العلاقة الآثمة مع جنوب افريقيا
من الواضح أن علاقة سويسرا بنظام الميز العنصري السابق في جنوب افريقيا حرجة، إلى درجة أنها يمكن أن تصنف على أنها من خطايا سويسرا في تاريخها الحديث.
وتحاول الحكومة أن تسلط الضوء على تلك العلاقة من خلال فتح ملفات المخابرات العسكرية، وتكليف استاذ قانوني بالتدقيق فيها.
يأتي تحرك الحكومة السويسرية لوضع ملف علاقتها مع حكومة الميز العنصري السابقة في جنوب افريقيا أمام الرأي العام، بعد أن وجه ووتر باسونWouter Basson الرئيس الأسبق للبرنامج السري للاسلحة الكيماوية والبيولوجية في جيش جنوب افريقيا، اتهامات إلى بضعة أشخاص من الجيش السويسري، وبصفة خاصة إلى رئيس المخابرات العسكرية الأسبق بيتر ريغللي.
وقد صدرت هذه الاتهامات أثناء التحقيق مع باسون المشهور باسم “طبيب الموت” في التهم المنسوبة إليه باستخدام أسلحة بيولوجية وكيماوية سامة ضد المتظاهرين والمعارضين السود.
علاقات ثنائية حرجة
وتقول المعلومات الأولية أن أول اتصال بين جهازي المخابرات السويسري مع نظيره الجنوب افريقي بدأت عام 1977، تطورت إلى علاقة متواصلة منذ عام 1980 وحتى التسعينيات من القرن الماضي.
وقد باركت الحكومة السويسرية هذه العلاقة بشكل سري، بسبب أهميتها في فترة الحرب الباردة، ودعم نظام جنوب افريقيا للمقاتلين المناهضين للحكومة الانغولية التابعة للإتحاد السوفياتي آنذاك. إلا أن هذه الاتصالات أصبحت غير مرغوب فيها من قبل السلطات السويسرية منذ توقيع اتفاقيات السلام هناك عام 1989.
أما التعاون العسكري العلني بين الدوليتن، فقد بدأ في عام 1960 عندما اشترت سويسرا 100 دبابة من جنوب افريقيا كنوع من تنويع مصادر التسليح، وقد وافق البرلمان على هذه الصفقة على الرغم من تزامنها مع وقوع مذبحة “شارب فيل” التي راح ضحيتها 67 شخصا من الملونين.
ولم يمنع قرار الحكومة الصادر عام 1963بحظر التعاون العسكري مع نظام الميز العنصري في جنوب افريقيا شركة بوهرليه – اورليكون السويسرية من اتمام صفقة مدافع إليها. في الوقت نفسه، رفضت الحكومة عام 1975 السماح بتصدير مسدسات تستخدم في رياضة الرماية، ولكنها خضعت بعد ذلك لضغوط الاتحاد السويسري للرماية ووافقت على تصدير “قطع غيار وذخيرة للاستخدام للأغراض الرياضية أو الشخصية”. ثم قامت شركة بوهرليه – اورليكون في عام 1976 ببيع 16 مزودات للطاقة تستخدم في سلاح المدفعية إلى جيش جنوب افريقيا عن طريق شركة إيطالية.
لذا، خرج الخبراء من دراسة ملف العلاقة بين سويسرا وجنوب افريقيا في تلك الفترة بأنها خلفت ورائها مشاكل متعددة، تم كشف النقاب عنها في عام 1994 عندما عرفت الديموقراطية طريقها للمرة الأولى إلى جنوب افريقيا، والتي حرصت على إماطة اللثام عن الدول التي تورطت في علاقة مع أبشع نظام تمييز عنصري عرفته القارة السمراء في نهايات القرن العشرين.
وتقول التقارير الديبلوماسية الرسمية حول العلاقة بين الجانبين – السويسري والجنوب افريقي- ” إن تعميق هذه العلاقة أدى إلى عدم امكانية تجنب أوضاع ديبلوماسية معينة، كانت في بعض الأحيان خرقا للحياد السويسري”
إعدام الملفات؟
وكان من الطبيعي أن تشمل تحقيقات الجانب السويسري البحث في سجلات وأرشيف تعامل جهاز المخابرات مع الجهات الأجنبية، على الرغم من أن الاطلاع على هذه الملفات من أهم اسرار الدولة التي لا يجب الافصاح عن محتواها. علاوة على أن المسؤولين في المخابرات السويسرية أعلنوا صراحة أنهم لم يحرصوا على تدوين كافة الاتصالات التي كانوا يقومون بها مع جهات أجنبية زيادة في الحرص والحيطة، مما اعتبره المحققون ثغرة خطيرة، قد تؤدي إلى غياب معلومات هامة.
إلا أنه تم كشف النقاب عن اعدام ملفات الاتصالات مع الجهات الاجنبية في الفترة ما بين عام 1992 و 1997 بسبب “عدم وجود مكان كاف لتخزينها” حسبما أوردت مصادر المخابرات. وهو ما يعني أن محاولات الحكومة ووزارة الدفاع لالقاء الضوء على دهاليز العلاقة بين سويسر وجنوب افريقيا لن تكلل بالنجاح التام، لغياب ملفات هامة، قد تكون دليل إدانةاو براءة من التهم المنسوبة إلى سويسرا وجهاز مخابراتها العسكرية.
في الوقت نفسه، عثر المحققون على مراسلات بين جهاز المخابرات ومكتب الأرشيف الفدرالي للتفاوض حول تخزين ملفات الاتصال مع جهات أجنبية، مما يشكل تناقضا مع التصريحات السابقة .
وتحاول وزارة الدفاع من ناحيتها اثبات حسن النوايا في التعامل مع هذا الملف الشائك، فقد أعلن وزير الدفاع صامويل شميت في عام 2001 الماضي عن تشكيل لجنة إدارية لوضع تقرير حول العلاقات العسكرية بين بلاده وجنوب افريقيا.
نقد لرئيس المخابرات السابق
أما الاتهامات التي وجهها الدكتور ووتر باسون إلى رئيس المخابرات السويسري الأسبق بيتر ايغللي، فقد وصفتها لجنة تقصي الحقائق السويسرية بأنها مشكوك فيها، وان كانت لم تنف وجود اتصالات مباشرة أو هاتفية بين الرجلين في الفترة ما بين 1987 و 1994، على الرغم من نفي بيتر ايغللي لقيامه بهذه الاتصالات جملة وتفصيلا!
في المقابل تحوم شبهات حول أسباب زيارات قام بها الرئيس الأسبق للبرنامج السري للاسلحة الكيماوية والبيولوجية في جيش جنوب افريقيا إلى سويسرا في الفترة ما بين عامي 1993 و 1994، على الرغم من أنه على رأس قائمة المتورطين في ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الانسانية، فكان حريا على المخابرات السويسرية أن تمنع هذه الزيارات بدلا من أن تتحول إلى نقطة سوداء، قد تكون دليلا دامغا على عدم نظافة العلاقة مع جنوب افريقيا أثناء فترة حكم الميز العنصري.
تامر أبو العينين – سويس انفو
كانت سويسرا من الدول القليلة التي لم تقطع علاقتها بشكل كامل مع نظام الميز العنصري في جنوب افريقيا.
تم كشف النقاب عن التعاون العسكري بين الدولتين في عام 1994، مما أجبر وزارة الدفاع السويسرية على فتح الملف وعرض الحقيقة عى الرأي العام، الذي قابل هذه المعلومات بإستياء بالغ.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.