الضربة الإسرائيلية لإيران: ليس “هل” بل “متى”؟
"السؤال الآن لم يعد "هل" ستُوّجه إسرائيل، بدعم من أمريكا، ضربة عسكرية جوية وصاروخية للمنشآت النووية الإيرانية أم لا، بل "متى" : قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل أم بعدها؟".
هذا هو المنطق السائد الآن في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تضم معاقل وقيادات “حزب الله” اللبناني.
التساؤل المطروح الآن في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تضم معاقل وقيادات “حزب الله” اللبناني، الحليف الاستراتيجي الأبرز لإيران في الشرق الأوسط، والخصم الاستراتيجي الأبرز لإسرائيل والولايات المتحدة في منطقة الهلال الخصيب العربي، هو “متى” ستُوّجه إسرائيل، بدعم من أمريكا، ضربة عسكرية جوية وصاروخية للمنشآت النووية الإيرانية: قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل أم بعدها؟”.
أحد المحللين السياسيين اللبنانيين، الذي التقى قبل أيام قيادات من الحزب، يقول إن قناعات هذه الأخيرة حول “حتمية الصدام” الإيراني- الإسرائيلي، تستند في آن إلى معلومات من طهران والى تحليلات في بيروت.
المعلومات الطهرانية تقول إن إسرائيل بدأت بالفعل قبل أشهر عدة في وضع اللمسات التنفيذية الأخيرة على خطة الهجوم على مفاعلات بوشهر-1 وبوشهر–2، مستفيدة من تجربتين اثنتين:
الأولى، الهجمات الجوية التي شنّها سلاح الجو العراقي على المفاعلات عامي 1987 و1988، والتي نجحت آنذاك في تجميد البرنامج النووي الإيراني. (التفاصيل الدقيقة للغارات باتت اليوم في حوزة قوات الاحتلال الأمريكي في العراق). والثانية، الضربة الجوية الإسرائيلية الناجحة أيضا لمفاعل “أوزيراك” النووي العراقي عام 1981.
والتحليلات البيروتية تشّدد على القول إن تحالف المُحافظين الجدد الأمريكيين والمحافظين القدماء الإسرائيليين، بات في حاجة ماسة لتوفير “نصر ما” في الشرق الأوسط للرئيس بوش، لمساعدته على كسب معركة الانتخابات الصعبة، خاصة في ضوء النكسات الأمريكية الأخيرة في العراق.
ولا شك أن ضربة جوية إسرائيلية ناجحة للمنشآت النووية الإيرانية، ستؤدي إلى توفير مثل هذا النصر بسعر غير مُكلف لبوش والأمريكيين. كما أنها ستحقق لمحور تل أبيب – واشنطن أهدافا عدة في آن واحد:
– إجهاض المشروع النووي الإيراني قبل ولادته المرتقبة في عام 2007، كما تقول البيانات الإسرائيلية.
– خلخلة الوضع الداخلي الإيراني، المختل أصلا بعد “اختطاف” المحافظين للسلطة التشريعية فيه.
– لجم طموحات طهران في الإقليم النفطي الخليجي، الذي بات الآن على رأس أولويات ومصالح الإمبراطورية الأميركية.
– تدفيع إيران أثمانا فادحة لتدخلها في العراق وفلسطين وسوريا.
ساحة العراق
من بين كل هذه الأهداف الأربعة، يبدو الأخير هو الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل (وبالتالي للولايات المتحدة). لماذا؟
بسبب ما بات يُعرف بالمجابهة الجيو- إستراتيجية الشاملة بين إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط الكبير، المُمتد من جبال آسيا الوسطى والقوقاز إلى شواطيء بحر العرب. هذه المجابهة بدأت فور إنتهاء الحرب الباردة عام 1989، حين انطلقت الدولة العبرية لتطبيق سياسة “مناطق النفوذ” في ما أسماه رئيسا الوزراء الإسرائيليان السابقان إسحاق رابين وشمعون بيريز “الشرق الأوسط الجديد”. وهو مفهوم أرادا منه إسقاط كل من مفهوم النظام الإقليمي العربي ونظام الشرق الأوسط الإسلامي في الوقت ذاته.
هذا المسعى حقق نجاحات واضحة في الداخل العربي، بسبب الضعف الشديد للنظام الإقليمي العربي في أعقاب حربي 1967 و1991. لكنه ارتطم بجدار إيراني بسبب رغبة طهران هي الأخرى في التحّول إلى القوة الإقليمية الرئيسة في المنطقة.
وهنا بدا الاشتباك حتميا. وهو تجلى في البداية في الحرب بالواسطة التي شنتها إيران ضد إسرائيل في جنوب لبنان من خلال “حزب الله”، ثم في فلسطين عبر دعم الأولى لحركتي حماس والجهاد. لكنه (أي الاشتباك) يتخذ أشكاله الأخطر الآن في العراق.
فتل أبيب تحركّت بسرعة كبيرة فور دخول القوات الأمريكية إلى بغداد منتصف عام 2003، لتثبيت أقدامها بين أكراد العراق بهدف تحقيق جملة أهداف دفعة واحدة:
1- مجابهة القوة الشيعية الإيرانية والعراقية الناشئة في بلاد ما بين النهرين، بقوة كردية متحالفة مع الدولة العبرية.
2- ترسيخ تقسيم العراق الفعلي إلى ثلاث دول، وإشغال كل الدول الإقليمية المحيطة به، خاصة إيران، بحروبه الأهلية المنطلقة من فوهة بركان القضية الكردية.
3- إستخدام ورقة الأكراد في العراق (وإيران)، لمساومة إيران على ورقة “حزب الله” في لبنان، كما يرى عن حق المحلل الأميركي كافي أفراسيبي.
4- تحقيق الحلم الإسرائيلي التاريخي بمد خط أنابيب نفط من الموصل إلى حيفا.
5- وأخيرا، وضع مشروع “إسرائيل الكبرى” موضع التنفيذ، هذه المرة من خلال نافذة “الشرق الأوسط الجديد” أو الشرق الأوسط “الموّسع” لا فرق.
أجراس الإنذار
هذه الأهداف دقّت، كما هو متوقع، أجراس الإنذار بقوة في طهران، التي كانت تتوجس أصلا من التهديدات التي بات يفرضها وجود القوات الأمريكية على حدودها مع العراق، فإذا بهذا الخطر يتمدد الآن ليصبح أمريكيا- إسرائيليا مشتركا، تستخدم فيها تل أبيب بكثافة ورقة الأكراد العراقيين والإيرانيين لزعزعة الاستقرار السياسي في طهران.
والآن، وإذا ما أضفنا إلى نقطة الاشتباك العراقية هذه بين الطرفين، نقاط الاشتباك الأخرى في لبنان وفلسطين وما يسمى بمسائل الإرهاب، إضافة إلى المسألة النووية، تتضح لنا مدى خطورة الوضع الراهن.
والحال أن مثل هذه الخطورة طفت بقوة على سطح الأحداث في الشرق الأوسط، بفعل سلسلة متصل من التطورات التي تبدو منفصلة، لكنها في الحقيقة متشابكة:
أ – تصنيف القيادة الأمنية الإسرائيلية للجمهورية الإسلامية في إيران على أنها “الخطر الأكبر” على الدولة العبرية، وتأكيدها أن هذه الأخيرة ستحوز على السلاح النووي قبل عام 2007.
ب- ما رصدته صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية قبل أيام من تصعيد مفاجئ في لهجة عداء الكونغرس الأميركي لبلاد الفرس، مشفوعا بضغوط قوية يبذلها العديد من الشيوخ الأميركيين على إدارة بوش لحملها على القيام بـ “شيء ما” ضد إيران.
ج- تزايد الاشتباكات المُسلحة والتصعيد الأمني (الاغتيالات) بين “حزب الله” المدعوم إيرانيا وبين إسرائيل المدعومة أميركيا، بسبب ما يقال عن الدور المهم الذي بات يلعبه الحزب في فلسطين والعراق.
د- تزايد الاحتكاك بين طهران وواشنطن نفسيهما، بعد الاتهامات الأميركية المتزايدة لطهران بدعم “القاعدة” وباقي منظمات الأصوليين السنّة في العراق.
ه- وأخيرا، البرود الخطر الذي بات يشوب العلاقات الإيرانية – الأوروبية، بعد شهور عسل إمتدت سنوات عدة. وهذا، في حال إستمراره، قد يفقد طهران آخر خط دفاع دولي لها في مواجهة أميركا وإسرائيل.
علامات وعلائـم
إلى أين من هنا؟ إلى الصدام حتما.. لكن متى؟
هنا، ومع هذا السؤال، ترتسم على العديد من الوجوه في الضاحية الجنوبية من بيروت، الكثير من علامات القلق المشوبة بعلائم التحدي. فحزب الله يخشى بالطبع أن تؤدي الضربة الجوية الإسرائيلية المحتملة إلى زعزعة إستقرار نظام الملالي، وبالتالي إلى احتمال إفقاده عمقه المالي والأيديولوجي والاستراتيجي. وهذه أسباب علامات القلق.
بيد أن الحزب يبدو واثقا بأنه، مع الإيرانيين، سيكّبد الإسرائيليين أثمانا فادحة للغاية، حتى في حال نجاح الضربة العسكرية، إذا ما صمد النظام الإيراني سياسيا. إذ حينها سيكون هذا التحالف قادرا على “فتح أبواب جهنم على إسرائيل وأميركا”، على حد تعبير البعض في الضاحية. وهذه أسباب علائم التحدي.
وبين علامات القلق وعلائم التحدي، ترقص منطقة الشرق الأوسط برمتها الآن فوق برميل بارود يعرف الجميع أنه سينفجر، لكنهم لا يعرفون .. متى..!
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.