مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العراق: الصحوات العشائرية.. أزمة المجتمع السني أم نضوجه؟!

اللواء صالح محمد الجبوري (إلى اليسار) قائد شرطة الموصل أثناء تفقده لموقع انفجار جد يوم 24 يناير 2008 في الموصل قبل لحظات من مقتله رفقة ضابطين آخرين في تفجير انتحاري استهدفه Keystone

يقدّم أبو عزام التميمي، قائد صحوة منطقة أبو غريب، قراءة مخالفة تماماً للصورة التي يحملها عدد من الكتاب والمحللين السياسيين في العالم العربي عن هذه الصحوات وأهدافها.

ويعترف عدد من الكتاب الأردنيين ممن التقوا مؤخراً بـ”أبو عزام” أنهم صُدموا من طرحه ومن المعلومات والأفكار الصريحة التي سمعوها منه.

أبو عزام التميمي هو أحد قادة ومؤسسي الجيش الإسلامي في العراق سابقاً، ويعد الجيش الإسلامي من أبرز الفصائل السنية المسلّحة الفاعلة. وقد أمضى الرجل قرابة ثلاث سنوات يقاتل الأميركيين إلى أن تحوّل في السنة الأخيرة إلى الاتجاه المعاكس تماماً، أي التحالف مع الأميركيين، والاشتراك في القتال ضد تنظيم القاعدة.

لعل أبرز ما يكشفه حديث “أبو عزام” الأسباب والأسرار التي أدت إلى تحول العديد من قادة الفصائل السنية المسلحة، مع مجاميعهم، إلى فكرة “الصحوات العشائرية”؟ وعن أهداف هذه الصحوات وأدوارها؟ وعن طبيعة علاقتها بالفصائل السنية المسلّحة الأخرى؟ وعن مدى قوتها وقدرتها على مواجهة القاعدة بخاصة بعد تمكن القاعدة من قتل أبرز زعماء الصحوات من خلال عمليات أمنية “جراحية” على مستوى عالٍ من التخطيط الأمني والدربة العسكرية؟

الصحوات ثمرة مراجعات جذرية

يقول أبو عزام: ” إن الصحوات هي نتيجة مرور الجماعات المسلّحة بمراجعة استراتيجية” في العام 2006، ما أدّى إلى تحول كبير في تصوراتها وأهدافها”. فقد وجد قادة الفصائل المسلّحة أنّ إيران (وحلفاءها) هي المستفيد الأول والرئيس من تدهور الأوضاع الأمنية في العراق، وأن الفصائل السنية المسلّحة التي قاتلت الأميركيين خلال السنوات السابقة كانت تفعل ذلك “نيابة عن الإيرانيين”! فالسنة كانوا يعانون من النفوذ الإيراني من جهة وتشدد القاعدة من جهة أخرى ويدفعون ثمن ذلك بضعف تمثليهم بمؤسسات الدولة التي سيطر عليها حلفاء إيران، بينما بقي السنة خارج اللعبة.



ولأنّ دول الجوار العربي (السنية) غير مستعدة للقيام بأي دور حقيقي في العراق، فإنّ قادة العديد من الفصائل المسلحة (تتمثل اليوم بالمجلس السياسي للمقاومة العراقية: الجيش الإسلامي، جيش المجاهدين، الهيئة الشرعية لأنصار السنة، حماس العراق، حركة جامع) توصلوا إلى استحالة مواجهة كلٍّ من “الاحتلال الإيراني والأميركي” في الوقت نفسه. ووفقاً لـ”أبو عزام” فإنّ الاحتلال الإيراني (يطلق عليه الصفوي) أخطر بكثير من الاحتلال الأميركي؛ “فالاحتلال الإيراني يقع بين العظم واللحم، يسعى إلى تغيير الخارطة الديمغرافية والطائفية، وقد نجح فعلاً في تغيير هوية العاصمة بغداد خلال فقط ثلاث سنوات، بحيث هاجر أغلب العرب السنة منها”، بينما الاحتلال الاميركي مهما طال الزمن لا بد أن يخرج، وأغلب مصالحه تقع في الجانب الاقتصادي وليس الثقافي والاجتماعي.



وفقاً للقراءة السابقة، وجد “أبو عزام” وغيره من قيادات عراقية أنّ تغييراً استراتيجياً لا بد أن يبدأ، وبالفعل، قاموا بمفاوضات مع الأميركيين، وبالتحديد في الشهور الأخيرة من عام 2006، ما وصل في النهاية إلى فكرة تشكيل “صحوات عشائرية” داخل المجتمع السني.



أخذت هذه الصحوات تنتشر بصورة سريعة وكبيرة إلى أن وصل عدد أفرادها ما يقارب السبعين الفاً، وقد انضم إليها عدد كبير من أفراد الفصائل السنية المسلحة، وأصبحوا أعضاء فيها، وإن كانت هذه الفصائل لم تعلن رسمياً تأييدها ودعمها لفكرة “الصحوات” لأسباب سياسية وأيديولوجية عديدة.

مواجهة إيران والقاعدة على السواء

يتمثل الهدف الأول للصحوات العشائرية في الحد من النفوذ الإيراني وتسليح المناطق السنية، لتوفير الأمن الذاتي، في مقدمة ذلك الأحياء السنية في بغداد، التي عانت السنوات الأخيرة من الانحسار والانكماش وهجرة أهلها، تحت ضغط القوى الموالية لإيران. ويؤكد أبو عزام أنّ هنالك الاف العرب السنة قد عادوا بالفعل إلى أحيائهم ومنازلهم في بغداد، وأنّ الصحوات استطاعت التغيير في ميزان القوى في المدينة وما حولها.



ومن مهام الصحوات الحد من دور ونفوذ تنظيم القاعدة في المناطق السنية؛ ويعزي أبو عزام هذا الدور إلى تمادي تنظيم القاعدة في محاولاته السيطرة على المناطق السنية وفرض أجندته السياسية والدينية، التي تستفز أولاً سكان المناطق السنية نتيجة رفضهم إملاءات القاعدة، وثانياً لأنّ أجندة القاعدة وفكرة الحرب المفتوحة مع الأميركيين لا تخدم مصالح السنة في أغلب المراحل. ولا يتردد أبو عزام وغيره من قادة الفصائل السنية من اتهام القاعدة بوجود علاقات خلفية لها مع إيران، وبعبارة أدق توظيف إيران للقاعدة لإشغال الأميركيين وإبقاء الحالة الأمنية والسياسية في العراق غير مستقرة، ليبقى العراق ورقة رابحة في الصراع الاستراتيجي الأميركي- الإيراني.



يُذكر أنّ الفصائل السنية المسلّحة قد دخلت في صراع داخلي شديد، على المستوى العسكري والإعلامي والنفسي، منذ بدايات العام 2007، ما أدى إلى بروز هذه الخلافات على السطح لأول مرة منذ احتلال العراق، وقد وقعت أبرز المواجهات بين الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وحماس العراق من جهة والقاعدة من جهة أخرى، وأدت إلى مقتل العشرات من الطرفين.



وورثت “الصحوات العشائرية” الصراع مع القاعدة، وحظيت هذه الصحوات بدعم مالي وسياسي من الأميركيين، على الرغم من تخوف الحكومة العراقية من هذا المشروع. وأدّت عمليات هذه الصحوات وفقاً لمراقبين إلى تقليص شديد في عمليات القاعدة.



في المقابل قامت القاعدة بتشكيل كتيبة أطلق عليها “كتيبة الصدّيق” (إشارة إلى حروب الردة في التاريخ الإسلامي، كناية عن ردة الصحوات عن مقاومة الأميركيين)، وتمكنت الكتيبة الجديدة من الإطاحة برؤوس في الصحوات العشائرية في مقدمتهم عبد الستار أبو ريشة، شيخ صحوة الأنبار، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأميركي بوش له.



لكن نجاح القاعدة في تلك العمليات النوعية لا يعكس، بالضرورة، ميزان القوى على الأرض، فمن يتابع حتى خطابات أبو عمر البغدادي، أمير ما يسمى بدولة العراق الإسلامية (الواجهة السياسية للقاعدة) يدرك تماماً حجم الأزمة التي يعيشها التنظيم، بخاصة في علاقته مع المجتمع السني الذي كان يوفر سابقا الحاضنة الاجتماعية والسياسية له، ومصدر قوته الحقيقية، بينما تشكل الصحوات اليوم مسماراً فولاذياً جديداً في نعش العلاقة بين القاعدة والسنة.

مشروع أمني أم سياسي!

إحدى قضايا الجدل الرئيسة التي يثيرها خصوم الصحوات أنّها أقرب إلى “المشروع الأمني” الذي يستخدمه الاحتلال الأميركي في مواجهة القاعدة ولتوفير الأمن الذي عجزت عن تحقيقه القوات الأميركية. إلاّ أنّ “أبو عزام” يرد على هذه الدعوى بالقول: إنّ حماية الأمن والاستقرار في المناطق السنية يأتي في مصلحة المجتمع السني أولاً، الذي عانى من النفوذ الإيراني وأخطاء القاعدة على السواء خلال السنوات السابقة، وإذا كان هنالك تقاطع مصالح مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية، كالأردن، التي تدعم الصحوات فهو أمر طبيعي.



لا يخفي أبو عزام أنّ الصحوات لا تقوم على تصور سياسي استراتيجي متكامل، وأنها لا تمثل وحدة سياسية واحدة، بقدر ما ترتبط كل منها بالقوات الأميركية على حدا. لكنه يرى أنّها إلى الآن حققت إنجازات كبيرة فقد أمّنت وجود مسلح مشروع لأبناء المناطق السنية، ما يمنحهم القدرة في الدفاع عن أنفسهم، حتى في مواجهة القوات الحكومية ذات الصبغة الطائفية، وثانياً تحظى هذه الصحوات بدعم مالي يساعدها على تأمين جزء من التزاماتها، إذ تدفع الإدارة الأميركية لكل فرد في الصحوات مبلغ 300$ شهرياً، ويسعى قادة الصحوات الآن إلى إدماج أبنائها بالشرطة العراقية، إذ يمنحها مشروعية أكبر، ويخلق حالة من التوازن داخل مؤسسات الدولة ويمنع احتكارها من طائفة معينة، كما أنه يحسن أوضاع أفراد الصحوات، إذ يتقاضي الفرد في الشرطة مبلغ 600$ شهرياً.

الصحوات بين الحكومات والشارع العربي

المحلل السياسي الأردني، سميح المعايطة، كان ممن التقوا بـ”أبو عزام”؛ ويرى أنّ خطاب الرجل يعكس بدرجة رئيسة حجم الضغوط والجهود التي بذلتها “أطراف (دول) سنية عربية على هذه الجماعات لإقناعها بأولوية الخطر الإيراني على الاحتلال الأميركي”. ويرى المعايطة أنّ مما ساعد الدول العربية في مهمتها الدور الذي تقوم به إيران، والذي يتسم بتغليب المصالح القومية الإيرانية والنزعة الطائفية، مما خلق عداوة شديدة تجاه إيران داخل المجتمع العربي السني في العراق.



المعايطة يتفهّم الضغوط التي يتعرض لها قادة السنة في العراق، ويدرك مستوى شعورهم بالخطر من التهديد الإيراني، لكنه يستبعد تماماً قدرة خطاب “أبو عزام” وغيره في التأثير على الشارع العربي وقناعاته، إذ “لا يزال الاحتلال الأميركي يمثل لهم المشكلة الكبرى، ويرون فيه الخطر الأول، بينما لا يتسم الدور الإيراني لدى الشارع العربي بالوضوح ذاته”.



وفقاً للمعايطة؛ فإنّ مفهوم الوطنية والانتماء يرتبط، لدى الشارع العربي، بمواجهة الاحتلال الأميركي، ما يجعل ما يقوم به “أبو عزام”والصحوات الجديدة عملاً غير وطني ولا مبرراً، إذ يتطلب الأمر انقلاباً كاملاً في الوعي السياسي الشعبي العربي، وهو ما لا يمكن أن يتم خلال هذه المدة المحدودة، وفي سياق طغيان نزعة معاداة الولايات المتحدة في المجتمعات العربية!

محمد أبو رمان – عمان

بغداد (رويترز) – قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يوم الجمعة 25 يناير 2008 إن قوات الأمن العراقية بدأت هجوما حاسما نهائيا على تنظيم القاعدة في العراق لاخراج مقاتليه السنة من اخر معاقلهم الكبيرة في الشمال.

وأضاف أنه تم ارسال جنود عراقيين للموصل حيث وقع انفجار كبير القيت المسؤولية فيه على القاعدة وأسفر عن مقتل 40 شخصا واصابة 220 آخرين يوم الأربعاء الماضي كما شكلت غرفة عمليات في المدينة التي تبعد 390 كيلومترا شمالي بغداد.

ويقول قادة عسكريون أمريكيون إن القاعدة التي تلقى عليها المسؤولية في أغلب التفجيرات الكبيرة في العراق أعادت تجميع صفوفها في المحافظات الشمالية بعد أن طردت من محافظة الأنبار الغربية ومن حول بغداد خلال حملات أمنية العام الماضي.

ووصفوا الموصل عاصمة محافظة نينوي بأنها اخر المعاقل الكبرى للقاعدة في المدن.

وصرح المالكي بأنه تم تشكيل غرفة عمليات في نينوي لاستكمال المعركة الاخيرة مع القاعدة ومع مقاتلين وأعضاء في النظام السابق مشيرا الى مقاتلين سنة تقول الحكومة إنهم مازالوا على ولائهم للرئيس الراحل صدام حسين.

وأضاف المالكي في حفل لتكريم ضحايا العنف في مدينة كربلاء الجنوبية بثه التلفزيون الحكومي أن القوات العراقية بدأت يوم الجمعة التحرك الى الموصل وان ما تخطط له الحكومة في نينوي سيكون حاسما.

ولم يشر المالكي إلى عدد القوات العراقية المشاركة أو الحجم المحتمل للعملية. ولم يورد محمد العسكري المتحدث باسم وزارة الدفاع أي تفاصيل كذلك لكنه قال إن العملية أطلقت بناء على طلب من المالكي.

وقال العسكري إن الأمن ضعيف جدا هناك وإن قوات الأمن تحتاج لتعزيز.

وشنت القوات الامريكية والعراقية سلسلة هجمات في المحافظات الشمالية هذا العام استهدفت تنظيم القاعدة في العراق. ويقول الجيش الامريكي ان التنظيم يمثل أكبر تهديد أمني في العراق ويقول القادة الامريكيون إن قياداته أغلبها من الأجانب.

وأضاف المالكي أن القوات الحكومية هزمت القاعدة ولم يبق إلا محافظة نينوي التي فروا إليها ومدينة كركوك.

وخلال زيارته لكربلاء ألتقى المالكي مع الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل الإمام الشيعي الأكبر أيه الله علي السيستاني. وأصيب الكربلائي بجروح طفيفة في انفجار قنبلة بالمدينة مساء يوم الخميس.

ووصف المالكي تفجير القنبلة بانه عمل اجرامي.

ويقول قادة عسكريون أمريكيون إن نفوذ القاعدة في معاقلها السابقة تضاءل تدريجيا لكن التنظيم مازال عدوا خطرا في الموصل ومدن شمالية أخرى.

وعلى الرغم من الهجمات المتكررة في شمال العراق تراجع العنف بشكل عام بدرجة كبيرة في البلاد وانخفض بنسبة 60 بالمئة منذ يونيو حزيران الماضي.

ونسب الفضل في تراجع الهجمات الى نشر قوات أمريكية اضافية قوامها 30 الف جندي استكمل في يونيو الماضي وتشكيل وحدات مجالس الصحوة بعد ان انقلب شيوخ قبائل سنية عربية ضد القاعدة والى تعزيز قوات الامن العراقية.

وذكر المالكي ان العراق يملك جيشا حقيقيا الان وان الايام التي كان يمكن للمقاتلين أن يقوموا فيها بأي شيء في مواجهة القوات المسلحة قد ولت.

وقال القادة العسكريون الامريكيون في شمال العراق ان الانفجار الكبير يوم الاربعاء الماضي 23 يناير 2008 وقع في مبنى مهجور يستخدم في تخزين السلاح وأطنان من المتفجرات.

وخلف الانفجار حفرة بحجم مبنى متعدد الطوابق. ويوم الخميس 24 يناير قتل قائد شرطة محافظة نينوي واثنان اخران عندما فجر مهاجم يرتدي زي الشرطة نفسه بالقرب منهم اثناء قيامهم بتفقد موقع انفجار الاربعاء.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 يناير 2008)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية