مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العقدة المغاربية!

انتهى لقاء وزراء خارجية دول الاتحاد المغاربي في الجزائر دون تحديد موعد قمة لرؤساء الاتحاد.

ورغم أن البعض اعتبر هذا نكسة جديدة، إلا أن تصريحات وزراء الخارجية المغاربيين وبيان لقائهم الختامي تشير إلى أن الأمر يتعلق بكل بساطة بتحديد موعد القمة عبر التشاور بين الرؤساء.

تابع المراقبون في الجزائر الأجواء التي سادت اجتماع وزراء خارجية المغرب العربي، وكيفية الحديث فيما بينهم وكأنهم في عجلة من أمرهم أو كأنهم يريدون ربح الوقت بأسرع ما يمكن. وعندما خرج وزراء الخارجية المغاربة من قاعة الاجتماع بعد لقاء الافتتاح للقاء الصحفيين، تأكد هذا الظن بوضوح من خلال تصريح وزير خارجية المغرب، محمد بن عيسى الذي قال: “أملنا أن نجد وأن نوفر لشعوبنا الظروف الملائمة، خاصة في هذا الظرف بالذات وهو ظرف خطير، حيث تحدق بنا الحروب، ونجد أنفسنا في محطة تجعلنا ندافع عن البقاء”.

تصريح له مدلولاته الواسعة والخطيرة. فبعد أن كان المسؤولون المغاربيون في صراع تقليدي مع ما تكتبه الصحافة في بلدانهم عن عدم وجود الاتحاد المغاربي من الأساس، وعن نقصان الوعي بخطورة التفكك والعالم كله يتكتل، ثم خطورة أن تظهر تكتلات إقليمية هنا وهناك، لا تجمع بينها أمور كثيرة، في حين أن منطقة المغرب العربي، تجمع شعوبها قواسم تاريخية وجغرافية وثقافية واجتماعية…

وخيّـمت الظروف والمتغيرات الدولية والإقليمية على اجتماع وزراء الخارجية حتى بدا للمراقبين وكأن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وفرنسا على دول الاتحاد المغاربي كي تعزز اندماجها بدأت تجد آذانا صاغية.

وقد تجلى ذلك فيما قاله الوزير الجزائري المنتدب للشؤون المغاربية والافريقية علي بن مساحل: “لقد عاشت كل بلدان المغرب العربي تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذه التحولات تفرض علينا نظرة جديدة في البناء المغاربي، بالإضافة إلى التحولات التي عرفها العالم مؤخرا، حيث أصبحنا نرى تكتلات ومجموعات، وهذا يفرض علينا كذلك، أن نمشي بسياسات واضحة وأولويتها خدمة الاندماج أكثر مما سبق…”

هذه التصريحات جعلت المراقبين يتساءلون عن ملف الصحراء الغربية الذي سمّـم العلاقات بين الجزائر والمغرب. فهل سيكون مرة أخرى حجر عثرة على طريق أي انفراج وتقارب داخل الاتحاد. غير أن الجزائر والمغرب اتفقتا على أن لا يكون هذا الملف الشائك ضمن جدول أعمال لقاء وزراء خارجية المغرب العربي، وأكد هذا وزير خارجية المغرب، محمد بن عيسى عندما قال: “نحن نتكلم عن الصحراء وعن الحدود مع الجزائر الشقيقة، ونتحدث عن القضايا الثنائية الأخرى، بكل وضوح وبكل صراحة وفي كل مناسبة، والقمة لا يتضمن جدول أعمالها القضايا الثنائية”.

تغيُّـر الأولويات؟

مثل هذه التطورات المثيرة أكدت تحليلات كثيرة في وسائل الإعلام المغاربية، من أن قادة المنطقة تأكدوا من أمرين اثنين وهما، أن ضغط الشارع المغاربي من أجل تقارب يخدم مصلحة الجميع قد ينجم عنه ما لا تُحمد عقباه، وخاصة في المغرب والجزائر، وأن الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمة دوله فرنسا والولايات المتحدة يريدان تقاربا بين دول المنطقة يخدم مصالحهما الاقتصادية ويخفف تخوفهما من هجرة مغاربية كبيرة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسود دول المنطقة. وقد تجلى ذلك في تصريح وزير خارجية الجزائر عبد العزيز بلخادم عندما قال: “كل الظروف تحتم علينا التقارب، سواء أكانت دولية أو جهوية”.

بيد أن هذا التقارب والاندماج الذي تحدث عنه المسؤولون المغاربيون واجه تحديا دستوريا وقانونيا من نوع جديد يتمثل في نقل صلاحية اتخاذ القرارات الإقليمية من مجلس الرئاسة إلى الأمانة العامة تماما كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، حيث تتمتع المفوضية الأوروبية بصلاحيات تنفيذية. ويبدو أن الأمين العام للاتحاد المغاربي التونسي الحبيب بولعراس قد ساند هذا الموقف بقوة، داعيا إلى ضرورة تغير أسلوب القرارات المغاربية.

وفي هذا السياق، قال الدكتور عبد الرزاق بارة سفير الجزائر في ليبيا: “لقد اتفق وزراء خارجية دول المغرب العربي على منهجية جديدة لتجديد وإصلاح المنظومة المغاربية، والأمين العام الجديد لحبيب بولعراس، يطالب بأن يكون للأمانة العامة دور فعال اكثر مما سبق”.

مثل هذا التوجه يزيد من آمال المجتمعات المغاربية في رؤية تحولات محورية طال انتظارها بسبب الخلاف الجزائري المغربي حول قضية الصحراء وما نتج عنه من تشرذم العائلات على جانبي الحدود، وما تلا ذلك من قرارات سياسية على مستوى المغرب العربي أثرت حتى على التبادل الاقتصادي البيني الذي لا يتجاوز نسبة 7% من مجمل المبادلات التجارية الخارجية لدول المغرب العربي.

قمة بلا موعــد

لكن وفي مقابل هذا التفاؤل، تأخر اختتام لقاء وزراء خارجية المغرب العربي يوما واحدا، ليتضح فيما بعد أن سبب التأخير، بالإضافة إلى بعض المشاكل التقنية والتنظيمية، خلاف برز على السطح بين موريتانيا وليبيا على خلفية إقامة موريتانيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وأدى هذا الخلاف إلى نقاشات “ساخنة” بين وزير خارجية ليبيا عبد السلام التريكي، ونظيره الموريتاني محمد طولبة، دفعت وزير خارجية الجزائر عبد العزيز بلخادم إلى محاولة تهدئة الموقف حتى لا يفشل لقاء الجزائر بسبب خلاف موريتاني ليبي، رغم أن جهودا مضنية بُذلت لتحييد الخلاف الجزائري المغربي حول قضية الصحراء، وهو خلاف حال دون انعقاد القمة المغاربية منذ عام 1995.

ولئن لم يحسم وزراء خارجية الاتحاد المغاربي موعد القمة المقبلة التي طال انتظارها، فإن الخبراء يرجحون انعقاد هذه القمة في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة. وقد أعرب وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بلخادم عن إمكانية عقد القمة حينما قال: “أنا جد متفائل، بعد أن جلسنا مطولا على انفراد كوزراء خارجية ومهدنا الجو لعقد قمة الرؤساء قريبا في الجزائر”.

هيثم رباني – الجزائر

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية