الصحراء الغربية.. حرب أعصاب محورها “الإنتهاكات”
يطلق عليهم المغاربة اسم بوليساريو الدّاخل وتصِـفهم جبهة البوليساريو بالناشطين الحقوقيين الصحراويين.
هُـم، علنا على الأقل، ينأون بأنفسهم عن الجبهة، دون أن يتنكروا لإيمانهم بما تنادي به من “حق الشعب الصحراوي بتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة”.
على أبواب الجولة الرابعة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي ستجرى يوم الأحد 16 مارس الجاري في مانهاست بضواحي نيويورك تحت رعاية الأمم المتحدة، تتركز الأضواء على هؤلاء الناشطين، خاصة المعتقلين منهم.
وقد بعث محمد عبد العزيز، الأمين العام لجبهة البوليساريو برسالة عاجلة للأمين العام للأمم المتحدة، يطالبه فيها بالتدخل العاجل لدى المغرب لإطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، الذين يبلغ عددهم 60 ناشطا ويشنّـون منذ أكثر من أسبوعين إضرابا عن الطعام، ودعاه لـ “حماية هذه الأرواح البشرية”، التي زعم أنها “تتعرض لمحاولة إبادة”.
وقال عبد العزيز في رسالته لبان كي مون “إن استمرار معاناة المعتقلين السياسيين الصحراويين المُـضربين عن الطعام منذ أسابيع بالسجون المغربية، أمر لا يمكن السكوت عنه، ويظهر نيّـة المغرب في تهديد السلام”.
وحقوق الإنسان، هي الميدان الذي يشهد المواجهات الأكثر سخونة بين المغرب وجبهة البوليساريو، ليس فقط لأنه الميدان الذي بات عنوانا لتقدم المجتمعات وديمقراطيتها، بل لأن المواجهات بين الطرفين المتنازعين منذ أكثر من ثلاثة عقود، تقتصر منذ إعلان وقف إطلاق النار بينهما سنة 1991، على الميدان الدبلوماسي والإعلامي.
وعلى مدى العشريتين الماضيتين، كان كل منهما يسعى لتحقيق أهدافه من خلال هذه المواجهات، سواء كان ذلك في أروقة الأمم المتحدة أو تحت قبّـة مجلس الأمن، الذي تتناسل قرارته ذات الصلة كل ثلاثة أشهر، ثم كل ستة أشهر أو في كواليس المؤتمرات الجهوية والإقليمية.
وخلال هذه المواجهات، الساخنة في كثير من الأحيان، كان كل منهما يلعب في ميدان الآخر. المغرب يلعب في مخيمات تندوف، حيث التجمع الرئيسي لجبهة البوليساريو واللاجئين الصحراويين، وبنسبة أقل مخيمات الزويرات في موريتانيا، وجبهة البوليساريو تلعب في المدن الصحراوية، والطرفان يلعبان سَـوِيا في أوساط الصحراويين في إسبانيا ولاس بالماس وغيرها من الدول الأوروبية.
المغرب حدّد إطارا للُـعبتِـه، يشمل عودة مكثفة للاجئين الصحراويين من مخيمات تندوف إلى المغرب وانشقاق قيادات ومسؤولين كبار وكوادر عن جبهة البوليساريو والتحاقهم بالمغرب، تحت شعار “الوطن غفور رحيم” الذي أطلقه الملك الراحل الحسن الثاني.
اللعبة المغربية
خلال العقدين الماضيين، حقّـق المغرب الكثير في سياق لعبته، وإن كانت عودة قيادات رئيسية، مثل عمر الحضرمي ومصطفى البرزاني زمربيه ربه وبيلالي عام 1989، تبقى الضربة الأقسى التي وجّـهها لجبهة البوليساريو، نظرا لمكانة هؤلاء في الجبهة كمؤسسين أو مسؤولين أمنيين وإعلاميين وعسكريين.
وعلى صعيد عودة اللاجئين، أبرزت الرباط بشكل كبير عودة مائة صحراوي ينتمون لقبائل صحراوية متعدّدة، وصلوا إلى البلاد يوم 26 فبراير الماضي عن طريق موريتانيا بعد تنظيمهم تجمعا في منطقة كجيجمات على الحدود الموريتانية الصحراوية الجزائرية، والذي قالوا إنه كان ردا على مؤتمر جبهة البوليساريو الثاني عشر.
ويقول مسؤولون صحراويون مؤيِّـدون لاندماج الصحراء بالمغرب، إن هناك آلافا أخرى تستعد للعودة عندما تتأمن لهم ولعائلاتهم ظروف مناسبة للعودة.
وعلى الصعيد الدبلوماسي والإعلامي، يبرز المغرب “ما ترتكبه جبهة البوليساريو من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في المخيمات، أهمها بالنسبة له، احتجاز اللاجئين وعدم السماح لهم بالعودة إلى المغرب، إضافة إلى عمليات تعذيب وقتل والاستيلاء على المساعدات الإنسانية، التي تقدم للاجئين، والمصير المجهول لـ 800 شخصا مفقودين لدى الجبهة، من بينهم خمسة أجانب، يحمل اثنان منهم الجنسية الإسبانية، والباقون هم من جنسيات أمريكية وفرنسية وبرتغالية”.
وللدّفاع عن وجهة نظر الرباط، أسس ناشطون صحراويون مناهضون للجبهة، منظمات وتجمعات وجمعيات تحضر المؤتمرات الدولية وتجُـول في عواصم العالم، لكشف انتهاكات تُـرتكب في المخيمات.
جهود البوليساريو تؤتي ثمارها
في المدن الصحراوية، استغلّـت جبهة البوليساريو الصعوبات التي باتت تحُـول دون التِـحاق الشباب الصحراويين بمعسكرات الجبهة منذ وقف إطلاق النار واستكمال المغرب لبناء الجدار، الذي يزنر جل المناطق الصحراوية، وبدأت سلسلة اتصالات لحركة مؤيِّـدة لها مُـعلنة في هذه المدن، مستفيدة من أجواء الانفتاح وتوسيع هامش الديمقراطية وحرية التعبير والتظاهر، التي يعرفها المغرب منذ نهاية التسعينات.
كما استفادت الجبهة من أزمة اقتصادية يعرفها المغرب، انعكست في بطالة في أوساط الشباب وأدت في مناطق الصحراء، إلى تقليص الامتيازات التي كانت تتمتع بها المدن الصحراوية من إعفاءات الضرائب وحرية الاستيراد دون جمارك، والتي كان يتمتع بها الصحراويون في شكل مرتب شهري تحت عناوين مختلفة، مثل بطاقة الإنعاش الوطني أو وظيفة وهمية أو امتيازات الطلبة في تأمين سكن جامعي ومِـنح وتذاكر طائرة لزيارة عائلاتهم في كل المناسبات والعطل الوطنية والدينية.
بدأت جهود جبهة البوليساريو تُـؤتي ثمارها بعد احتجاجات عرفتها مدينة العيون في شهر نوفمبر 1999 وبدأت تظهر في المواجهات، التي كانت تعرفها الأحياء السكنية الجامعية بين الشرطة والطلبة المنحدرين من الصحراء أو بين هؤلاء والطلبة المغاربة وفي المدن الصحراوية من خلال شعارات مؤيدة لانفصال الصحراء عن المغرب أو رسم أعلام جبهة البوليساريو على الجدران أو تحفيز التلاميذ على الخروج مجمّـعين من مدارسهم رافعين لأعلام الجبهة وشعارات تأييد لها، إلى أن كانت المواجهات الأضخم في شهر مايو 2005، حين قرّر مؤيدو جبهة البوليساريو إحياء الذكرى الـ 32 لتأسيسها.
ارتباط بين الإضراب والجولة الرابعة
ردُود الفعل على تلك المواجهات، التي يحلو لجبهة البوليساريو أن تصفها بانتفاضة مايو، فتح أعين الناشطين الصحراويين أو “بوليساريو الداخل”، على شكل جديد للتعبير وميدان جديد للمواجهة، وهو الميدان الحقوقي وفصله عن نضالات الناشطين الحقوقيين المغاربة، وتحديدا المنتدى المغربي للإنصاف والمصالحة المُـكوّن من معتقلين سياسيين، أو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المنظمة الأكثر “شغبا” في هذا الميدان، والتي ينتمي أيضا جل نشطيها إلى جماعات سياسية يسارية مغربية كانت تدعو إلى حل النزاع الصحراوي عن طريق منح الصحراويين حق تقرير المصير.
هكذا وُلد تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان (أكتوبر 2007) والمختصر باللغة اللاتينية بـ (CODESA) والجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية (تأسس يوم 7 مايو 2005 أي قبل أسبوعين من المواجهات) والمختصر بـ ( ASVDH) وأصبح التجمع والجمعية، عنوانا لتحرك الصحراويين المؤيدين لجبهة البوليساريو والمناهضين لمغربية الصحراء، وجلّـهم معتقلون سابقون ووجدوا في الاعتقالات التي تلت مواجهات مايو 2005 أو ما تلاها من مواجهات، الحقل الخصب لنشاطهم.
السلطات المغربية حتى الآن ترفض منح أي من الجمعيتين إذنا قانونيا لممارسة نشاطاتها، لأنها تدرك الطابع السياسي الذي تحملانه والخلفية السياسية التي تحركهما، فيما تتخذ جبهة البوليساريو من مواقفهما وبياناتهما مرجعية للتدليل على انتهاكات يرتكبها المغرب ضد حقوق الإنسان في المناطق الصحراوية، ووثائق يقدمها للأمم المتحدة لتبرر مطلبها في توسيع اختصاصات قوات الأمم المتحدة المنتشرة بالصحراء (المينورسو)، لمراقبة حقوق الإنسان، إلى جانب مراقبتها لوقف إطلاق النار، وهو مطلب لم تخلُ منه رسالة بعثتها الجبهة أو وثيقة قدّمتها للأمم المتحدة منذ 2005.
نشاط الجمعية والتجمّـع تكثَّـف بعد إعلان المعتقلين الذين ينحدرون من الصحراء في عدد من السجون المغربية، ويبلغ عددهم 60 ناشطا، إضرابا عن الطعام، من بينهم مسؤولين في الجمعيتين اعتقلوا بعد أن أدانتهم محاكم مغربية بتُـهم مختلفة، ليس من بينها تهمه الانفصال أو الانتماء لجبهة البوليساريو، وإن كانت جلها تتمحور في الانتماء إلى جمعيات غير مرخّـص لها أو الشغب في الطريق العام أو إهانة موظف أثناء تأدية وظيفته.
الارتباط غير خافٍ بين الإضراب عن الطعام والجولة الرابعة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو تحت رعاية الأمم المتحدة، وسيكون الإضراب والاعتقالات أحد المحاور الرئيسية التي سيطرحها وفد الجبهة على الطاولة، كما سيطرح الوفد المغربي وضعية اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف وسيجدد ما قدمته منظمات وجمعيات مغربية على هامش الدورة السابعة لمجلس حقوق الإنسان، التي تعقدها المفوضية العليا لحقوق الإنسان في جنيف منذ بداية الأسبوع حول “الاختطافات والاغتيالات واختلاس المساعدات الإنسانية وجرائم أخرى” ترتكبها جبهة البوليساريو، وسيكون ما يطرحه الوفدان في هذا الميدان، المجال المثير الوحيد في مفاوضات لا تنتج عنها عادة إلا لقاءات إنسانية، لعلّـها تساهم (من وجهة نظر الأمم المتحدة) في إيجاد شيء من الثقة بينهما.
محمود معروف – الرباط
الرباط (رويترز) – تستأنف المحادثات بشأن مستقبل الصحراء الغربية يوم الأحد 16 مارس الجاري، ولا توجد احتمالات تُـذكر للخروج من الجمود المستمر منذ ثلاثة عقود الذي سمّـم العلاقات بين الجزائر والمغرب، وتسبب في تأخر التنمية في المنطقة.
ويتمسك كل من المغرب، الذي ضم الأراضي الإفريقية الواقعة في شمال غرب القارة في عام 1975، وجبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الأراضي الصحراوية، بمواقف لا يمكن التوفيق بينها منذ بدء المحادثات في يونيو الماضي، مما أصاب مفاوضو الأمم المتحدة بالإحباط.
وتبدّد التفاؤل الذي لاح في بداية المحادثات، بعد أن رفضت جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر عرض المغرب بمنح الصحراء الغربية حُـكما ذاتيا محدودا، واستبعد المغرب طلب جبهة بوليساريو إجراء استفتاء بشأن تقرير المصير.
وقال جاكوب موندي، وهو خبير في شؤون الصحراء الغربية بمؤسسة أبحاث ميريب، التي تُـعنى بشؤون الشرق الأوسط “إنني لا أتوقع أي شيء من هذه المفاوضات، لأنهم يتحركون في إطار من النوايا السيئة”.
وقال “المغرب ليس لديه النية للسماح بتقرير المصير، وبوليساريو ليس لديها النية لبحث الحكم الذاتي”.
وقال محللون، إن انتخابات الرئاسة الأمريكية تُـخيم على الجولة الرابعة من المحادثات، التي تجري بالقرب من نيويورك، واللاعبون الأساسيون سيرفضون أي التزام قبل معرفة السياسة الأمريكية المستقبلية في المنطقة.
ودخل المغرب، الذي يطالب بالسيادة على الأراضي الصحراوية إلى الصحراء الغربية بعد انسحاب إسبانيا التي كانت تستعمر الأراضي، مما أدى إلى اندلاع حرب مع جبهة بوليساريو استمرت حتى عام 1991، عندما تم التوصل إلى اتفاق بوساطة من الولايات المتحدة.
ويسيطر المغرب على 85% من الأراضي، التي تضم شريطا ساحليا يحوي مصائد الأسماك الغنية والبلدات الرئيسية ومعظم موارد الثروة الطبيعية في المنطقة. وجمود المحادثات، يسمح للمغرب بالمحافظة على الوضع القائم.
ونزح عشرات الآلاف من سكان الصحراء، نتيجة للنزاع ويعيشون منذ منتصف السبعينات في مخيمات في صحراء الجزائر ويعتمدون على المعُـونات التي يأتي معظمها من الجزائر. ولا يعترف أحد بمطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية.
ووجدت هيئة استشارية لمحكمة العدل الدولية في عام 1975 أن هناك بعض العلاقات القانونية بين الصحراء المغربية والمغرب، لكن هذا لا يشمل السيادة.
لكن المغرب له حلفاء أقوياء، هم فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، عبّـروا جميعهم عن تأييدهم لخطوة منح حُـكم ذاتي للأراضي وهم ينفون أي انحياز في النزاع.
وترفض الجزائر عرض المغرب، وهو موقف تقول الرباط إنه يستهدف دعم دائرة نفوذ الجزائر ويُـزعزع الاستقرار في المنطقة.
وينفي المغرب إساءة معاملة ناشطي الصحراء، وقال إن تقرير الأمم المتحدة في عام 2006، الذي اتهم السلطات المغربية بانتهاك حقوقهم، منحاز بوضوح لجبهة بوليساريو.
وقالت جبهة بوليساريو في ديسمبر الماضي، إنها قد تستأنف الحرب، لكن محللين قالوا إنه من غير المحتمل أن تسمح الجزائر بحدوث ذلك والمخاطرة بأن تستدرج إلى صراع جديد.
وقال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لرويترز، إنه واثق من أن الطرفين الحاليين، المغرب وجبهة بوليسريو، لم يستنفدا كل الاحتمالات التي توفرها المفاوضات والاستفادة من المحادثات المباشرة..
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 مارس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.