العالم العربي يحتاج إلى 39 عاما لمحو الأمية
بعد مرور نصف قرن على انعقاد أول مؤتمر رسمي عربي كرّس إلزامية التعليم في البلاد العربية، لا يبدو المشهد الراهن مُـنبئا بتحقيق الأهداف التي وضعتها الدول العربية لنفسها.
وتشير توقعات جديدة لمنظمة الأليكسو إلى أن عدد الأميّـين في العالم العربي سيرتفع إلى 70 مليون شخص خلال العام الجاري.
طبقا لدراسة داخلية أعدتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الأليكسو”، التي يوجد مقرها في تونس، فإن نسبة الأميّـة في العالم موزعة إلى صنفين.
الأول، تمثله القارات والبلدان التي تقل فيها الأميّـة في عام 2005 عن 20%، وهي أوروبا، والولايات المتحدة، وأمريكا اللاتينية، وشرق آسيا والمحيط الهادي.
أما الثاني، فتمثله القارات والمناطق التي تتجاوز فيها الأميّـة حاجز الـ 20% في نفس العام، وهي خمس مناطق: إفريقيا شبه الصحراوية (34%)، وآسيا (22%)، وإفريقيا (35%)، والبلدان العربية (35%)، وجنوب غرب آسيا (41%). وهكذا، تأتي المنطقة العربية في الرّتبة قبل الأخيرة في العالم من حيث نسبة انتشار الأميّـة فيها.
نسبة الأمية في انخفاض تدريجي
وكانت البلدان العربية عقدت مؤتمرا خاصا للتعليم الإلزامي، أنهى أعماله في 11 يناير 1955 في القاهرة، وكان من أهم توصياته، تعميم التعليم الابتدائي، وإلزاميته وربطه بمحو الأميّـة.
وطلب المؤتمر من كل دولة وضع خُـطة شاملة لتعميم التعليم الإلزامي المجاني في فترة لا تتجاوز 10 سنوات، إضافة إلى ضرورة تعليم البنات للنّـهوض بالأسرة والمجتمع، بل إن السفير الفلسطيني، زهدي لبيب الطرزي الذي واكب جُـهود الجامعة العربية في القاهرة وقتئذ، أشار إلى أن الخطوات الأولى لمحو الأميّـة تعود إلى الاستفتاء الذي قامت به الجامعة عام 1948 لمعرفة الأساليب الأنجع لمكافحة الأميّـة، والتي قادت لاحقا إلى إنشاء صندوق عربي لمحو الأميّـة عام 1966، وجهاز خاص أُطلق عليه اسم “الجهاز الإقليمي لمحو الأمية”، أُدمج في منظمة الألكسو في مطلع السبعينيات.
لكن الدراسة التي سُـلّمت أخيرا لوزراء التربية العرب، أظهرت أن الخط البياني لتطور الأميّـة عبر العقود الأخيرة، مازال في تزايد مُـستمر من حيث الأعداد المطلقة، وإن كانت نسبة الأميّـة تميل إلى الانخفاض التدريجي نظرا للإرتفاع المطرد في عدد سكان العالم العربي.
تفاوت كبير بين الجنسين
ففي عام 1970، وصل عدد الأميّـين إلى 50 مليون أمّـي (أي بنسبة 73% من الفئة التي تزيد أعمارهم عن 15 عاما)، ثم ارتفع في سنة 1990 إلى 61 مليون أمّـي (بنسبة 49% من الفئة نفسها)، وفي عام 2000، قدّرت الأليكسو أن العدد وصل إلى 66 مليون أمّـي، وتتوقع أن يبلغ 70 مليونا خلال العام الجاري، إذا ما استمرت جهود مكافحة الأميّـة على المنوال نفسه.
وأفادت الدراسة أن الحجم الكبير من الأميّـة يوجد في البلدان ذات الكثافة السكانية المرتفعة، وهي مصر، والسودان، والمغرب، والجزائر، واليمن. حيث تضم هذه البلدان مجتمعة 48 مليون أمّـي عربي، منهم 17 مليون في مصر وحدها.
أما الحجم الأقل، فنجده في البلدان ذات الكثافة السكانية القليلة، وهي الأردن، والإمارات، والبحرين، وعُـمان وقطر، وجيبوتي، والكويت، ولبنان، وليبيا، لكن في موريتانيا مثلا، أُحْـصي التقرير 2،5 مليون من الأميّـين، مع أن العدد الإجمالي للسكان هو ضعف ذلك تقريبا.
وهناك تفاوت كبير بين الجنسين على صعيد انتشار الأميّـة في البلاد العربية، التي تعادل 35% كما أسلفنا، إذ أن نسبتها بين الإناث ترتفع إلى أكثر من 46%، فيما لا تتجاوز 25% بين الرجال، وهذا يعني إخفاقا للجهود التي بُـذلت لمحو الأميّـة في العالم العربي، وفي مقدمتها هدف تخفيض الأميّـة بنسبة 50% في حدود عام ألفين، مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في عام 1990.
الأمية مرتبطة بالفقر
واعترف التقرير أنه إذا استمر الأمر على هذا المنوال، أي بتقدم 1% فقط سنويا، فإن البلدان العربية مُـجتمعة تحتاج إلى 39 عاما أخرى للقضاء على الأمية.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن الأمور تتّـجه إلى التحسّـن في سبعة بلدان صغيرة وغير فقيرة، هي الأردن، والإمارات، والبحرين، وفلسطين، والكويت، ولبنان، حيث بدأت تتعادل نسبة القراءة (وهو الوجه المعاكس للأمية)، بين الجنسين. كما أشار إلى استحداث بعض البلدان، مثل مصر وليبيا نظام البث الفضائي لأهداف تعليمية، بما فيه إقامة قنوات تسعى لتأمين التعليم الأساسي والتعليم المستمر ومحو الأمية.
وإذا ما ألقينا نظرة على العلاقة بين الفقر والأميّـة، مثلما تتضح من دراسات أخرى، نلاحظ أنها تكاد تكون متلازمة. فعلى سبيل المثال، أفاد البحث الذي وضعه الخبير الفرنسي تييري كوفيل عن نمط التنمية في الجزائر، ونشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية مقتطفات منه في 18 يناير 2005، أفاد أن النسبة المرتفعة من البطالة والأميّـة تتركّـزان معا في الأحزمة الفقيرة للجزائر العاصمة والمدن الداخلية، وأظهر أن نسبة الأمية تجاوزت 30% في عام 2002، فيما قاربت نسبة البطالة 30% من السكان النشطين، بل هي ترتفع إلى 50% بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين عاما.
الفقر المادي والبشري
وفي هذا السياق، أكّـد الدكتور عزام محجوب، الخبير الاقتصادي التونسي، الذي شارك في تحرير تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2002، وجود ترابط بين الفقر والأميّـة.
وأشار الدكتور محجوب في تصريحات لسويس انفو أن تقارير التنمية البشرية استحدثت في السنوات الأخيرة مفهوما جديدا هو “الفقر البشري”، الذي ترتكز مؤشراتُـه على العناصر الثلاثة التالية:
– احتمال الوفاة قبل سن الأربعين
– ارتفاع نسبة الأميّـة
– عدم توافر المرافق الأساسية من رعاية صحية، وماء صالح للشرب، ومصادر التغذية الأساسية.
وقال الدكتور محجوب “إذا ما طبّـقنا هذا المعيار على العالم العربي، نجد أن نسبة الفقر البشري تصل إلى 25% من سكانه، وهذا ما يقود إلى استنتاج عامّ يخصّ وجود علاقة عُـضوية بين الفقر المادي، والفقر البشري”. وأضاف: “يكفي فتح موقع برنامج الأمم المتحدة للتنمية على شبكة الإنترنت لنلاحظ من خلال الإحصاءات المعروضة، أن الفقر البشري هو في النهاية فقر مادي”.
أما الدكتور محمد بن أحمد، الخبير في مجال الإعلامية فحذر من ارتفاع نسبة الأمية المعلوماتية في العالم العربي متسائلا: “ما فائدة التقدم التكنولوجي، إذا ما ظل الجوع والجهل والمرض يضرب بقوة”؟.
وأجرى الدكتور بن أحمد، (الذي ترأس قسم الإعلامية في كلية العلوم بتونس قبل تعيينه وزيرا للبحث العلمي في العقد الماضي وأصدر منذ عامين كتابا مُـثيرا عن الفجوة الرقمية بعنوان “العولمة البديلة”)، مقارنة بين نسبة السكان الأمريكيين إلى سكان العالم (7،4%)، وهي نسبة متقاربة مع العرب (5،4%)، إلا أن عدد مستخدمي الإنترنت هناك يتجاوز 26% من السكان، فيما لا يتجاوز 2،0% في البلاد العربية.
وهكذا، تضاف إلى الفجوة التنموية، التي يُـعاني منها العالم العربي مند قرون، فجوتان تعليمية ورقمية تعكسان عُـمق المسافة التي تفصله عن أبرز ثورتين حديثتين في المجتمعات الغربية والعالم عموما.
رشيد خشانة – تونس
في عام 1970، وصل عدد الأميّـين إلى 50 مليون أمّـي (أي بنسبة 73% من الفئة التي تزيد أعمارهم عن 15 عاما)
ارتفع العدد في سنة 1990 إلى 61 مليون أمّـي (أي بنسبة 49% من الفئة نفسها)
في عام 2000، قدّرت الأليكسو أن العدد وصل إلى 66 مليون أمّـي، وتتوقع أن يبلغ 70 مليونا خلال العام الجاري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.