العراق والعودة إلى حلول “ما قبل المربع الأول”
على الرغم من بعض التفاؤل الذي ظهر في أعقاب الدعوة لاجتماع قادة الكتل السياسية الرئيسة في العراق لحل أزمة الحكم المستعصية، إلا أن الحقيقة التي يقر بها جميع السياسيين العراقيين أصبحت مخيفة جدا..
.. خصوصا وأنهم، وعدد كبير جدا من المعنيين أو المهتمين بالشأن العراقي، أخذوا يتحدثون علنا عن اخفاق واضح لخطة فرض القانون المطبقة منذ منتصف فبراير الماضي وفشل المصالحة الوطنية..
لقد صار من غير الممكن “حاليا” توقع تغيير ايجابي كبير في الملف الأمني، وفي العملية السياسية في ظل التدهور الواضح في العلاقات بين القوى السياسية، وفقدان الثقة الذي بات السمة البارزة في العراق الجديد، وربما يدفع ذلك الولايات المتحدة الى العودة مجددا الى خيار ماقبل اسقاط صدام، وهو الرهان مرة أخرى على قيادة “السنة” للعراق..
في ظل هذا الواقع، بدأت القوى السياسية الشيعية التي دخلت العملية السياسية تدرك أنها أستخدمت كحصان طروادة في العملية العسكرية الواسعة التي أدت الى اسقاط نظام صدام في التاسع من أبريل 2003، لكن هذه القوى – كعادتها – مازالت تكابر وترفض الاعتراف بخطأ التعاون في تلك العملية منذ أن بدأ التحضير لها مطلع العام 2002 عندما، وجه ريان سي كروكر نائب مساعد وزير الخارجية الامريكية (السفير الأمريكي حاليا في بغداد) رسالة الى الامام محمد باقر الحكيم، ودعاه للانضمام الى الحملة الأمريكية لاسقاط النظام العراقي السابق عن طريق القوة العسكرية.
الرسالة نقلها الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني الذي أرسل وفدا كبيرا الى طهران لنقل الرسالة، وذلك بعد يومين فقط من زيارة قام بها كروكرالى كردستان” في فبراير 2002 لبحث ترتيبات مابعد سقوط نظام صدام ،وتقسيم الحكم الجديد على المشاركين من زعماء المعارضة العراقية(آنذاك) على قاعدة المحاصصة، وقد أقرت في فندق البوليتان في اجتماع المعارضة الذي عُقد في لندن منتصف ديسمبر العام 2002، بعد أن انضم الى القافلة حشد كبير من الاسلاميين ممن كان يرفع في السابق شعار “الحكومة الاسلامية” البديلة لنظام صدام..
وقد أبدى السيد الحكيم في ذلك الوقت مخاوف من أن لا يفي الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بوعوده التي تضمنتها رسالة كروكر، على غرار مافعل جورج بوش الأب في ربيع 1991، وتخليه عن دعم العراقيين خلال انتفاضة مارس، بالرغم من أنها هي من حثهم عليها.
ولأن “ولد الوز عوام” مثلما يُقال، فقد توضحت الصورة منذ البداية (أي بُعيد الغزو مباشرة)، وأدرك الحكيم كما يبدو أن عليه أن يعد العدة لتحريك الشارع ضد الولايات المتحدة، ولذلك فانه وجه انتقادات قوية بعد دخوله العراق أواخر مايو عام 2003، إلى سلطة بول بريمر في خطب الجمعة التي كان يلقيها في مرقد الامام علي بن أبي طالب، وهدد باللجوء الى خيار المقاومة قبل أن يتم اغتياله في أغسطس من نفس العام..
نفس الشيء فعله رئيس مجلس الحكم المنحل عز الدين سليم الذي اتهم بريمر بافتعال الصراع الطائفي في العراق، وقال في تصريح خاص قبيل اغتياله في عملية تفجير مع نائبه طالب الحجامي،إن الأخير أخبره ذات يوم بأنه “يحصي عليه انتقاداته للولايات المتحدة”..
تصحيح تأريخي!
تبنى المشروع الأمريكي في العراق، في مربعه الأول ما سمي حينها بتصحيح مسار الحكم في العراق لصالح الأغلبية الشيعية التي كانت قاطعت الانخراط في الدولة العراقية حتى قبل تأسيسها عام 1921، وحرّمت التعاون معها في ظل الاحتلال و الانتداب البريطانيين، بل أنها قادت ثورة العشرين وبقية الانتفاضات المناوئة للاحتلال..
وعندما كان زعماء من الأقلية السنية – معظمهم من الأتراك أو بقايا رعايا الامبراطورية العثمانية من غير العرب – يحصدون المواقع السياسية وينشغلون بتربية أبنائهم في المدارس العصرية ليحصلوا على شهادات دراسية رفيعة، كان الشيعة منهكين في الحوزات العلمية، والزراعة ومعارضة الدولة العراقية الحديثة..
وإذ أتت الفرصة لهم – كما ظنوا – فان زعماء من الشيعة، هللوا لها في مؤتمر لندن 2002 ورضوا بفكرة المحاصصة الطائفية التي هي في الأصل مشروع أمريكي ساهم في صياغتها جميع المشاركين في العملية السياسية الراهنة ومنهم بالطبع إياد علاوي زعيم القائمة العراقية، ومعظم قادة جبهة التوافق خصوصا الحزب الاسلامي الذي أتخذ في عهد رئاسة زعيمه السابق محسن عبد الحميد لمجلس الحكم، قرار حل الجيش العراقي، وغيرها من قرارات تدمير البنى التحتية للدولة العراقية..
ماقبل المربع الأول!
الأطراف الشيعية التي شكت من السفير السابق زلماي خليل زاده، ومنهم رئيس الوزراء المالكي، متهمينه بالتحيز الطائفي كونه مسلماً سنياُ أفغاني الأصل، تفاجأوا بانحياز خليفته ريان سي كروكر غير المسبوق للسنة، على عكس ما قاله البعض من أنّ السفير “المسيحي” ربما يكون أقل انحيازاُ للسنة.
هذه الأطراف اكتشفت هذه الأيام أنّ كروكر الذي أقنعها بالمشاركة في غزو العراق، جاء الى بغداد ومعه حلول سرية جديدة للأزمة العراقية جرى الإتفاق عليها أميركياً وإقليمياُ، لغير صالحهم بما يعيد العراق الى ماقبل المربع الأول.
وقد نقلت “النيويورك تايمز” عن كروكر بعد تعيينه سفيرا جديدا في العراق، أنه كان يشعر بالإحباط أثناء عمله في بداية الغزو كمدير في سلطة التحالف المؤقتة، عندما كان يطلع على دقة التقارير التي تؤكد له ممانعة الأميركيين في مد اليد الى الأقلية العربية السنية التي كانت تحكم العراق زمن صدام حسين. ونقلت الصحيفة عن “كروكر” قوله: طكنت محبطاً بسبب عجزنا في عدم التمييز في تلك الفترة، أنّ السنة عندهم قوام القيادة، وأننا لا يمكن أنْ نجد ذلك في الجماعات الأخرى”، وأضاف قائلاً: “ما كان هنالك أحد ليمنعني من أداء ذلك الجهد”.
وفعلا تخلى كروكر عن كل الوعود التي قطعها لزعماء الشيعة، وهاهو اليوم مع قائد القوات الأمريكية في العراق دفيد بتراوس يقدم الدعم العسكري والمالي لجماعات مسلحة قاتلت الولايات المتحدة والحكومة العراقية على السواء مثل كتائب ثورة العشرين، والجيش الاسلامي وفصائل أخرى، بحجة محاربة تنظيم القاعدة، وايجاد توازن مع الميليشيات الشيعية الأخرى كجيش المهدي مثلا، بما أثار مخاوف جدية لدى رئيس الوزراء نوري المالكي الذي عارض هذه الفكرة ووافق فقط على تسليح العشائر السنية تحت اشراف الحكومة (!).
تزامنت خطوة دعم الجماعات المسلحة السنية مع انسحاب جبهة التوافق (السنية)، ومقاطعة وزراء القائمة العراقية اجتماعات الحكومة، وقبل ذلك استقالة وزراء الكتلة الصدرية، بما وضع رئيس الوزراء نوري المالكي في موقف لايحسد عليه، وأطاح بشكل نهائي بما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، وأظهر جبهة التوافق بمظهر المدافع عن حقوق العراقيين والسجناء منهم بشكل خاص، وهي متهمة أصلا بالتعاون مع التنظيمات المسلحة، وبقتل مدنيين كما الحال في قضية وزيرالثقافة الهارب أسعد الهاشمي الذي يتهمه النائب السني مثال الآلوسي بقتل نجليه.
وقد اختارت الجبهة الانسحاب من الحكومة في هدف معلن هو الاطاحة برئيسها المالكي، الا أن ماخفي كان أعظم وهو عرقلة العملية السياسية برمتها وافشالها، وتعزيز قناعة قادتها – معظمهم عمل في النظام السابق وما يزال مواليا له- بأن اسقاط صدام لم يكن أفضل الخيارات بالنسبة للعراقيينٍ، الا أن الجبهة ولكي لا تفقد ماتحصل عليه من دعم أمريكي سرا وجهرا، فقد تركت الباب مواربا للعودة الى الحكومة إذا تحققت جميع مطالبها.
حلول أحلاها مُـر!
يمكن القول أن هذه هي أكبر أزمة تواجهها حكومة المالكي منذ تشكيلها قبل نحو عام ونصف، وهو يخشى من ممارسة حقه الدستوري لكي لايغضب الادارة الأمريكية المصرة على مبدأ المحاصصة، فيما ينصحه بعض أصدقائه السابقين بأن يدرس خياراته المتاحة بدقة لانقاذ مايمكن انقاذه، إلا أن رئيس الوزراء العراقي المقيد بنظام المحاصصة الطائفية والعرقية، يخشى أن تدخل الأزمة، العملية السياسية نفق الانسداد الكامل، لذلك يسعى الى إقناع الوزراء المستقيلين بالعودة، وهو لا يعول كثيرا على دعم الادارة الأمريكية المعلن حتى الآن، له، لأن هذه الادارة تحمل السياسيين العراقيين وعلى رأسهم المالكي فشلها المدوي في العراق، وهي تتحرك على عدة مفاصل، ومنها بالطبع الاطاحة بالمالكي بذريعة أنه فشل في تحقيق المصالحة الوطنية.
في مثل هذه الظروف، لايبقى أمام المالكي الا حزمة حلول محدودة أحلاها مر في حال فشل الجهود الحالية خصوصا اجتماع قادة الكتل السياسية، ومنها:
* ترميم الحكومة بوزراء جدد، يحلون محل وزراء الكتلة الصدرية وجبهة التوافق، وربما سيلجأ المالكي الى تعيين وزراء سنة من عشائر “صحوة الأنبار” لدعمه في هذا المجال..
* ويستطيع رئيس الوزراء ان يدعو الى حل البرلمان، على ان يدعو رئيس الجمهورية الى انتخابات جديدة خلال مدةٍ اقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الامور اليومية.
وإذا فشل هذا الحل – لأن الكثير من الساسة لا يرى ان الشروط المناسبة لحل مجلس النواب واجراء انتخابات عامة جديدة متوافرة – فلن يبقى أمام رئيس الوزراء الا الاستقالة.
*وهناك احتمال آخر غير مستبعد وهو أن يلجأ مجلس النواب نفسه الى اقالة رئيس الوزراء بناء على طلب خُمس اعضائه، أي 55 عضوا فقط. ويعتبر هذا الطلب ناجحا اذا حاز على “الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه”، وليس لعدد الحضور في الجلسة البرلمانية.
ومن الحلول الأخرى للمالكي تأتي زيارته الى طهران بجناح مكسور بعد أن فقد 17 وزيرا من مجموع 36، واختار يوم الثامن من أغسطس الموافق لذكرى توقف الحرب الايرانية العراقية ليصل طهران، كالمستجير من الرمضاء بالنار، بما أثار غضب أعداء ايران في الداخل والخارج وعلى رأسهم الولايات المتحدة عندما حذر رئيسها جورج دبليو بوش المالكي من هذا “المسار الخطر”!.
ويمكن القول هنا إن “الأطراف الشيعية” وليس المالكي وحده، ربما ستلجأ الى خيار المواجهة خصوصا بعد أن تأكدت من حقائق ميل كروكر للسنة وعدم توازنه في معالجة الشأن الطائفي، قد تسعى الى تنظيم موجة احتجاج ضده، يمكن أنْ تؤدي الى عرقلة العملية السياسية في العراق المتعثرة أصلا. فهل ستفعلها؟..
نجاح محمد علي – دبي
بغداد (رويترز) – وقعت يوم الخميس 16 أغسطس 2007 أربعة احزاب فاعلة في العملية السياسية العراقية على اتفاق “مباديء وطنية” يهدف الى انجاح الحكومة ويضمن الحصول على الاغلبية البرلمانية بعيدا عن الكتلة السنية المتمثلة بقائمة التوافق العراقية.
ووقع الاتفاق الجديد في بغداد رئيس الجمهورية جلال الطالباني الذي يتزعم الاتحاد الوطني الكردستاني ومسعود البرزاني الذي يتزعم الحزب الديمقراطي الكردستاني وهما الحزبان اللذان يمثلان الكتلة البرلمانية الكردية اضافة الى رئيس الحكومة نوري المالكي الذي يتزعم حزب الدعوة الاسلامية ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي عن المجلس الاعلى الاسلامي العراقي.
وحملت وثيقة “المباديء الوطنية لاتفاق القوى السياسية وآليات العمل” التي وقعها القادة السياسيون جملة مباديء في جوانب سياسية وامنية واقتصادية وخدمية قالت ديباجتها انها كانت حصيلة مداولات توصلت اليها هذه الاحزاب تمثل اتفاقا “لتوحيد الصف من اجل تحقيق الوفاق الوطني وتعزيز مؤسسات الدولة الدستورية… وانجاح وترشيد الحكومة.”
وقال الطالباني في حفل التوقيع ان هذه الوثيقة “مفتوحة للجميع ولكل الذين يؤمنون بهذه المباديء والمسيرة السياسية.”
واضاف ان توقيع مسؤولي الاحزاب على هذه الوثيقة “لا يعني تخليهم عن التزاماتهم كأفراد في تحالفات سابقة.. وان هذا (الاتفاق) هو اضافة وقوة للتحالفات الموجودة ولتعزيز المسيرة التي بدأناها.”
وتدعو الوثيقة في جانبها السياسي الى “ضرورة التكاتف والتعاون من اجل انجاح العملية السياسية… والالتزام بالعملية السياسية وأسس النظام الديمقراطي الاتحادي… والمشاركة الحقيقية بالسلطة لكل الشركاء السياسيين وتجنب سياسة الاقصاء والابعاد.”
كما تدعو الى “اسناد الحكومة لانجاح برنامجها السياسي والاقتصادي والامني والخدمي… والاسراع بتطبيق المادة 140 من الدستور… والاتفاق على جدول زمني لتحقيق الانجازات السياسية والقانونية والامنية والاقتصادية.”
كما تدعو الوثيقة في جانبها الامني الى “اسناد الخطة الامنية… والعمل على استكمال عملية بناء وتدريب وتجهيز وتشكيل الاجهزة الامنية والعسكرية… واعتماد موقف موحد من وجود القوات الاجنبية.”
وغاب مسؤولو جبهة التوافق السنية عن مراسم التوقيع على الاتفاق وقال الطالباني ان الاطراف الموقعة بذلت “جهودا حثيثة معهم من اجل ان يكونوا موجودين معنا اليوم لكن ظروفهم الخاصة لا تساعدهم.”
وكانت جبهة التوافق قد انسحبت من التشكيل الحكومي في بداية الشهر الجاري وهو ما ولد ازمة سياسية للحكومة التي تشكلت في ابريل نيسان من العام الماضي على اساس حكومة وحدة وطنية تشارك فيها جميع القوى السياسية الطائفية والعرقية التي تمثل الاركان الرئيسية للعملية السياسية في العراق.
وقال المالكي ان توقيع الوثيقة جاء بسبب التعثر الذي اصاب العملية السياسية وانها تضمن استمرار سير ونجاح العملية السياسية.
وأضاف المالكي لدى التوقيع “هذا الجمود او التوقف الذي تعانيه العملية السياسية في الوقت الراهن غير مقبول… وغير مسموح لأن تتعثر العملية السياسية.”
وتابع “هذا الاتفاق جاء لتحريك الجمود الذي اصاب العملية السياسية وهو ليس بديلا عن القوائم والكتل (البرلمانية) القائمة ولا نريد ان يكون بديلا عنها.”
ومضى يقول ان هذا الاتفاق “مفتوح لكل الذين يؤمنون بالعملية السياسية وانجاحها وايصالها الى الاهداف التي رسمت لها حينما تمت تشكيلة الحكومة الحالية.”
وللتحالف الكردستاني 55 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان العراقي البالغة 275 مقعدا بينما لحزب الدعوة 25 مقعدا والمجلس الاعلى 30 مقعدا.
واضافة الى قائمة التوافق غابت عن مراسم الاتفاق القائمة العراقية التي يرأسها رئيس الوزراء السابق اياد علاوي ولها 25 مقعدا في البرلمان.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 أغسطس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.