“الشرق الاوسط كبش المحرقة ” ؟
"العراق لم يعد هو المسألة. منطقة الشرق الاوسط برمتها، ومعها النظام العالمي برمته، باتا هما المسالة"
هكذا ينظر المحللون الشرق-أوسطيون الان الى السياسة الامريكية الجديدة في المنطقة، والتي تتمحور الان حول ما يسمى “مبدأ بوش”.
من المعروف الآن أن الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش هو الذي طوّر هذا المبدأ، الذي يستند الى مفهوم الحروب الاستباقية بدل مفهوم الردع والاستيعاب الذي كان سائدا إبان حقبة الحرب الباردة، طيلة الإثني عشر شهرا التي تلت الهجمات على واشنطن ونيويورك.
وكانت “وثيقة الامن الاستراتيجي” التي رفعها بوش الى الكونغرس في 19 سبتمبر الماضي والثمرة النهائية لهذا التطوير.
ويوضح المحللون أن هذا المبدأ يثير لدى الاوساط العربية الان سؤالين إثنين مترابطين: الاول: هل سيكون العرب والمسلمون هم كبش المحرقة الذي ستنحره الولايات المتحدة على مذبح مبدإ بوش الهادف الى فرض “الباكس أميركانا”(السلام الامريكي) الجديد بالقوة على العالم؟ وهل سيكون الهجوم على العراق المدخل، مجرد المدخل، الى تحقيق هذا الهدف؟
أماالسؤال الثاني، فيتفرع الى أسئلة تتمحور كلها حول فرص نجاح او فشل هذا المشروع الامريكي الطموح، خاصة في ضوء الاعتراضات الواسعة التي يواجهها في الداخل الامريكي، كما في اوروبا، كما في العالم الاسلامي.
ثغرات في الإستراتيجية
ويستنجد المحللون الشرق أوسطيون هنا بالكاتب الامريكي مايكل هيرش، الذي يعد الان كتابا لجامعة أوكسفورد عن السياسة الخارجية الامريكية، والذي ألقى في دراسة نشرتها هذا الشهر دورية “فورين أفيرز”، بعض الاضواء على الثغرات الخطيرة في بنية التوجهات الاستراتيجية الامريكية الجديدة، منها:
أنه منذ أن أعلن الرئيس بوش مبدأه، تم إستخدامه لتبرير توكيد غير مسبوق للقوة الامريكية منذ أيام الحرب الباردة، وصل الى درجة الكشف الصريح عن وجه الهيمنة الامريكية وعن إعادة رسم خريطة العلاقات الامريكية مع كل دول العالم.
لكن الحقيقة هي أنه بعد مرور سنة من إعلان هذا المبدأ، لا يزال الغموض يكتنف الوجهة الحقيقية للسياسة الخارجية الامريكية. فلا الحرب ضد الارهاب هي حرب بالمعنى الحقيقي، ولا احد يعرف معنى ان يكون الى جانب الولايات المتحدة في هذه الحرب: هل هو يعني تحالفا مؤقتا(كما تقول الادارة) أم هو يعني شيئا آخر؟
أخيرا، يبدو أن بوش يؤمن في الواقع بما يمكن أن نسميه “الحضارة الانفرادية”، وهذا ما يدفعه الان الى تجاهل حلف الاطلسي، والقفز فوق الامم المتحدة، وإدارة الظهر للعديد من المعاهدات الدولية التي وقعت عليها بلاده.
نحو الفشل؟
هذه الثغرات الخطيرة التي أوضحها هيرش، توحي بان مبدأ بوش لن يحظى على الارجح بالاجماع الذي حققه مبدأ ترومان عام 1947 حول الردع والاستيعاب، والذي دشن به حقبة الحرب العالمية الثالثة (الباردة).
وهذا استنتاج قد يكون دقيقا. فمبدأ بوش يواجه الان بمعارضة لا يستهان بها في الداخل الامريكي من جانب القوى الليبرالية والديموقراطية، وبرفض قاطع من الحلفاء الاوروبيين، وبـ “برود إنتهازي” من روسيا والصين.
وبالتالي، فأن أي نكسة قد تصاب بها سياسات الادارة الامريكية، سواء اتخذ ذلك شكل الخسائر البشرية عالية التكلفة او التمدد الاستراتيجي الزائد، ستسفر عن دحرجة رأس مبدأ بوش. لكن هذه المحصلة لا تقدم أية تطمينات إيجابية للعرب، بالنسبة للقضايا القلقة التي يطرحونها في السؤال الاول.
فإذا ما كان صحيحا أن مبدأ بوش قد لا يعّمّـر كثيرا، الا أن ذلك لن يتم على الغالب قبل هدر أنهار من الدماء وغابات من الحرائق في الشرق الاوسط. ومثل هذا التوقع ليس قائما على افتراضات.
ساحة اختبار..
فالحرب الامريكية على العراق باتت محتمة ووشيكة. ومعلومات الرئيس اللبناني إميل لحود التي جمعها من جولته الاخيرة في اليمن وعمان، (وهما من أخلص حلفاء واشنطن)، دفعته الى الاستنتاج بأن الولايات المتحدة ربما تعمد الى شن حرب جوية على لبنان (حزب الله ) وسوريا بعد “إنجاز المهمة” في العراق. والتقارير الصحافية والاكاديمية الامريكية تؤكد أن المنطقة العربية ستشهد سلسلة من عمليات تغيير الانظمة التي قد لا تكون كلها سلمية أو غير دموية.
وإذا ما عنى ذلك شيئا، فأنه يعني أن الشرق الاوسط سيكون ساحة الاختبار الاولى (وربما الاخيرة أيضا) لمبدأ بوش. وسواء نجح او سقط هذا المبدأ في الامتحان، فأن شعوب المنطقة هي التي ستدفع أثمانه الفادحة، ونقدا أيضا.
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.