مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العراق والنفط: حروب الموارد العالمية (1 من 2)

بغداد، 20 أبريل 2003: جندي أمريكي يحرس مبنى وزارة النفط العراقية Keystone

منذ أن بدأت الأحاديث تتواتر في مبنى الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض عن مسألة الانسحابات الأمريكية من العراق، باتت الفوضى في العاصمة الأمريكية هي سيدة الموقف في كل شيء.

رب متسائل هنا: وما الجديد في قيام أمريكا بمحاولة السيطرة على نفط العراق وكل موارد النفط؟

منذ أن بدأت الأحاديث تتواتر في مبنى الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض عن مسألة الانسحابات الأمريكية من العراق، باتت الفوضى في العاصمة الأمريكية هي سيدة الموقف في كل شيء.

في السياسة الداخلية، حيث بات الحزبان، الديمقراطي والجمهوري، يستخدمان “الورقة العراقية” لتمييز بعضهما البعض، خاصة على أعتاب الانتخابات التشريعية الفرعية التي ستجرى قريباً.

وفي السياسة الخارجية، التي شهدت هي الأخرى تخبطاً جعل حلفاء أمريكا وأصدقاءها لا يدرون التحدث مع أي أمريكي: أمريكا الخارجة من العراق قريباً أو الباقية فيه طويلاً. وأخيراً، في الاستراتيجيات العسكرية التي شهدت هي الأخرى نزاعاً داخل البنتاغون ومجلس الأمن القومي بين أنصار توسيع الحرب العراقية وبين المطالبين ب “خصخصتها” عبر “فتنمنتها وعرقنتها”.

بيد أن هذه الفوضى في السياسات والمفاهيم تنقلب إلى نظام حين تصل الأمور إلى مسألة النفط، حينها، يبرز سريعاً إجماع بين الجمهوريين والديمقراطيين، وبين المحافظين والليبراليين على نقطة كبرى واحدة: ثمة كارثة كبرى ستحل بأمريكا إذا ما خسرت نفط العراق، الذي هو ثاني أكبر احتياطي في العالم. العكس برأيهم يجب أن يحدث: على أمريكا مواصلة السيطرة، ليس فقط على نفط العراق، بل أيضاً على كل نفط العالم.

رب متسائل هنا: وما الجديد في قيام أمريكا بمحاولة السيطرة على نفط العراق وكل موارد النفط؟ أليس هذا ما كانت تفعله بالتحديد منذ أوائل القرن العشرين حين أجبرت الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية (ضمن اتفاقات ما عُـرف بـ “سياسة الباب المفتوح”) على منح شركاتها النفطية العملاقة امتيازات واسعة في نفط الشرق الأوسط ؟ ألم يكن أحد أسباب اشتراك الولايات المتحدة في الحربين العالميتين، الأولى والثانية، هو منع ألمانيا من السيطرة على منابع وطرق مواصلات النفط؟ ثم أكثر من هذا وذاك: هل من المستغرب أن تكون الدولة العظمى الوحيدة في العالم، والتي يستند اقتصادها العملاق برمته (22% من الإنتاج العالمي الخام) إلى النفط ومشتقاته، حريصة على أمن طاقتها الذي هو قضية حياة أو موت بالنسبة لها؟

كل هذه الأسئلة دقيقة وصحيحة، لكنها مع ذلك، ليست كافية لتفسير “الحمى النفطية” التي تجتاح الولايات المتحدة هذه الأيام، إلى درجة أنه لم يعد من الممكن في الواقع فهم مجريات السياسات الدولية بمعزل عن مجاري النفط وممراته وكمياته وأسعاره.

الجواب بسيط للغاية: الوفرة النفطية انتهت أو تكاد، والندرة النفطية ابتدأت أو تكاد. وخلال سنوات قليلة، ستنفجر صراعات وتنافسات لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل: إنها الحروب النفطية وقد أفلت من عقالها.

3 كتب

بين أيدينا ثلاثة كتب جديدة عن هذه الحروب الزاحفة بكل ما قد تحمله من مضاعفات كارثية على الاقتصاد العالمي والبيئي والعلاقات الدولية، وربما حتى على مصير الحضارة البشرية.

الكتاب الأول لديفيد غولدشتاين، البروفسور في مؤسسة كاليفورنيا للتكنولوجيا، بعنوان “نفاذ الغاز (النفط).

والثاني للبروفسور بول روبرتس بعنوان “نهاية النفط”.

والثالث لمايكل كلير “الحروب على الموارد (1).

ديفيد غولدشتاين وبول روبرتس توصلا في أبحاثهما إلى حصيلة خطيرة مشتركة واحدة: النفط سيصل (أو وصل بالفعل) إلى ذِروة الإنتاج، وسيبدأ قريباً (أو بدأ بالفعل) انحداره التاريخي، وهذه الأزمة التي ستكون الأضخم في تاريخ الحضارة البشرية، لن تبدأ برأيهما حين ينتهي النفط، بل حين يصل إلى ذِروة الإنتاج، بعد أن يكون البشر قد استهلك نصف احتياطي النفط، أي نحو تريليون برميل، فيتراجع العرض بموازاة الطلب، وتنشب حروب الموارد والطاقة، وتندلع الصراعات بين الدول، الكبيرة والصغير.

على ما استند غولدشتاين وروبرتس في خلاصتهما المجلجلة هذه؟ نبدأ أولاً مع غولدشتاين.

يُـسند هذا الباحث مقولاته إلى نظرية الجيولوجي الأمريكي م. كينغ هابرت، الذي تنبأ عام 1956 بأن معدلات استخراج النفط من الولايات الـ 48 الأمريكية، ستصل إلى ذروتها سنة 1970 ثم يبدأ بعدها انحدارها السريع، وهو حدّد طبيعة هذه الذروة بأنها تعني الوصول إلى استهلاك نصف احتياطي النفط.

نبوءة هابرت صدقت. فاستخراج النفط الأمريكي وصل إلى ذروة بلغت 9 ملايين برميل يومياً سنة 1970، وهو يهبط منذ ذلك الحين، حيث بلغ الآن أقل من 6 ملايين برميل. والآن، بدأ الجيولوجيون بتطبيق معادلات هابرت وحساباته على النفط العالمي، فاستنتجوا أنه من أصل الـ 2 تريليون برميل المختزنة في جوف الأرض، وصل استهلاك البشر الآن إلى النصف، وبالتالي، باتت معادلة هابرت حول الذروة – الانحدار على قاب قوسين أو أدنى.

بالطبع، بعض الجيولوجيين العاملين في الحكومات والشركات يرفضون منطق هابرت وأنصاره، وهم يقولون إن النفط سيكفي العالم لمدة تتراوح بين 40 إلى 100 سنة، وأن احتياطي النفط لا يقف عند الرقم 2 تريليون برميل، بل يتعدّاه إلى 2،7 تريليون برميل، وهذا يعني أنه لا يزال بالإمكان اكتشاف كمية تبلغ 0،7 تريليون برميل، ما يعادل كل نفط الشرق الأوسط الحالي، بيد أن معظم المحللين المحايدين يرفضون وجهة النظر هذه بصفته حملات دعائية ليس ألا.

أي بدائل؟

لكن، إذا ما كانت نظرية هابرت صحيحة حول قرب نشوب أزمة “النفط التقليدي”، أليس بالإمكان التعويض عنها بموارد طاقة أخرى؟ العلماء يردون بكلمتين: أجل، ولكن! فهم يقولون إن هناك “النفط الثقيل” (الذي يزداد ثقلاً كلّـما ازداد استخراجه)، و”نفط الرمال”، ونفط القطران. بيد أن كل هذه الأنواع صعبة على الاستخراج ومكلفة للغاية.

وهناك “النفط (الزيت) الحجري”، لكن هذا ليس نفطاً على الإطلاق، وأصحابه أطلقوا عليه هذا الاسم لاستدراج الاستثمارات. إنه في الواقع كيروزين، وهي مادة لزجّـة يمكن تحويلها إلى نفط إذا ما تم سحق الصخرة التي تحتويها، ووضعت على حرارة مرتفعة للغاية، وهذا أيضاً أمر مكلف جداً، وبطيء جداً، ومدمر للبيئة أكثر من النفط التقليدي.

في لائحة البدائل، هناك أيضاً الغاز الطبيعي الذي يتكوّن أساساً من الميثان، وهو سهل على الاستخراج والنقل والضغط والتسييل، ويمكن أن يحل مكان البنزين. بيد أن استبدال السيارات وأنظمة توزيع البنزين الحالية أو بناء مصانع جديدة لتحويل الميثان إلى بنزين، سيكون صعباً للغاية. وحتى لو نجحنا في تحقيق هذا التحول، فهذا سيكون نجاحاً مؤقتاً فقط، لأنه وفق نظرية هابرت، ذروة إنتاج الغاز ستظهر خلال عقدين أو ثلاث.

ثم هناك الفحم، الذي يطلق عليه إسم “الوقود القذر” بسبب تلويثه الهائل للبيئة، والطاقة النووية المكروهة للغاية والمحظورة في بعض الدول كإيطاليا، وكلاهما يتسببان بمشاكل أكثر مما يقدمان حلولاً. لكن، أليس بالإمكان بالفعل العثور على كميات جديدة من النفط في العالم؟

حتى الآن، ذهب جيولوجيو النفط إلى أقاصي الأرض بحثاً عن النفط، وبالتالي، لم يعد ثمة الكثير لاكتشافه. أكبر منطقة احتياطي محتملة الآن هي جنوب بحر الصين التي تتنازع عليها الصين وتايوان وفيتنام والفيليبين وماليزيا وبروناي. وهناك منطقة وسط سيبيريا وأعماق المحيطات. لكن حتى لو تم اكتشاف حقل نفط كبير يوازي حقلاً سعودياً يتضمن 87 مليار برميل، فإن ذِروة هابرت لن تتأخر أكثر من سنة أو سنتين، أي أن هذا لن يغيّـر من طبيعة الأزمة في شيء.

سيناريوهان

ماذا يعني كل ذلك؟ البرفسور غولدشتاين يرى سيناريوهين إثنين:

الأول، الأسوأ، وهو أنه بعد الوصول إلى ذروة هابرت، كل الجهود التي ستُـبذل لإنتاج وتوزيع واستهلاك بدائل الطاقة، ستفشل، والتضخم المالي والكساد الاقتصادي اللذان سيبرزان، سيدفع مليارات البشر إلى إحراق الفحم بكميات ضخمة لأغراض التدفئة والطبخ والصناعات البدائية، وهذا سيتفاقم من أزمة حرارة جو الأرض، وقد يُـنهي الحياة نفسها على هذا الكوكب الأزرق.

الثاني، الأفضل، يستند إلى الآتي: يؤدي الاضطراب العالمي الذي سيلي ذِروة هابرت إلى إطلاق أجراس الإنذار في كل مكان، فتسارع الدول إلى بناء اقتصاد يعتمد على الميثان لسد الفجوة بين العرض والطلب، فيما يتم بناء المزيد من المفاعلات النووية والبنى التحتية الأخرى لبدائل الطاقة الأحفورية.

لكن، حتى مع هذا السيناريو الثاني، سنصل في وقت ما إلى ذِروة هابرت في اليورانيوم ونفط شيل وغيرهما، وستعيد الأزمة إنتاج ذاتها. والحل؟ إنه في رأي هابرت يعتمد على الآتي:

– أن يتحلى البشر بالحكمة، فيغيروا القوانين البشرية لأن تغيير قوانين الطبيعة مستحيل.

– أن يُـعاد بناء الاقتصاد على أسُـس جديدة تعتمد على توفير الطاقة، وصرف استثمارات ضخمة على الموارد التي لا تنضب، خاصة الطاقة الشمسية.

– توفير كل الإمكانات المادية للعلم والعلماء كي يساعدوا على تحقيق هذه الأهداف.

هذا ما يقوله غولدشتاين. ماذا الآن عن آراء بول روبرتس ومايكل كلير؟

سعد محيو – بيروت

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية