الشبابُ السويسري و”النزعة القبَلية”..
كشفت دراسةٌ اجتماعية جديدة أن هوية جيل الشباب السويسري لا ترتكز على أسس أيديولوجية. فلا هم برأسماليين ولا بشيوعيين. لا هم متمسكين بالحلم الأمريكي ولا بالانفرادية التي سادت في الثمانينات والتسعينات.
الشباب السويسري بات يُفضل الانتماء إلى مجموعة، أو ما تصفه الدارسة بـ”قبيلة”، لتكوين هويتهم. لكن هذه الهوية لها أوجه متعددة ومتناقضة أحيانا…
أنجزت شركةُ (BlueComm) السويسرية للاتصال، المُتخصصة في تحليل السلوك الاجتماعية للشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، دراسة حديثة للتعرف على قيم وسلوك وتوجهات جيل الشباب السويسري.
التحقيقُ شمل آراء 500 شاب وشابة من مُختلف أنحاء سويسرا من نفس الفئة العُمرية المذكورة. وخصص المُشرفون على الدراسة لقاءات استغرقت 45 دقيقة مع المُستجوبين في محاولة للتقرب من اهتماماتهم وانشغالاتهم وأسلوب تعاملهم مع محيطهم وبالتالي رسم ملامح هويتهم.
وقادت الدِّراسة التي تحمل عنوان “سلوك جيل 03” (Génération attitudes 03) الباحثةُ الشابة كارولين جاكو- ديكومب. وجاء التقرير الجديد كتكملة لدراسة أولى أجريت قبل عامين من قبل شركة “BlueComm” التي تتخذ من جنيف مقرا لها.
نهاية حقبة الانفرادية
واتضح أن تغييرات كبيرة طرأت في الفترة التي فصلت بين الدِّراستين، حيث أكد مديرُ الشركة فيليب بارثولي أن النزعة الانفرادية (الفردانية) المُفرطة التي كانت حاضرة بقُوة في أوساط الشباب السويسريين قبل عامين، باتت في طريقها إلى الزَّوال مضيفا أن “شباب اليوم لم يعودوا يريدون الإثراء بمُفردهم بل أصبحوا يأخذون بعين الاعتبار آراء الغير لتطوير أفكارهم الخاصة”.
وكانت الدراسةُ الأولى لشركة “بْلُوكوم” قد أشارت إلى أهمية المجمُوعة ونزعة القبلية (Tribalisme) لدى بعض الشباب. وتعززت هذه النزعة بصورة واضحة في الدراسة الثانية حيث أكد مدير الشركة فيليب برثولي أن شباب اليوم “يجد في الانتماء إلى مجموعة ما إطارا مُطمئنا لتطوير هويتهم أمام تعدد الخيارات والقيم والمعلومات في مُجتمعاتنا”.
لكن هذه الهوية لها أوجه مُتعددة يمكن أن تكون مُتناقضة حسب المواقف. ويقول السيد برثولي في هذا السياق: “لو أردت تلخيص نتائج الدراسة في عبارة واحدة لقُلت أن أي شيء ونقيضه يصبح مُمكنا، وهي خصوصية إضافية لما بعد الحداثة (Post modernité).
ويقصد السيد برثولي بهذه العبارة أن شباب اليوم في سويسرا قد يحب ارتداء ملابس وأحذية “الماركات” التجارية الشهيرة، لكن يريد أن تكون هذه الماركات ملتزمة بقيم أخلاقية، وقد يحب هؤلاء الشبان نقاء البيئة لكنهم لا يكرهون سياراتهم، وقد يحبون الاستهلاك دون مُعارضة العولمة…
“القبيلة” هي البديل
من جهة ثانية، تعزو الدراسةُ الجديدة اتجاه الشباب السويسري نحو “القبلية” إلى التغييرات التي شهدها العالم منذ سقوط جدار برلين عام 1989 بصورة عامة ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 تحديدا. فما الذي ظل لهؤلاء الشباب الذين لم يعودوا يثقون بالأيديولوجيات الكبرى التي تتوارثها الأجيال؟ تجيب الدراسة أن الانتماء إلى مجموعة أو “قبيلة” تبقى البديل الوحيد، حيث أن الشباب يتجمعون وسط هذه “القبائل” حسب نوعية هواياتهم وعاداتهم الاستهلاكية وقناعاتهم.
وعن هذه الظاهرة، تقولُ الباحثة الشابة كارولين جاكو- ديكومب التي قادت الدراسة: “أمام تشتت التركيبة العائلية، تتحول المجموعة إلى النظام المرجعي الأساسي. 80% من الشبان يقولون إنهم ينتمون إلى مجموعة تتألف من 4 أو 5 أشخاص على الأقل.” ويعتمد الانتماء إلى هذه المجموعات على نوعية السلوك والمواقف التي تُميز عُموما كل مجموعة على حدة. وقد استنتجت الدراسة أن هنالك 9 أنواع من المجموعات الشبابية في سويسرا.
جيلُ الهاتف النقال
على صعيد آخر، يتميز شُبان اليوم في سويسرا بتأقلمهم القوي مع عالم التكنولوجيات الحديثة التي سمحت لهم بخلق نوع جديد من المجموعات الافتراضية. الانترنيت و”الدردشات” والهاتفُ النقال ورسائل (SMS) أصبحت رفاقهم الدائمين، حيث أن 85% من الشبان السويسريين الذين شملتهم الدراسة يتوفرون على هاتف نقال و86% منهم يبعثون كل يوم ما بين 1و10 رسالة قصيرة (SMS).
وتنوه الباحثة جاكو-ديكومب إلى أن وسائل الاتصالات الحديثة أنتجت نوعا جديدا من الاندماج الاجتماعي بالنسبة للمراهقين “الذين يفضلون تبادل الرسائل القصيرة مع أصدقائهم بدل الحديث مع الكبار، كما أنها منحت للشبان المزيد من الاستقلالية لأن آباءهم لم يعودوا قادرين على مُراقبة الاتصالات الهاتفية التي يتلقونها. وتستنتج الباحثة الشابة أن “الهواتف النقالة مثلها مثل الانترنيت، تسمح للشباب بخلق ومراقبة مجموعاتهم الخاصة”.
اصلاح بخات- سويس انفو مع صحيفة La Liberté
85% من الشبان المستجوبين يتوفرون على هاتف نقال
16% لا يستعملون أبدا شبكة الانترنيت
47% يستعملون الانترنيت مرة في اليوم
37% يتصفحون مواقع الانترنيت أكثر من مرة واحدة في اليوم
42% قاموا بعمليات شراء عبر الانترنيت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.