العقاقيرُ ليست الحلَّ الأمثل!
أثار قرارُ الولايات المُتحدة السماح بوصف العقاقير النفسانية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و8 سنوات جدلا واسعا في أوروبا.
وفي سويسرا، يعتقد أطباء الأطفال والأخصائيون النفسانيون أن وصف هذا النوع من الأدوية للأطفال المصابين بالاكتئاب حلا خاطئا…
الكآبةُ والقلقُ والحيويةُ الفائقة أو الصُّعوبةُ في التَّركيز أو التَّعلم هي من بين الأعراض التي تُلاحظ لدى نسبة لا بأس بها من الأطفال. وتقولُ الإحصائيات إن 10% من الأطفال يعانون من اضطرابات في الشخصية، وهي حصيلةُ مُقلقة لا محالة!
وغالبا ما تتمُّ مُلاحظة هذه “الاضطرابات” في المدرسة حيثُ يواصل الطفلُ تكوين شخصيته من خلال تعامله مع رفاقه ومُعلميه بعيدا عن المحيط الأسري. وتظهر داخل الفصول المدرسية مدى قابلية الطفل على التعلم والتركيز والاستيعاب، كما تتضح نقاط القوة والضعف في شخصيته.
ويتذمرُ عددٌ متزايد من المُعلمين في سويسرا من “التصرفات غير المهذبة” للأطفال داخل القسم وأيضا من تصرفات عدد من الآباء الواقعين تحت ضغط العمل والحياة اليومية والذين لا يترددون في استشارة الطبيب لوصف عقاقير نفسانية لأطفالهم لعل ذلك يعيد الهدوء للأسرة بأكملها. وقد تكون تصرفات الصغار التي تزعج الكبار مجرد محاولة عفوية لشد الانتباه أو الاهتمام وليس بالضرورة خللا في التوازن النفسي للطفل.
وهنا يكمن خطر تناول هذه الأدوية بعشوائية بحيث يمكن أن تقطع الطريق أمام نمو الطفل بصورة طبيعية وتلقائية. هذا فضلا عن التأثيرات الجانبية المحتملة التي يتسبب فيها تناول هذه العقاقير لدى الكبار والصغار ومن بينها انخفاض الوزن وسرعة الغضب والتعب وبطء النمو عند الأطفال.
خطوة الى الوراء…
لكن الآباء السويسريين يظلون أقل مُيولا من نظراءهم الأمريكيين للجوء إلى حل العقاقير النفسانية للسيطرة على التصرفات المُشوشة لأطفالهم. وفي هذا السياق، يقول فيروشيو بيانشي، المسؤول عن قسم الطب النفساني والاجتماعي الخاص بالأطفال بِلوغانو: “إن الثقافة الأمريكية مختلفة جدا عن الثقافة الأوروبية. الأمريكيون يسرعون بتناول الأدوية لمُعالجة أي مُشكل، أما الأوروبيون فيحاولون أولا فهم الأسباب التي تؤدي إلى الإحباط أو الانهيار العصبي لدى الأطفال.”
من جهته، يعتقد اندرياس فيشلير، رئيس قسم طب الأطفال في مستشفى لوغانو أن استراتيجية اللجوء إلى العقاقير النفسانية، التي لها تأثيرات على الجهاز العصبي المركزي، من أجل حل مشاكل لدى الأطفال هي بمثابة القيام بخطوة إلى الوراء.
ويضيف الدكتور فيشلير “إن الفلسفة السائدة في الولايات المتحدة تعتمد على تحويل الأطفال إلى “عناصر وظيفية” عن طرق التأثير على مزاجهم” بحيث لا يجب على الطفل القيام بتصرفات أو وظائف خارجة عن الإطار الذي رُُسم له من طرف الكبار. وقد لاحظ الدكتور فيشلير هذه الظاهرة شخصيا خلال الفترة التي قضاها في مدرسة أمريكية الصيف الماضي.
ولا تُوجد في سويسرا إحصائيات دقيقة على المُستوى الوطني عن عدد الأطفال والشبان الذين يتناولون العقاقير النفسانية. ويُنوه الدُّكتور لوران هولزر من القسم الجامعي لطب الأطفال والمراهقين في لوزان، إلى أن تشخيص الانهيار النفسي لدى الأطفال عرف تقدما ملموسا ممَّا يعطي الانطباع أن الظاهرة في انتشار مُتزايد.
ويضيف الدكتور هولزر: “إن أعراض الانهيار النفسي لدى الأطفال تختلفُ عن تلك التي تبدو على الكبار. فهي ليست بالضّرورة مرتبطة بالحزن والانعزال بل يمكن أيضا أن يُعبر عنها بالحيوية المُفرطة وبالعُدوانية”.
أقراصٌ على “المُوضا”
ويتفق أطباء الأطفال والأخصائيون النفسانيون في سويسرا على أنه لا يجب وصف دواء لتصحيح أو الغاء تصرف “غير عادي” دون ارفاقه بعلاج نفسي. ويشدد الدكتور اندرياس فيشلير، رئيس قسم طب الأطفال في مستشفى لوغانو، على أن أقراص “البروزاك” (Prozac)، مثلها مثل باقي الأدوية المضادة للانهيار العصبي، لا يجب أن توصف إلا في حالات قصوى تظل نادرة، وبالتالي لا يتعين وصفها للأطفال إلا في حالات استثنائية.
ويختلف الوضع بعض الشيء لدى المراهقين حيث يُذكِّر الدُّكتور لوران هولزر من القسم الجامعي لطب الأطفال والمراهقين في لوزان، أن دراسات حديثة أثبتت أن العقاقير النفسانية يمكن أن تُقدِّم دعما صحيحا للمراهقين خاصة إذا كانوا يفكرون في الانتحار.
أما في الولايات المتحدة، فالأمر يختلف جذريا حيث يميل الأطباء إلى معالجة الانهيار النفسي بالأدوية أساسا، مثله مثل أي مرض آخر. لكن إذا سمح “امتهان” الانهيار العصبي بالتخلص من بعض المُحرمات أو الـ”تابوهات” ذات صلة بالأمراض العصبية، فان دواء الـ”البروزاك” أو عقاقير نفسانية أخرى بعيد كل البعد عن أقراص الراحة والسكون التي تُسوق لها الإعلانات.
وان كانت الأوساط الطبية السويسرية تتخوف من الإفراط في استعمال أقراص الـ”البوزاك” لدى الأطفال أو حتى الكبار، فإن هذه العقاقير كانت منبع السعادة والرخاء لصاحب الشركة المُنتجة (Eli Lilly). فقد بلغ رقم مبيعات دواء “البروزاك” في أوج تسويقه 3 مليارات دولار سنويا. لكن هذه المبيعات انهارت بحوالي 80% خلال الصيف الماضي عندما انتهت صلاحية براءة الإنتاج الأصلية وفضل المُستهلكون شراء أدوية بديلة تحتوي على نفس المادة الرئيسية (Fluoxétine) لكن بسعر أقل.
رافاييلا روسيلو/اصلاح بخات- سويس انفو
في سويسرا، تُسوق عقاقير الـ”Prozac” المضادة للانهيار العصبي تحت اسم “Fluctine”
يقدر رقم مبيعات العقاقير النفسانية في سويسرا بـ230 مليون فرنك سنويا
من بين التأثيرات الجانبية المحتملة لدى تناول هذه العقاقير: انخفاض الوزن، سرعة الغضب، التعب وبطء النمو عند الأطفال
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.