The Swiss voice in the world since 1935

البيز: الرياح التي لا تهب إلا في سويسرا 

البيز
يمكن لرياح البيز أن تثير أمواجاً عاتية على بحيرة ليمان Keystone / Salvatore Di Nolfi

عندما تهبّ رياحٌ شمالية شرقية باردة وجافة على الهضبة السويسرية، يشكو الكثير من الناس من الصداع والاضطرابات البدنية الأخرى. وتُعرف هذه الرياح باسم رياح البيز. وقد لا يعرف معظم الناس أنّ هذه الرياح لا توجد إلاّ في سويسرا.

تهبُّ في جنوب فرنسا رياح الميسترال، وفي كرواتيا وشمال إيطاليا رياح البورا، وفي إسبانيا وفرنسا رياح الترامونتانا. وتوضّح سابين بالمر، خبيرة الأرصاد الجوية من خدمة الأرصاد الجوية في هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية العمومية (SRF Meteo): “هناك العديد من أنظمة الرياح المختلفة حول العالم، وغالباً ما تحمل أسماء خاصة بكلّ بلد”. 

وفي كاليفورنيا، اشتهرت رياح سانتا آنا التي هبّت على جنوب الولاية مطلع هذا العام. وقد أسهمت في انتشار الحرائق المدمّرة على نطاق واسع في منطقة لوس أنجلوس، ما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص، وتدمير أكثر من 12 ألف منزل. 

رياح “البيز” (Bise) هي رياح شمالية إلى شمالية شرقية باردة وجافة تهب عبر مناطق مثل سويسرا وشرق فرنسا، خاصة في وادي نهر الرون ومنطقة بحيرة جنيف. تحدث هذه الرياح غالبًا خلال فصلي الشتاء والربيع، وتكون قوية بشكل خاص عندما يكون هناك نظام ضغط مرتفع متمركز فوق شمال أوروبا، مما يدفع الهواء البارد جنوبًا عبر جبال الألب.​
خصائص رياح البيز في أوروبا:
برودة وجفاف: تأتي من مناطق ذات ضغط مرتفع في الشمال، وتسبب انخفاضًا في درجات الحرارة.​
استمرارية: يمكن أن تستمر لعدة أيام، مسببة طقسًا شديد البرودة.​
تأثيرات محلية: تؤدي إلى زيادة الإحساس بالبرودة، ويمكن أن تسبب اضطرابات في الملاحة الجوية والمائية.​

ولسويسرا أيضاً رياحُها الخاصة، المعروفة باسم البيز. وتُعتبر من الظواهر الجوية المميزة للبلد؛ إذ ترتبط بتضاريس الهضبة المركزيةرابط خارجي السويسرية وأحوالها المناخية الفريدة، التي بدأت تنحسر شيئاً فشيئاً نحو الغرب. 

ظاهرة سويسرية بحتة  

تهبّ الرياح عادةً في سويسرا من الغرب. ولكي يتشكّل البيز، يجب أن تكون هناك طبقة من الضغط المرتفع فوق الجزء الشمالي من وسط أوروبا أو شمالها، وطبقة من الضغط المنخفض فوق البحر الأبيض المتوسط. وينتج عن فرق الضغط هذا، رياحٌ شرقية إلى شمالية شرقية تهبّ في اتجاه الغرب. 

ويمكن أن تهبّ رياح البيز في أيّ وقت من السنة. فإذا هبّت في الصيف، فإنها “تجلب هواءً جافاً ودرجات حرارة قريبة من المستويات المعتادة لهذا الفصل”، كما يذكر الموقع الرسميرابط خارجي للمكتب الفدرالي السويسري للأرصاد الجوية وعلم المناخ، الذي يُعرف باسم “ميتيو سويس” (MétéoSuisse). 

وتوضّح سابين بالمر قائلة: “غالباً ما تجلب البيز في موسم الشتاء الضباب الكثيف إلى الهضبة، حيث يتراكم الهواء البارد في ’حوضها‘”. 

أكثر من 100 كم/ساعة 

إذا نظرنا عن قرب إلى الهضبة السويسرية من جانب جبال الألب الشمالي، بين سلسلة جبال جورا وسلسلة جبال الألب، وجدنا أنها تنحسر أكثر فأكثر نحو الغرب، باتجاه بحيرة ليمان.

وتقول سابين بالمر في هذا الصدد: “اللافت أن تستغلّ رياح البيز جيّدا ’الممر‘ بين السلسلتين، ولا يمكنها التحرك شمالاً أو جنوباً. وغالباً ما تزداد سرعتها في الغرب، حيث تضيق الفجوة بين الجبال”. 

البيز على بحيرة ليمان: 

محتويات خارجية

ويمكن أن تصل سرعة ريح البيز، التي تهبُّ داخل سويسرا عبر بحيرة كونستانس، إلى 100 كم/ساعة أو أكثر، في المنطقة المحيطة ببحيرة ليمان. وتُشكّل هذه الرياح القوية والاضطرابات التي تصاحبها، خطراً على حركة الطيران في سويسرا الناطقة بالفرنسية بشكل خاص، كما يشير إلى ذلك ميتيو سويس في وثيقة تلخّص حالات الطقس النموذجية في منطقة جبال الألبرابط خارجي

ومن جانب آخر، يمكن أن تتسبب الرياح في تعطيل حركة المرور على الطرقات، بفعل سقوط الأشجار والأغصان. أما في ما يخصّ حركة السكك الحديدية، فقد تتضرر القضبان الحديدية مما يتسبب في تأخير الرحلات. ويُنصح أيضاً بتوخي الحذر على بحيرات سويسرا الغربية، حيث قد تتسبّب رياح البيز في تصاعد أمواج عاتية، خاصة على بحيرتي ليمان ونوشاتيل. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتجمّد البحيرات الصغيرة بسرعة أكبر. وفي فصلي الربيع والخريف، يمكن أن تؤدي هذه الرياح إلى الصقيع الذي يُلحق أضراراً بالنباتات النافعة، مثل الكروم، والأشجار المثمرة. 

الأضرار
مثال عن الأضرار الناتجة عن الصقيع، التي لحقت بتفاحة من بستان في كانتون تورغاو، بالقرب من بحيرة كونستانس. Keystone / Gian Ehrenzeller

ومع ذلك، ليست رياح البيز كلّها شؤماً. ومن إيجابياتها، وفقاً لخدمة الأرصاد الجوية في هيئة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة باللغة الألمانيةرابط خارجي، أنّها تساعد في تحسين جودة الهواء، من خلال إزالة الملوّثات من على الهضبة. 

التأثير في الصحة 

قبل سنوات، أدلى رجلٌ بتصريح ليومية “سانت غالر تاغبلات” الناطقة بالألمانية، وكان عمره آنذاك 61 سنة، قال فيه: “عندما تهبّ رياح البيز ويتشكّل ضبابٌ، أعاني من الصداع، ومشاكل في التوازن، واضطرابات في الرؤية تصاحبها ومضات ضوئية وغثيان ودوار”. 

برن
تب على هذا الباب في مدينة بيل/بِيان القديمة (كانتون برن)، إنه أقيم للسماح بمرور البيز. zVg Altstadtleist Biel-Bienne

ولحسن الحظ، فإن هذه الأعراض نادرة وغير منتشرة بهذه الحدة. ومع ذلك، ونظراً لأن البيز غالباً ما تكون مصحوبة بانخفاض مفاجئ في درجات الحرارة، فكثيراً ما يشكو الأشخاص المصابون والمصابات بحساسية الطقس، من حالات توعك طفيفة خلال الفترة التي تمّر فيها هذه الرياح على البلاد. 

وفي الواقع، يشكو الناس من مثل هذه الاضطرابات أكثر في الأيام الممطرة، والعاصفة، والرطبة، والباردة. ويقول أخصائي في الطب الوقائي، نقلاً عن المجلة الصحية إمبولس التي تصدرها مجموعة ميغرو (Migros)، في مقال يتناول مشكلة الحساسية تجاه الطقسرابط خارجي: “في الحقيقة، لا نعرف ما إذا كانت بعض الحالات والعوامل الجوية تتسبب في اضطرابات معيّنة”.  

برد القرن في عام 1956 

وتهبّ رياح البيز في فصل الشتاء، وبالتالي فمن المحتمل أن ترافقها موجة برد، مما يؤدّي إلى تعطيل حركة النقل وقطاع الطاقة بشكل خاص. ولقد سُجّلت آخر موجة من هذا النوع في شهر فبراير من عام 2012. وأدّت درجات الحرارة التي كانت تقلّ كثيراً عن درجة التجمّد إلى ارتفاع استهلاك الطاقة، فضلاً عن الجليد والانجرافات الثلجية على الطرقات. 

كما سُجِّلت موجات برد قياسية في عامي 1963 و1986. وقد كان الجوّ في عام 1963 بارداً جداً، إلى درجة أنّ بحيرات كبيرة، مثل بحيرتي كونستانس وزيورخرابط خارجي، تجمدت تماماً، وهي ظاهرة لم تتكرر منذ ذلك الحين. 

التزلج على بحيرة
التزلج على بحيرة كونستانس المتجمدة، في 22 يناير 1963. Keystone / Photopress-Archiv / Krebs

وتظلُّ موجة البرد في فبراير 1956، التي سببتها الرياح أيضاً، هي الأقسى على الإطلاق. فقد جاء في تقريررابط خارجي لهيئة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالألمانية، أنّ “متوسط درجة الحرارة الشهرية المسجلة في شهر فبراير الاستثنائي هذا، كان 9 درجات تحت الصفر، ما يمثّل برودة قياسية منذ بداية تسجيل درجات الحرارة، في عام 1755”. 

موجة البرد القارس التي شهدتها سويسرا في عام 1956 في أرشيفات التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالفرنسية ( RTS):

محتويات خارجية

تحرير: بالتس ريغندنغير

ترجمة: موسى آشرشور

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: زينو زوكّاتيلّي

هل سمعت يومًا شيئًا غريبًا عن سويسرا أثار اهتمامك؟

هل هناك حكاية عن سويسرا أثارت اهتمامك؟ شاركنا وشاركينا بها، فقد نقوم بتسليط الضوء عليها في مقال قادم!

47 إعجاب
30 تعليق
عرض المناقشة

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية