مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصراع على “نهر البارد” وأبعاده الخطيرة

انفجار قذيفة فوق سطح بناية سبق أن تضررت من قصف قوات الجيش اللبناني في الناحية الشمالية من مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة طرابلس يوم 5 يونيو 2007 Keystone

بعد عامين من احتلال العراق ومع ثبوت تواجد مسلحين من جنسيات عربية، يقاتلون تحت شعارات إسلامية جهادية قاعدية، تساءل كثيرون: هل سيأتي اليوم الذي نجد فيه العائدين من العراق، تشبيها بالعائدين من أفغانستان نهاية الثمانينات من القرن الماضي، يمارسون العنف والقتل والتخريب في بلدانهم ورافعين شعار محاربة العدو القريب له، الأولوية على محاربة العدو البعيد؟

هذا السؤال يجد إجابته اليوم في أحداث مخيمي نهر البارد الفلسطيني، شمال لبنان ومخيم عين الحلوة في الجنوب.

ففي الأول، تظهر جماعة فتح الإسلام، وفي الثاني، تظهر جماعة جند الشام، كِـلاهما في مواجهة الجيش اللبناني، الذي يمثل آخر رموز الدولة اللبنانية الفاعلة والصامدة في وجه التغيرات الكبرى، التي تعيد رسم خارطة السياسة والاقتصاد في لبنان ككل.

الجماعتان يربط بينهما وشائج كثيرة، كالعمل السري والفكر القاعدي الجهادي والشعارات الدينية وتوظيف المظالم التي يتعرّض لها الفلسطينيون، والامتدادات الاستخباراتية مع بلدان مجاورة، كما يربط بينهما الانطلاق من المخيمات الفلسطينية، التي تُـعد بمثابة مِـساحات مخصومة بشكل أو بآخر من السيادة اللبنانية والسيادة الفلسطينية معا، ومن ثمّ، باتت في أجزاءَ منها عبارةً عن مساحات مكشوفة خالية بحاجة إلى من يملأ ما فيها من فراغ السلطة، السياسية والمعنوية والقانونية.

وهنا تتأكد إشكالية العلاقة بين الدولة اللبنانية وهذه المخيمات، بمعنى ضرورة إعادة النظر في العلاقة الموروثة قبل حوالي أربعة عقود، والتي تنظمها اتفاقية القاهرة لعام 1969 وملحقاتها التالية.

نحو علاقة جديدة بين المخيمات والدولة

فالمسألة لم تعد مجرد توفير قطعة أرض تعيش عليها مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين وحسب، وتركهم يواجهون مصيرهم دون مراعاة للجوانب الاجتماعية والإنسانية، التي لا تستقيم الحياة بدونها، بل صار المهم هو كيفية ضبط العلاقة بين الدولة اللبنانية وبين مجموعات الفلسطينيين، الذين يعيشون على الأرض اللبنانية، وفقا للقوانين والأعراف، التي تعمل على هديها الدول العربية الأخرى، وبما يحُـول دون التوطين من جانب، والحفاظ على الهوية الفلسطينية من جانب آخر، والتعامل معهم كبشر لهم حقوق يلتزم بتوفيرها البلد المضيف، وعليهم التزامات، أقلّـها حماية أمن واستقرار وقوانين هذا البلد من جانب ثالث، ناهيك عن أهمية فتح ملف العلاقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وبين الدولة اللبنانية، باعتبار أن الأولى هي الممثلة لمصالح الفلسطينيين، وفقا لما تُـقره منظمة التحرير الفلسطينية الأم.

بالطبع هنا، فإن التدهور الحادث في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتحديات الوجودية، التي تواجه السلطة الوطنية الفلسطينية وغياب أي تفعيل لمنظمة التحرير الفلسطينية والصراع المُـحتدم بين حركتي حماس وفتح، وغياب التوافق الوطني حول مستقبل العمل الفلسطيني، له دور في شيوع مظاهر الانفلات الأمني في المخيمات الفلسطينية وفي استقطاب هذه المخيمات، باعتبارها مساحات فارغة من السلطة السياسية والمعنوية الشرعية، لكل العناصر والجماعات الراغبة في العمل وِِفق أولويات عمل خاصة بها، بعيدا عن الأولويات محلّ التوافق الفلسطيني الغائب منذ فترة.

الجمود يضرب الدولة اللبنانية

هذا البُـعد المتعلق بحالة المخيمات الفلسطينية، هو امتداد بشكل ما للحالة التي بات عليها لبنان منذ اغتيال رفيق الحريري وما شهده من توترات سياسية وتطورات كبرى، من قبيل الانسحاب العسكري السوري وتعطيل الوفاق الوطني اللبناني والانقسام الرأسي بين المعارضين والموالين للحكومة وجمود المؤسسات السياسية والدستورية وانقطاع علاقة التفاعل الطبيعية بينها، حسب قواعد الدستور والقانون، وبما أدى إلى توقف دولاب الدولة عن العمل الطبيعي، ومن ثم سمح الأمر بدوره إلى استقطاب قوى خارجية من كل الأنواع والأشكال للاستفادة من حالة السيولة التي بات عليها لبنان.

الأكثر من ذلك، ظهر من بين القوى السياسية اللبنانية الحاكمة، ولحسابات محلية قصيرة النظر جدا، من يُـشجع التيارات السلفية السُـنية بالمال والحماية والتدريب، بعيدا عن أعين الدولة، اعتقادا أن ذلك قد يساعد على مواجهة القوى المعارضة الشيعية، وهو الأمر الذي غذى بدوره نزعات التطرف إلى الحد الأقصى، لاسيما في شمال البلاد، الذي يُـعرف بمنبع السُـنة اللبنانيين، ومن ثم لم يكن هناك مفر لدى البعض من الارتماء في أحضان الأفكار القاعدية الجهادية على النحو الذي يبشر به بن لادن والظواهري، بعيدا من جبال أفغانستان ومناطق الحدود المنفلتة عن سيطرة الدولة في باكستان.

سيولة مزدوجة

إذن هناك سيولة فلسطينية في المخيمات من جانب، وسيولة في الدولة اللبنانية من جانب آخر، وكلاهما يمثلان حالة مثالية لولادة جماعات مغامرة وساعية إلى تغيير المعادلات المهترئة وتصور إمكانية تشكيل معادلات لبنانية وفلسطينية جديدة، تصبُّ في صالح الحركة الجهادية القاعدية وفي صالح بناء منظومة إقليمية تُـهيمن عليها هذه الحركة بشكل أو بآخر.

نحن هنا أمام حالة مِـثالية في تشكيل الفراغ السياسي، نتيجة عدم الوعي بخطورته، ومن ثمّ استدعاء التطرف بكل ما يحمله من مخاطر وتهديدات وتخريب وتدمير، وفي الانقلابات الفكرية والتنظيمية، التي تعرضت لها جماعة فتح الإسلام، ما يُـثبت هذه النظرية بامتياز.

فهي جماعة منشقّـة عن حركة فتح الانتفاضة، والتي بدورها انشقت قبل خمسة أعوام عن حركة فتح الشرعية، وهو الانشقاق الذي غذته السياسة السورية لحسابات إقليمية بحتة، تخص دمشق وحدها، وكان فيها بعض الفلسطينيين ولا زالوا هم وقودها.

المتغير العراقي

مع بروز المتغير العراقي بعد 2003، بمعناه الذي يدمج بين نظرية الفوضى الخلاقة بالمعايير الأمريكية وبين الجهاد الدائم، والذي لا نهاية له ضد من هم غير مسلمين بالمعايير القاعدية، وأيضا مع تحوّل العراق إلى أرض جِـهاد ومعركة مفتوحة يتدرّب فيها من يُـؤمن بالفكر الجهادي القاعدي، ومع فشل السياسة الأمريكية واللا يقين حول إستراتيجيتها في التغيير وإعادة تشكيل المنطقة، تتكامل عناصر الصورة على النحو الذي يؤكد حقيقيتين: الأولى، أن المنطقة العربية والشرق أوسطية ككل، على أعتاب مرحلة تغيير قسرية بكل معنى الكلمة، وستشهد محاولات انقلاب بالقوة على نحو أو آخر، والثانية، أن الدولة العربية، إذا ما استمرت على نهجها في اللامبالاة بالتغييرات الاجتماعية والفكرية، التي تحدث في المجتمع دون ضابط أو رابط، فهي معرّضة بدورها لهزّات كبرى وتحولات غير مأمونة العواقب.

دلالة الجنسيات المختلفة

يلفت النظر أيضا في حالة حركة فتح الإسلام، أن الفلسطينيين ليسوا هم العناصر الغالبة فيها، رغم أن الحركة انشقاقا عن حركة فلسطينية بالأساس، فهناك جنسيات مختلفة، منها سعودية ويمنية وجزائرية وغيرها، وأن من بين عناصرها، التي قاتلت في مخيم نهر البارد، مجموعة من الذين شاركوا في القتال في العراق أو بمعنى آخر، أن العائدين من العراق لا يهمهم البلد الذي يحملون جنسيته، بل يهمهم المساحة من الفراغ، التي يمكن أن يستغلونها في صراعهم من أجل تحويل أفكارهم الجهادية، إلى أسلوب عمل ومنطق حياة يفرضونه على الغير.

وإذا كانت حرب الولايات المتحدة والغرب من ورائها مع تنظيم القاعدة في أفغانستان، نموذجا لما يُـعرف بالحرب غير المتماثلة، أي الحرب بين طرف نظامي ممثل في جيوش أمريكية وأوروبية ومن قوات الناتو ضد طرف هلامي منتشر عبر الحدود توجهه أفكاره وعقائده، ولا يوجد لها أهداف واضحة أو قيادة بارزة أو موقع جغرافي محدد، فإن الصراع بين ما يتبقى من الدولة اللبنانية، ممثلا في الجيش كرمز للشرعية، وبين المجموعات الطائرة بين مخيم وآخر والقادمة عبر الحدود، هي نموذج آخر من هذه الحرب غير المتماثلة، وإذا لم يقدّر للجيش اللبناني أن ينتصر لشرعية الدولة، فيقينا أن حالات عربية أخرى ستدخل حتما الدوامة نفسها، وربما بمستوى أكبر وأعمق.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

نهر البارد (لبنان) (رويترز) – هدد متشددون في شمال لبنان يستلهمون نهجهم من تنظيم القاعدة يوم الاربعاء 6 يونيو بنقل قتالهم الى مناطق اخرى في لبنان وخارجه اذا لم يوقف الجيش هجومه على مخيم للاجئين الفلسطينيين.

وقال القائد العسكري في جماعة فتح الاسلام شاهين شاهين لرويترز من داخل مخيم نهر البارد عبر الهاتف “ان استمر الجيش في قصف المدنيين وممارساته اللاإنسانية…سوف ننتقل في غضون يومين الى المرحلة الثانية من المعركة.”

اضاف “سوف نريهم امكانيات فتح الاسلام بداية في لبنان وصولا الى بلاد الشام جميعا” والتي تضم اضافة الى لبنان سوريا والاردن وفلسطين.

وأطلق الجنود اللبنانيون قذائف المدفعية والدبابات خلال الليل وفي الصباح على مقاتلي فتح الاسلام الذين يتحصنون داخل مخيم نهر البارد حيث تدور المعارك منذ 18 يوما.

وقتل في المعارك 114 شخصا على الاقل من بينهم 46 جنديا و 38 من المتشددين منذ اندلاع القتال في 20 مايو ايار. ويقول الجيش ان المتشددين هم الذين بدأوا الصراع ويطالب باستسلامهم.

وتعد المعارك هي اسوأ قتال داخلي دموي في لبنان منذ الحرب الاهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990.

وقال مسؤول بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من داخل المخيم لرويترز ان 700 منزل دمرت منذ بدأ القتال.

وفي جنوب لبنان انتشرت قوة مكونة من 40 فردا من حركة فتح التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وثلاثة فصائل اسلامية اخرى على المدخل الشمالي لمخيم عين الحلوة في الجنوب الذي شهد اشتباكات دموية هذا الاسبوع بين الجيش ومسلحي جماعة جند الشام التي لها صلات مع فتح الاسلام.

وتزايد القلق من امكانية امتداد القتال الذي اندلع في مخيم عين الحلوة وادى الى مقتل اثنين من الجنود واثنين من المسلحين الى مخيمات اخرى للاجئين في لبنان.

ويوجد بلبنان 400 ألف لاجئ فلسطينيين موزعين على 12 مخيما.

وتقول الحكومة ان فتح الاسلام طلبت من جماعة جند الشام في عين الحلوة بدء القتال في الجنوب.

وأدانت الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح وحماس فصيل فتح الاسلام الذي يتبنى نهج الجهاد العالمي الذي يتبعه تنظيم القاعدة ويجند مقاتلين من دول عربية اخرى.

وقالت مصادر أمنية ان قوات الامن في شرق لبنان اعتقلت ثلاثة أشخاص يشتبه في انتمائهم للقاعدة وبحوزتهم أسلحة ومتفجرات.

واعتقل الثلاثة من شقة في قرية بار الياس في وادي البقاع الى الغرب مباشرة من الحدود مع سوريا وكان بحوزتهم أيضا وثائق سفر وهوية مزورة وأجهزة كمبيوتر وخرائط لمدن لبنانية ومناظير للرؤية الليلية.

واتخذت فتح الاسلام من نهر البارد قاعدة لها حيث يمكنها العمل بعيدا عن سلطة الدولة التي لا يسمح لها بدخول المخيمات الفلسطينية في لبنان بموجب اتفاق عربي أبرم عام 1969.

وفر نحو 27 ألفا من بين 40 ألف لاجيء في مخيم نهر البارد من منازلهم. ووجهت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للامم المتحدة (اونروا) نداء لتخصيص 12.7 مليون دولار للوفاء باحتياجات النازحين.

وقالت الولايات المتحدة التي أرسلت ذخائر وعتادا للجيش بعد اندلاع الصراع انها ستقدم 3.5 مليون دولار استجابة للنداء.

وهذه الاشتباكات هي أحدث هزة لاستقرار لبنان. وانفجرت اربع قنابل في منطقة بيروت مما ادى الى مقتل شخص واصابة عشرات بجروح منذ بدء القتال في مخيم نهر البارد.

وقالت مصادر امنية انه عثر على قنبلة صغيرة بالقرب من منتجع ساحلي يتردد عليه جنود حفظ السلام في جنوب لبنان صباح الأربعاء.

وذكرت المصادر ان القنبلة وزنتها كيلوجرامان كانت موقوتة لتنفجر في الساعة السادسة صباحا (0300 بتوقيت جرينتش) لكن عطلا ادى الى عدم انفجارها.

وفي الاسبوع الماضي اتهم متشددون اسلاميون من فتح الاسلام قوة حفظ السلام التي يبلغ قوامها 13 الف فرد من بينهم قوات بحرية بالمشاركة في قصف مخيم نهر البارد من البحر وهو اتهام نفته قوات حفظ السلام.

من نزيه صديق

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 يونيو 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية