الشرق الأوسط: آمال الشباب، وخلافات القادة
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في دافوس عن استعداده لتنشيط العملية السلمية على أساس حل الدولتين، فيما حرصت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني على توضيح مفهوم الدولتين ولكن بدون حق العودة وإعادة التفاوض بشأن الحدود.
خلافات القادة السياسيين تأتي في وقت وجهت فيه مجموعة من الشباب الفلسطيني والإسرائيلي (بتأطير من المنتدى الإقتصادي العالمي) نداء لتحقيق حلم السلام والتعايش المشترك في الشرق الأوسط.
في محاولة لممارسة مزيد من الضغط على القادة الفلسطينيين والإسرائيليين لدفعهم الى العودة الى مسار العملية السلمية، نظم منتدى دافوس الاقتصادي العالمي جلسة يوم الخميس 25 يناير بحضور كل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز.
جلسة النقاش التي ترأسها رئيس ومؤسس المنتدى كلاوس شفاب، عززت بنداءات أصدرها مجموعة من الشباب الفلسطيني والإسرائيلي، المجتمع بمبادرة من المنتدى تحت شعار “صوت واحد”. الهدف منها توجيه نداء لقادة شعبيهما من أجل دفعهم الى تحقيق السلام المنشود وفقا لمبدأ قيام دولتين متعايشتين جنبا الى جنب.
لكن ما ورد في مداخلات القادة يترك الإنطباع بأن المسار لا زال طويلا وأن مفهوم حل الدولتين لا يعني الشيء نفسه لدى الطرفين.
تصورات متباينة لمفهوم الدولة الفلسطينية
في الوقت الذي عبر فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن “أنه مقتنع رغم كل ما يبدو من صعوبات بأن الأجواء مناسبة الآن لاستئناف العملية السياسية التي يجب أن تفضي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة”، أعربت نائبة الرئيس الإسرائيلي ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني عن اعتقادها بأنه “في هذه الظروف الحرجة علينا بالنظر الى حل الدولتين ان نحدد ما هي الوسيلة المثلى لتحقيق الهدف المنشود”.
الرئيس عباس تحدث عن “دولة فلسطينية في حدود عام 1967 أي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة تعيش بأمن وسلام مع كل جيرانها بما في ذلك دولة إسرائيل”، في حين تساءلت الوزيرة الإسرائيلية “هل عند استخدامنا لنفس العبارات مثل حل الدولتين نتحدث عن نفس التصورات”؟
إثر ذلك شرحت الوزيرة تصورها لحل الدولتين قائلة: “هذا يعني دولتان ووطنان لشعبين واحد هو إسرائيل، وطن الشعب اليهودي والذي يمنح ملاذا لكل يهودي من أوروبا ولأولئك الذين عليهم مغادرة الدول العربية. أي الحل للشعب اليهودي سواء الذي يعيش داخل إسرائيل او خارجها. ونفس الشيء بالنسبة للفلسطينيين أي وطن لكل فلسطيني حيثما وجد من يعيشون داخل الأراضي ومن يعيش خارجها بما في ذلك اللاجئين”.
مشكل اللاجئين والحدود
وكان الرئيس الفلسطيني قد أوضح بخصوص مشكل اللاجئين بأنه “يجب إيجاد حل عادل ومتفق عليه بموجب القرار الأممي رقم 194″، إلا أن الوزيرة الإسرائيلية أصرت على أن”إقامة الدولة الفلسطينية هي الجواب الوطني للفلسطينيين وهذا هو الحل الوحيد والعادل لقضية اللاجئين”.
وبشأن حدود الدولة الفلسطينية أوضحت الوزيرة ليفني بأن “الحدود المستقبلية هي جانب من المفاوضات المستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين” حيث ترى أنه “في عام 1967 لم تكن هناك دولة فلسطينية، ولم تكن هناك طرق اتصال بين قطاع غزة والضفة الغربية ولذلك علينا أن نخلق شيئا جديدا”، على حد قولها.
الأمـن
حل الدولتين يعني في نظر نائبة الرئيس الإسرائيلي تسيبي ليفني “دولتان تتعايشان جنبا الى جنب في سلام وأمن، وهذا يعني اننا لن نسمح للدولة الفلسطينية أن تكون دولة إرهابية أو أن تدار من قبل منظمات إرهابية”.
في هذا الخصوص، قال الرئيس الفلسطيني في خطابه “اننا رفضنا وأدنا كل العمليات التي تستهدف المدنيين ونبذنا الإرهاب بكافة أشكاله وصوره وأدنا إطلاق الصواريخ التي لا تؤدي إلا الى مزيد من التوتر والحصار، ونحن مُـصرون على تعزيز ثقافة السلام وأن يكون التصدي للاحتلال من خلال المقاومة السلمية والجماهيرية، وتبقى يدنا ممدودة من أجل البدء بالمفاوضات”.
وأضاف الرئيس محمود عباس “وقد حققنا بعض التقدم في عملية التهدئة بحيث حققنا انخفاضا شبه كامل في العمليات المسلحة، بما في ذلك إطلاق الصواريخ من قطاع غزة آملين ان تمتد التهدئة والهدنة لتشمل الضفة الغربية أيضا”.
الوسائل المتصورة من كل طرف
يرى الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أن الوصول الى هذا الهدف لا يتطلب مبادرات أو قرارات جديدة. فهناك قرارات وتوصيات عديدة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وهناك اتفاقيات تمّ توقيعها من الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي”.
كما أشار عباس إلى أن “هناك خطة خارطة الطريق، التي تتضمن المبادرة العربية ورؤية الرئيس بوش بشأن حل الدولتين”، على حد قوله. لذلك فإن “المطلوب بكل صراحة، أن نُـحدد بداية الطريق ونهايتها، وأن نبدأ المفاوضات. لدينا خطة الطريق، موافق عليهامن الجانبين، فلنجلس لنستعرض هذه الخطة ونطبقها، وأعتقد أننا سنصل الى حل سريع”.
لكن وزيرة الخارجية الإسرائيلية لها رأي آخر، فهي تعتقد أن “خطة خارطة الطريق الحالية، هي بمثابة خليط من التصورات المختلفة المؤدية الى فتح آفاق سياسية للفلسطينيين، بهدف تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف ، ولكن على الفلسطينيين تفكيك المنظمات الإرهابية لتقديم الضمانات للإسرائيليين من أن الدولة الفلسطينية التي يراد تأسيسها، ليست لتكون دولة إرهابية لأن الفكرة هي إقامة دولتين تتعايشان جنبا الى جنب في سلام”.
وأوضحت الوزيرة الإسرائيلية “بأن خطة خارطة الطريق التي اعتمدت بعد تنظيم الانتخابات في أراضي السلطة، تطلبت في مقدمتها من أية حكومة فلسطينية، ليس فقط ان تقبل الاتفاقات السابقة، بل أن تعترف بحق إسرائيل في الوجود وأن تتخلى عن العنف والإرهاب، وهذه نقاط تشكل جزءا من أي اتفاق، وليست عراقيل نريد استخدامها لتبرير عدم تطبيق مسيرة السلام، لكننا نرغب في ان يتم التطبيق على الطريق الصحيح”، على حد تعبيرها.
اقتراحات وتوصيات
الرئيس الفلسطيني الذي لم يفوت الفرصة لإعطاء لمحة عن معاناة الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال والحصار، أشار الى اقتراح يدعو إلى إنشاء “قناة خلفية” للتعامل مع قضايا المرحلة النهاية.
وقال بهذا الخصوص “اقترحنا على إيهود أولمرت وعلى السيدة كوندوليزا رايس إنشاء قناة خلفية تتعامل مع قضايا المرحلة النهائية بمشاركة دولية، لأن مثل هذه القضايا تحتاج الى حلول خلاقة من شانها أن تنهي الصراع بشكل عادل وشامل ومتفق عليه”.
أما وزيرة الخارجية الإسرائيلية، التي ترى أن الصراع القائم في المنطقة “هو صراع بين المعتدلين المقتنعين بحل الدولتين، والمتطرفين المتعهدين بالقضاء عليه”، فقد أضافت قائلة: “بالنسبة للتيارات الموالية لإيران، مثل حزب الله وحماس، هذا الصراع ليس صراعا سياسيا، بل دينيا، ولذلك، فإن حل الدولتين لا ينسجم مع اجندة الكراهية التي تعارض التعايش، لذلك، على كل المعتدلين في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية وفي الدول العربية ان يعملوا معا”.
وفي توجهها للمجموعة الدولية قالت “هذا هو التحدي، الذي على المجموعة الدولية ان تدعمه لتجريد المتطرفين وتعزيز صف المعتدلين، إما بالدعم المادي أو بإشارات سياسية مفادها أن الانتخابات المقبلة في الأراضي الفلسطينية يجب ان تفهم الناخبين وان تجعلهم يفرقون بوضوح بين من بإمكانهم أن يقدموا آمالا على المستوى المالي والسياسي ومن ليس بإمكانهم ذلك”، كما جاء في خطابها.
تصورات قادة البلدين قد تبدو متباعدة فيما يتعلق بحل النقاط العويصة في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، رغم تجنب الطرفين التطرق لوضع القدس. ولاشك ان على الشباب الفلسطيني والإسرائيلي المنخرط في حركة “صوت واحد” أن ينتظروا الدورة القادمة للمنتدى دافوس، الذي قد تحتضنه مدينة القدس بالذات، للحصول على إجابة على تطلعاتهم للعيش في سلام جنبا إلى جنب.
سويس إنفو – محمد شريف – دافوس
في معرض حديثه عن كيفية معالجة قضية الشرق الأوسط في دورة هذا العام، قال كلاوس شفاب مؤسس المنتدى:
– “هذه الجلسة هامة إن لم تكن الجلسة الأكثر أهمية في دورة هذا العام”
– “عالج منتدى دافوس موضوع الشرق الأوسط منذ أكثر من 30 عاما”
– “في عام 1976 في عز الأزمة النفطية، حاولنا عقد اجتماع بين العرب والإسرائيليين وكان ذلك بداية مسار التطبيع”.
– “بعد 30 عاما من ذلك مازلنا نناقش تداعيات الأزمة واليوم بالخصوص سنتحدث عن العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية”.
– “إخترنا عنوان هذه الدورة وفيه دلالة كبيرة “يكفي يكفي”.
بتنظيم من منتدى دافوس، وتحت شعار “صوت واحد” وجهت مجموعة من الشباب الإسرائيلي والفلسطيني ثلاث رسائل إلى قادة الشعبين: الأولى من تل أبيب تعبر عن طموحات الشباب الإسرائيلي والثانية من رام الله تعبر عن طموحات الشباب الفلسطيني والثالثة مشتركة من القدس.
عن هذه المبادرة، قال مؤسس ورئيس منتدى دافوس كلاوس شفاب:”لقد اخترنا إعطاء الكلمة لأناس عاديين تم جمعهم في القدس ورام الله وتل أبيب لتوجيه رسالة لكم أنتم القادة. وهي رسالة أمل كبير تم إيصالها الى هنا عبر جهود مؤسس حركة “صوت واحد” دانيال لوبيدسكي وهو من أعضاء القيادات الاقتصادية الشابة في العالم التي اختارها المنتدى”.
رسائل تل أبيب ورام الله والقدس تطالب طلها بضرورة التسريع بتطبيق حل الدولتين المتعايشتين جنيا الى جنب في سلام.
في تعليق على الرسائل، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس: “شعرت اكثر بالأمل من أن السلام قادم لا محالة لأن أجيالنا الصغيرة يبدو انها حريصة أكثر منا نحن الأجيال الكبيرة ولذلك سنطلب منهم أن يتفاوضوا، وأنا متأكد من أنهم سيصلوا الى نتائج أسرع بكثير مما يخطر على بالنا.
أما وزيرة الخارجية الإسرائيلية زيبي ليفني فردت على الرسائل بالقول: “بعد أن شاهدت هذه الصور لشباب يطالبنا بالعمل على تحقيق السلام، يعترينا جميعا نوع من احساس المزدوج: نوع من الاحباط لكوننا اضعنا الكثير من الفرص، ومن جهة أخرى احساس بالأمل. ولكن من مسؤوليتنا ان نمنحهم الأمل وهذا ما علينا ان نعدهم به لأنهم أبناؤنا وأبناء شعبينا وأعتقد أن ما يمكن إرساله من هذا المكان هو تقديم وعد للاجيال القادمة فلسطينية وإسرايلية من أننا سنتخذ كل الإجراءات لإحلال السلام في منطقتنا”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.