الصحراء الغربية: الوسيط الأممي تنحّى.. وقطار السلام يـُراوح مكانه
تأمل جميع الأطراف المعنية بنزاع الصحراء الغربية، أن تكون نهاية ولاية بيتر فان فالسيوم كمبعوث للأمم المتحدة للمنطقة، محطّـة باتجاه حلّ هذا النزاع الذي طال ولم يحمل حتى الآن آفاقا لتسويته.
وبالتأكيد، فإن مقاربات أطراف النزاع للتسوية والحل، تتبايَـن، لدرجةٍ لم تعُـد تسمَـح، إذا ما استمر هذا التباين، بالوصول إلى التسوية المأمولة وإدخال منطقة المغرب العربي في آفاق تعاون تكامُـلي بين دوله الخمس.
وقد يكون مُـفرِطا التفاؤل بالتعاطي مع نهاية ولاية فالسيوم كمحطة، لان قطار السلام الصحراوي كان خلال السنوات الثلاث الماضية التي مارس فيها فالسيوم مهمّـته، يتحرّك، لكن في مكانه. وعندما كان صوْت صفّـارته يعلو ويعتقد المتفائِـلون بانطلاقته، لم يكن إلا من باب التجريب، تجريب الصفّـارة.
يوم 21 أغسطس الماضي، انتهت صلاحية العقد بين بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة والدبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسيوم، كمبعوث شخصي له، مكلّـفا بنزاع الصحراء الغربية.
ودون أن يعلن عن ذلك ببلاغ رسمي، لم يمدّد بان كي مون صلاحية العقد، كما كان يأمل طرفا العقد ومعهما المغرب، لأن بان كي مون وجد نفسه أمام امتحان الاختيار بين فالسيوم وتجميد المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو أو البحث عن مبعوث جديد يُـعيد المفاوضات إلى السكّـة، حتى ولو بقِـيت تراوح مكانها.
هذا الامتحان الصّـعب يخوضُـه بان كي مون منذ شهر أبريل الماضي، بعد أن أرفق تقريره الدّوري لمجلس الأمن الدولي حول تطوّرات النزاع الصحراوي، تقريرا لمبعوثه فالسيوم يعبِّـر فيه عن قناعته بأن قِـيام دولة مستقلة بالصحراء الغربية، مسألة غير واقعية.
وكان الردّ الأولي لجبهة البوليساريو أن فالسيوم أنهى بيده مهمّـته كوسيط بين أطراف النزاع، بعد أن نفى حِـياديته، التي تتطلّـبها هذه المهمّـة، وانحيازه إلى المقاربة المغربية، ثم بلورت الجبهة موقِـفها واشترطت لاستئناف المفاوضات التي تُـجريها مع المغرب تحت رعاية فالسيوم منذ شهر يونيو 2007، إبعاده وتعيِـين مبعوث جديد.
انتصار البوليساريو وغُـصّـــة مغربية
جبهة البوليساريو اعتبرت إبعاد فالسيوم انتصارا دبلوماسيا هامّـا، بعد أن تراجَـع الاهتمام الدولي بالنزاع الصحراوي، وإشارة إلى أن لا حلّ لهذا النزاع الذي طال أمده (33 سنة)، إذا لم يخلص إلى إجراء استفتاءٍ لتقرير مصير الصحراويين، والذي تعتقد أنه سيكون دولة مستقلة.
أما المغرب الذي عبّـرت أوساطه عن الغصّـة لخسارة وسيط دولي اقترب من مقاربته ورؤيته للأمور، فقد حرِص على التّـأكيد على هذه المقاربة برسالة بعثتها وزارة الخارجية المغربية إلى بان كي مون، قالت فيها إن المغرب سيُـواصل التزامه بـ ‘هدوء ومسؤولية وحزم، وذلك من أجل التوصّـل إلى حلٍّ سياسي قائم على الحُـكم الذاتي، ولا شيء غير الحكم الذاتي، في إطار من الاحترام الكامل للوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة’.
وبقدر ما كانت قناعة بيتر فان فالسيوم، التي تبنّـت ضمنِـيا المقاربة المغربية القائمة على عدم واقعية قيام دولة مستقلة بالصحراء الغربية، شخصية، بقدر ما عبّـرت عن رأي يسُـود في الأوساط الدولية المعنية بالنزاع الصحراوي، وهو رأي عبّـرت عنه بشكل أو بآخر كل من مدريد، التي كانت تستعمِـر المنطقة محلّ النزاع، وباريس التي تميل إلى المقاربة المغربية منذ اندلاع النزاع، وواشنطن الحريصة، على الأقل حتى الآن، على استقرار المغرب والمِـنطقة وعدم إحداث تغييرات جوهرية في خارطتها، قبل أن تستكمل رؤيتها حول المنطقة برمّـتها.
لكن هذه القناعة تصطدِم بالشرعية الدولية، التي تقول كل الأطراف إنها متمسِّـكة بها، وكلٌّ منها يأخذ ما يُـناسبه من القرارات التي تصدُر عن مجلس الأمن، وهو ما أدركه فالسيوم في تقريره الذي تحدّث فيه عن عدم واقعية الدولة الصحراوية، حين أشار إلى أن الشرعية الدولية، إلى جانب جبهة البوليساريو.
ومنذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، حين نقل ملف النزاع الصحراوي من منظمة الوحدة الإفريقية إلى الأمم المتحدة، تتمحور الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، ذات الصلة بالنزاع الصحراوي، على استفتاء حُـر ونزيه تُـجريه الأمم المتحدة للصحراويين ليُـقرِّروا مصيرهم في دولة مستقِـلة أو الاندماج بالمغرب.
وكان مخطط السلام لسنة 1988، الذي وضعه بيريز ديكويلار، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك ووافقت عليه جميع أطراف النزاع، ويشكل مرجعية عملية السلام الصحراوي، يحدِّد الحلّ السِّـلمي للنزاع بإجراء هذا الاستفتاء ويُذكر أن فقراته تراوحت بين إجراءات الإعداد للاستفتاء، ووقف إطلاق النار وتنظيم وضعية القوات المسلحة للطرفين وانتشار قوات للأمم المتحدة وإحصاء الصحراويين، الذين تحِـق لهم المشاركة بالاستفتاء، وتنظيم العمليات الانتخابية من حملات انتخابية إلى التصويت وإعلان نتائج التصويت من جهة، ومن جهة ثانية دور الأمم المتحدة بعد إعلان نتائج التصويت وكيفية تطبيقها.
لعبة سياسية..
وإذا كانت جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر، لا زالت متمسِّـكة بمخطط السلام الصحراوي وما أفرزه من قرارات لمجلس الأمن الدولي أو اتفاقيات بين الطرفين لتطبيقه، فإن المغرب ومنذ عام 2000 يرى أن هذا الحل لا يتّـسم بالواقعية وأنه تمّ تجاوزه، بعد أن أثبتت التجربة استحالة تطبيقه على أرض الواقع، فعلى مدى عشرين عاما، لم ينجز من المخطّـط، سوى وقف إطلاق النار وانتشار قوات الأمم المتحدة.
وطوال السنوات الثمان الماضية، كانت قرارات مجلس الأمن تؤكِّـد على مخطط السلام من جهة، وتلامس الرؤية المغربية، والتي تطوّرت عام 2006 إلى مبادرة بمنح الصحراويين حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية تتمتع فيها سلطاته بصلاحيات واسعة لتدبير الشأن المحلي للإقليم المتنازع عليه، مع تأكيد المغرب على أن أية مفاوضات تجري مع جبهة البوليساريو، يجب أن لا يتجاوز سقفها هذا الخِـيار، وهو ما رفضته جبهة البوليساريو والجزائر.
المبادرة المغربية لقِـيت دعما من فرنسا وتأييدا من الولايات المتحدة الأمريكية وتشجيعا من إسبانيا، لكن هذا الدّعم والتأييد والتشجيع لم يتجسّـد في فقرات واضحة في قرارات مجلس الأمن التي صدرت منذ تاريخ تقديم المبادرة المغربية رسميا لأعضائه في أبريل 2007، وإن كانت تحدثت عنها إيجابا وفتحت الباب لمفاوضات مباشرة بين الطرفين جرى منها منذ يونيو 2007 أربع جولات في مانهاست، إحدى ضواحي نيويورك، وتجمّـدت دون أن تُـسفر عن تقدم حقيقي.
بيتر فان فالسيوم كان يأمل، حسب تقريره المقدم إلى مجلس الأمن، بحدوث اختراق خلال الجولة الخامسة من المفاوضات، بانتقال المفاوضين المغاربة والصحراويين إلى البحث في إجراءات حقيقية لتأسيس الثقة وتنطلق لبحث القضايا الجوهرية للنزاع، دون أن يحدّد هذه القضايا التي جوهرها هو مصير السيادة على الإقليم المتنازَع عليه، وهو المِـحور الذي لا يهُـم طرفي النزاع فقط، بقدر ما يتعلّـق بتطوّرات وقناعات وحسابات إقليمية ودولية.
فالسيادة المغربية على الإقليم، تعني مغربا قويا مستقِـرا، ونزع هذه السيادة وانفصال الصحراء عنه، يضعه في مهبِّ الريح ويهدِّده بالتمزّق وعدم الاستقرار، وهو ما سينعكِـس على كل دول الإقليم المهدّد بفيروس التشدّد والتطرّف والإرهاب، نتيجة التخلّف والفقر، لكن في اللعبة السياسية، كثيرا ما تكون الحسابات الآنية والحساسيات التاريخية، الدّافع الأساسي لصناعة القرار.
محمود معروف – الرباط
الامم المتحدة (رويترز) – قال مسؤولون بالامم المتحدة يوم الخميس 28 أغسطس، ان وسيط المنظمة الدولية الذي رأس محادثات بطيئة الخطى بشأن الصحراء الغربية واثار غضب الحركة المطالبة بالاستقلال في الاقليم بتصريحات تبدو مؤيدة للمغرب، تنحى عن منصبه.
وقال الدبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسوم في مقال نشرته يوم الخميس صحيفة الباييس الاسبانية، ان أحدث تمديد لعقده انتهى قبل اسبوع. وأكد مسؤولو الامم المتحدة في نيويورك انه سيتم تعيين شخص ليحل محله، لكنهم رفضوا الكشف عما اذا كان رحيله عن منصبه جاء بمبادرة منه.
ومنذ العام الماضي اشرف فان فالسوم (74 عاما) على اربع جولات من المحادثات عقدت بالقرب من نيويورك بين المغرب وجبهة البوليساريو بشأن الصحراء الغربية التي ضمها المغرب بعد انسحاب اسبانيا، المستعمر السابق للمنطقة في عام 1975.
وفشلت المحادثات في كسر الجمود بشأن ما اذا كان يجب ان تكون الصحراء الغنية بالموارد الطبيعية منطقة مغربية تتمتع بحكم ذاتي، وهو ما تقترحه الرباط، أو ان يجري استفتاء بين السكان على الاستقلال، وهو ما تريده جبهة البوليساريو.
وشكا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون من أن الجانبين لا يتفاوضان، بل يكرران مواقفهما الأولية.
وكان فان فالسوم، الذي تولى المنصب قبل ثلاث سنوات، اغضب البوليساريو في ابريل الماضي، عندما قال في تقييم رفعه الى مجلس الامن، انه خلص الى ان “استقلال الصحراء الغربية ليس اقتراحا واقعيا”، وفسر تصريحاته في وقت لاحق، بأنها كانت “مغامرة” لمحاولة كسر الجمود في المفاوضات.
وتسبب النزاع حول الصحراء الغربية الغنية بالفوسفات ومصايد الاسماك وربما حقول نفط بحرية، في افساد العلاقات بين المغرب والجزائر التي تدعم البوليساريو، وأعاق جهود التنمية في شمال افريقيا.
وأدت المسألة ايضا الى انقسام في مجلس الامن مع تأييد فرنسا والولايات المتحدة لموقف المغرب، ووقوف جنوب افريقيا ودول اخرى الى جانب البوليساريو. وتريد واشنطن ايجاد حل لمشكلة الصحراء، حتى تتمكن دول المنطقة من التركيز على محاربة الارهاب، وهي القضية التي تعتبرها اكثر اهمية.
وكرّر فان فالسوم في مقال كتبه في صحيفة الباييس وجهة نظره، ودعا البوليساريو الى “النظر في حل افتراضي غير الاستقلال التام”، وان تقدم اقتراحها الخاص بالحكم الذاتي.
وفي نيويورك، قالت ماري اوكابي المتحدثة باسم الامم المتحدة للصحفيين، ان اعلانا بتعيين وسيط جديد سيصدر قريبا، وان جولة خامسة من المفاوضات ستعقد في الخريف، وأضافت قائلة “يظل الامين العام ملتزما يتقديم مساعيه الحميدة للاطراف (المعنية)… إنه يعتقد جازما أن هناك حاجة لاعادة تفعيل عملية التفاوض من أجل التوصل الى حل سلمي في الصحراء الغربية”.
وشنت البوليساريو حرب عصابات على مستوى محدود في الصحراء الغربية في الفترة بين عامي 1975 و1991، عندما توسّـطت الامم المتحدة في وقف لاطلاق النار. وما زالت المنطقة مقسّـمة ويعيش الكثير من لاجئي الصحراء الغربية في مخيمات في الجزائر.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 أغسطس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.