تساؤلات : شملت نطاق تطبيق الشريعة الإسلامية، وإفلات كبار الضباط من العقاب والمحاسبة، ومدى تواطؤ الحكومة مع المنشقين من قبائل الجنجويد عند مهاجمة السكان المدنيين، وأسباب رفض الحكومة السودانية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ومدى قدرتها على تنظيم محاكمة مرتكبي الانتهاكات فوق ترابها.
كما اهتم بعض الخبراء بنصوص القوانين والممارسات السودانية بينما اثار البعض الآخر قضايا التعذيب، ومشاكل النازحين واللاجئين، وحالات الاختطاف والاختفاء التي قال أحدهم أنها تمس حوالي 40 ألف شخص.
وإذا كانت بعض التساؤلات قد وجدت أجوبة مرضية بل حتى مقنعة من قبل أعضاء الوفد السوداني فإن البعض الآخر يتطلب انتظار رد كتابي او التقرير القادم.
فعلى سبيل المثال تساؤلات الخبراء المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية رد عليها أعضاء الوفد بأنها “لا تطبق في مناطق الجنوب، وأن هناك لجنة تشرف على عدم إخضاع غير المسلمين لقوانين الشريعة”، ولو أنه تم الاعتراف بأن مناطق العاصمة الخرطوم تخلق بعض المشاكل في هذا الإطار نظرا لاختلاط الطوائف الدينية هناك. وقد أشار أعضاء الوفد الى أن الدستور السوداني لا يشير في أي من بنوده الى أن السودان بلد إسلامي وإلى أن 145 من بين 430 نائبا في البرلمان هم من المسيحيين.
تطبيق الحدود او العقوبات الإسلامية هل يتعارض مع بنود العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية وهل يدخل في إطار ما يعرف بالتعذيب او المعاملة المخلة بالكرامة الإنسانية؟. تساؤل كثيرا ما طرح من طرف بعض الخبراء ورد عليه التقرير واعضاء الوفد بأن “هذه العقوبات لا تطبق إلا في أكبر الجرائم وبعد استنفاذ كل وسائل الاستئناف وبعد التأكد من أن المحاكمة كانت عادلة طوال فترة الإجراءات”.
دارفور : تحسن منذ اتفاق أبوجا!
في الوقت الذي تواصل فيه وسائل الإعلام والمحافل الدولية الاهتمام بما يجري في دارفور، ترى الحكومة السودانية عموما أن هناك تحسنا تحقق منذ إبرام اتفاق أبوجا في عام 2005. وهذا ما عكسه تقرير السودان الثالث امام لجنة حقوق الإنسان.
عن الجرائم التي يتردد ارتكابها في الإقليم، وعدم قدرة المتضررين على التظلم، او الإدلاء بشهادتهم، أشار رئيس الوفد السوداني في رد على تساؤل أحد الخبراء ” بأن الحكومة السودانية جادة في القيام بتحقيق فيما يجري من جرائم هناك”. لكنه يرى في نفس الوقت أن “انعدام الأمن وتواجد المسلحين وعدم توفر المرافق وبالأخص وسائل النقل وتنقل السكان ونزوحهم المستمر كل ذلك يشكل عوائق”.
المرأة: حقوق منتهكة في النصوص وفي الممارسات
سواء في دارفور أو في باقي المناطق الأخرى، تعتبر المرأة عرضة لتمييز تارة على مستوى النصوص مثل الحق في نقل الجنسية الى الأبناء او ضرورة أن يصطحبها ذكر من الأهل أثناء السفر، أو على على مستوى الممارسات مثل كون نسبة الأمية تفوق لديهن 49%.
وقد اشارت عدة تقارير الى كون المرأة تعرضت أكثر من غيرها للانتهاكات في صراعات السودان، وبالأخص في صراع دارفور من اغتصاب وسبي وغيره. وقد اعترف أعضاء الوفد بأن ظاهرة خطف النساء والأطفال كانت متفشية في بعض المناطق أثناء الحرب الأهلية. إلا ان الوفد السوداني أشار الى كون الحكومة أسست في عام 1999 لجنة لتقصي الحقائق بخصوص المختطفين، وهذا رغم معارضة قادة القبائل الذين يرون أن ذلك يجب أن يسوى عبر المفاوضات بدل تعريض المختطفين للقتل. وتقدر لجنة تقصي الحقائق عدد المختطفين بأكثر من 11 ألف شخص تم لحد الآن العثور على 3340 منهم فقط.
وقد أثارت بعض الخبيرات مشكلة ختان الفتيات وهي العادة المتفشية في بعض المناطق الإفريقية من ضمنها السودان، وفي هذا الصدد أوضح التقرير أن “القانون السوداني، ورغم كونها عادات تقليدية متوارثة، يعتبرها بمثابة أضرار مقصودة تصدر في حقها أحكام بالسجن والغرامة المالية بدون إلغاء حق تقديم الدية كتعويض عن الأضرار”. ويعترف التقرير بأنه “يصعب فرض عقوبات على المرتكبين نظرا لكون ذلك يتم بعيدا عن أنظار وأسماع الحكومة وفي حق أطفال أحداث بموافقة أهاليهم”.
وينتظر أن تحدد لجنة حقوق الإنسان توصياتها النهائية بخصوص تقرير السودان في نهاية دورتها أي في حدود 27 يوليو الحالي.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
عبد الدائم زمراوي: نائب كاتب الدولة بوزارة العدل
السفير إبراهيم محمد خير: ممثل السودان الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف
السفير عمر محمد: نائب رئيس بعثة السودان في جنيف
عبد الله أحمد مهدي: النائب العام
بثينة محمود عبد العزيز: رئيسة القسم القانوني بالمجلس الاستشاري
الدكتور عبد المنعم عثمان
الدكتور مصطفة مطر: مستشار بإدارة حرية الصحافة والتعبير بالمجلس الاستشاري
ومستشارين آخرين ببعثة السودان في جنيف.
لجنة حقوق الإنسان المكلفة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مكونة من 18 خبيرا يتم انتخابهم لمدة أربعة أعوام.
يرأسها حاليا رفائيل ريفاس بوسادا من كولمبيا
نواب الرئيس هم : إليزابيت بالم من السويد، و إيفان شيرر من أستراليا، و توفيق خليل من مصر.
مقرر اللجنة في تقرير السودان ، عبد الفتاح عمر من تونس.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.