العالم سيحتاج الى تريليونات الدولارات لمواجهة تهديدات المناخ بحسب مسودة تقرير للأمم المتحدة
لن تكفي مليارات الدولارات المطروحة على طاولة مؤتمر “كوب 26” لمساعدة الدول الضعيفة على مواجهة ازدياد الجفاف والفياضانات وموجات الحرّ المرتبطة بالتغير المناخي، بل سيلزم تريليونات الدولارات لتمويل ذلك، بحسب مسودة تقرير للأمم المتحدة حصلت عليها وكالة فرانس برس.
ويُعدّ فشل الدول الغنية في الوفاء بوعدها بزيادة مساعداتها المناخية للدول الفقيرة إلى 100 مليار دولار سنويًا اعتبارًا من العام 2020 أحد أكثر الخلافات تفجرًا في مؤتمر المناخ الذي يقترب من نهايته.
إلّا أن هذا الرقم ضئيل جدًا مقارنة مع التكلفة الحقيقية للتأقلم مع التكيف مع الآثار المدمرة للاحترار العالمي، وفقًا لمسودة تقرير أعده خبراء المناخ التابعون للأمم المتحدة والذي سيُنشر في مطلع العام 2022.
ويرد في ملخّص التقرير المؤلف من 4000 صفحة أن “تكاليف التأقلم مرتفعة أكثر من تلك التي قُدّرت سابقًا” في مواجهة الفياضانات في المدن والشح في المواد الغذائية وموجات الحرّ القاتلة والهجرات الجماعية، بشكل تصبح فيه “التصوّرات الحالية لتمويل التكيّف غير كافية بالنظر إلى الحجم المتوقع لتأثيرات المناخ”.
وارتفعت حرارة الأرض بـ+1,1 درجة مئوية منذ حقبة ما قبل العصر الصناعي، فيما قد ترتفع حرارة الأرض بأكثر من الرقم التي هدفت إليه اتفاقية باريس الرامية إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة بأكثر من +2 درجة مئوية، إذا أمكن +1,5 درجة مئوية.
غير أنه كلّما ارتفعت الحرارة ازدادت تكاليف حماية المجتمع، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
ووفقًا لمسودة التقرير، قد يصل التمويل اللازم للتكيف مع تغير المناخ بحلول العام 2050 إلى ألف مليار دولار سنويًا في سيناريوهات معينة للانبعاثات. في عالم +2 درجة مئوية، قد تزيد تكاليف التكيّف لأفريقيا وحدها بـ”عشرات المليارات” كل عام.
– “التكيّف نقطة عمياء ضخمة” –
ويتطرّق تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي حصلت وكالة فرانس برس على نسخة أولية منه إلى تبعات الاحترار المناخي.
في غضون ذلك، بدأ الخبراء والدبلوماسيون في تقييم الاحتياجات التي ستُكلّف أكثر بكثير من الـ100 مليار المخصصة لمساعدة البلدان على تقليل انبعاثاتها والتكيف مع آثار الاحترار المناخي.
ولفتت مديرة سياسات المناخ والطاقة في “اتحاد العلماء المعنيين” ريتشل كليتس في حديث مع وكالة فرانس برس إلى أن الوعد الذي بدا مهمًا عام 2009 “تمّ تجاوزه تمامًا” نظرًا للواقع على الأرض، معلّقةً “عندما نتحدث عن التمويل لما بعد عام 2025، يجب أن يكون بالتريليونات.”
من جهته، رأى مدير مركز أبحاث المناخ والطاقة “باور شيفت آفريكا” في نيروبي محمّد أداو أن “التكيف نقطة عمياء ضخمة في حالة الطوارئ المناخية”.
– “التأمين ضد حدث محتّم وقوعه” –
وتركّز مسودة تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على الحاجة الملحة لحماية الذات من تأثيرات تغير المناخ والتي ستكون كبيرة حتى مع ارتفاع الحرارة بـ+1,5 مئوية فقط، وتتوقع أيضًا تكاليف الضرر لكل قطاع من قطاعات المجتمع.
وقد يتجاوز الضرر في غوانغشو، جنوب الصين، 250 مليارًا كل عام، مع ارتفاع إضافي قدره 20 سم في مستوى سطح البحر، دون تدابير التكيف مثل البنية التحتية المضادة للغطس. ولكن في عالم ارتفعت فيه حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، قد يرتفع مستوى المحيط بمقدار الضعف.
ومن الممكن أن تكون مدن ساحلية أخرى مثل بومباي ضحية كوارث بنفس الحجم.
وستُساهم الفياضات في افريقيا بنزوح معدّل 2,7 مليون شخص سنويًا بحلول العام 2050 فيما ستتراجع المحاصيل كمًّا ونوعًا ما سيؤدي إلى ازدياد مخاطر سوء التغذية العامة فيما ستؤثر موجات الحر على الأنظمة الصحية.
لذلك، سيكون تمويل التكيف أشبه بالاستثمار لتجنب تكاليف مستقبلية، بحسب مسودة التقرير.
ويقول الباحث في جامعة أوكسفورد براين اوكالاغن إن “الاستثمار في التكيّف مع المناخ يشبه إلى حد ما التأمين ضد حدث محتم وقوعه”.
– “مأوى” –
وطالب محمّد أداو وآخرون بتقرير خاص من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لتقدير الحاجات العالمية للتكيّف.
ويقول كبير المفاوضين من جمهورية الدومينيكان ماكس بويغ “نحتاج إلى تقييم موضوعي قدر الإمكان لتكاليف كل من التكيف وخفض الانبعاثات”.
وقبل أيام قليلة، قدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن احتياجات تمويل التكيف يمكن أن ترتفع إلى 300 مليار سنويًا في العام 2030، وإلى 500 مليار بحلول العام 2050.
ودعت مجموعة أفريقيا بدعم من الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند، الدول المتقدمة خلال “كوب 26” إلى تعبئة 650 مليارًا على الأقل سنويًا من أجل التكيف فقط، اعتبارًا من عام 2030.
وبالموازاة، اقترحت فيجي وجُزُر أخرى سقفًا منخفضًا بمرّتين لكن اعتبارًا من العام 2025، بحسب ما قال وزير الاقتصاد وتغير المناخ أياز سيد خيوم الذي دعا الدول لالغنية إلى الاعتراف بالحالة الطارئة.
ويضيف “عندما نبني منزلًا، لا يمكننا أن نبني حائطًا واحدًا كلّ عشر سنوات ونأمل أن يكون مأوىً لنا. نحن بحاجة لمأوى الآن”.