“السيناريو الثالث” للحرب الرابعة فى الخليج
إنها ليست المرة الأولى التى يحذر فيها د. البرادعى من وجود احتمالات لشن حرب ضد إيران، فقد فعلها مرتين من قبل، وفى كل مرة كانت لديه، فيما يبدو، معلومات تؤكد أن هناك من يدفع فى اتجاه شنها..
.. إلا أنه لا توجد حاجة لمعلومات مصنفة هذه المرة، فقد عادت أجواء الحرب لتسيطر على المنطقة بوضوح، فى ظل نظرية تتشكل مع الوقت، تقرر أن الحرب لن تشن، لكنها قد تقع، فيما يشبه “الحوادث المروعة”.
إن هناك خمسة عوامل يمكن الاستناد عليها بشكل مؤكد فى إصدار حكم تحليلى بأن كل الأسباب المبررة لعدم نشوب الحرب لاتزال قائمة دون تغير يذكر، سواء كان ذلك يتعلق بتأثيرات الفشل فى حالة العراق، وقيود قرار الحرب المفروضة على الرئيس الأمريكى، وانهيار معسكر المحافظين الجدد فى واشنطن، وعدم التأكد من النتائج المحتملة للضربة، وحسابات رد فعل إيران ضد الجميع.
لكن هناك سبب أقوى، وهو أن إيران لم تبد أبدا وكأنها تجاوزت “حد الخطر” فى نشاطاتها النووية عمليا، ولم تتجاوز على الإطلاق “نقطة اللاعودة” حتى فى تصريحاتها النووية، فتقديرات البرادعى تؤكد أن أمامها مالايقل عن 5 سنوات، لكى يمكنها امتلاك مواد كافية وصالحة لصنع سلاح نووى، وفي الوقت نفسه لم تتراجع “جماعة الاستخبارات” الأمريكية عن تقديرها الشهير الذى يؤكد أن برنامجها النووى العسكرى قد توقف عام 2003، وأن ما تبقى هو مجرد “افتراضات”.
قرار الحرب
إن وجود خطط عسكرية توصف بأنها يمكن أن تكون فعالة داخل البنتاغون، ووجود تدريبات عسكرية لقصف أهداف أرضية على مسافات بعيدة من جانب إسرائيل، ليست مؤشرات حرب، فمن الممكن فهمها على أنها رسائل عسكرية موجهة لطهران لإرباك القيادات الإيرانية، أو تهديدات عسكرية للضغط عليها فى اتجاه تنازلات تفاوضية، فمشكلة الحرب هى “قرار الحرب”، أما الخطط والتدريبات، فإنها كانت موجودة دائما، وإلا: فلماذا توجد الجيوش أصلا؟
إن التقديرات المنضبطة لاحتمالات العمل العسكرى الفعلى فى ظل الأوضاع الحالية لاتتجاوز 25 فى المائة على الأكثر، أى أنه ليس مطروحا كخيار رئيسى للتعامل مع مشكلة برنامج تخصيب اليورانيوم الإيرانى، على الرغم من الضجة الحالية، علما بأنه أصبح مفهوما لدى كثيرين بأن استهداف البرنامج النووى الإيرانى ليس مسألة معقدة للغاية، فقصف “ناتانز” فقط، بأسلوب ملائم، قدمت له بعض المعامل الأمريكية تصورات مختلفة، سوف يوقف البرنامج النووى شبه العسكرى الإيرانى لما يقرب من 6 سنوات، كما أن قصف “بوشهر” لوحدها، سوف يترك إيران بدون برنامج نووى مدنى لـ 10 سنوات على الأقل.
وفي واقع الأمر فإن القوة العسكرية قد استخدمت منذ بداية الأزمة الحالية ضد إيران، لكن بأسلوب التهديدات، ذات التوجهات الردعية التى تهدف إلى منع إيران من القيام بشئ تريده، وهو تخصيب اليورانيوم، وتتمثل المشكلة الحالية فى نقطتين تدفعان فى اتجاه إحداث تغيير فى الطريقة التى تدار بها الأمور، هما:
1 – أن الردع العسكرى الأمريكى قد فشل فى إثناء إيران عن تخصيب اليورانيوم، وعندما يفشل الردع، لايتم الإنتقال آليا إلى استخدام القوة المسلحة فعليا، أي هجوميا، لتحقيق الأهداف على الأرض، وإنما الانتقال إلى سياسة “إجبار” حادة، تهدف على إكراه الدولة الهدف على القيام بشئ لاتريده، ويتطلب ذلك إجراءات تمتد إلى الوصول لحافة الحرب، سواء بحشد القوات، أو إنهاء الخطط، أو التحرش بالطرف الآخر، أو تهديده بقسوة، أو دفعه نحو الحائط، مع الاستعداد فعليا لاحتمالات الحرب.
2 – أن ثمة تقييما لدى أطراف مختلفة ذات علاقة بالمشكلة، وأولها إسرائيل، بأنه إذا لم تحسم المسألة عسكريا فى عهد الرئيس بوش فإنها لن تحسم أبدا، ولاتوجد معلومات محددة بشان ما إذا كان الرئيس بوش ونائبه تشينى، آخر المحافظين الجدد تقريبا فى الإدارة، يعتقدان بأنهما لايجب أن يرحلا تاركين مهمة غير منتهية فى إيران أم لا؟، أو أن المؤسسات الأمريكية التى تراقبُهُما عن قرب سوف تسمح لهما بفتح أبواب جهنم قبل أن يرحلا، كما فعلاها فى العراق عام 2003، فهناك تحذيرات معلنة بهذا الشأن.
السيناريوهات الثلاثة
إن التقدير الخاص بضرورة التحول نحو أساليب أكثر عنفا، وضغوط الوقت المحيطة بما يعتقد أنه الفرصة الأخيرة لشن حرب قد أفرزت فى الفترة القصيرة الماضية، عدة سيناريوهات مثيرة لاحتمالات وقوع حرب ضد إيران فى منطقة الخليج، أهمها مايلى :
أولا: سيناريو “الشهور الأخيرة”، وهو سيناريو أقرب إلى نظرية المؤامرة، يتم فى إطاره تصور أن الرئيس الأمريكى بوش قد يقوم فى آخر أيام فترة وجوده فى البيت الأبيض باتخاذ قرار بشن حرب ضد إيران، لقناعته بأنها تمثل تهديدا، يرقى إلى درجة “حرب عالمية ثالثة”، وقد بدا ثمة شعور فى التسرب إلى أوساط الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن مشكلة الوثائق الخاصة بالتصميمات النووية قد تستخدم فى هذا الإطار مستقبلا.
ثانيا: سيناريو الانزلاق إلى الحرب، وهو سيناريو يتضمن دورا إيرانيا، فهناك تصور بأن التحرشات المستمرة فى الخليج، كما حدث خلال أزمة البحارة البريطانيين، أو حوادث المدمرات الأمريكية والزوارق الإيرانية فى مضيق هرمز، قد تتصاعد بشكل غير مسيطر عليه، لتؤدى إلى عمليات عسكرية واسعة النطاق، لاتمثل حربا شاملة بالضرورة، لكنها تقود كل الأطراف إلى استنتاج محدد بأن الحرب الكبيرة يمكن أن تقع “فى اليوم التالى”.
لكن إضافة إلى هذين السيناريوهين يوجد “السيناريو الإسرائيلى”، فقد تصاعدت تهديدات إسرائيل بصورة غير مسبوقة، فيما يتعلق بالقيام بعملية عسكرية ضد إيران، ولم يعد يمر أسبوع دون أن تطلق إسرائيل إشارة تدفع فى هذا الاتجاه، سواء تعلق الأمر بتصريح رسمى واضح، أو تسريب عسكرى، أو مناورة عسكرية، أو تطور عملى، إذ بدأت إسرائيل تحاول بكل الأساليب أن تقنع الجميع، بان لديها خيار حرب، وأنها سوف تلجأ إليه، وأنه موجه إلى طهران وليس إلى واشنطن.
ماذا تريد إسرائيل ؟
إن ماجرى خلال الفترة الأخيرة هو أن السيناريو الثالث قد تحول ليصبح السيناريو الأول، فقد دخلت إسرائيل على خط الأزمة بصورة صاخبة، لتبدو وكأنها هى التى ستوجه الضربة العسكرية إلى إيران، دون أن تجيب مرة أخرى على الأسئلة القديمة، الخاصة بالنتائج التى يمكن أن تترتب على ذلك، وقائمة أسئلة إضافية أخرى، يبدو من إجاباتها الافتراضية أنها لايمكنها أن تفعل ذلك بنفسها، أو وحدها أبدا.
إن مشكلة إسرائيل هى أن التحليل السائد بشأنها منذ البداية، هو أنها تمارس ألعاب حرب، تدفع فى اتجاه قيام الولايات المتحدة بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وأنها تبدو مستعدة نسبيا لتحمل نصيبها من رد الفعل الإيرانى، كما تحملت ضرب العراق لها بـ 38 صاروخا فى حرب الكويت عام 1991، دون أن ترد بأى صورة ضد العراق، فلديها تقدير لم يقتنع به أحد أبدا، بأن لدى إيران برنامجا نوويا عسكريا نشطا، وأن إيران ستصل إلى امتلاك القنبلة خلال عامين.
والواقع أن إسرائيل تدرك أنها غير قادرة على القيام بمهمة ضرب إيران، إذ لن يدعمها أحد سياسيا أو عسكريا، ويصعب أن تصل قاذفاتها إلى إيران بسهولة، مهما كانت دقة التخطيط والتدريب، كما أنها لن تمر فى أجواء العراق أو الخليج أو تركيا دون سماح واشنطن بذلك، لذا كان مفهوما أن هدف تحركاتها هو الضغط على واشنطن للقيام بذلك، إلا أن لعبة الحرب تلك قد وصلت فى الفترة الأخيرة إلى مستوى من الانكشاف بدرجة قررت معها إسرائيل أن تصعدها إلى مايشبه “الاستعداد للحرب” وليس مجرد التهديد بها.
إن إسرائيل قد قررت القيام بمجموعة من الخطوات العسكرية المتتالية التى تشبه “الفتح الإستراتيجى” بالنسبة للقوات البرية فى مسارح العمليات، وهناك تفسيرات تشير إلى أن كل مايحدث يحمل ملامح لعبة داخلية إسرائيلية، أو اتفاق سرى مع بوش – تشينى على القيام بدور مفجر الحرب التى لن تتمكن الإدارة الأمريكية من تفجيرها، فهى لن تتمكن فى نهاية الأمر سوى من توجيه ضربة واحدة، وليس إدارة حرب. فهل يمكن تصور أن تمر مثل هذه الألعاب على الكونجرس بمجلسيه، وجماعة الاستخبارات، ووزارتى الدفاع والخارجية، ومراكز الدراسات، إذا كانت الأمور تسير بصورة منضبطة فى واشنطن؟.
الفكرة بسيطة، وهى أن إسرائيل تنتقل من “حرب الكلمات” إلى “كلمات الحرب”، لممارسة أقصى ضغط ممكن على الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة، لكي تتخذ قرارات إكراهية حاسمة ضد إيران، لكن واقع الأمور يشير إلى أن اللعبة الرئيسية لا زالت تُدار من واشنطن وطهران، رغم دخول تل أبيب على خط الأزمة، ولاتزال هناك مسافة يجب قطعها قبل أن يقرر أيّ منهما شن حرب، أو تقديم مبرر حاسم لشنها ضده، وهو ما يعني أن “المنطقة الرمادية” لاتزال سيدة الموقف.
د. محمد عبد السلام – القاهرة
طهران (رويترز) – قالت ايران يوم الاثنين 23 يونيو 2008 ان اسرائيل لا تملك القدرة على تهديدها.
وجاء ذلك بعد بضعة أيام من تقرير لصحيفة أمريكية أفاد بأن السلاح الجوي الاسرائيلي أجرى تدريبات فيما يبدو على غارة جوية محتملة لقصف المنشآت النووية الايرانية.
وتبادلت ايران واسرائيل حربا كلامية لاذعة الشهر الحالي بسبب الشكوك بأن طهران تصنع أسلحة نووية مما ساهم في ارتفاع أسعار النفط في شتى أنحاء العالم.
وقال محمد علي حسيني المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية في مؤتمر صحفي “لا تملك (اسرائيل) القدرة على تهديد الجمهورية الاسلامية الإيرانية”.
وكان يرد على سؤال بشأن تقرير صحيفة نيويورك تايمز الامريكية يوم الجمعة الذي نقل عن مسؤولين أمريكيين قولهم ان طائرات اسرائيلية أجرت مناورات على ضربات بعيدة المدى فوق البحر المتوسط الشهر الحالي تبدو وكأنها تجربة للقيام بمهمة ضد ايران.
وتابع حسيني في تصريحات ترجمتها قناة برس التلفزيونية الفضائية الايرانية الناطقة بالانجليزية “تواجه (اسرائيل) العديد من الازمات الداخلية وتريد أن تعطيها بعدا خارجيا لتغطية أمور أخرى. أحيانا يصرحون بمثل هذه الشعارات الخاوية”.
واتهم وزير الدفاع الايراني يوم الاحد اسرائيل بشن “حرب نفسية” ولكنه أضاف أن رد طهران على أي هجوم سيكون “مدمرا”.
وكان محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية التابعة للامم المتحدة قال يوم الجمعة 20 يونيو 2008 ان أي هجوم عسكري على ايران سيحول الشرق الاوسط الى كرة من اللهب وسيدفع طهران الى اطلاق خطة سريعة عاجلة لتصنيع أسلحة نووية.
وتشك القوى الغربية أن طهران تسعى لتصنيع قنابل نووية وقالت سلوفينيا التي تتولى حاليا رئاسة الاتحاد الاوروبي ان من المقرر أن يوافق الاتحاد الذي يضم 27 دولة يوم الاثنين على مجموعة جديدة من العقوبات ضد ايران لرفضها وقف تخصيب اليورانيوم.
وكانت اسرائيل المعتقد أنها تملك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط وصفت برنامج ايران النووي بأنه يمثل تهديدا لوجودها.
وكان وزير النقل الاسرائيلي شاؤول موفاز قال لصحيفة اسرائيلية في وقت سابق من الشهر الحالي ان شن هجوم على ايران “لا مناص منه” على ما يبدو في ضوء الاخفاق الواضح للعقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على ايران في حرمان طهران من التكنولوجيا التي يمكن استخدامها في صنع قنابل.
وتقول اٍيران ان أنشطتها النووية سلمية وتهدف الى توليد الكهرباء.
وقصفت اسرائيل مفاعلا عراقيا عام 1981 ودمرت غارة جوية اسرائيلية في سبتمبر أيلول الماضي ما وصفته الولايات المتحدة بأنه مفاعل نووي بني بمساعدة كوريا الشمالية. ونفت سوريا أن يكون لديها مثل هذه المنشأة.
ولكن كثيرا من المحللين يقولون ان المواقع النووية الايرانية متعددة ومتباعدة ومحصنة لدرجة لا تستطيع اسرائيل وحدها أن تدمرها.
وهددت ايران بالرد اذا تعرضت لهجوم. ويقول مسؤولون ايرانيون ان الصاروخ شهاب 3 الذي يصل مداه الى ألفي كيلومتر قادر على ضرب اسرائيل والقواعد الامريكية في الخليج.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 يونيو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.