الصحراء الغربية بين “الفرصة الأخيرة” و”الحل الواقعي”
لم تأت الجولة الأولى من مفاوضات مانهاست في ضواحي نيويورك بين المغرب وجبهة البوليساريو بأكثر ما كان منتظرا منها.
فالنزاع الذي اندلع اندلع منذ أكثر من ثلاثين عاما، لن يجد الطريق سالكة إلى حل مرض له خلال جولة واحدة من المفاوضات، أتت بقرار من الأمم المتحدة، وليس برغبة من الطرفين.
في اللامرئي أو خارج إطار ما جرى خلال جلسات المفاوضات الرسمية يومي 18 و19 يونيو، والذي كان متوقعا بتأكيد كل طرف على مواقفه ومقاربته التي يعلنها قبل القدوم إلى ضاحية نيويورك، كانت الأجواء، التي حرصت الأمم المتحدة وضع المتفاوضين فيها، لعل وعسى الأجواء الحميمية والطعام المشترك ينعكس مستقبلا على نفسية أطراف النزاع، وبالتالي، على النزاع ويأخذ طريقه للتسوية بعد أن أبدى العالم، الكثير من الملل لطول فترته الزمنية وغياب أفق حله.
جاء أعضاء كل من الوفد المغربي ووفد جبهة البوليساريو إلى مانهاست، محمّـلا بثقل 32 سنة من نزاع أخذ شكلا دمويا، نصفها تقريبا، ذهب ضحيته آلاف القتلى والمعطوبين وعشرات الآلاف من اللاجئين ومنطقة بكاملها، حرَمها استمرار النزاع من تعاون وتكامل هي بأمس الحاجة إليها.
الوفد الرسمي المغربي الذي ترأسه شكيب بن موسى، وزير الداخلية وضمّ ثلاثة من أكثر الناس قربا للعاهل المغربي، وهم الطيب الفاسي الفهري الوزير في الشؤون الخارجية والمكلف بتدبير السياسة الخارجية المغربية وفؤاد عالي الهمة، وزير في الداخلية، وياسين المنصوري، مدير مديرية الدراسات (المخابرات الخارجية)، وهما من أصدقاء العاهل المغربي، بالإضافة الى خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.
تشكيلة الوفد المغربي، كانت رسالة واضحة من شقّـين، الأول، يملك قرارا، وإن كان لم يكن (القرار) مطلوبا في هذه الجولة، أي أن المغرب يستجيب لمجلس الأمن الدولي وقراره رقم 1754، الذي دعا أطراف النزاع الصحراوي إلى الدخول بمفاوضات جادّة وبحسن نية وبدون شروط مسبقة.
والشق الثاني، بوجود خليهن ولد الرشيد، بأن الوفد يمثل كل المغرب وِفق الرؤية المغربية، كون ولد الرشيد من وجهاء الصحراء الغربية ومن قبيلة الرقيبات، كبرى القبائل في المنطقة، في إشارة إلى تمسك المغرب بمغربية الصحراء، وأيضا بأن جبهة البوليساريو لا تمثل كل الصحراويين.
مخطط السلام الصحراوي
وكاد رفض جبهة البوليساريو، لوجود ولد الرشيد، أن يُـعرقل المفاوضات قبل بدئها، لأن الجبهة كانت تُـصر على استبعاد أي صحراوي من الوفد المغربي، لأنها لا تريد مفاوضات صحراوية صحراوية، وإن كانت نجحت في استبعاد منشقّـين عنها من الوفد غير الرسمي، وهم مستشاري الوفد الذي استعاض عنهم المغرب بصحراويين يتولّـون مناصب رسمية.
جبهة البوليساريو أعطت بدورها، من خلال تركيبة وفدها، رسائل أيضا. فالوفد ترأسه محفوظ على بيبا، رئيس المجلس الشعبي (البرلمان الصحراوي) وعضو اللجنة التنفيذية للجبهة، والأهم أنه كان رئيس وفدها الذي ضم أيضا نفس أعضاء وفد مفاوضات مانهاست، في مفاوضات هيوستن، التي جرت عام 1997 تحت رعاية وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، حين كان (1997 إلى 2003)، ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بحل نزاع الصحراء الغربية.
ومفاوضات هيوستن أعطت اتفاقا بين المغرب وجبهة البوليساريو وضع آليات تطبيق مخطط السلام الصحراوي، الذي كان متعثرا وكان من أبرز الانتصارات الدبلوماسية للجبهة على مدى سنوات النزاع، حيث وقعه بيبا بصفته آنذاك رئيس الحكومة الصحراوية وإلى جانبه الدكتور عبد اللطيف الفيلالي، رئيس الحكومة المغربية.
الوفدان ذهبا إلى مانهاست مسبوقين بتصريحات من هنا أو هناك، تؤكِّـد مواقف كل منهما، ممزوجة من جهة، بعبارات حسن النوايا والرغبة في الحل السلمي للنزاع، ومن جهة ثانية بتحذيرات من عواقب فشلها.
ويبدو أن بيتر فان والسيوم، الدبلوماسي الهولندي ومهندس ترتيبات المفاوضات والذي تولى بصفته مبعوثا من الأمين العام للمنطقة وحل نزاعها، وضع كل تفاصيل أجواء المفاوضات، قرأ جيدا تجربة جيرانه النرويجيين التي ساعدت على ميلاد اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأدرك أهمية خلق أجواء حميمية بين المتفاوضين، فاقترح مقرا صيفيا للأمم المتحدة في منتجع “كرين 3” بضاحية مانهاست (تبعد بـ 12 كلم عن نيويورك)، مقرا لإقامتهم وأبلغهم أن الساعات الثمانية والأربعين، ستكون حياة مُـشتركة وأن الوجبات اليومية الثلاث، ستكون جماعية وبدون أي ترتيبات بروتوكولية.
ولضمان نجاح خطته لخلق الحميمية، التف والسيوم على قرار مجلس الأمن 1754 باستبعاد كل الوفود، التي يجب أن تحضر المفاوضات، من التواجد في مقر إقامة الوفدين والمفاوضات بعد الجلسة الافتتاحية أو قبل الجلسة الختامية، حيث حضر المفاوضات ممثلون عن الجزائر وموريتانيا، بصفتهما دولتين معنيتين، وممثلون عن كل من روسيا وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، الذين يكوّنون مجموعة “أصدقاء الصحراء الغربية”، التي وضعت الأسس وصاغت القرار رقم 1754.
محمود معروف – الرباط
الأمم المتحدة (رويترز) – أعلنت الأمم المتحدة أن المغرب وجبهة البوليساريو، الساعية لاستقلال الصحراء الغربية، اتفقا على إجراء مزيد من المفاوضات في أغسطس المقبل حول الإقليم المتنازع عليه. لكن تعليقات أدلى بها الجانبان، بعد يومين من المحادثات، أشارت إلي أن أيا منهما لم يقدم تنازلات بخصوص المسألة الجوهرية، المتعلقة بما إذا كان الإقليم، الذي يسكنه 260 ألف نسمة وضمّـه المغرب إليه بعد انسحاب إسبانيا، المستعمر السابق منه في عام 1975، سيحصل على الاستقلال.
وعقد مسؤولون على مستوى عال من الجانبين محادثات لإذابة الجليد هذا الأسبوع في مانهاست، قرب نيويورك، بعد أن طالبهما مجلس الأمن الدولي بالجلوس حول مائدة التفاوض. وقال بيان أصدره بيتر فان فالسوم، مبعوث الأمم المتحدة الخاص بشأن الصحراء الغربية، والذي توسط في المحادثات “الأطراف اتفقت على أن عملية المفاوضات ستستأنف في مانهاست في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس”.
وتعهّـد الجانبان كِـلاهما بالعمل من أجل تسوية عن طريق التفاوض بعد المحادثات، التي شاركت فيها أيضا الجزائر وموريتانيا، المجاورتان للصحراء الغربية. لكن لم تظهر أي علامات على انفراج بشأن المسألة الجوهرية، المتعلقة بهل تحصل الصحراء على استقلال كامل، وهو ما تريده البوليساريو أو حكم ذاتي داخل المغرب، وهو ما تقترحه الرباط.
وقال وزير الداخلية شكيب بن موسى، رئيس الوفد المغربي في المحادثات في مؤتمر صحفي إن خطة الحكم الذاتي هي “الحل الواقعي الوحيد”، لكنه أضاف أن البوليساريو لم تقدم أي مقترحات بنّـاءة ولا زالت تتشبّـث بأفكار عفا عليها الزمن. وقال مسؤول مغربي آخر هو خليلهنا ولد رشيد، رئيس المجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء “المغرب تخلّـى عن الاندماج الشامل (للصحراء) ونتوقع أن يتخلى الطرف الآخر عن الاستقلال الكامل”.
وقال محفوظ علي بيا، رئيس وفد البوليساريو في بيان، إن الجبهة التي تتخذ من الجزائر مقرّا لها “يحدوها الأمل في أن يواجه إخوتنا المغاربة التاريخ معنا بانتهاز نافذة الفرصة التاريخية هذه التي فتحت أمامنا”، لكنه أصر على أن اقتراح البوليساريو، الداعي إلى إجراء استفتاء بين سكان الصحراء، يتضمّـن الاستقلال كخيار، هو السبيل لإنهاء النزاع، وقال المسؤولون المغاربة، إنه ثبت أن الاستفتاء متعذّر بسبب عدم القُـدرة على الاتفاق من يحِـق له الإدلاء بصوته.
والاجتماعات التي بدأت يوم الاثنين 18 يونيو، هي المرة الأولى التي يجتمع فيها الجانبان خلال سبع سنوات، ووصفها مسؤولون بالأمم المتحدة، بأنها أفضل فرصة حتى الآن لإنهاء صراع مضى عليه 32 عاما، ترى واشنطن أنه يُـعرقل حربها على الإرهاب. وتوسّـطت الأمم المتحدة في اتفاق أنهى حرب عِـصابات محدودة في عام 1991، لكنه لم يعقبه حل سياسي. وقالت ميشيل مونتا، المتحدثة باسم الأمم المتحدة “أظن أننا في بداية عملية طويلة”، ومضت تقول “وكما ترون، فإنها لن تكون عملية سهلة”.
ولا تعترف أي دولة بسيادة المغرب على الصحراء، لكن صبر الولايات المتحدة ينفد الآن وترغب بشدة في التوصل لاتفاق، أملا في أن يسهم في مزيد من التعاون بين دول شمال إفريقيا وأن يساعد في محاربة جماعات إرهابية في المناطق الحدودية المتاخمة لإقليم الصحراء.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 يونيو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.