الصحراء الغربية .. الصراع المـزمـن
يرى البعض أن ملف النزاع في الصحراء الغربية يشهد هذه الأيام بوادر حركية جديدة.
وهو ما ينعش آمالا تكاد ان تتبدد، بإمكانية وصول النزاع الى تسوية تُـدخل اطراف النزاع الصحراوي ومنطقة المغرب العربي في سياق معاكس للمسار الذي سارت فيه منذ حصول دولها على استقلالاتها منتصف القرن الماضي.
الاسبوع القادم يبدأ الدبلوماسي الهولندي بيتر فالسوم جولته الاولى كمبعوث شخصي للامين العام للامم المتحدة مكلفا بنزاع الصحراء الغربية، على أمل اعادة الروح الى تسوية اختلفت قراءة نصوصها، بإختلاف رؤى قارئيها أو اطراف النزاع ورؤاهم لمستقبل المنطقة المتنازع عليها.
وقبل وصول فالسوم للمنطقة، يوم الاربعاء 12 أكتوبر القادم، يقوم فرانسيسكو باستاغلي مبعوث الامم المتحدة المشرف على بعثتها في الصحراء الغربية بجولة تمهيدية لدى الاطراف المعنية ويسجل ملاحظات قد تكون مفيدة لفالسوم وتوفر عليه الجهد والوقت.
وسوف يقوم بيتر فالسوم الذي يبدأ جولته الاربعاء القادم بالرباط قبل ان ينتقل الى تندوف حيث يلتقي قادة جبهة البوليزاريو والى الجزائر ونواكشوط ويختتمها في مدريد، بتقديم نفسه لاول مرة إلى أطراف النزاع الصحراوي والمعنيين به وسوف يستمع منهم لافكارهم وارائهم حول تطورات النزاع والخطوات الممكنة لاعادة الروح لتسويته على ضوء مسارها منذ تولي الامم المتحدة ملفها منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي.
آمـال ضئيلة
ومنذ ان اعلن كوفي عنان بداية اغسطس الماضي عن تعيين فالسوم ممثلا شخصيا له خلفا لالفارو دي سوتو وجيمس بيكر، والدبلوماسي الهولندي يبحث في اوراق الملف وما سجله أسلافه من ملاحظات، لعله يكتشف الاسباب التي دفعتهم للاعتذار عن مواصلة مهمتهم لتسوية نزاع، يبدو للوهلة الاولى أنه لا يحتاج لاكثر من استيضاح المواقف ووضع النقاط على الحروف.
ولعل ما استوقف فالسوم من خلال قراءته للوثائق والقرارات التي أصدرها مجلس الامن الدولي وتقارير وملاحظات سابقيه، أن التسوية السلمية للنزاع كانت تبدو احيانا قاب قوسين او أدنى وأحيانا اخرى بعيدة المنال. وقد يكون لفت نظره أيضا أن اطراف النزاع كانت تتبنى مواقف متناقضة ويجمعها التعارض او التعاكس، أي رفض ما يقبله الاخر وقبول ما يرفضه. وهذا ما يدفعه للاستخلاص ان ما يُجمع عليه اطراف النزاع هو عدم تسويته، وابقائه مؤججا او خامدا، وكأن المهم هو أن يبقى.
الاشارات الصادرة من أطراف النزاع الصحراوي هذه الأيام لا تسمح بالحديث عن وجود آمال واسعة قد تبنى على مهمة المبعوث الدولي الجديد أو أن مصيرها قد يختلف عن مصير مهمات أسلافه.
ففي الوقت الذي يعلن فيه المغرب عن استعداده لحل سلمي للنزاع بالتفاوض من أجل الوصول الى حكم ذاتي موسع لسكان الصحراء في اطار السيادة المغربية، كحل نهائي، تعلن جبهة البوليزاريو عن تمسكها بقرار مجلس الامن الدولي 1594 الصادر نهاية يوليو 2003 والذي يتبنى مخطط المبعوث الدولي الاسبق جيمس بيكر الداعي إلى منح الصحراويين حكما ذاتيا مؤقتا لمدة اربع او خمس سنوات يتبعه استفتاء يقرر من خلاله الصحراويون مصيرهم.
المؤشرات بين “الإنتعاش” و “التوتر”
واذا كانت جبهة البوليزاريو تقول ان الافكار المغربية التفاف على قرار مجلس الامن فإن المغرب يقول ان مخطط بيكر والاستفتاء اصبحا خارج العملية السياسية للنزاع ومتجاوزين ويرفض اية اقترحات او افكار لا تؤدي الى ابقاء الصحراء تحت السيادة المغربية.
وما من شك في أن المغرب وجبهة البوليزاريو سوف يكرران على مسامع فالسوم هذه المواقف التي يعرفها واستمع اليها خلال هذه الايام فرانسيسكو باستاغلي دون ان يحمل جديدا يقدمه لاي منهما.
هذا السيناريو المحتمل لن يؤدي الى ذهاب الدبلوماسي الهولندي الى مجلس الامن ليعلن فشله وبالتالي طلب اعفائه من مهمته، لان هذا السيناريو يدخل في اطار لعبة النزاع الصحراوي المتواطئ عليها بين اطرافه والمعنيين به وبتسويته.
سلفا فالسوم لم يقدما استقالتهما لانهما ” فشلا” أو لم يجدا تعاونا من اطراف النزاع او دب فيهما اليأس، بل لوجود مهمة اخرى كانت بإنتظارهما، وكل منهما واصل لعبة التسوية مع اطراف النزاع موحيا احيانا بأنه حقق تقدما في هذا الجانب او ذاك، ليكتشف او ليعلن في وقت لاحق أن التقدم الذي حصل لم يشكل اختراقا للموانع الحقيقية امام التسوية الموعودة.
بالعودة إلى إشارات الانتعاش للتسوية التي استقبلت المبعوث الدولي، ما أعلنه الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية المغربي عن استعداد بلاده للتفاوض، دون ان يحدد مع من، حول الحكم الذاتي في الصحراء، واعلان مسؤول مغربي كبير عن العودة الى الزيارات العائلية المتبادلة بين الصحراويين في الصحراء وفي مخيمات تندوف، التي كانت تنظمها الامم المتحدة كإحدى اجراءات بناء الثقة.
أما إشارات التوتر فتتمثل في تصعيد المواجهة الاعلامية والسياسية على خلفية ملف حقوق الانسان واعتقال المغرب لناشطين صحراويين مؤيدين لجبهة البوليزاريو، لا تختلف عن غيرها من الاشارات التي كانت تصدر بين الفينة والاخرى طوال السنوات العشرين الماضية نظرا لأن تسوية أي نزاع عادة ما تُـسـتـبـق بأجواء تمهيدية لدى اطراف النزاع او المعنيين به اقليميا ودوليا.
لعبة التواطئ
ومن الواضح أن ايا من أطراف النزاع الصحراوي المباشرين، (المغرب وجبهة البوليزاريو)، لم يصل بعد الى مرحلة القبول بتسوية يقبلها الاخر، ما دام الاخر لا يشعر أنه هُـزم أو أنه على ابواب الهزيمة، مع الاشارة الى أن كل قرارات الامم المتحدة حول النزاع الصحراوي تؤدي إما إلى “هزيمة ساحقة” أو إلى “انتصار مبين”.
الاطراف الاقليمية (الجزائر تحديدا) تدرك جيدا ان نزاع الصحراء الغربية ورقة ذات أهمية في ترتيبات الاقليم المستقبلية، أما الاطراف الدولية ( فرنسا واسبانيا والولايات المتحدة الامريكية) فهي واعية بأن النزاع الصحراوي غير قابل للتمدد خارج ميدانه السياسي والدبلوماسي والاعلامي وتعتقد أنه لا يهدد، على الاقل في المدى المنظور، الامن الاقليمي او العالمي ومصالح اي من المتنافسين على النفوذ في الاقليم. لذا فإنه لا يوجد أي استعداد لدي أي منهم للمغامرة بإجبار أي طرف على القبول بتسوية او بحل له عليه تحفظات.
لعبة التواطئ هذه تجعل جميع الاطراف مقتنعة بأن الواقع القائم افضل من جديد قد يفقدها بعض المكاسب على الارض، وفي هذه اللعبة تتحرك الامم المتحدة ومبعوث امينها العام وهي مدركة بضوابطها على أمل ان تتوافق اطراف النزاع يوما ما على تسوية أو حل او ان تتوافق الاطراف الاقليمية على ضوابط جديدة للمنطقة أو أن تتوصل الاطراف الدولية في لحظة ما إلى قناعة بضرورة إنهاء اللعبة .. بغض النظر عن عواقبها.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.