العاهل السعودي عبد الله .. عام في سدة الُملك
اكتمل العام الأول للعاهل السعودي عبد الله على اعتلائه سدة الملك بعد سنوات من الإدارة الفعلية لشؤون المملكة كولي للعهد، نظرا لمرض أخيه الملك السابق فهد.
وفى المرحلتين، صاغ عبد الله سياسة مختلفة عن أسلافه، اتسمت بمحاولة للاستجابة لتحديات غير مسبوقة، والسعى نحو تغيير الكثير من المعادلات التقليدية التي حكمت السلوك السعودي، دوليا وإقليميا.
سعوديا، ثمة ثوابت على الملك ـ أي ملك ـ ألا يتجاوزها، أولها، إعلاء كلمة الدين والتمسك بالشريعة الإسلامية، وثانيها، حماية المملكة والحفاظ على بقائها، وثالثها، حماية حكم الأسرة السعودية وضمان استمراريته، ورابعها، اكتساب مكانة دولية وإقليمية مقبولة وغير متنازع عليها.
الثوابت الأربعة بدت جليّـة في كل الخطابات التي ألقاها الملك عبد الله فى مناسبات مختلفة، ولكن في إطار من رؤيته الخاصة لما يجب أن يكون عليه المجتمع السعودي في التطورات الجارية، سواء في داخله أو حوله. والتغيير المحسوب، هو أحد قواعد الحركة التي أكّـدت عليها كلمات الملك عبد الله مرارا وتكرارا، مؤكّـدا أن بلاده لا يمكن أن تتوقف والعالم من حولها يتغيّـر، ومن ثم، فعلى المجتمع والحكومة والمواطن أن يستعدوا جميعا لهذا التغير، وأن يعملوا من أجله وأن يشاركوا فيه.
التغيير المحسوب
ففي هذا التغير المحسوب غير المتسارع، حسب قناعة الملك عبد الله، معالجة لكثير من المظالم وأوجه القصور في الداخل، والتي تتطلب إعدادا لبنية المجتمع التحتية لقبوله، وفيه أيضا تحسّـب لما يحمله النظام الدولي من تحدّيات منتظرة، وأخرى مفاجئة وربما تكون خطيرة، كتلك التي واجهتها المملكة بعد هجمات 11 سبتمبر، ومثّـلت صدمة وتحدّيا كبيرين للمؤسسة السعودية ككل، سياسيا ودينيا على السواء.
وفي كلمة موجزة، وأمام مجلس الشورى في دور انعقاده الأول في عهد الملك عبد الله، حدّد رؤيته لبلاده بالاستمرار فى “عملية التطوير وتعميق الحوار الوطنى وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد والقضاء على الروتين، ورفع كفاءة العمل الحكومي والاستعانة بجهود العاملين المخلصين، من رجال ونساء، في إطار التدرج المعتدل المتماشي مع رغبات المجتمع المنسجم مع الشريعة الإسلامية، وضرورة مواجهة الفئة الضالة، إذ لا تنمية دون أمن وأمان”.
تأمل الكلمات السابقة، يجد مفاتحها الأساسية في التغيير المتدرج والمعتدل والانسجام التام مع الشريعة الإسلامية، ومواجهة الخارجين عنها أو بعبارة أخرى، أنه التغيير المحسوب.
بصمات جريئة
التغيير المحسوب للمجتمع والسياسة والمؤسسات، ليس جديدا على العاهل عبد الله، فمنذ ولايته للعهد واضطلاعه بأمور الحكم نيابة عن الملك فهد، كانت له بصماته الخاصة والجريئة أيضا في الإطار الاجتماعي، والتي مثلت انقطاعا عن سياسات سابقة عتيدة.
فهو ولي العهد ثم الملك، الذي اعترف بأن في بلاده فقرا وفقراء يحتاجون إلى نظرة خاصة، وسياسات تقيهم شرّ العوز، وهو الذي قام بزيارات ميدانية لمناطق محرومة حول الرياض وعدَ فيها قاطنيها بأن تتحسّـن أحوالهم عبر خطة لتحسين مناطقهم العشوائية، وإدخال الخدمات فيها، وتوفير المساكن المناسبة لهم.
الاعتراف بوجود فقر وفقراء في بلد غني، ماليا وبتروليا، وشهد نقلة اجتماعية نوعية في اقل من أربعة عقود، وينظر له من الخارج بأنه عديم المشكلات الاجتماعية، كان يمثل خروجا عن المألوف الذي ساد طويلا، ومغطيا على أوجه القصور في المجتمع السعودي.
دعوات للحوار وقبول الآخر
ولعل ذلك شجّـع أصواتا داخلية عدّة، وُصفت بالإسلاميين المعتدلين والليبراليين السعوديين، والصحويين، والمثقفين الجدُد وشيعة في الشرق، تنادت بدورها لمزيد من التغيير الذي يلامس العصر وشروطه، دون أن يعني ذلك الانكفاء بعيدا عن الشريعة، ومن هنا، جاءت دعوات الحوار الوطني ومطالباته، والتي تبنّـاها الأمير عبد الله ليخط بذلك أسلوبا جديدا في السياسة السعودية، لم يكن معروفا من قبل، يسمح بالاعتراف بحق الآخر في أن يعبّـر عن مطالبه، دون أن يوصم بالكفر أو الخروج عن إجماع الأمة أو يقع عليه العقاب.
كانت إدارة ولي العهد عبد الله، نيابة عن أخيه الملك، مؤشرا على أن الرجل يحمل جديدا في إدارة الحكم وشؤون الدولة، وساعده على ذلك علاقاته الوثيقة مع المكوّنات المختلفة في المجتمع السعودي، سواء تقليدية أو حداثية، بما يتيح الاستماع للجميع، ولكن دون التغاضي عن ضرورات التوازن بين المستقر الرافض لأي تغيير، وبين الجديد الوافد الذي يريد أن يفرض نفسه ويحصل على الاعتراف الرسمي.
ومن هنا، بطأ اتخاذ القرارات في بعض المجالات، لاسيما ما يتعلق بوضعية المرأة في المجتمع، نظرا لقوة المعارضين لهذه الحقوق وتغلغلهم في بنية المجتمع. فيما أوضحت هذه القضية تحديدا، أن جزءا من التغيير لابد أن ينصب على أجزاء من منظومة القيّـم الاجتماعية الراسخة عبر السنين، لم تعد مقبولة في العالم المعاصر.
جولات ميدانية
آلية قبول الآخر السعودي مزجت عمليا بآلية أخرى، ويمكن ربطها مباشرة بالملك عبد الله، وهي الجولات الميدانية، وبدء عمليات تنموية كبرى. وللمرة الأولى، يقوم ملك سعودي بزيارة لمناطق لم ترَ عاهل البلاد من قبل أو منذ فترة بعيدة جدا، وهي مناطق القصيم شرقا، والإحساء جنوبا، وحائل شمالا، والمدينة المنوّرة غربا.
وتأمل المناطق التي تمت زيارتها، والمشروعات الكبرى التي دُشّـنت فيها، يكشف عن رؤية تقوم على ضرورة التنمية المتوازنة لمناطق المملكة المختلفة.
ففي الشرق، كانت كلفة المشروعات الجديدة 82 مليار ريال، وفي المدينة أربعون مليارا، وفي حائل، التي سوف تحتضن مدينة اقتصادية عملاقة، بكلفة 30 مليار ريال. وفي كل المشروعات الاقتصادية الكبرى، هناك فرص عمل تزيد عن نصف مليون فرصة للسعوديين ولغيرهم.
وفي كلها أيضا، قرار باستثمار الدخل الهائل من النفط نتيجة ارتفاع أسعاره، لتنويع مصادر الدخل على المدى البعيد، وفتح آفاق الاستثمار والتنمية على مصراعيها، وفي التنمية الشاملة، باب لا غنى عنه لتغيير المجتمع وتنميته وتوسيع آفاقه.
مواجهة الإرهاب.. الحسم والحوار
واقع الأمر، فإن تغيير المجتمع السعودي بقدر من الثقة والتدرج، يدخل في باب المهام الصعبة جدا، خاصة وأن الأمر يرتبط، ولو بطريق غير مباشر بمواجهة الإرهاب والفكر التكفيري والتطرف الديني، الذي ساد لدى قطاعات من الشباب السعودي لفترة طويلة سابقة، وتحوّل بها إلى مشكلة كبرى تهدد المملكة واستقرارها وأمنها، بل ومكانتها العالمية أيضا.
وفي هذا السياق، لا مكان للمهادنة أو التراجع عن المواجهة المتشعبة، أمنيا وفكريا واجتماعيا ودينيا أيضا. وبينما أعطي لقوات الأمن الحق في مواجهة المتطرفين والمنتمين لتنظيم القاعدة في أرض الحرمين الشريفين، طرح الملك عبد الله نهج الحوار والعفو المشروط لمن يتراجع عن تطرفه وضلالته، وندم على ما فعل، وقدم نفسه للدولة في زمن معيّـن.
وقد مثل ذلك نوعا من المزاوجة بين المواجهة والحوار المشروط، والذي اعتبر وسيلة لفض المساندة التي قد يحصل عليها هؤلاء من شرائح في المجتمع السعودي.
وإذا كان الإرهاب له أسلوبه الخاص في المواجهة، فلا شك أنه بحاجة إلى الكثير من الجهد لتطوير أداء المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية، جنبا إلى جنب، وتوسيع فرص العمل ومواجهة حال البطالة المنتشرة بين أوساط الشباب السعودي.
مسارات خارجية
الأسلوب الخاص داخليا، له ما يسنده خارجيا، والذي يمكن تلخيصه في ثلاثة مسارات متكاملة.
الأول، الحفاظ على العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة وتنقيتها من بعض الشوائب التي علقت بها في العامين التاليين لهجمات 11 سبتمبر، وقد حقق هذا المسار نجاحا ملحوظا، بدت أعراضه في تهدئة واحتواء الكثير من حملات الهجوم على المملكة ونظامها السياسي ووضعها الديني.
الثاني، الانطلاق السعودي ناحية الشرق الآسيوي من الصين إلى اليابان ومرورا بروسيا والهند، لاعتبارات عدة، بعضها لكسب مزيد من الأصدقاء الاستراتيجيين، وثانيا، لتوسيع أسواق التجارة والاقتصاد ومناهج التكنولوجيا المختلفة.
الثالث، الاستمرار كبؤرة توازن إقليمي يمنع المواجهات الكبيرة وينصح بالدبلوماسية لحل الأزمات والخروج منها.
وفي كل المسارات، هناك إصرار على أن تكون المملكة جزءا من حالة الاستقرار في الاقتصاد العالمي، وهو ما يشهد عليه السلوك السعودي في ساحة النفط، من أجل رفع المعروض والسيطرة على أسعاره، إن لم يكن خفضها.
د. حسن ابوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.