العلاج بالمواد الطبيعية في بلد الأدوية!
في بلدٍ يأوي كُبريات شركات صناعة الأدوية في العالم، قد يستغربُ المرء لإقبال السويسريين المُتزايد على وسائل العلاج البديلة والأدوية التجانُسية الخالية من المواد الكيماوية. فما هي مظاهر وأسباب هذا الميول؟
إن قصدت مُعظم الصيدليات في سويسرا، غالبا ما تلحظُ وُجود رفوف أو جناح كامل مُخصص للأدوية التجانسية المصنوعة من مواد طبيعية. وان لم تجد هذا النوع من الأدوية في بعض الصّيدليات فهنالك حتما من سيدُلك على مراكز خاصة ببيع الأدوية التجانسية. وان اهتمَّت الصيدليات في العقد الأخير بهذه الأدوية فلأنها لمسَت بالفعل الإقبال المُتزايد للسويسريين على وسائل العلاج الخالية من المواد الكيماوية وأدركت ضرورة توفيرها لزبائنها.
هنالك أكثر من مؤشر على انتشار الطب التجانسي في سويسرا. لكن قبل تسليط الضوء على هذه المؤشرات قد يُفيد التعريف بهذا الطب المعروف أكثر باسم الـ « Homéopathie ». هذه الكلمة من أصل يوناني المُركبة من كلمتي « homoion » أي مُشابه و « pathos » أي معاناة، تدل على طريقة علاج ترتكز على مبدأ المُشابهة والتجانس. وتُعالج هذه الطريقة المرض بإعطاء عقاقير بمقادير صغيرة جدا لو أُعطيت بمقادير كبيرة لأحدثت عند الإنسان الصحيح أعراض المرض نفسه. هذه الأدوية المصنُوعة من مواد طبيعية والخالية تماما من الكيماويات تساهم في تقوية نظام المناعة الطبيعي لدى الإنسان حسب المتخصصين في هذا النوع من الطب.
اقبال المُستهلكين وانزعاج بعض المُنتجين
وتختلفُ أوجهُ الاهتمام والإقبال المتزايديْن للسويسريين على الطب التجانسي. ويتصدرُ قائمة مظاهر هذا المُيول ارتفاعُ المُنتجات التجانسية ومراكز بيعها في سويسرا بحوالي 300% خلال السنوات العشر الماضية حسب اعتقاد الدكتور جون موريس نوي، صاحب أكبر صيدلية مُتخصصة في بيع الأدوية التجانسية في سويسرا والتي يوجد مقرها في العاصمة برن.
وبات يُقدَّر عدد الزبائن الذين يقصدون أجنحة الأدوية التجانسية في مختلف بقاع سويسرا بـ33500 شخصا شهريا أي بارتفاع يناهز 20% في ظرف عقد من الزمن. وقد يُفسرُ الإقبال الكبير على هذه الأدوية لكونها أولا طبيعية وثانيا لأنها توفر العلاج لأمراض أو أعراض شائعة بين الكبار والصغار مثل اضطرابات الجهاز الهضمي والأرق أو الأنفلونزا.
لكن نجاح الطب التجانسي في اقتحام أجنحة الصيدليات أثار بطبيعة الحال قلق كبريات شركات صناعة الأدوية في سويسرا. وفي هذا السياق، أشار الدكتور جون موريس نوي في تصريح لـ”سويس انفو” إلى أن قطاع الأدوية التجانسية، الذي يُعد جزء صغيرا جدا من قطاع صناعة الأدوية السويسري، تعرض لتهديد بعض عمالقة صناعة الأدوية في الكنفدرالية الذين بدئوا يعتبرون القطاع الناشئ منافسا حقيقيا.
لا داعي للقلق
غير أن المتحدثين باسم “روش” و”نوفارتيس” أكبر الشركات الصيدلية في سويسرا أكدوا أنهم لا يرون في العلاج التجانسي تهديدا أو خطرا على مبيعات أدويتهم التقليدية التي تُصدر لمختلف بقاع العالم. وتشير “نوفارتيس” إلى أن الأدوية التجانسية ليست حاضرة في كل ميادين العلاج ولا تشغل سوى جزء بسيط من سوق الأدوية عموما.
وان كان السويسريون يقبلون بشكل متزايد على شراء الأدوية التجانسية فانهم يقبلون أيضا على دراسة الطب التجانسي حيثُ لوحظ ارتفاع ملموس لعدد طلبة الفيزياء والصيدلة المُسجلين في دروس العلاج التجانسي التي لا تقل صعوبة عن الطب التقليدي. ويشهد على ذلك الدكتور في الطب التجانسي اندري تُورنيسين الذي يعمل في العاصمة برن حيث يشرح أنه يتعين على الراغبين من طلبة الطب في الحصول على شهادة دكتوراه في الطب التجانسي أن يتابعوا دروسا عليا “شاقة” على حد تعبيره. ويشير الدكتور إلى أن هذه الدروس صعبة للغاية وأن العديدين يرسبون في الامتحانات النهائية. ويقدر الدكتور تورنيسين عدد طلبة الطب الذين يحصلون في النهاية على شهادتهم العليا في الطب التجانسي بـ2 إلى 3% فقط.
انتشارٌ واسع بالفعل..لكن له حدود
إذا كانت التركيبة الطبيعية للأدوية التجانسية وإسهامها في تعزيز نظام المناعة الطبيعي لدى المريض يثيران الارتياح فان هذا النوع من العلاج قد يقف عاجزا أمام أمراض خطيرة مثل السرطان. فالطب التجانسي ليس سوى تخصصا ضمن مُختلف تخصصات الطب البديل الذي يُمكن اللجوء إليه كتعزيز للطب التقليدي أو كعلاج مُستقل في حالات مرضية يمكن وصفها بـ”العادية”.
لكن عندما يتعلق الأمر بالأمراض الخطيرة مثل السرطان، يقول الفيزيائيون والصيادلة إن للأدوية التجانسية حدود. ويشرح الدكتور تورنيسين في هذا الصدد أن “الأدوية التقليدية تعمل على سبيل المثال على وقف الالتهاب أو وضع حاجز أمام القنوات التي تنقل الألم، بينما تحاول الأدوية التجانسية تنشيط قوى المناعة الطبيعية في جسم الإنسان”.
وبين مُؤيد ومُعارض للأدوية التجانسية تظل الأرقام خير دليل على مدى انتشار الطب التجانسي في هذا البلد الصغير الذي يأوي لحد الآن أكثر من 10000 متخصص في الطب البديل يعملون في حوالي 200 مجال علاج مُختلف على رأسهم الطب التجانسي والعلاج الصيني بوخز الإبر المعروف باسم « Acupuncture » وتدليك الجسم المشهور باسم « Shiatsu » وعلم الانعكاسات أو ردود الفعل اللاإرادية.
وان ذاع صيت الطب التجانسي في مختلف أنحاء أوربا فلأن الأب المؤسس لهذا الطب هو ابن القارة العتيقة، وهو الدكتور سامويل هانمان الذي وُلد في ميسين بألمانيا عام 1755 وتوفي في العاصمة الفرنسية باريس عام 1834. ويرتكز أسلوب العلاج التجانسي الحالي الذي طوره الدكتور هانمان على مبادئ لم تتغير منذ 200 سنة. ورُبما لهذا التاريخ العريق دور في تمسك المستهلكين بعلاج يشبه المُسكنات التقليدية المُتوارثة أبا عن جد.
سويس انفو – اصلاح بخات
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.