الشيخوخة من منظور آخــر
ينظم متحف كانتون "ريف بازل" معرضا يتناول الشيخوخة والقضايا المصاحبة لها سواء الإجتماعية أو الصحية، وذلك لتوعية الرأي العام بالمشكلة التي لا يتم الحديث عنها بشكل متكامل.
ويقدم المعرض سجلا كاملا للشيخوخة ويقترح أيضا بعض الحلول للتعامل معها، ليس فقط كمشكلة ولكن كظاهرة طبيعية.
“لاحظنا بأن الصورة المنتشرة في المجتمع عن العجائز وكبار السن نمطية وواحدة؛ فكبر السن يعني العزلة والوحدة والمرض. وفي المقابل نلاحظ ظاهرة ارتفاع عدد كبار السن بشكل سريع”، هكذا بدأت كلاوديا بانتيلليني مديرة الإتصالات عن معرض “66 – كبار السن والمشيب” حديثها مع سويس انفو.
وتضيف بانتيلليني أن المعرض يريد إظهار جميع جوانب ظاهرة كبار السن، السلبيات التي يعتقد البعض أنها مرتبطة بالشيخوخة، والإيجابيات التي تصاحبها أيضا، فهناك أنماط متعددة تمر بها مرحلة الشيخوخة، وإن كانت في النهاية مرحلة يجب على كل شخص أن يحددها بشكل فردي واختياري.
تطور تجربة التعامل مع الشيخوخة
ويقدم المعرض الذي يستضيفه متحف الاتصالات في كانتون “ريف بازل” حتى 27 أغسطس المقبل، مجموعة متكاملة من المعلومات حول تطور متوسط الأعمار في سويسرا خلال قرن كامل وصورا لكبار السن من سنوات مختلفة، وتسجيلات صوتية وأفلاما تسجيلية حول تجارب من رحلوا حول فترة الشيخوخة.
ويتعرف الزائر كذلك على التعبيرات اللغوية المستخدمة في التعامل مع كبار السن مثل “العمر الذهبي” أو “أرباب المعاشات” و “المرحلة العمرية الثالثة” أو “أناس في مرحلة السكينة والهدوء”، وهي التعابير التي يختلف استخدامها من موضوع إلى آخر سواء كان الأمر يتعلق بالطب أو الشأن الاجتماعي أو المجالات الترفيهية المخصصة لهم أو مع الدوائر الحكومية، وهي بالتالي تعكس وجهة نظر كل جهة في التعامل مع كبار السن وأسلوب التخاطب معهم.
ولكن إلى جانب مثل تلك التعابير الجميلة يقدم المعرض أيضا العبارات غير اللائقة التي تتعامل بها بعض الفئات العامة مع كبار السن مثل “الأطلال” أو “البقايا غير الصالحة” أو “المقابر المتنقلة”، وهي تعابير شائعة بين السوقة والمنحرفين من الشباب ولا تلقى قبولا من الرأي العام.
ومن الطريف أن المعرض يفسح المجال لتلاميذ المدارس الصغار لكتابة توقعاتهم عما يمكن أن يصيروا عليه بعد بلوغهم المشيب، حيث قالت إحدى التلميذات: “ربما أستعمل أسنانا اصطناعية وأمشي ببطء شديد”، وتحدث تلميذ آخر:”أعتقد أن شعري سيكون كله أبيض وفي الغالب سأسكن في بيت للعجزة”، بينما رأى آخر بأنه سيكون “ضعيفا ومتوترا وبدون عمل”، وعبر آخرون عن الأمل بـ “السكن في بيت كبير وحديقة عامرة والإستمتاع بالحياة”.
ليست دائما “الخريف الذهبي”
الشيخوخة تعني أيضا المرض والهزال والموت. وكما أنها مراحل لابد منها في الحياة، يحاول البعض أن يرى منها الجانب الإيجابي، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن نسبة غير قليلة تعيش إلى ما فوق سن الخامسة والثمانين، ولكن من بينهم من يحتاج إلى رعاية طبية شاملة وملاحظة تامة على مدار الساعة، وهو ما ينعكس على الكثير من كبار السن في نوع من الشعور بفقدان الإرادة والقدرة الذاتية على اتخاذ القرار أو تنفيذ ما يريده هو، إذ تفرض عليه حالته الصحية الانصياع إما لأوامر الأطباء أو لتعليمات المشرفين الصحيين.
ويسلط المعرض الضوء على بعض الموضوعات التي يتناولها الرأي العام دائما بخصوص كبار السن؛ مثل مستقبل صندوق المعاشات ولكنه يضيف عليها المراحل التاريخية التي مر بها، إلى جانب تطور أسلوب العناية من الأبناء أو الأحفاد أو الجيران وحتى دور العجزة المنتشرة الآن.
“فلسفة التعامل مع الوحدة”
وتؤكد كلاوديا باتيلليني على أن نسبة غير قليلة من المسنين يتمتعون بخبرة جيدة، اكتسبوها في حياتهم العملية، ويرغبون في نقلها إلى الأجيال الشابة، من خلال دروس تقوية ومساعدة طلاب التدريب المهني على سبيل المثال، كما يقدم المعرض بعض الأفكار والمقترحات حول كيفية تنمية روح الإبداع والابتكار مع احترام سن التقاعد وما يحتاجه من متطلبات مثل الهدوء والراحة.
وتقول باتيلليني في حديثها إلى سويس انفو بأن المعرض لا يتوجه فقط إلى كبار السن بل إلى جميع شرائح المجتمع، إذ أنه يتوجه إلى الشباب وصغار السن، للتعامل مع حقيقة الشيخوخة والكبر في السن على أنها فرصة لمواصلة المشاركة في الحياة الاجتماعية.
هذه الرسالة ليست جديدة تماما على الرأي العام، فقبل سنوات أطلق المغني الألماني المعروف أودو يورغينز أغنيته الشهيرة “الحياة تبدأ في سن السادسة والستين”، فيما قدم الكاتب الكولمبي غابريل غارثيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل في الآداب، فلسفته في التعامل مع الشيخوخة حيث يتصور الحياة في سن متقدمة بالقول: “إن سر الشعور بالسعادة في المراحل المتقدمة من العمر هو إرادة التعامل مع العزلة والوحدة”.
لكن معرض مدينة ليستال يقدم هذه الفلسفة للجمهور في شكل متكامل يرى الزائر من خلاله تجسيدا واضح المعالم لمشكلة أضحت تؤرق الكثيرين، لذلك فمن غير المستبعد أن تفتح هذه التظاهرة نقاشا واسعا حول الشيخوخة في سويسرا.
سويس انفو
ينظم متحف كانتون “ريف بازل” في مدينة ليستال معرضا خاصا حول الشيخوخة في سويسرا، لتوعية الرأي العام بالظاهرة التي تتوسع في سويسرا وبقية الدول الأوروبية الصناعية الأخرى.
من المفترض أن يفتح هذا المعرض النقاش حول جيل كبار السن وكيفية التعامل معهم ليس كمشكلة ولكن كطاقات يمكن الإستفادة منها.
ارتفع متوسط الأعمار في سويسرا من 40 عاما للرجال و 43 للسيدات في عام 1876 إلى 77 و 83 على الترتيب في عام 2000
يتوقع خبراء الإجتماع أن يرتفع هذا المتوسط إلى 80 و 85 عاما في سنة 2030.
يشكل أرباب المعاشات 15% من سكان سويسرا طبقا للتعداد السكاني لعام 2000 ويمكن أن تصل النسبة إلى 20% في عام 2020 و 23% في سنة 2030.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.