“الشتاء الساخن” في غزة: أي حرب؟ لأية أهداف؟
انسحبت القوات الاٍسرائيلية من قطاع غزة يوم الاثنين 3 مارس بعد نداءات من واشنطن لانقاذ محادثات السلام مع الفلسطينيين وإنهاء اشتباكات استمرت لأيام وقتلت أكثر من 115 فلسطيني ثلثهم من الأطفال.
حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة أعلنت “انتصارا” وتوعدت بمواصلة إطلاق الصواريخ على اٍسرائيل، فيما نقل مسؤول عن رئيس الوزراء إيهود أولمرت قوله للجنة برلمانية “نحن في وسط عمل قتالي، ما حدث في الايام الاخيرة ليس حدثا يقع مرة واحدة”..
العمليات الإسرائيلية العسكرية في قطاع غزة، والتي سبق لسويس إنفو أن توقّـعت حدوثها، أثارت ثلاثة أسئلة متلازمة دفعة واحدة:
1- ما حدود هذه العمليات، وهل ستتضمن في النهاية اجتياحا إسرائيلياً شاملاً لكل القطاع؟
2- ما مدى الدعم الأمريكي لهذه العمليات؟
3- وأخيراً، في أي إطار يُـمكن وضع الصمت الرسمي العربي حيال ما يجري في جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة؟.
القرار الإستراتيجي
الجواب على السؤال الأول توفّـره التصريحات والبيانات الإسرائيلية الأخيرة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وفي معرض رفضه للانتقادات الدولية لوقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين (110 قتلى وعشرات الجرحى حتى يوم الاثنين 3 مارس)، ربط ربطاً مُـحكماً بين “وقف العمليات وانتهاء خطر الصواريخ الفلسطينية”.
ووزير الدفاع إيهود باراك توقّـع أن تتواصل الهجمات الإسرائيلية “حتى تحقيق أهدافها”، في حين كان قادة الجيش الإسرائيلي يبلغون الحكومة تأييدهم بالإجماع لمتابعة الضغط العسكري على القطاع.
السيناريوهات التنفيذية لهذا القرار الإستراتيجي لا يزال يكتنفها الغموض، سواءٌ أكان هذا الأخير مقصوداً أو غير مقصود.
فثمة مَـن يرى أن إسرائيل تتعمّـد عدم كشف كل أوراقها العسكرية، لأنها تريد اختبار كل مكامِـن القوة والضّـعف ودرجة التسليح لدى حركة “حماس”، قبل الإقدام على اجتياح كبير، وهي تستفيد بذلك من أخطائها في حرب لبنان عام 2006، التي فوجِـئت فيها بكل من الأسلحة المتطوّرة التي يملكها “حزب الله” وبإرادة القتال والمِـهنية العالية لدى مقاتليه.
لكن في المقابل، هناك من يعتقِـد أن الدولة العِـبرية تتهيـّب الدخول إلى كل القطاع، تجنّـباً للتعرّض إلى خسائر بشرية كبيرة تسفر عن صدمة سيكولوجية – وجودية جديدة قد لا يحتملها المجتمع الإسرائيلي، الذي لم يستفق بعد من صدمة “حرب الأسيرين” في يوليو 2006 في لبنان.
لكن، وبرغم تباين الآراء حول خريطة طريق العمليات العسكرية الإسرائيلية، يمكن تحديد خيارين رئيسيين:
أ- احتلال الدولة العبرية لمنطقة شمال غزة، التي يعتقد أن معظم صواريخ القّسام تنطلق منها، إضافة إلى المعابر على الحدود الفلسطينية – المصرية، ثم تحويل هذه المساحة إلى منطقة عازلة شبيهة بتلك التي أقامتها إسرائيل على مدى سنوات طويلة في جنوب لبنان (والتي كان يطلق عليها إسم “الشريط الحدودي”)، ويتضمن هذا الخيار مواصلة تدمير البُـنى التحتية لحركة “حماس” واغتيال قادتها، انطلاقا من المواقع الجديدة للقوات الإسرائيلية في الشمال.
ب- اجتياح كامل غزة، استنادا إلى القناعة بأن الصواريخ لن تتوقّـف عن الانهمار على الداخل الإسرائيلي، إلا إذا ما تمّ نسف حكم “حماس”. ولأن تل أبيب لا تنوي البقاء في غزة، التي تعتبر من المناطق الأفقر في العالم، يقترح المخطِّـطون الإسرائيليون تسليمها بعد الإطاحة المُـفترضة بحكم “حماس” إلى السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس أو إلى قوات مختلطة، تكون قوات الأطلسي هي نواتها الداخلية الرئيسية، تماماً مثل القوات الدولية التي دخلت لبنان بعد “حرب الأسيرين” وِفق قرار مجلس الأمن رقم 1701.
وهنا يطرح البعض السؤال التالي: ألا يُـحتمل أن تتضمّـن هذه الخريطة إمكانية الحوار ومِـن ثم الهُـدنة بين تل أبيب و”حماس”؟
هناك أصوات إسرائيلية “معتدلة” تدعو إلى ذلك، ليس حُـباً بهذه الحركة الإسلامية، التي تشكّـل امتدادا لحركة الإخوان المسلمين العالمية، بل خوفاً من الخسائر البشرية التي يُـمكن أن تتكبّـدها إسرائيل من جرّاء معارك الحسم معها.
بيد أن القادة الإسرائيليين يصِـفون هذه الإمكانية بأنها “خيار بين الطاعون والكوليرا” ويرفضونه جُـملة وتفصيلاً، ولذا، قد لا يبقى على الطاولة خلال المرحلة المقبلة سوى خِـيار الحسم على الأرجح.
أمريكا والعرب
ماذا الآن عن الموقفين الأمريكي والرسمي العربي؟
حين بدأت إسرائيل حرب يوليو 2006 لـ “استئصال” حزب الله، حطّـت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الرّحال فجأة في تل أبيب لتُـعلن من هناك أن “المعارك العسكرية هي مجرّد آلام مخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد”.
توقعات رايس لم تتحقق، فلا الشرق الجديد وُلِـد ولا المخاض كان مَخاض وِلادة، ما حدث كان العكس: الشرق الأوسط “القديم” (بالمعنى التاريخي)، هو الذي فرض وجوده، بعد أن فرمَـلت المقاومة اللبنانية نَـظرية التفوّق النّـوعي التكنولوجي الإسرائيلي بتفوّق نوعي بشري عربي.
الآن، كوندي الآتية مجدّداً إلى الشرق الأوسط وسط لهيب المعارك، ستكون أكثر حذراً في إطلاق التوصيفات الجازمة، وأقل اندفاعا للتعبير عن تفكيرها الرغائبي، وستنتظر نتائج العمليات العسكرية الحالية في غزة، قبل أن تخوض مجدّداً في مسائل المَـخاضات والوِلادات ومفارق الطّـرق التاريخية.
الموقف الرسمي الأمريكي الذي عبّر عنه الناطقون باسم البيت الأبيض، غطّـى العمليات العسكرية الإسرائيلية عبر وصفها بأنها “تأتي في إطار الدفاع عن النفس”، لكنهم في الوقت نفسه، دعوا إلى الرأفة بالمدنيين ووقف القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات.
هذا الموقِـف لن ينطبِـق فقط على واشنطن. فمعظم الأطراف العربية تقريباً ستتريث أيضاً، برغم أنها أدانت صواريخ “حماس”، كما أدانت عام 2006 إقدام “حزب الله” على خطف جنديين إسرائيليين، بوصفه مغامرة غير محسوبة.
لماذا التريث؟ لمعرفة ما إذا كانت المقاومة الفلسطينية ستنجح أم لا في تِـكرار تجربة المقاومة اللبنانية، فإذا لم تفعل، ستكون الظروف مهيَّـأة، أمريكياً وإسرائيلياً وعربياً، لتقويض المِـحور الإيراني – السوري، وإذا ما فعلت (حتى ولو نسبياً بسبب قلة ما يتوافر لها من أسلحة متطورة)، فإن موازين القِـوى ستتغير جذرياً، وسيكون الرئيس الأمريكي الجديد مُـضطراً للتّـعاطي مع أمر واقع جديد في الشرق الأوسط.
الصدمة والرعب
الدولة العِـبرية تُـدرك بالطبع هذه الوقائع، ولذا، تتّـسم هجماتها في غزة، وستتسم أكثر بعنف غير مسبوق. فالقصف في مُـخيم جباليا يَـطال المدنيين قبل المُـقاتلين وسيارات الإسعاف قبل منصّـات الصواريخ. المستشفيات كلها محاصرة وتقارير صحيفة “الغادريان” البريطانية، تتحدث عن قرار إسرائيلي جازم بمنع الخدمات الطبية عن الجرحى والمرضى “الغزّاويين”، سواء في القطاع أو خارجه.
الغزو الإسرائيلي الشامل للقطاع لم يحدث بعد، لكن العمليات العسكرية الحالية، ربما تشكّـل تمهيداً حقيقياً له، ليس فقط بوصفها جسّ نبض لمدى استعدادات المقاتلين، بل أيضاً لنشر الصّـدمة والذّعر في النفوس، مشفوعين برسالة تقول إنه لن تكون هناك بخطوط حُـمر مدنية للهجمات العسكرية الإسرائيلية، وهي بالتأكيد رسالة لها تغطية أمريكية (وربما غير أمريكية أيضاً) واضحة.
المسألة كلها الآن، رهن بمدى قدرة المقاومين الفلسطينيين على المقاومة. خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” تعهَـد بشن “حرب الأسود”، إذا ما اجتاحت إسرائيل القطاع وقال: « إذا لم توقفوا عدوانكم وتنسحبون، ستلاقون المصير الذي تعرفون”، وإذا ما اقترنت كلماته بالأفعال، سيكون قد كرر كلمات وأفعال السيد حسن نصر الله نفسها قُـبيل وخلال الغزو الإسرائيلي للبنان، وهذا احتمال يُـفترض أن تضعه الوزيرة رايس (ومعها العديد من الدول العربية) في الاعتبار، وهي “تواكب” اليوم العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، كما “واكبت” بالأمس حرب لبنان.
سعد محيو – بيروت
غزة (رويترز) – انسحبت القوات الإسرائيلية من قطاع غزة يوم الاثنين 3 مارس بعد نداءات من واشنطن، لإنقاذ محادثات السلام مع الفلسطينيين وإنهاء اشتباكات استمرت لأيام وقتلت أكثر من مائة فلسطيني.
وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تُـسيطر على قطاع غزة “انتصارا” في غزة وتوعّـدت بمواصلة إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وأطلقت صاروخا على مدينة عسقلان بجنوب إسرائيل بعد وقت قصير من انسحاب القوات، مما أسفر عن إصابة شخص.
ومع خروج الآلاف من مؤيِّـدي حركة حماس للاحتفال في الشوارع والتقاط صور لهم مع المسلحين، أذيعت عبر مكبّـرات الصوت في مدينة غزة أغنية لحماس تقول “ذهب الغزاة واندحر جيش اليهود”.
وقال حاييم رامون، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت عن العملية التي استمرت خمسة أيام، إنها جرت في مجراها الطبيعي، مضيفا أن عشرات القتلى الذين سقطوا “من إرهابيي حماس” سيكونون بمثابة رادِع يحُـول دون شنّ هجمات صاروخية جديدة.
ونقل مسؤول إسرائيلي عن أولمرت قوله للجنة برلمانية، “نحن في وسط عمل قتالي، ما حدث في الأيام الأخيرة ليس حدثا يقع مرة واحدة”.
وذكر مسؤول حكومي إسرائيلي كبير أن الصراع دخل “فاصلا لمدة يومين” من أجل زيارة تقوم بها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، وأضاف “هذه العملية المحدودة للغاية (في غزة)، كانت تهدف للتّـوضيح لحماس ما يُـمكن أن يحدُث.. ما يمكن أن تصفه بالتمهيد”، واستطرد “إذا قرروا أنهم اكتفوا بما شاهدوه وأوقفوا إطلاق الصواريخ وإذا وصلتهم الرسالة، يمكننا آنذاك العودة لفترة الهدوء، وإذا استمروا في إطلاق الصواريخ، ستكون هناك المزيد من العمليات مثل هذه العملية أو أسوأ”.
ومن المقرر أن تجري رايس محادثات في القدس وفي مدينة رام الله بالضفة الغربية يومي الثلاثاء والأربعاء 4 و5 مارس، من أجل دفع محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية قُـدما، وتأمل واشنطن التوصل هذا العام لاتفاق بشأن إقامة دولة فلسطينية.
ويعتزم مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّـر، الاجتماع يوم الأربعاء 5 مارس لدراسة خطوة الحكومة المقبلة. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك يوم الأحد 2 مارس، إن إسرائيل ستمضي قُـدما في هجومها ضدّ حماس في غزة. ووقعت إسرائيل تحت ضغط من حليفتها واشنطن لوقف العنف، بعد أن علق الرئيس الفلسطيني محمود عباس محادثات السلام برعاية الولايات المتحدة، احتجاجا على إراقة الدماء.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن 116 فلسطينيا قتلوا في الهجوم في غزة، وقالت جماعات للنشطاء إن نحو نِـصفهم من المدنيين. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، إن عدد القتلى 110 مضيفا “الوضع خطير للغاية، ما ترتب على هذا العدوان الإسرائيلي يفوق وغير مسبوق على الإطلاق منذ حرب عام 1967 من الاحتلال الإسرائيلي”.
وسقط العديد من القتلى والجرحى المدنيين عندما أطلقت طائرات وطائرات هليكوبتر وطائرات بلا طيار إسرائيلية قذائف على مبانٍ ومنازل، قال الجيش إن نشطاء يستخدمونها. وقال مسعفون وحماس، إن إسرائيل شنت أثناء الليل العديد من الغارات الجوية على قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل ثلاثة نشطاء، وذكر الجيش الإسرائيلي أنه استهدف وُرَش عمل تصنع صواريخ. وقُـتل جنديان إسرائيليان في الاشتباكات، كما قَـتل صاروخ مدنيا إسرائيليا، ليصبح أول قتيل يسقط منذ مايو الماضي.
وأطلقت أعمال العنف في غزة احتجاجات مناهضة لإسرائيل في الضفة الغربية، وقال متحدث باسم الشرطة الإسرائيلية إن مستوطنا يهوديا قتل بالرّصاص فلسطينيا يبلغ من العمر 17 عاما يوم الاثنين في رام الله بعد تعرّضه لهجوم من مجموعة من الفلسطينيين كانوا يرمون الحجارة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 مارس 2008)
القدس (رويترز) – قال استطلاع إسرائيلي للرأي العام يوم الأربعاء 27 فبراير، إن معظم الإسرائيليين يريدون إجراء محادثات مع حركة حماس للاتفاق على هدنة وضمان الإفراج عن جندي إسرائيلي مخطوف.
وقال الاستطلاع، الذي نشر في صحيفة هاارتس اليسارية، إن 64% من الإسرائيليين يؤيِّـدون إجراء مباحثات مع حماس، التي تسيطر على قطاع عزة، وذلك لإنهاء الهجمات الصاروخية عبر الحدود من القطاع ولضمان الإفراج عن السارجنت جلعاد شليط، الذي خطفه نشطاء غزة في عام 2006.
وكشف الاستطلاع، الذي شارك فيه 500 شخص، أن 28% من المشاركين قالوا إنهم يرفضون إجراء مباحثات مع حماس و8% قالوا إنهم لا يدرون هل هذا هو التحرك الصواب.
وتقول حماس إنها ستدرس هدنة مع إسرائيل إذا رفعت حصارها عن قطاع غزة وكفّـت عن القيام بعمليات عسكرية في غزة والضفة الغربية المحتلة.
وعرضت حماس أيضا في مباحثات مع وسطاء مصريين، صفقة مقايضة للإفراج عن شليط مقابل إطلاق مئات من الفلسطينيين من سجون إسرائيل.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 فبراير 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.