مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السينما العربية في إسرائيل .. صعوبات وتهميش

يأمل المخرجون الشبان من العرب الإسرائيليين في أن تتحول مشاريعهم إلى أشرطة سينمائية ناجحة تعرض في ساحة بياتزا غراندي الشهيرة بلوكارنو Keystone Archive

يعاني المخرجون العرب داخل إسرائيل من كونهم مهمشين عربيا وإسرائيليا ودوليا مما يحول دون إيصال أصوات هذه الفئة من عرب إسرائيل للخارج والتعبير عن أفراحها وآلامها.

هذا ما حاول عينة من المخرجين العرب الإسرائيليين الشباب تأكيده من خلال حضورهم الملفت في رُكن “الأبواب المفتوحة” في مهرجان لوكارنو في دورته الستين (1 – 11 أغسطس 2007).

شارك عدد من المخرجين الشباب العرب الإسرائيليين في رُكن “الأبواب المفتوحة” في مهرجان لوكارنو بعينة من الأفلام التي عكست واقع السكان العرب الإسرائيليين وطموحاتهم وانشغالاتهم.

وإذا كانت المهرجانات الدولية كثيرا ما تخصص حيزا لمخرجين فلسطينيين من الضفة والقطاع، فإن الاهتمام بالمخرجين العرب الفلسطينيين من داخل إسرائيل قليلا ما يصل إلى الجمهور العريض. وهو ما جعل عددا من الأفلام المشاركة ضمن ركن “الأبواب المفتوحة” في لوكارنو تحظى باهتمام الجمهور، سواء كانت من إخراج مخرجين عرب إسرائيليين، أو لمخرجين يهود إسرائيليين يتحدثون عن واقع الأقلية العربية داخل إسرائيل.

وهو ما دفع المسئول عن قسم “الأبواب المفتوحة” في مهرجان لوكارنو فيتشانزو بونيو للقول “عند الحديث عن السينما في إسرائيل، يمكن الحديث عن سينما متعددة الأعراق والثقافات لأننا نجد منتجين يهود يعملون معا مع منتجين فلسطينيين مستفيدين في ذلك من تطور صناعة السينما في إسرائيل”.

بالكوميديا يهون الحديث عن القضية

سامح زعبي، المخرج العربي الإسرائيلي المشارك في لوكارنو بفيلم (Be Quiet) “ع السّكت” (أو “كن هادئا”)، وبمشروع فيلم طويل في ركن “الأبواب المفتوحة” بعنوان “رجل بدون هاتف نقال”، يرى أن طريقة معالجته لمواضيع أفلامه “تسمح بإعطاء صورة مختلفة عن القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وينظر لها بمنظار أكثر إنسانية وفيها كوميديا وتراجيديا معينة، ولكنها خفيفة مع تضمنها لرسائل سياسية معينة”.

ويضيف “أحس بأنه أهون علي أن أحكي عن قضايا الاضطهاد الذي نعيشه والعنصرية التي نعيش فيها بأسلوب فيه نوع من الكوميديا لأن الرسالة تمر أحسن والمشاهد يرتاح لذلك ولا تصدمه مباشرة ولكن بطريقة غير مباشرة”.

طرق مختلفة لإسماع صوت عرب 48

يروي فيلم “ع السكت” قصة رحلة لوالد مع ابنه تنطلق من الضفة، ومن مدينة جنين بالذات، لكي تنتهي في الناصرة داخل أراضي إسرائيل في فترة منع التجول. والحوار الدائر بين الشخصيتين الرئيستين طوال هذه الرحلة، أي الأب والإبن الحاملان للهوية الإسرائيلية، يتمحور حول مدى فهم كل منهما للقضية الفلسطينية ونظرته لكيفية التعامل مع الجنود الإسرائيليين.

وقد حاول سامح زعبي تشخيص الجيل السابق من عرب إسرائيل من خلال أبٍ تربى على الخوف والاضطهاد، والجيل الجديد الذي يتمتع بوعي سياسي ولا يتردد في الدخول في مواجهة ورفض مع قوات الجيش في نقاط التفتيش.

ويقول سامح “إن هذا الصراع بين الجيلين مهم لأن الجيل القادم سيتمخض عن هذا الصراع وهذا الأمل يتركه الفيلم في نهايته بحيث يترك انطباعا من أن تنازلا من قبل الأب وتنازلا من قبل الإبن قد يؤدي إلى أسلوب تعامل لجيل فلسطيني لم يتربى على الخوف ولكن وعيه السياسي واقعي أكثر”.

وعن سبب إصراره على أن تكون القضية الفلسطينية في خلفية قصة فيلمه، يقول سامح زعبي “كان مهما بالنسبة لي أن يُسمع هذا الصوت لأنه حتى بالسينما الفلسطينية، الحديث عن فلسطينيي الداخل ليس موجودا. فكان مهما بالنسبة لى أن احكي على هؤلاء الناس وفي نفس الوقت أحكي عن المشاكل التي يعانيها جيل الأب الذي تربى على الخوف والاضطهاد والجيل الجديد الواعي سياسيا”.

أما المخرج العربي الإسرائيلي الثاني توفيق أبو وائل، فتطرق لواقع عرب إسرائيل من خلال فيلم “عطش” الذي وصفه بـ”إبداع يروي مأساة عائلة فلسطينية من الداخل تعاني من مشاكل الشرف ومشاكل العيش في عزلة وحصار، والتي تعرف صراع الأجيال بسبب الثقافة المحافظة على العادات والتقاليد. وهذه الأوجاع الحقيقة هي التي رغبت في تقديمها من خلال هذا الفيلم”.

ويرى توفيق أبو وائل أن العالم، وحتى العالم العربي، لا ينظر للفلسطيني “إلا بشكل واحد، وهو في صورة الفلسطيني الواقف امام الدبابة والجندي الإسرائيلي والإحتلال”.

تعلق بالقضية مهما يكن

ويرى سامح زعبي أن فهم القضية الفلسطينية أصبح معقدا منذ اتفاق أوسلو إذ يقول:”لقد أصبح الفهم صعبا حتى بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم لأنه أصبح هناك فلسطينيو الداخل وفلسطينيو الخارج والضفة والقطاع، بعد أن كنا قبل أوسلو شعبا واحدا بوده أن يعود الى أرضه واستعادة حقوقه، وأصبحنا نرى هذا الفرق اليوم حتى في إنتاجنا السينمائي”.

وعن نظرته للقضية الفلسطينية يقول سامح زعبي “أنا أنظر الى القضية الفلسطينية كقضية إنسانية عادلة من واجب كل إنسان أن يطالب بحلها وليس فقط كفلسطيني. وكمخرج بإمكاني أن أقدم أي قصة إنسانية حتى بدون علاقة مع القضية الفلسطينية. ولكن هذه القصة ستضل متميزة بحسي كفلسطيني”.

مشاكل إضافية لسينما عرب إسرائيل

إذا كانت مشاكل السينما العربية تتمثل عموما في مشكلتي التمويل والرقابة، فإن المشكلة الإضافية التي يعاني منها المخرجون العرب من داخل إسرائيل تتمثل في مقاطعة عربية، وتهميش إسرائيلي في مجال التمويل، وعدم فهم غربي لهوية وطموحات هذه الفئة.

عن هذه الصعاب يقول سامح زعبي “أنا كفلسطيني يعيش داخل إسرائيل، عندما أرغب في إنجاز فيلم في إنتاج مشترك مع أوربيين، فإنهم ينظرون إلى مكان إقامتي. فأنا لا أستطيع أن اخلق جوازا جديدا لكي ابني معاملة إنتاج معهم”.

وعن التمويل العربي، يقول المخرج زعبي “التمويل العربي غير موجود حتى ولو حاولنا (الحصول عليه)، وقد حاولت وسأواصل محاولة الحصول على تمويل عربي، ولكن تضل القضية المطروحة كيف نقدم تمويلا لفيلم فلسطيني ويتم تصويره داخل إسرائيل؟”

زميله توفيق أبو وائل حاول في فيلم “عطش” تجنب إظهار صور الجنود الإسرائيليين، لكن ذلك كلفه تساؤلات من أوروبيين من قبيل “إذن ما الفلسطيني فيه؟ فهذه القصة يمكن أن تكون في المغرب او في مصر أو في إيطاليا”. عن مثل هذه التساؤلات، يقول أبو وائل “الأوربيين يرغبون في أن تُقدِّمَ لهم أفلاما تعكس الكليشيهات التي لديهم عن الفلسطيني وعن القضية الفلسطينية التي ترددها وكالات الأنباء”.

ويضيف “المشكلة الثانية في العالم العربي هو التساؤل كيف يمكنك أن تشتغل مع إسرائيليين ومع المؤسسة الإسرائيلية، وكأننا أبناء غير شرعيين. وهذا ما يجب ان نتجاوزه لأنني انا لست بصدد التطبيع مع إسرائيل أنا موجود هناك ولا يمكنني أن امحي نفسي”.

أما المشكلة الثالثة فتتمثل حسب توفيق أبو وائل في أن “المؤسسة السينمائية الإسرائيلية التي تقدم الدعم لعشرة أفلام في السنة، كم سيتبقى من دعمها لكي يحصل عليه فيلم عربي؟”.

قبول التمويل حتى من الشيطان

ويتفق كل من سامح زعبي وتوفيق أبو وائل على أن على المخرجين العرب داخل إسرائيل أن يقبلوا التمويل من أي جهة كانت إذا هم أرادوا مواصلة الإنتاج والتعبير عن هموم عرب إسرائيل.

إذ يقول سامح زعبي “الحل الأخير هو البحث عن التمويل أينما كان أوربيا أو أمريكيا أو إسرائيليا شريطة ألا يتم جرّك إلى تصور ونظرة تخالف ما كنت ترغب في توضيحه. وقوة المخرج تكمن في قوة حفاظه على تصوره، وعلى أفكاره التي يرغب في عرضها في الفيلم، وعلى هويته، وعلى كيانه كمخرج. وهذا أهم من كل النقاشات الثانية. كل فلسطيني يعاني من مشكلة معينة. فهل المطلوب أن نخفف تلك المشاكل أم نزيد في تعقيدها؟”.

زميله توفيق أبو وائل يرى أن الحل يكمن في “العمل الفردي والمجهود الشخصي، وهذا ما انتهجته في الفيلم الأول. والأن أنا بصدد القيام بنفس المجهود الفردي بالنسبة للفيلم الثاني”. وينتهي إلى خاتمة “أنا ما دمت بصدد إنتاج الفيلم الذي أرغب في إنجازه، فليست لدي مشكلة أن ياتي التمويل حتى من الشيطان، طالما أن الفيلم يعبر عن وجعي وآلامي وواقعي”.

سويس انفو – محمد شريف – لوكارنو

إذا كانت سينما عرب إسرائيل قد عرفت بأعمال المخرجين القدامى من أمثال هاني، ورشيد، وإيلي سليمان، وميشال خليفة، فإن جيلا جديدا من المخرجين ظهر بتصور جديد يرغب من خلاله مواصلة إسماع صوت عرب إسرائيل بخصوصيتهم التي تختلف عن واقع فلسطيني الضفة والقطاع، ولكن بخلفية تعود الى القضية.

سامح زعبي، عرض فيلم “بي كوايت” الذي يحكي قصة أبن ووالده في رحلة في فترة منع التجول بين جنين والناصرة. هذا الفيلم القصير كان ناجحا جدا بحيث فاز بجائزة في مهرجان “كان”، وفي كل المهرجانات العربية في قرطاج ومعهد العالم العربي وفي دبي وطنجة. بل ربح جوائز كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعرض في مهرجان الفيلم في نيويورك وغيره، وكان مرشحا للأوسكار بالأفلام القصيرة الطلابية في أمريكا.

توفيق أبو وائل عرض فيلم “عطش” الذي يحكي قصة عائلة عربية من فلسطينيي الداخل تعرضت إحدى بناتها لعملية اغتصاب في مدينة الناصرة، فقرر الأب نفي كل العائلة إلى مكان معزول حيث باشر الجميع بعيدا عن المدنية حياة فحامين بكل ما يمثله هذا النشاط من بؤس وشقاء، وفي جو عائلي متميز بعدم نسيان فضيحة الشرف هذه.

عرض هذا الفيلم لأول مرة في أسبوع النقاد في مهرجان الفيلم في “كان”، وحصل على جائزة النقاد. وفي نادي العالم العربي، حصل على الجائزة الثانية “مارون بغدادي”. وفي مهرجان القدس حصل على الجائزة الأولى كأحسن فيلم. ونفس التشريف حاز عليه في كل من مهرجاني باستيابفرنسا وفالنسيا بإسبانيا.

وشارك توفيق أبو وائل في ركن “الأبواب المفتوحة” في لوكارنو بمشروع فيلم يحمل اسم “تناثر”، وهو قصة حب ووجع لزوج فلسطيني منذ عشرين سنة مات الحب القائم بينهما. وأثناء القيام برحلة ألم، يعيدان اكتشاف شعلة الحب القائم بينهما من جديد.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية