The Swiss voice in the world since 1935

كيف غيّر البابا فرنسيس وجه الفاتيكان؟

البابا فرنسيس
رحل البابا فرنسيس، مخلفاً وراءه صورةً لرجل يتّسم بالبساطة والانفتاح. KEYSTONE

أعلن الفاتيكان، يوم الإثنين الذي صادف عطلة عيد الفصح، وفاة البابا فرنسيس عن 88 عامًا. وفي محاولة لتلمّس ملامح إرثه، حاورت سويس إنفو SWI swissinfo.ch ديدييه غراندجون، الحارس السابق في الحرس السويسري البابوي وطالب اللاهوت الحالي، الذي يرى أن حبريّة فرنسيس مثّلت منعطفًا مهمًا في مسار الكنيسة الكاثوليكية، رغم الحاجة إلى مزيد من الوقت لفهم أبعادها بالكامل.

سويس إنفو: لقد عرفتَ البابا فرنسيس معرفة جيدة. كيف بدأت علاقتك به؟

ديدييه غراندجون: عرفتُ البابا فرنسيس بشكل جيّد نسبيًّا، بمعنى أنني كنت أراه تقريبًا كل يوم خلال خدمتي في الفاتيكان ضمن صفوف الحرس السويسري البابوي. وبعد ذلك، التحقتُ بمعهد لاهوتي، حيث واصل مواكبتي بطرق مختلفة، والتقيته مجددًا عدة مرات بعد أن غادرتُ صفوف الحرس.

ديدييه غراندجان يُصافح البابا فرنسيس
منذ أن التحق ديدييه غراندجان بالمعهد اللاهوتي، أُتيحت له فرصٌ عديدة للقاء البابا والتواصل معه. zvg

ينحدر ديدييه غراندجون من منطقة غرويير في كانتون فريبورغ. التحق بالحرس السويسري البابوي عام 2011، حيث خدم أولًا في عهد البابا بنديكتوس السادس عشر، ثمَّ في عهد البابا فرنسيس بدءًا من عام 2013، قبل أن يغادر الخدمة في عام 2019.

وصل غراندجون إلى رتبة نائب عريف، وشغل منصب نائب المتحدث باسم الحرس البابوي. وهو على دراية واسعة بوسائل الإعلام، وسبق له الإدلاء بعدة تصريحات ومقابلات إعلامية داخل سويسرا وخارجها.

في يناير 2023، شارك غراندجون كقارئ خلال قداس جنازة البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر.

يدرس غراندجون حاليًا اللاهوت في معهد إكليريكي تابع لأبرشية لوزان وجنيف وفريبورغ، ويستعد لأن يصبح كاهنًا. وتحدّث عن دعوته ورحلته الشخصية في مقابلة سابقة نُشرت على موقع أخبار الفاتيكان (Vatican Newsرابط خارجي).


كيف كانت نظرة الحرس البابوي إلى البابا فرنسيس؟ وهل كانت هذه النظرة تختلف عن نظرة الحرس إلى سلفه، بنديكتوس السادس عشر، الذي خدمتَ خلال حبريته أيضًا؟

صحيح أن الأمور تغيّرت؛ فقد أصبحنا نرى البابا فرنسيس بوتيرة أكبر بكثير. ويرجع ذلك أساسًا إلى أنه اختار الإقامة في بيت القديسة مارتا (وهو دار ضيافة قرب كاتدرائية القديس بطرس) بدلًا من الإقامة في القصر الرسولي.

وكان البابا فرنسيس يقترب منا بعفوية ليتبادل معنا أطراف الحديث، وكان محبًّا للمزاح أيضًا. لذلك نشأت بيننا وبينه علاقة وثيقة. وفي الواقع، كان البابا فرنسيس يعتبر الحراس المتمركزين خارج مقر إقامته بمثابة أفراد من عائلته. أو على الأقل، هذا ما كان يقوله.

بعيدًا عن إطار الحرس، هل كانت تربطه علاقة مميزة بسويسرا، أم أنها كانت بالنسبة له بلدًا كسائر البلدان؟

أعتقد أنّه كانت تربطه علاقة خاصة بسويسرا، بسبب وجود الحرس السويسري. ففي كل عام، عندما يؤدي الحرّاس الجدد القسم، يلتقي أحد أعضاء الحكومة السويسرية – وغالبًا رئيس.ة البلاد – بالبابا. وسويسرا هي البلد الوحيد الذي يحظى بلقاء سنوي على هذا المستوى الرفيع.

وعلاوة على ذلك، كان البابا فرنسيس مطّلعًا للغاية على أوضاع مختلف الأبرشيات في سويسرا من خلال علاقته بالحرس.

قام البابا فرنسيس بزيارة واحدة إلى سويسرا، حيث استقبله رئيس الكونفدرالية حينذاك، آلان بيرسيه، لدى وصوله إلى جنيف في 21 يونيو 2018.
قام البابا فرنسيس بزيارة واحدة إلى سويسرا، حيث استقبله رئيس الكونفدرالية حينذاك، آلان بيرسيه، لدى وصوله إلى جنيف في 21 يونيو 2018. Keystone / Peter Klaunzer

منذ لحظة انتخابه، اعتُبر البابا فرنسيس شخصية مختلفة عن أسلافه، ووُصف بأنه “صديق الفقراء”، و”صانع السلام”، و”ذو توجهات تقدمية”. لكن، هل أثبتت سنوات حبريته اللاحقة صحة هذه الانطباعات الأولى؟

دائمًا ما توجد تصوّرات مبسطة عند انتخاب أي بابا جديد، سواء أكانت إيجابية أم سلبية. وفي حالة البابا فرنسيس، كانت بعض تلك الانطباعات في محلها، لا سيَّما اهتمامه بالفقراء وتواضعه وبساطة طباعه.

ولكن في البداية، ظن البعض أنه “شخصية ليّنة”، ثم أدركنا لاحقًا أن الأمر ليس كذلك تمامًا. فقد كان رجلًا صاحب شخصية قوية، ويمكن أن يكون حازمًا جدًا في مواقفه. وعندما يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية، كان من الواضح أنه تقليدي للغاية. لقد اجتمع فيه هذان الجانبان. كان فرنسيس أكثر تعقيدًا مما اعتقده الكثير من الناس، وقد تغيّرت النظرة إلى حبريته إلى حدّ ما.


بمناسبة الحديث عن القضايا الاجتماعية، لطالما تكرّر طرح مسألة دور المرأة
في الكنيسة. فهل أحدث البابا فرنسيس تغييرًا في هذا الصدد؟

نعم، لم يسبق أن شغلت النساء هذا العدد من المناصب القيادية في الفاتيكان. على سبيل المثال، عيّن [فرنسيس] مؤخرًا امرأة على رأس دائرة السجل المدني. لقد أولى بالفعل أهمية أكبر للنساء ومنحهن مساحة أوسع.

كما أكّد مرارًا على ضرورة فتح نقاش لاهوتي أعمق حول دور المرأة في الكنيسة. وفي السينودس [ملتقى فكري فاتيكاني] الأخير، حظيت النساء بتمثيل بارز. وهكذا، انطلق مسار تغيير جديد، لكن من الواضح أنّه سيكون مسارًا طويلاً، وأن مسألة سيامة النساء [ككاهنات أو قسيسات] ليست مطروحة على جدول الأعمال حاليًّا.


من بين الملفات التي تعود إلى الواجهة باستمرار، تبرز قضية الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة. هل طرأت أي تطورات جديدة على هذا الملف الحساس؟

شهد هذا الملف تقدمًا واضحًا، خصوصًا من ناحية تعديل القانون الكنسي وتطبيقه. فقد مهّد البابا بنديكتوس السادس عشر الطريق إلى حد كبير لهذا التطور نحو قدر أكبر من التشدد. وأكَّد البابا فرنسيس في مناسبات عدة أن هذه الأفعال غير مقبولة على الإطلاق. كما تم إنشاء لجان وهيئات لضمان عدم التستر على أي حالات بعد الآن. وقد رأينا ذلك بشكل خاص في قضية الأب بيير، حيث تطرق البابا إلى الموضوع فورًا ودون مواربة.

شدّد فرنسيس أيضًا على تعزيز السلام. فما الاستنتاجات التي يمكننا استخلاصها في ظل
عالم يزداد اضطرابًا؟

في الجوهر، ينبغي أن تتم التحركات الدبلوماسية خلف الكواليس. ومن واقع تجربتي في الفاتيكان آنذاك، أعلم أنه – على سبيل المثال – في سياق الحرب الأهلية في كولومبيا، أو خلال المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق بين الولايات المتحدة وكوبا عام 2016، كان الفاتيكان طرفًا في تلك المحادثات. وقد أولى البابا فرنسيس اهتمامًا كبيرًا لهذه القضايا وانخرط فيها بقوة. وكان لإسهاماته دور حاسم في إيجاد الحلول. وكانت الدبلوماسية الفاتيكانية في عهده نشطة للغاية، خصوصًا بدعم من أمين سر دولة الفاتيكان، الكاردينال بييترو بارولين، وهو دبلوماسي محترف.

بالنظر إلى الصورة الشاملة، ما هي برأيك النقاط الأساسية [في إرثه]؟

سيستلزم الأمر وقتًا لفهم آثار هذه الحبريّة بالكامل. ومع ذلك، أعتقد أن نهج البابا فرنسيس تجاه المجتمعات الغربية، التي يزداد ابتعادها عن العقيدة المسيحية، كان أكثر انفتاحًا مقارنةً بنهج أسلافه. كما أنه كان شديد الانتباه لما يحدث في مناطق أخرى من العالم، مثل آسيا وأفريقيا. وأرى أن البابا فرنسيس شجّعنا على التفكير بمنظور أوسع وأكثر عالمية.

وعلى وجه التحديد، حضّ البابا فرنسيس الأوروبيين على الاستفاقة، والتفكّر في أن الوضع هنا، وإن بدا أحيانًا ميؤوسًا منه، يستدعي تبنّي نظرة أوسع لرصد الحيوية التي تنبض بها الكنيسة في مناطق أخرى من العالم. وقد عيّن كرادلة في بلدان لم تعرف من قبل أي تمثيل كاردينالي. وفي عهده، شهدت الكنيسة توسعًا بدأ في عهد من سبقوه، لكنه اكتسبزخماً أكبر.

كما أنه تصدّى لبعض القضايا الشائكة، مثل الاعتداءات داخل الكنيسة والملفات المالية في الفاتيكان. لقد كان شجاعًا، ولم يتجنب أي قضية، وأعطى الكنيسة دفعة جديدة، وإن كان ظهور نتائجها يتطلب بعض الوقت.

تحرير: صامويل جابيرغ

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: مي المهدي

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية