الصومال.. تغيّـرات درامية مقبلة
في خطوة مفاجئة عكست ما هو معروف عن احتضان إثيوبيا للحكومة الانتقالية الصومالية، حطّ وزيران إثيوبيان مؤخرا في بيداوة، المقر المؤقت لحكومة الصومال.
وتباحثا مع الرؤساء الثلاثة المؤقتين للدولة والحكومة والبرلمان، بُـغية توحيد مواقفهم إزاء التحدّيات الماثلة بفعل الانقسامات العميقة في البلاد.
هذه الانقسامات قائمة بين أعضاء الحكومة من جهة، ونتيجة انتصارات المحاكم الإسلامية، التي تعدها إثيوبيا خطرا محتملا كبيرا على نفوذها المتزايد على حكومة علي جيدي، من جهة أخرى.
زيارة المسؤوليْن الإثيوبييْن إلى بيداوة (شمال غربي مقديشيو، عاصمة الصومال)، وهما وزير الخارجية سيوم مسفين ووزير الثقافة محمد داردير، تقدّم الدليل المادي الأبرز على مدى القلق الإثيوبي من التطوّرات الجارية في الصومال، وتقدِّم أيضا الدليل الأوضح على أن أديس أبابا ستفعل كل ما تستطيع من أجل الحفاظ على وحدة الحكومة الانتقالية التي تعتبرها حكومة صديقة، بل وقناة لتمرير النفوذ الإثيوبي في الشأن الصومالي ككل.
حسابات إثيوبية معقدة
التعويل الإثيوبي على إنقاذ الحكومة الانتقالية على النحو السابق، له بعد استراتيجي وحين يُـقال أن نتائج الجهد الإثيوبي قد نجحت في احتواء الخلافات التي ثارت مؤخّـرا بين الأقطاب الثلاثة في الحكومة الانتقالية، دون الإفصاح عن تفاصيل هذا النجاح، يمكِـن للمراقب أن يصل إلى استنتاج بأن الوساطة قد خلطت بالفعل بين الأبعاد الشخصية، وأخرى موضوعية أو بعبارة أخرى حاولت أن تنهي عناصر القلق الشخصي التي تكاثرت في الأيام الماضية بين رئيس الحكومة من جهة، وكل من رئيسي الدولة والبرلمان من جهة أخرى، حيث اعتبر الأول أن القطبين الآخرين يعملان على تنحيته وإقصائه من منصبه، في حين يعلن القطبان الآخران بأن موقفهما لم يصل بعد إلى تلك النقطة، وأن القضية كلها محصورة في خلاف موضوعي حول إستراتيجية التفاوض مع المحاكم الإسلامية تحت رعاية الجامعة العربية.
موضوعيا أيضا، فإن الاهتمام الإثيوبي يمتدّ إلى تقوية دور الحكومة الانتقالية، بحيث تظل عُـنصرا أساسيا في المعادلات الصومالية الجديدة التي نشأت في البلاد بعد الانتصارات التي حققتها المحاكم الإسلامية وانتشارها إلى ما يقرب من ثلثي البلاد.
ومن خلال استمرار الحكومة الانتقالية موحّـدة وقادرة على الحد من نفوذ المحاكم، تكون إثيوبيا قد ضمنت قدرا من نفوذها في الصومال في مواجهة النفوذ الإسلامي عموما، والداعي إلى استعادة هوية الصومال الإسلامية العربية، وإلى الاستناد إلى دور عربي واضح يُـساعد في حل مشكلات الصومال.
مهم، يتعلّـق بالحفاظ على بُـؤرة رئيسية للنفوذ الإثيوبي يمكن أن تكون بمثابة حائط صدّ لأي تغييرات جذرية غير مرغوبة إثيوبيا، خاصة كل ما يتعلّـق بانتشار نفوذ منظمات وحركات إسلامية في منطقة القرن الإفريقي، فما بال إن سادت وتحكّـمت جهة إسلامية ما في الشأن الصومالي ككل.
ولعل ذلك يفسّـر أيضا إرسال أديس أبابا قوات غير معلن عنها إلى بيدواة، ولكن تمّ التأكّـد من وجودها عبر أكثر من مصدر، من أجل حماية الحكومة وضمان بقائها، وكذلك لردع ميليشيا المحاكم الإسلامية من التقدّم ناحية بيداوة بأي صورة كانت.
انقسامات حكومة جيدي
هذه الحسابات والتحرّكات الإثيوبية، لا تمنع ولا تقيّـد تلك الشكوك المتزايدة حول قُـدرة حكومة جيدي على الاستمرار والبقاء. فحجم التأييد الشعبي آخذ في الانحسار، وقدرتها على أن تجسّـد شعارها الأساسي، وهو المصالحة الوطنية، يبدو في خانة العجز أكثر منه في خانة الفعل، كما أن نفوذها العملي يضيق يوما بعد آخر، في الوقت الذي تتّـسع فيه مساحة النفوذ والتأثير للمحاكم الإسلامية.
كما أن الترابط بين البرلمان والحكومة، باعتبارهما انتقاليان، والتنسيق بينهما من أجل تعزيز المصالحة الوطنية وبناء نظام سياسي قابل للاستمرار، مسألة حياة أو موت بالنسبة لهما معا، يبدو مفقودا إلى حد كبير، والانقسامات بين أعضاء الحكومة نفسها يؤثر في ادعائها على تمثيل مناطق وشرائح وقبائل الصومال.
الصحيح هنا أن الحكومة استطاعت أن تعبر اختبارين مهمّـين في البرلمان حول حَـجب الثقة عنها، وفي الاختبار الثاني نجحت الحكومة بفارق ضئيل للغاية وهو 13 صوتا، مما يوفّـر لها مساحة زمنية أخرى لا تقل عن ستة أشهر وِفقا للدستور الانتقالي الذي يمنع إعادة طرح الثقة في الحكومة، إلا بعد مرور هذه المدة.
لكن الشواهد تقول إن هذه المدة قد تشهد تطوّرات درامية على صعيد وجود الحكومة أصلا، فحتى الآن قدم 40 وزيرا ونائبا للوزير استقالاتهم، من مجموع 75 عضوا، منهم 15 وزيرا كاملي العضوية، لم يستطع على جيدي سوى إعادة ملء سوى سبعة مقاعد للوزراء كاملي العضوية فقط، وما زال عليه ملء باقي المقاعد الفارغة.
وحتى في حال تقليص عدد الحكومة إلى 40 عضوا وحسب، كما هو مطروح للخروج من أزمة الاستقالات المتتالية، فهذا يتطلّـب موافقة البرلمان الانتقالي، وهو بدوره مُـنقسِـم حول تأييد الحكومة أصلا، ويعني من جانب آخر، أن بعض القوى القبلية في الصومال ستكون مرشحة لأن تخسر ممثليها من الوزراء ونواب الوزراء، مما سيجعل الحكومة الجديدة أقل تأييدا شعبيا من ذي قبل.
ووفقا للدستور الانتقالي، فإنه يمكن لحكومة جيدي أن تستمر، إذا ما حافظت على نسبة ثلثي الوزراء كاملي العضوية في مناصبهم، وهم يشكّـلون 42 وزيرا، لم يستقل منهم سوى 15 فقط، في حين لم يستقل أي منهم من عضوية البرلمان، الأمر الذي يشكِّـل تعديلا في موازين التأييد والمعارضة للحكومة داخل البرلمان، وهو ما سيؤثـر حتما على أداء الحكومة.
في الوقت نفسه، يلاحظ أن عددا من أعضاء البرلمان المحسوبين على كُـتلة رئيس الوزراء جيدي قدّموا استقالاتهم من عضوية اللّـجان البرلمانية الفرعية، تعبيرا عن استيائهم من طريقة عمل هذه اللجان التي تضم حوالي نصف أعضاء البرلمان، الأمر الذي يصبّ في إضعاف البرلمان نفسه ويظهره كمؤسسة بلا فاعلية، في الوقت الذي تعمل فيه المؤسسات التي تنشِـئها المحاكم الإسلامية بكفاءة نسبية ملحوظة.
فاعلية على الطرف الآخر
وليس بخاف على أن هناك من الوزراء السابقين والحاليين مَـن استجاب لدعوة الشيخ طاهر عويس، رئيس مجلس شورى المحاكم الإسلامية بالاستقالة من حكومة جيدي والانضمام إلى المحاكم نفسها، باعتبارها القوة الصّـاعدة والقادرة على ضبط الأحوال الصومالية والحصول على تأييد شعبي في الآن نفسه.
وليس بخاف أيضا، على أن وزراء حاليين في الوزارة يطرحون أسلوبا مختلفا في التفاوض مع المحاكم الإسلامية تحت الرعاية العربية عن ذلك الذي يتمسّـك به رئيس الوزراء جيدي، والداعي إلى عدم الاعتداد كثيرا بوساطة الجامعة العربية والاستعانة أكثر وأكثر بالنفوذ الإثيوبي، والتعامل مع المحاكم باعتبارها قوة غير شرعية وليس مجرّد قوة منافسة يمكن التفاهم معها، كما يطالب بذلك الكثير من أعضاء البرلمان والوزراء، وهو ما يفسِّـر غضب الكثير من أعضاء البرلمان بمن فيهم رئيسه شريف شيخ حسن عدن على قرار جيدي المنفرد بتأجيل المفاوضات مع وفد المحاكم من نهاية يوليو إلى منتصف أغسطس الجاري، دون استشارة أقطاب الحكومة الآخرين.
تكثر الخلافات والانقسامات في الحكومة الانتقالية، وتأتي الوساطات والتدخّـلات الإثيوبية، في الوقت الذي تدشِّـن فيه المحاكم الإسلامية مشروعا يعتمد على المتطوّعين لتنظيف العاصمة مقديشو، وإزالة آثار الحروب والمعارك عنها، وإجراء ترميمات على شوارعها ولمبانيها الأساسية، وتُـدير المطار أمام حركة التجارة والسفر من وإلى الخارج، وتعد بافتتاح قريب للميناء، دون خوف من عصابات التهريب والقرصنة التي سيطرت على عمل المرفأ لسنوات طويلة.
ولاشك أن المواطن البسيط، حين يقارن بين وجود حكومة انتقالية تعمل تحت رعاية نفوذ خارجي ولا تقدّم الحدّ الأدنى من الجهد لتحسين أحوال المواطنين، ولا ترعى مصالحة وطنية وتزداد داخلها الانقسامات والصراعات، وبين مؤسسات وليدة حقّـقت بعضا من الأمن والاستقرار وتدعو الجميع إلى التضافر من أجل بناء صومال بعيد عن نفوذ الجيران الأقوياء الذين يتدخلون في شؤون البلاد جهارا نهارا، فإن المقارنة هي ببساطة في صالح الثانية دون شك.
ومع زيادة الشعبية والتأييد الجماهيري، يبدو الصومال على أعتاب نظام سياسي جديد بعيد الصِّـلة عن الدستور الانتقالي الذي صِـيغ برعاية إثيوبية – كينية قبل حوالي عامين.
د. حسن أبو طالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.