من بازل إلى العقبة: رسامة سويسرية تساعد في الحفاظ على الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر
تتمتع الشعاب المرجانية الموجودة في البحر الأحمر بقدرة عالية على مقاومة الاحترار المناخي، لكنها باتت تواجه تهديدات أخرى مثل التلوث. ولزيادة الوعي بأهميتها، نظمت مبادرة سويسرية معرضا فنيا في العقبة بالأردن. وتنضمّ ماييفا روبلي، الرسامة الناشطة في بازل، إلى فريق الفنانين والفنانات المختار للمشاركة في مشروع "أصوات المرجان".
“تتساءل كتلة الماء الجزيئية كيف يمكن للإنسان أن يبذل كل جهده لإعادة إنشاء ما يدمره مراراً وتكراراً”.
وتؤدّي كتلة الماء الجزيئيّة هذه، دور البطولة في قصة فريدة من نوعها بدأت منذ آلاف السنين، وما زالت تتطور حتى اليوم. وتجمع هذه القصة بين العلم، والدبلوماسية، والفن.
وقد اقتُطف الاقتباس أعلاه من كتاب موجّه لجيليْ الشباب والبالغين. وفي الحقيقة، ليس كتابا بالضبط، بل قصة مصورة يمكن تصفحها. وتُعرض داخل قلعة العقبة في الأردن، منذ يوم الخميس 31 أكتوبر الماضي.
التقت سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) مصممة القصّة مايفا روبلي، الرسامة والكاتبة السويسرية الناشطة في بازل، قبيل مغادرتها إلى العقبة التي عادت إليها لتصقل أعمالها، وتشارك في افتتاح معرض “أصوات المرجانرابط خارجي“، وتشرف على ورش عمل فنية للطلاب في مدرسة العقبة الدولية، وجامعة التكنولوجيا بالمدينة.
افتتح المعرض في 31 أكتوبر، وسيستمر حتى 12 ديسمبر 2024، في قلعة العقبة في الأردن. وسينتقل في أبريل 2025 إلى العاصمة عمان، فيما تشارك مجموعة ثانية من الفنانين والفنانات، في إقامة غامرة جديدة تحضيراً لمعرض ثانٍ. وسيستمرّ الفن في إحياء الشعاب المرجانية، لأنها تستحق الحياة.
وتمثّل الشعاب المرجانية بطلات القصة الأخرى، يُقام من أجلها المعرض الذي نظمه المتحف الوطني للفنون الجميلة في الأردن، بمبادرة من مركز البحر الأحمر العابر للحدود (TRSC)، التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان (EPFL)، وبدعم من السفارة السويسرية.
قدرة الشعاب المرجانية على المقاومة
يدير مركز أبحاث البحر الأحمر مشروعاً طموحاً منذ سنوات، يهدف إلى جمع الحكومات والفرق العلمية من البلدان المطلة على البحر الاحمر، لدراسة الشعاب المرجانية في هذه الزاوية من العالم، وفهمها، وإنقاذها.
فقد اكتُشفت قبل حوالي 12 عاماً، القدرة الخاصة للشعاب المرجانية الواقعة في البحر الأحمر على مقاومة ارتفاع درجات الحرارة، العامل الأساسي المؤدي إلى تبيضها وموتها في بحار أخرى. لذلك تتوقّع الأبحاث بقاء الشعاب المرجانية في البحر الأحمر وحدها على قيد الحياة بحلول نهاية القرن.
ويُرجع الباحثون والباحثات هذه الظاهرة إلى آلاف السنين، إذ انتشرت هذه الشعاب المرجانية في هذه المنطقة خلال فترات شديدة الحرارة، ما أكسب جيناتها هذه القدرة الخاصة على المقاومة.
ولكن إذا لم يمثل ارتفاع درجات الحرارة مشكلة بالنسبة إليها، فليس الأمر سواء بالنسبة إلى التهديدات الأخرى مثل التلوث أو الأضرار المادية البسيطة. ويُستخدم الفنّ الآن وسيلة أخرى تنضاف إلى البحث العلمي والجهود الدبلوماسية، التي سبق أن غطّتها سويس إنفو في الماضي، لإنقاذ هذه الشعاب المرجانية. ويُعقد الأمل على زيادة الوعي العام بأهميتها البيئية (الشعاب المرجانية هي أساس النظام البيئي الذي يدعم عددًا لا يحصى من الكائنات الحية)، بل بأهميتها الاقتصادية أيضا، إذ يمثّل جمال الشعاب المرجانية، محركا كبيرا لصناعة السياحة. فيستقطب الكثير من السيّاح والسائحات.
شاركت ماييفا روبلي، إلى جانب 10 فنانين وفنانات من الأردن، في “إقامة غامرة” بأتمّ معنى الكلمة، في العقبة خلال شهر مايو الماضي. وتمكّن الفريق الفني من مراقبة هذه الأنظمة البيئية عن قرب برفقة فريق علمي محليّ، غاص بمعدات كاملة. ومُنح بعد ذلك، الحرية الكاملة لإعداد محتويات المعرض.
أشبه بقطرة ماء
تروي روبلي قائلة: “لقد قضيت وقتاً طويلاً أطرح الأسئلة، وأجمع الإجابات، وأدوّن كل شيء في دفتر ملاحظات. وتحدثت مع مَن قابلت من أشخاص، وليس فقط مع العلماء والعالمات. وأكتفي أحياناً بالمراقبة بصمت لفترة طويلة”.
تمثّلت الفكرة الأولية في إعداد تقرير مرئي وعلمي حول عمل مركز البحر الأحمر العابر للحدود، لكن دفعتها تجربتها إلى سرد القصة بأكثر شاعرية، معبّرة عما انتابها خلال الإقامة. فتقول: “أشعر بأنني غريبة في بلد لا أنتمي إليه، وأحاول إيجاد روابط وسط هذه التناقضات البيئية والاقتصادية الكبيرة”.
ففكرت في قطرة ماء تنتهي في البحر، وفي الهواء، وعلى سطح الأرض. وتشعر بأنها صغيرة وغير مهمة، لكنها تستطيع لقاء الجميع والتحدث معهم وطرح الأسئلة عليهم. وتضيف روبلي قائلة: “هكذا شعرت؛ كنت أعيش حالة لا أتحكم فيها، لكن كان بوسعي أن أتأقلم معها بكل بساطة. فحاولت أن أحوّل كل هذه المشاعر لأبتكر مشروعي الفني”.
تبدأ رحلة القطرة (التي تحولت إلى جزيء في نهاية القصة) من حيث تنتهي؛ وهي تمرّ عبر المدن والزجاجات والشعاب المرجانية (بالطبع)، وهي تنهمر حتى من عينيّ رجل مسن، طارحةً دائماً السؤال نفسه:
يسأل الجزيء: “من أنت؟”
“تعيش عائلتي منذ زمن طويل على شاطئ البحر.
كان والدي صياداً، لكن لم يعد الصيد مُربحا.
لذا أصبحت مرشداً سياحياً، لاستكشاف الشعاب المرجانية.
الشعاب المرجانية هي ثروتنا ومصدر رزقنا.
اليوم، بات كل شيء مختلفاً.
أشعر أنني غريب في بلدتي،
لم أعد أعرف البحر.
ولكني ما زلت آمل في إعادة تأسيس الرابط الذي كان يجمعنا ذات يوم، إذا اهتممنا ببلدتنا وبحرنا“.
وبينما يتنهد الرجل العجوز، تسيل الجزيئة على خده.
ترجمة: إيفون صعيبي
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.