“الشعب الفلسطيني فـَقـد كلّ شيء.. إلاّ كرامـته!”
هذه هي قناعة الـمُتخصصة السويسرية في علم النفس الإثني وفي العلاج بالتمثيل النفسي المسرحي المعروف بـ "السيكودراما"، الدكتورة أورسولا هاوزر التي وجهت مؤخرا انتقادات شديدة للحكومة الإسرائيلية وللمجتمع الدولي بسبب جموده أمام حصار وظلم وصفته بـ "السرطان الذي ينهش المجتمع الفلسطيني".
جاء ذلك في سياق حديث معها بمقر سويس انفو في برن لدى عودتها في بداية يوليو الجاري من زيارة إلى غزة حيث شاركت في الإشراف على ورشات تدريبية لطاقم فلسطيني في “برنامج غزة للصحة النفسية”، في إطار تعاون بدأ قبل ستة أعوام بين البرنامج ومنظمة “ميديكوس موندي سويس” غير الحكومية السويسرية.
“قتل الجنود الإسرائيليون ابني”.. “أريد أن أحضر زفاف ابنتي، لكن الحصار يمنعني”.. “أريد حضور مراسيم دفن جدتي، لكن السور أمامي”.. “علـيّ أن أضع ولدا هذه المرة، وإلا ستنهار أسرتي”.. “مرت ثلاثة أشهر على زواجي ولم أحمل بعد، سيبحث زوجي عن امرأة ثانية”..
هذه نماذج للمواضيع التي تطرقت لها الدكتورة أورسولا هاوزر مع مجموعة من الأخصائيين في مجال الصحة النفسية والخدمة الإجتماعية في برنامج غزة للصحة النفسية خلال الورشات التكوينية في مجال السيكودراما التي أشرفت عليها. ووصفت د. هاوزر في حديثها المطول مع سويس انفو غداة عودتها من غزة انعكاسات الحصار على نفسية الفلسطينيين، صغارا وكبارا، وتفاعل الفلسطينيين مع العلاج بالدراما، كما لم تبخل عن الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الدولي بانتقادات لاذعة.
سويس انفو: كيف تطور تعاونكم مع برنامج غزة للصحة النفسية في مجال التمثيل النفسي المسرحي (أو السيكودراما)؟
د. أورسولا هاوزر: بدأنا هذا التعاون في عام 2002 بتدريب معمق لفريق من برنامج غزة للصحة النفسية يضم 15 سيدة ورجل، ويتكون من أطباء وعلماء نفسيين وعمال اجتماعيين، معظمهم نساء يمارسن نشاطا مُكثفا في مُخيمات اللاجئين. وتملـّكني الفضول في البداية (…) حول مدى تقبل هذا الفريق لمنهج السيكودراما الذي جلبناه لهم، فهو أسلوب يقتضي لمس المشاركين لبعضهم البعض، وتبادل الأدوار بحيث تتقمص النساء شخصيات رجالية والعكس بالعكس.
ولم أكن أعرف إن كان مسموحا بهذا الأسلوب في الثقافة الإسلامية لأنني أعلم بوجود العديد من القواعد السلوكية بين الجنسين. لكن مفاجأتي كانت سارة إذ كانوا مُبدعين جدا ورائعين (…) بحيث ابتكروا طريقة لمس عبر الثياب فقط. (…) كما وجدوا حلولا للخروج من عدة مآزق: فعندما كان يستحيل على رجل البكاء خلال أدائه المسرحي كان يختار سيدةً من المجموعة تبكي عوضا عنه. وفي المقابل، قام رجال بدور سيدات لم يستطعن التعبير عن شعورهن بالكراهية والغضب، وكانوا جميعا سعداء جدا بتبادل أدوارهم (…) وقالوا إنها ثورة ثقافية صغيرة تمكنوا بفضلها من التعبير عن مشاعر مكبوحة. (…)
سويس انفو: يعني أن علاج السيكودراما يبدأ أولا بالمُعالج نفسه قبل أن يُعرض على المريض؟
د. أورسولا هاوزر: في قاعدة التحليل النفسي، يبدأ التدريب دائما بالعلاج الخاص. فأنت أولا مريض قبل أن تُصبح مُعالجا، خاصة في مكان عيش مثل غزة. فعندما بدأنا العمل مع برنامج غزة للصحة النفسية، كان بعض زملائنا يعانون من انعكاسات درامية، كمقتل أعضاء من أسرهم على يد الجنود الأسرائيليين. وكان عليهم يوميا تقديم الدعم للمرضى بينما كانوا هم بحاجة ماسة إلى مُعالجة أنفسهم. (…)
وقد بدأنا في عام 2002 تكوينا تواصل إلى عام 2006 ارتكز على علاجهم الخاص، وذهبنا لتأطيرهم مرتين، واستغرقت كل زيارة مدة أسبوع كنا نقوم فيها بماراثون حقيقي يتواصل خمسة أيام يعتمد خلالها أعضاء المجموعة على التقنيات المسرحية للتطرق إلى أهم موضوع بالنسبة لهم، سواء في مجال حياتهم الخاصة أو المهنية. (…) ويجدر التذكير في هذا السياق بأن المواضيع تكون دائما من اختيارهم، فلست أنا، بصفتي معالجة أو مديرة السيكودراما، من يقترح عليهم مواضيع اليوم، بل تظل الكلمة لهم، وهذه خاصية مهمة جدا لا سيما في سياق درامي عميق جدا. ونحن لا نستيطع أبدا فرض شيء عليهم، بحيث سيكون ذلك بمثابة عنف إضافي. (…)
ونخوض الآن المرحلة الثانية من التكوين التي ستتواصل لمدة سنتين إضافيتين، وتتمثل في عملية إشراف تقوم بها المجموعة نفسـُها التي درست تقنيات السيكودراما المعقدة، تقنيات تستخدمها حاليا لمساعدة الأطفال المصدومين من جراء الحياة في ظل الحصار (…).
سويس انفو: هل يمكن إعطاء أمثلة عن مواقف عايشتموها في إطار عمل السيكودراما في قطاع غزة؟
د. أورسولا هاوزر: في إحدى المجموعات التي رافقناها وأشرفنا على عملها في خان يونس، كانت النساء المشاركات في التمثيل النفسي المسرحي قد غطين جسدهن بالكامل، بحيث لم تكن تظهر منهن سوى العيون. فتساءلْتُ باستغراب كيف يمكن أداء السيكودراما، وهي عبارة عن عمل مسرحي يتطلب قدرا من التعبير الوجهي؟ لكن أداءهن كان رائعا. فبالعينين فقط والجسم، تمكنت مُشاركةٌ من التطرق لموضوع العقم ببراعة.
فهي شابة في ربيعها الحادي والعشرين، لم تحمل بعد مضي ثلاثة أشهر عن زواجها، وهذا يعطي لزوجها الذي تُحبه حق اختيار امرأة أخرى. فقمنا بإخراج المشهد من خلال حديثها مع مولود لم يوضع أبدا. كان حوارا سرياليا بحتا. فالسيكودراما تقوم على أساس العفوية والخيال. وعلى غرار المسرح السريالي، يمكن الحديث مع أناس ميتين أو رُضع لم يولدوا قط، على سبيل المثال.
وكانت النتيجة أن تفجرت الشابة بالبكاء كاشفة عن حدة الألم والانهيار الذي يسكن أحشاءها (…) بينما قام فرد من المجموعة بدور زوجها وآخر بدور حماتها (الحماة التي تتمتع بسلطة قوية في الأسرة الفلسطينية)، وفي هذا السياق السريالي، تبادلت الحوارات والأدوار مع زوجها وحماتها، وتمكنت من الغوض في عمق أعماق ذاتها الداخلية لتبوح بكيفية تفكيرها وتصورها لسير الأمور، وبطبيعة الحال، ظهر أنها تعتقد بأن الجميع ينظر إليها كامرأة ناقصة وأن تقديرها لنفسها ضعيف جدا.
لكن عمل السيكودراما ساعدها على التحلي بقدر أكبر من الشجاعة للحديث مع زوجها مثلا (…) فهذا الأسلوب المسرحي يعزز ويُطور الحياة النفسية بحيث يـُمكّن الشخص من تحديد العقبات النفسية وأسباب أعراض الأمراض النفسجسمية (السيكوسوماتية)، فالعديد من المرضى يشكون من آلام مختلفة، خاصة من الصداع النصفي (الشقيقة) أو الظهر.
وتتيح السيكودراما في هذه الحالات للمشاركين تقمص دور الصداع النصفي، ليصبح له صوتا يصف من خلاله كيف يُعذب المريض. وهذا أمر مهم جدا، إذ يجب إضفاء كلمات على ما يشعر به الجسم، وعندما يقول الشخص المتقمص للصداع النصفي “أنا أعذبك لأنك فعلت كذا وكذا” قد تحدث المصالحة بين الداء والمريض وقد يتحرر هذا الأخير من صداعه، وفي كثير من الأحيان، تختفي الأعراض حقا (…).
ومن الأمثلة التي أثـّرت في كثيرا أيضا عدمُ تمكن إحدى زميلاتنا من الذهاب إلى زواج ابنتها في نابلس بسبب الحصار، واستحالة حضور زميل آخر لمراسيم دفن جدته لنفس السبب. ولمساعدتهم على مقاومة الانهيار (…) نتيح لهم، على الأقل في الفضاء العلاجي، مُتنفسا من خلال قيام فرد بدور تلك الإبنة التي تتزوج في نابلس، لتتمكن الأم من معانقتها وحضنها، ولنخفف من الألم الداخلي للمرضى ونتفادي الإصابة بالأمراض النفسجسمية أو تفاقمها (…)
سويس انفو: لكن بعد انتهاء التمثيل، ألا يشعرون بإحباط كبير بما أن الرضيع الذي تخيلته الشابة مثلا لا يوجد في الحقيقة والبنت التي حضنتها الأم لم تتحرك أصلا من نابلس…
د. أورسولا هاوزر: إنهم يشعرون بحزن كبير وغضب أيضا على المسرح. لذلك نحن نستمعل أيضا عصا في عملنا يمكن أن يستخدمها المشاركون للضرب على الأرض مثلا للتعبير عن وضع صعب عايشوه في السجن أو تحت التعذيب، وبالتالي القيام بشيء لم يكونوا قادرين على إنجازه في الواقع.
ويتمثل الهدف العلاجي في تحرير تلك المشاعر المكبوحة والتعبير عن ذلك الحزن على المسرح رفقة الآخرين. فكل واحد من المشاركين يقوم بوظيفة علاجية (…) في هذا المسرح المرتجل الذي يسمح للابطال أن ينسوا حقا (ولو مؤقتا) واقعهم (…) لكن هذا النوع من العلاج يتطلب بطبيعة الحال وقتا طويلا وجهدا متواصلا (…) خاصة وأن هذه المجموعة لا تواجه الحرب ضد السور والحصار فحسب، بل هي تعيش في غزة التي تحولت إلى سجن كبير يأوي مليون ونصف المليون نسمة، 90% منهم عاطل عن العمل.
وإن كانت الأمم المتحدة تزودهم ببعض القوت، فإن نفسيتهم متأثرة جدا بشعور سلب الكرامة منهم، وهو أسوأ تأثيرات هذا الحصار على شعب يتمتع بعزة نفس عالية ويريد الحفاظ على كرامته والحصول على حق العودة إلى الديار التي طُردوا منها في عام 48، أو على الأقل أن يُعترف بحقهم على المستوى الدولي، أن يُعترف بتلك النكبة التي مضى عليها الآن ستون عاما، (…) منذ قيام الدولة الإسرائيلية التي كانت بمثابة كارثة بالنسبة للشعب الفلسطيني، أولئك الفلسطينيون الذين مازالوا يعانون، في جيلهم الرابع، من معاملتهم كحشرات.
وهو شعور ناجم عن سلوك عنصري ومشروع استعماري قريب من نظام الميز العنصري الذي تقوم به إسرائيل تجاه الشعب العربي، مما يؤثر على حالته النفسية؛ فهم متأثرون طبعا لأنهم يقولون: لماذا نسيـَنا العالم؟ من نحن؟ كيف يمكن أن يستمر هذا الظلم دون أن تقوم أوروبا (على الخصوص) التي كانت قوة استعمارية من قبل والتي وجدت حلا للشعب اليهودي بإعطائه وطنا مقابل فقدان شعب آخر لكافة حقوقه. وهذا الظلم الذي مازال يفلت من العقاب هو السرطان الذي ينهش المجتمع الفلسطيني (…)
إنه وضع متعب نفسينا بالنسبة لنا أيضا عندما نذهب إلى هناك ونريد مثلا اجتياز معبر ايرتز، إذ ينتابنا حقا شعور بالعذاب، لأنك تعيش بالفعل في محيط يشبه الغيتو، إنه أمر غريب وبشع ومُضر. (…). في السابق، كان المعبر “إنسانيا” أكثر إن صح التعبير (…) لأننا كنا على الأقل نتحدث مع الجنود الإسرائيليين وكثير منهم فتحوا لنا قلوبهم وتحدثوا معنا عن معاناتهم أيضا، (…) أما اليوم، فأصبح المعبر عصريا جدا يشبه المطارات الحديثة، لكنه مرعب لأنه خال تقريبا ويستغرق عبوره ساعة تقريبا نضغط خلالها على أزرار كثيرة لفتح باب تلو الأخرى… تحت مراقبة شركة خاصة حلت محل الجيش.(…)
سويس انفو: هل تعتبرون الفلسطينيين أقوياء من الناحية النفسية؟
د. أورسولا هاوزر: نحن معجبون كثيرا بكرامة هذا الشعب. ففي وضع كارثي تماما، نستغرب لعدم تفشي العنف العائلي بصورة أوسع مثلما هو الحال في أمريكا الوسطى حيث يسود عنف مرعب جدا إزاء النساء والبنات. وهنا (في فلسطين) دور الدّين مهم جدا لأنه يؤَدي تقريبا وظيفة علاجية. ففي إطار مثل هذا، نعتبر منع استهلاك الكحول شيئا رائعا، وإلا كان الشعب بأكمله يتعاطى للخمر، ومن الخمر تبدأ مشاكل العنف الأسري والاعتداءات الجنسية، كل هذا موجود أيضا هناك لكن بقدر أقل بكثير مما تشهده مجتمعاتنا (الغربية).
إن الفلسطينيين أقوياء من الناحية النفسية، لكنهم الآن حقا على وشك الانهيار في ظل غياب استجابة المجتمع الدولي لمطالبهم وأسئلتهم. الحصار مستمر منذ سنتين؛ سنتان والعالم لا يفعل أي شيء ليقول لإسرائيل إن العمليات التي تقوم بها غير قانونية لأن التشريعات الدولية تقول بوضوح منذ معاهدات أوسلو إنه يجب وقف المستوطنات. لكن الإسرائيليين يواصلون تشييدها بشكل غير شرعي. وكل مرة نذهب فيها، نجد المزيد من المستوطنات! كيف يمكن ذلك؟ وكأن القوانين الدولية ليست لها قيمة لدى إسرائيل، ولماذا لا تقوم أوروبا بأي شي؟
يجب أن تتخلص أوروبا من مشاعر الذنب إزاء الشعب اليهوديى، وعدم الخلط بين ما كانت الجريمة قبل ستين عاما وما يحدث الآن، يجب أن تقول لإسرائيل بوضوح عليكم وقف ما تقومون به والشروع في التفاوض مع الفلسطينيين كشركاء وجيران متساويي القيمة (…).
حتى في المدارس العبرية، يتعلم الصغار أن العرب هم أدنى مستوى وإرهابيون، وهذه حلقة عنف مفرغة. (…) وتُعزز مثل هذه الأحكام المُسبقة المشاكل النفسية لدى الفلسطينيين الذين يعيشون على حافة انفجار أو بركان، وإذا ما لم يتحرك المجتمع الدولي ليتوقف الحصار، ستحدث كارثة أكبر من تلك التي يعيشها الفلسطينيون حاليا، قد تندلع انفجارات عنيفة وعنيفة ضد الذات، ليُسطر عليهم فقدان أمل مطلق، وليقع انهيار في أوساط الأطفال.. ذلك الجيل المقبل.
سويس انفو: على ذكر جيل المُستقبل، كيف تساهمون في توليد الأمل لدى الأطفال الفلسطينيين في وقت يعلم العالم بأسره أنهم يعيشون في ظل نزاع طويل ومعقد وقد لا يحل اليوم قبل غد؟ وما هي الصور التي أثرت فيك أكثر كإنسانة ليس فقط كأخصائية؟
سويس انفو: من المبالغة القول إننا سنعطي لهؤلاء الأطفال الأمل أو نولده لديهم، الشيء الوحيد الذي يمكن أن نقوم به من أجلهم هو الذهاب إلى هناك. وننتمى أن يتحول عدد أكبر من المختصين، الدوليين أو السويسرييين، إلى عين المكان لتفقد الوضع ومساعدتهم بشكل رمزي على إحداث ثقب في ذلك الجدار (الفاصل) (…).
فالأطفال الفلسطينيون في حاجة مُلحة إلى العلاج (…) لأن الكثير منهم يعاني من أعراض التدمير الذاتي مثل لطم الرأس بالجدران، وهي أعراض تلي الإصابة بالصدمات، وهذا معروف جيدا في كل الأبحاث حول انعكاسات الانعزال الذي يتجاوز طاقة التحمل (…)، فهم لا يفتقرون إلى الماء والغذاء فحسب، بل يعانون من ذلك الانغلاق (…) وقد يتطلب الأمر جيلين لاستعادة هذا الشعب لقواه (…).
أما عن الصور التي تأثرت بها هناك، فهما صورتان بالضبط: الدمار الشامل للمنازل قرب معبر إيريتز، وعيون الاطفال الفلسطينيين المفتوحة والجميلة جدا، عيون نقرأ فيها أيضا مشاعر الكراهية واللّوم، وهذا ما يبكيني. فنحن لا يمكننا أن نقول لهم إن الأمور ستكون على ما يرام إذ لا يحق لنا إعطاءهم آمالا خاطئة. لكن في نفس تلك العيون، هنالك أيضا ابتسامة وقوة كبيرة تجسد بالنسبة لي جمال هذا الشعب.
(…) فالأجداد يتحدثون وينقلون تجربتهم للأطفال (…) يقولون لهم من أين أتوا، من المدينة التي أصبحت الآن حيفا أو أشكلون (…) ويُظهرون للصـّغار أنهم إذا تمكنوا من الصمود إلى الآن فإن الجيل القادم سيواصل المشوار ولن يكون ضحية، فلن يسمحوا بذلك! (…).
وقد استلهمت مجموعات السيكودراما الفلسطينية من مارتين لوثر كينغ (الزعيم الأمريكي الأسود) العبارة القائلة “لديّ حـُلم” بحيث يـُردّدون “نحن أيضا لدينا حلم”. ونحن، كمحللين نفسيين، نعمل كثيرا على تفسير الحلم الذي يعتبر منبعا باطنيا له تأثير علاجي (…) فكثير منهم يعاني من الحصر النفسي والكوابيس المُتكررة، ونساعدهم على تقمص دور تلك الكوابيس على المسرح للبحث عن تفسير لها وتحديد فترة ظهورها لأول مرة (…)
سويس انفو: ستُعدّون بلا شك تقريرا حول حصيلة زيارتكم الأخيرة إلى غزة، ما هو الوزن الحقيقي لمثل تقارير منظمتكم وهل تـُرفع لمؤسسات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان؟
د. أورسولا هاوزر: للأسف أو لحسن الحظ، نحن لسنا بسياسيين، بل نسعى في إطار معسكرنا الصغير لعلماء النفس والمهنيين في هذا القطاع إلى المساعدة على فهم المشاكل من جهة، والشهادة على ما يحدث والمساهمة في الداخل والخارج على كتابة القصة الحقيقية وليس الروايات الكاذبة.
إن الهدف وراء ما نقوم به هو إعطاؤهم أساليب للمقاومة، فهم يعلمون جيدا في قرارة أنفسهم أنهم لا يستطيعون كسر ذلك الجدار بقوتهم الخاصة (…). إنهم يعانون حقّا من انعكاسات سياسة إجرامية مُرعبة ضد فلسطين منذ عام 48، أو حتى قبل، لأن المشروع الصهيوني الذي يعود لأكثر من مائة عام يهدف إلى التوسع إلى كل تراب كان فلسطينيا، ولا أحد يتحرك من السياسيين (الذين لديهم قدرة على تغيير الامور). نحن نقول ذلك ولكننا مُجرد مدنيين لا نمتلك أي سلطة سياسية. (…) هدفنا كنساء ومهنيات من المجتمع المدني السويسري الذهاب والشهادة. (…)
وأنا سعيدة لأن سويسرا ليست من ضمن المشاركين في هذا الحصار الإجرامي، ولأنها قالت إن لديها تقليد الحديث مع كافة الأطراف، فمثلما لديها حق الحديث مع إسرائيل، أكدت على حقها في الحديث مع الفلسطينيين وأظهرت أن ذلك ممكن، وأنا اعتبرها نموذجا في هذا المجال لأن دول الاتحاد الاوروبي مثلا لا تذهب إلى غزة. (…)
وأتمنى أن تدعم سويسرا، بطريقة أو بأخرى، المؤتمر الدولي الخامس لبرنامج غزة للصحة النفسية (من 27 إلى 29 أكتوبر 2008 في غزة) فهو مؤتمر هام جدا ستشارك فيه منظمة الصحة العالمية وسيُنقل عبر الفيديو في رام الله لمن لن يستطيعوا الدخول إلى غزة. يجب أن نقوم بكل ما في وسعنا للذهاب إلى غزة وحضور هذا المؤتمر الذي يرمز إلى الأمل في إمكانية رفع ذلك الحصار، والأمل بأن العالم لن ينساهم…
سويس انفو – إصلاح بخات بالتعاون مع مارتشيلا أغيلا روبين
(بتصرف)
هي من مواليد 30 سبتمبر 1946 في زيورخ، وتعيش منذ قرابة 30 عاما في كوستاريكا حيث تعمل كأستاذة جامعية تعطي دروسا في التحليل النفسي الإثني الذي يركز على الصعوبات التي يواجهها الشخص عندما يريد التعرف على ناس من ثقافات أخرى، كما تتابع مرضاها في عيادتها.
درست علم النفس الاجتماعي والعيادي (الإكلينيكي) في جامعة زيورخ وحصلت على الدكتوراه في علم النفس المتخصص في الإثنيات من جامعة كلاغنفورت بالنمسا.
بدأت منذ السبعينات برنامجا تكوينيا في مجال التمثيل النفسي المسرحي (السيكودراما) في عدد من البلدان من بينها كوستاريكا وكوبا والمكسيك.
في عقد الثمانينات، وبدعوة من حكومة الجبهة الساندينية للتحرير الوطني، بدأت تلقي دروسا في السيكودراما في نيكاراغوا.
أسست في كوستاريكا جمعية التحليل النفسي وعلم النفس الاجتماعي (ASPA) ومعهد كوستاريكا للسيكودراما التحليلية (COPSI).
كانت منظمة “ميديكوس موندي سويس” غير الحكومية تُدعى من قبل “المركز الصحي السويسري” الذي انشئ قبل سبعين عاما خلال الحرب الأهلية الإسبانية من قبل أطباء سويسريين ساندوا الجمهوريين ضد فرانكو.
وبدأت “ميديكوس موندي سويس” تنشط في فسلطين منذ الانتفاضة الأولى (1987-1993)، وقامت بدعم العديد من المشاريع من بينها حملات بيع زيت الزيتون الفلسطينية في سويسرا.
وتشرف “ميديكوس موندي سويس” منذ عام 2002 على تكوين في “برنامج غزة للصحة النفسية” في مجال التمثيل النفسي المسرحي (سيكودراما، وهو شكل من أشكال المعالجة النفسية من خلال التقنيات المسرحية). وهي المنظمة الأجنبية الوحيدة التي تتعاون مع برنامج غزة، ويستفيد من التكوين 15 عضوا فلسطينيا من متخصصين في مجال الصحة النفسية والخدمات الاجتماعية. وسيتواصل التدريب إلى عام 2010 حيث سيتكلل بحصول المشاركين على شهادة في مجال التحليل النفسي وتقنية السيكودراما.
هو منظمة أهلية فلسطينية، غير ربحية أسست عام 1990 بهدف تقديم خدمات الصحة النفسية المجتمعية بصورة شاملة ومتكاملة لسكان قطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، تعرض القطاع لصور مختلقة من العنف بسبب الاحتلال الإسرائيلي مما فاقم من معاناة الفلسطينيين التي اشتدت وطأتها في السنوات الأخيرة أعقاب انتفاضة الأقصى وخصوصا بعد أحداث يونيو 2007 التي وقعت في غزة. ومنذ ذلك الحين، فرضت قوات الاحتلال حصاراً خانقاً على قطاع غزة مما فاقم المشاكل النفسية بين المواطنين الفلسطينيين إلى مستويات غير مسبوقة.
وانطلاقا من دورنا في التخفيف من معاناة الفلسطينيين، إننا في برنامج غزة للصحة النفسية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية (WHO) نخطط لعقد المؤتمر الدولي الخامس لبرنامج غزة للصحة النفسية بعنوان: ” الحصاروالصحة النفسية… الحواجز والجسور”.
إن الهدف الرئيسي لهذا المؤتمر هو مناقشة قضايا تتعلق بالحصار وتأثيراته على الصحة النفسية وحقوق الإنسان. ويهدف المؤتمر أيضاً إلى مساعدة الأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني وذوي النفوذ والتأثير في جميع أنحاء العالم على فهم الآثار السلبية التي يخلفها الحصار على واقع الصحة النفسية وحقوق الإنسان، حيث سيتخلل المؤتمر جلسات نقاش رئيسية يقوم خلالها باحثين بتقديم أوراق عمل تعالج موضوعات الحصار ومن ثم سيتم عقد ورشات عمل وحلقات نقاش لطرح ومناقشة المحاور الرئيسية للمؤتمر.
(المصدر: الموقع الإلكتروني لبرنامج غزة للصحة النفسية)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.