“العقوبات الذكية” تناقش في جنيف
تعقد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في جنيف ما بين السادس والثامن فبراير شباط الحالي جولة من المفاوضات بخصوص " العقوبات الذكية" التي ترغب الولايات المتحدة الأمريكية فرضها ضد العراق لاستبدال نظام العقوبات المفروض منذ حرب الخليج الثانية.
وتحاول روسيا في هذه المفاوضات رفع الاعتراضات الأمريكية بخصوص صفقات تقدر بحوالي خمسة مليار دولار، خمسها يتعلق بصفقات روسية.
لمناقشة ما يطلق عليه إسم “العقوبات الذكية ” ضد العراق أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية وفدا برئاسة نائب كاتب الدولة للخارجية جون ستيرن فولف إلى جنيف لاجراء جولة جديدة من المفاوضات مع وفد روسي برئاسة مسؤول قسم المنظمات الدولية بوزارة الخارجية يوري فيدوتوف.
هذه المفاوضات التي تتم بمقر البعثة الروسية لدى المقر الأوربي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف تهدف إلى تسوية الخلافات القائمة بين البلدين بخصوص قوائم المواد التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية مزدوجة الاستعمال، أي العسكري والمدني وبالتالي يجب إخضاعها لموافقة لجنة العقوبات الأممية التي تشرف على هذه الصفقات بموجب اتفاق البترول مقابل الغذاء.
وتهدف روسيا التي لها علاقات تجارية مكثفة مع بغداد ، إلى تخفيف هذه القيود الأممية والأمريكية بالدرجة الأولى ، نزولا من جهة عند رغبة الرأي العام الدولي الذي بدأ يستنكر التأثيرات السلبية للحصار على الشعب العراقي ، للسماح من جهة أخرى للعديد من الشركات الروسية بإنجاز الصفقات المعلقة. وتقدر أوساط دبلوماسية هذه الصفقات المعلقة بما يزيد عن خمسة مليار دولار ، خمسها مع شركات روسية.
بغداد تبحث عن حلول بعد فقدان الأمل في مقاومة موسكو
يأتي استئناف المفاوضات الأمريكية الروسية حول” العقوبات الذكية” بعد فشل جولة انعقدت في شهر ديسمبر الماضي في موسكو وفي وقت عرفت فيه العلاقات بين موسكو وبغداد تصريحات تنم عن اختلاف في نظرة كل منهما لكيفية رفع العقوبات المفروضة ضد العراق منذ حرب الخليج.
فالعراق الذي راهن دوما على وقوف روسيا إلى جانبه، بوصفها بلدا يتمتع بحق الفيتو داخل مجلس الأمن الدولي ، والذي راهن على إمكانية وقوفها ضد الولايات المتحدة الأمريكية لمنع تمرير صفقة “العقوبات الذكية” لاستبدال العقوبات المفروضة ضد العراق منذ حرب الخليج الثانية ، يشعر اليوم بأن هناك تحولا في الموقف الروسي ، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر أيلول.
وقد عبر عن ذلك نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان بوضوح في تصريح لجريدة روسية عندما أعلن عن ” عدم موافقة بغداد على المشاورات الروسية الأمريكية بخصوص قائمة السلع المزدوجة الاستعمال”. وذكر السيد رمضان أنه اوضح للجانب الروسي أثناء زيارته لموسكو قبل ثمانية أشهر ” مضار ” هذه الخطة وهو ما دفع الرئيس فلاديمير بوتين إلى الطلب من وزير خارجيته أيغور إيفانوف ” وقف العمل في المشروع والامتناع عن القيام بأية خطوات من دون التنسيق مع العراق”.
لكن الخارجية الروسية عاودت طرح الموضوع من جديد بعد ستة أشهر بحجة أن العراق عرضة للخطر . وكون المبادرة أتت من الجانب الروسي يرى في ذلك نائب الرئيس العراقي ” إبطالا لإمكانية روسيا استعمال حق الفيتو ” للوقوف ضد مشروع كان بمبادرة منها. وطالب المسئول العراقي روسيا ” بالامتناع على الأقل عن التصويت أثناء عرض الموضوع على مجلس الأمن الدولي” تمهيدا لتجديد فترة تطبيق قانون البترول مقابل الغذاء في شهر مايو أيار القادم. ولم يتجنب السيد طه ياسين رمضان تحذير روسيا من التأثيرات السلبية التي قد تترتب عن تمرير قرار “العقوبات الذكية” نظرا لأن العراق يستورد منها ” المعدات الثقيلة وليس الطماطم والبطاطس” حسب ما نقل عنه.
ويبدو أن الظروف التي رافقت زيارة نائب رئيس الوزراء العراقي السيد طارق عزيز لموسكو الأسبوع الماضي ومغادرته المفاجئة للعاصمة بعد تعذر استقباله من قبل الرئيس بوتين، لدليل على وصول العلاقات الروسية العراقية حدا من التوتر. إذ يبدو أن استقباله في قصر الكريملان، كان مرهون برد العراق على قبول عودة المفتشين الدوليين الساهرين على تفتيش أسلحة الدمار الشامل العراقية.
البحث عن بديل للروس أم بوادر مواجهة عسكرية
لاشك أن تعاظم التهديدات الأمريكية ضد العراق بعد خطاب الرئيس بوش حول ” وضع الأمة” وإصرار الروس على المضي قدما في مفاوضاتهم مع الأمريكيين رغم المعارضة العراقية، هو الذي دفع بغداد،إلى إبداء انفتاح حول العديد من الجهات في الآونة الأخيرة بحثا عن حلفاء جدد.
إذ يمكن في هذا الإطار التذكير بالمبعوثين الذين أرسلتهم بغداد في اتجاه الاتحاد الأوربي والعديد من الدول العربية والصديقة. كما يمكن التذكير بالعرض الذي حمله أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بخصوص فتح “حوار لا مشروط “حول عودة المراقبين الدوليين.
لكن بالنظر إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي كولين بول “من أن على الأمم المتحدة ألا تدخل في مفاوضات مع العراق إلا بعد السماح بعودة المفتشين الدوليين”. وتصريح الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد كوفي عنان ” بأن عودة المراقبين لا تفاوض بشأنها” يوضع حد لبعد المناورة العراقية قبل انطلاقها ، ويعيد التذكير بأن واشنطن لا ترغب في التخلي عن مفاتيح الملف العراقي لغيرها.
وإذا ما استمر العراق في الاعتقاد مثلما عبر عن ذلك السيد طه ياسين رمضان “من أن العقوبات سوف لن ترفع من قبل مجلس الأمن الدولي ” و ” أن العراق مستعد لأي عدوان أمريكي، ولكن لا يرغب أن يتوفر لهذا العدوان غطاء من الشرعية الدولية “،فهل معنى ذلك أن كل الشروط قد توفرت لتصعيد جديد قد يقود إلى مواجهة عسكرية؟.
محمد شريف – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.