العنف المسلح… مُـعـطـل للتنمية وتكلفته المادية والإنسانية باهظة
بعد انقضاء عامين على إصدار "إعلان جنيف حول العنف المسلح والتنمية"، تستضيف جنيف، بمبادرة من سويسرا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، اجتماعا وزاريا لتقييم المسيرة ومحاولة إعطائها دفعا جديدا.
ويسعى الإعلان الذي أصدرته 42 دولة في يونيو 2006، وحصل اليوم على توقيع 94 بلدا، إلى الحد من دوامة عنف الصراعات المسلحة أو العنف المترتب عن العمليات الإجرامية الذي يؤدي سنويا إلى مقتل 740 ألف شخص.
بمبادرة من سويسرا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، انطلق في 7 يونيو 2006 مسار “إعلان جنيف حول العنف المسلح والتنمية”، وهو الإعلان الذي دعمته آنذاك 42 دولة وحصل في غضون عامين على توقيع 94 دولة.
ولتقييم حصيلة عامين من الجهود، ومحاولة إعطاء دفع جديد للمبادرة، تحتضن جنيف ما بين 12 و14 سبتمبر اجتماعا وزاريا موسعا تفتتحه وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-ري.
تكلفة مالية وإنسانية باهظة جدا
توماس غريمينغر، رئيس قسم الدائرة الرابعة المكلفة بالأمن البشري في وزارة الخارجية السويسرية، أعرب في ندوة صحفية عقدت يوم 9 سبتمبر 2008 في جنيف عن اعتقاده بأن “السبب الذي دفع سويسرا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى الشروع في مسار إعلان جنيف قبل عامين، هو عدم أخذ الذّين حددوا أهداف الألفية في عام 2000 بعين الاعتبار تأثيرات العنف المسلح على عرقلة التنمية”.
وفي معرض تشريحه للعلاقة القائمة بين العنف المسلح والتنمية، اعتمد السيد غريمينغر على نتائج الدراسة التي أعدها البروفسور كيث كراوسيه، مدير قسم أبحاث الأسلحة الخفيفة بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية (مقره جنيف). وتشير هذه الدراسة التي ستعرض أثناء المؤتمر الوزاري إلى أن التأثيرات الاقتصادية لعمليات العنف المسلح تكلف حوالي 163 مليار دولار سنويا. ويخلف هذا العنف حوالي 740 ألف قتيل، يقضي ثلثاهم حتفهم في عمليات إجرامية بعيدة عن الصراعات المسلحة.
أما بيتر باتشلور، مدير قسم الأزمات وإعادة البناء ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فنوه إلى أن “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المشرف على تحقيق أهداف الألفية يدعم من هذا المنطلق إعلان جنيف حول تأثيرات العنف المسلح على عملية التنمية، وفي تعاون وثيق مع الحكومة السويسرية”.
التأثيرات الشاملة للعنف المسلح
ومن المقرر أن يطلع المؤتمر الوزاري على نتائج الدراسة التي أعدها الدكتور كيت كراوسيه الذي يرى أن أهميتها تكمن في “معالجتها لموضوع العنف المسلح من جوانبه المختلفة، وعدم اقتصارها على جانب العنف في الصراعات المسلحة”.
والخلاصة التي توصلت إليها الدراسة هي أن عدد ضحايا العنف المسلح، أيا كان مصدره، يفوق 740 ألف ضحية سنويا، وأن العنف المسلح يُعدّ المتسبب الرابع في الوفيات عالميا، خاصة في صفوف الفئة العمرية المتراوحة بين 15 و44 سنة.
ويشير الدكتور كراوسيه إلى أن “بلدان أمريكا اللاتينية تعرف متوسط عمر يقل بسنة عن المعدل العالمي بسبب العنف المسلح”. وهناك أكثر من 40 دولة تشكل فيها أعمال العنف المسلح عاشر مُتسبب في الوفاة، والسابع في أمريكا اللاتينية والتاسع في إفريقيا.
ويشدد الدكتور كراوسيه على الفارق في أعداد قتلى الصراعات المسلحة وباقي الضحايا موضحا بأن “النتائج التي تم التوصل إليها تشير إلى أن عدد قتلى الصراعات المسلحة من مدنيين وعسكريين لا يتجاوز 52 ألف قتيل سنويا، وهو ما يمثل 7% من مجموع ضحايا العنف المسلح”. ويعتقد الدكتور كراوسيه أنه “في صورة إنهاء الصراعات المسلحة الكبرى في كل من العراق وأفغانستان وسريلانكا والصومال لانخفض عدد الضحايا بحوالي 60%”.
ويتعلق الجانب الثاني الذي راعته هذه الدراسة بضحايا التأثيرات الجانبية للصراع المسلح عندما يضطر السكان إلى مغادرة منازلهم، والافتقار إلى أدنى المنشئات الصحية والأغذية والمياه الصالحة للشرب، وما يترتب عن ذلك من أمراض وأوبئة. وقد أشار الدكتور كراوسيه إلى أن “الدراسة أظهرت بأن عدد ضحايا التأثيرات الجانبية للصراعات المسلحة فاقت في بعض الحالات بين ثلاث مرات و15 مرة عدد الضحايا المباشرين للصراع المسلح”.
ويرتبط الجانب الآخر الذي شملته الدراسة بضحايا العنف الذي لا علاقة له بالصراعات المسلحة؛ فقد توصلت الدراسة، حسب الدكتور كراوسيه إلى أن “عدد ضحايا العنف خارج الصراعات المسلحة يمثل ثلثي العدد الإجمالي لضحايا العنف المسلح، أي 490 ألف ضحية”، وإلى أن “60% منها كان عن طريق سلاح ناري”.
وإذا ما تم اعتبار التأثيرات المادية والاجتماعية والبشرية لضحايا العنف المسلح بكل أشكاله، تُقدر الدراسة التكاليف بحوالي 163 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل ميزانية دولة مثل تشيلي، على حد تعبير الدكتور كراوسيه.
طموحات “إعلان جنيف”
وإذا كان إعلان جنيف حول تأثيرات العنف المسلح على التنمية قد جلب الانتباه إلى ضرورة مراعاة الروابط القائمة بين العنف المسلح الناجم عن الصراعات المسلحة والعنف ذي الطبيعة الإجرامية، فإنه يهدف أيضا إلى “التخفيض من نسبة العنف المسلح في العالم، وتحسين ظروف الأمن البشري فيه حتى حدود عام 2015، وهو الموعد الذي حدّدته الأمم المتحدة لتحقيق أهداف الألفية”، كما جاء على لسان السيد غريمينغر.
ولبلوغ هذه الأهداف، حدّدت اللجنة الساهرة على مسار إعلان جنيف، والمكونة من 13 بلدا من بينها سويسرا والمغرب، ثلاثة محاور:
1- العمل على تعميم التوعية والتحسيس بتأثيرات العنف المسلح على عملية التنمية. وتم في هذا الإطار تنظيم ثلاث ندوات إقليمية في أمريكا اللاتينية والوسطى، وإفريقيا وآسيا. كما سيتم خلال المؤتمر الوزاري الحالي في جنيف اعتماد قرار يتم بموجبه نقل إعلان جنيف من مساره الحالي الخارج عن نطاق الأمم المتحدة إلى مسار جديد ضمن المنظومة الأممية.
2- تعزيز وسائل تحليل وتقييم تأثيرات العنف المسلح على عملية التنمية سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي والدولي. وتدخل في هذا الإطار التقارير الدورية مثل تقرير البروفسور كراوسيه.
3- المشاريع التطبيقية التي يتم القيام بها ميدانيا والتي تعتمد المبادئ التي نص عليها إعلان جنيف للحد من العنف المسلح بكل أنواعه. وفي هذا الصدد أشار السيد غريمينغر إلى أن “ست دول قبلت أن تكون حقل تجربة لتطبيق مبادئ إعلان جنيف عبر مشاريع نموذجية”، من بينها بوروندي، وغواتيمالا، وجامايكا، وكينيا، وبابوا غينيا الجديدة.
التوقيع على الإعلان لا يكفي
وإذا كان إعلان جنيف قد استطاع جلب الانتباه إلى فداحة الأضرار المترتبة عن العنف المسلح بشقيه الإجرامي أو الصراع المسلح، وحدّد طموحات تخفيض النسبة بحلول عام 2015، فإن تطبيق الدول لما جاء في الإعلان يبقى وقفا على الإرداة السياسية لهذه الدول لأن العديد مما جاء في الإعلان نصت عليه عدة معاهدات واتفاقيات أممية.
يضاف إلى ذلك أن دولا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعرف نسبة عالية من العنف المسلح لم توقع لحد الآن على الإعلان، “ولو أنها تعهدت بدعم تطبيق بنود الإعلان في دول أخرى”، مثلما أوضح توماس غريمينغر.
ومن هذا المنطلق، سيكون الاجتماع الوزاري في جنيف بمثابة محاولة لإعطاء دفع جديد لإعلان جنيف، وحشد الدعم لتحويله إلى مبادرة تُعرض داخل الأمم المتحدة بعد أن شقت طريقها بفضل إرادة واقتناع عدد من الدول والمنظمات، وفي مقدمتها سويسرا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
ينعقد الاجتماع الوزاري لمراجعة “إعلان جنيف حول العنف المسلح وتأثيراته على التنمية” ما بين 12 و14 سبتمبر 2008 في مدينة جنيف.
تشارك في الإجتماع 70 دولة و15 منظمة دولية، و34 منظمة غير حكومية.
ستكون 17 دولة ممثلة على مستوى وزير، و6 على مستوى نائب وزير.
740 ألف شخص: هو عدد ضحايا العنف الناجم سنويا، سواء عن الصراعات المسلحة أو العمليات الإجرامية.
490 ألف شخص: هو عدد ضحايا العنف المسلح الذي لا علاقة له بالصراعات المسلحة.
عند انطلاق المبادرة، حصل “إعلان جنيف” على توقيع 42 دولة، أما اليوم فقد بلغ عدد الدول الموقعة 94.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.