العولمة تهدد الحقوق النقابيـــة!
شهد عام 2002 استمرار اضطهاد النقابيين في شتى أنحاء العالم مثلما جاء في التقرير السنوي للكنفدرالية الدولية للنقابات الحرة
وعلى الرغم من وجود بعض الفوارق، إلا أن الإنتهاكات شملت الدول المصنعة والسائرة في طريق النمو وبلدان الشمال والجنوب على حد السواء!
بعد عقود من تزعمها للمواجهة “الإيديولوجية” مع المعسكر الإشتراكي باسم قيم “العالم الحرّ”، تتجه الكنفدرالية الدولية للنقابات الحرة منذ بضعة أعوام إلى لعب دور أكبر في المحاولات الرامية إلى منح العولمة طابعا “اجتماعيا” يخفف من سلبياتها المتصاعدة.
ومن خلال إصدار تقرير سنوي يرصد مُجمل الإنتهاكات التي يتعرض لها النشاط النقابي في معظم بلدان العالم، تحاول الكنفدرالية الإستمرار في لعب دور الرقيب والمُدافع عن الحريات النقابية في عصر هيمنة اقتصاد السوق والمحاولات المحمومة لتفكيك المكتسبات الإجتماعية في الشمال والجنوب.
ومع أن تقرير الكنفدرالية أشار إلى أن “الأنظمة غير الديمقراطية قد استمرت في قمع النشاط النقابي الشرعي”، إلا أنه اعترف بأن “الأزمة الإقتصادية – وخاصة في بلدان أمريكا اللاتينية – قد أدت إلى تصاعد حدته”.
حقوق في مهب الريح
ولم يكتف التقرير الذي فصّل مختلف أنواع الإنتهاكات التي تعرض لها العمل النقابي والمسؤولون النقابيون في شتى أنحاء العالم بالإحصائيات والأرقام بل حرص على تقديم رؤية شاملة للتحديات الكبرى التي أصبحت تواجه مطالب العمال.
فمن جهة، أعلن التقرير السنوي بوضوح أن “العولمة قد تمثل خطرا على حقوق العمال ما لم يتم اعتماد الآليات التعويضية الملائمة”. كما حذّر من تنامي ظاهرة إنشاء المناطق الحرة للتصدير في البلدان السائرة في طريق النمو التي تحولت عمليا إلى “مناطق لا وجود فيها للحقوق النقابية”.
وفيما تظل كولومبيا أخطر بلد في العالم يمكن أن تُمارس فيه الأنشطة النقابية (حيث سُجلت فيه العام الماضي 184 حالة اغتيال موثقة لنقابيين أي ما يُناهز 80% من المجموع العالمي)، استمر عدد الإيقافات والطرد من العمل بسبب النشاط النقابي في الإرتفاع.
أزمات .. وقمع!
وفيما زادت الأزمة الإقتصادية التي عرفتها معظم مناطق العالم وفي أمريكا اللاتينية (الأرجنتين تحديدا) من حدة الممارسات القمعية ضد العمال، كشف التقرير أن الإنتهاكات الخطيرة للحقوق النقابية لم تقتصر على منطقة دون أخرى من العالم.
ففي القارة الإفريقية تحول البون القائم بين تشريعات وقوانين وصفها التقرير بأنها “رحيمة نسبيا” وبين الواقع البائس للحريات والممارسة النقابية إلى “هوة سحيقة”.
وفيما أدى “تشدّد الرئيس موغابي تجاه النقابيين المستقلين” إلى إثارة “قلق شديد” لدى السيزل بشأن الزمبابوي، اتجهت اصابع الإتهام إلى الكوت ديفوار والغابون ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسوازيلاند التي تعددت فيها عمليات الإعتقال والإعتداء والمضايقة للنقابيين والعمال في العام المنقضي.
ويلفت التقرير الأنظار إلى أن عددا من البلدان العربية لا زال يحظـُر الأنشطة النقابية تماما. ففي ليبيا والسعودية مثلا لا توجد نقابات أصلا أما في السودان ومصر فان التشريعات الوطنية تنص على احتكار التمثيل النقابي للعمال لمركزية وحيدة.
أما في البلدان المصنعة – وفي أوروبا وأمريكا الشمالية بالتحديد- فقد سجلت السيزل العديد من الإنتهاكات للقواعد الرئيسية للشغل كما عرفتها المنظمة الدولية للعمل وتشمل العمل الإجباري والحرية النقابية وحق التنظم والتفاوض الجماعي والمساواة في الأجور والتمييز في العمل والسن الأدنى وعمل الأطفال.
تغيير جذري
وأمام هذه الأوضاع المتردية جددت الكنفدرالية الدعوة إلى “تغيير جذري للعولمة” التي تحولت – بسبب غياب آليات كفيلة بضمان الإحترام التام للمقاييس التي أقرتها منظمة العمل الدولية – إلى منافسة عالمية على “سباق على الجري إلى الوراء”.
وعلى الرغم من بعض الأخبار “الوردية” الواردة من هنا وهناك، حيث أفرج عن زعيم نقابي في أثيوبيا، واعتقل في الشيلي ضباط متهمون باغتيال نقابيين في عهد الجنرال بينوشيه، وأُقـرّ في البحرين قانون جديد يضمن قيام نقابات حرة ويمنح الحق في الإضراب، إلا أن الصورة العامة تظل سوداوية في ظل استمرار الركود الإقتصادي وتغاضي أرباب العمل عن احترام الحقوق الأساسية للعمال وقمع السلطات للعمل النقابي بأشكال متفاوتة.
كمال الضيف – سويس إنفو
تضم الكنفدرالية الدولية للنقابات الحرة 231 مركزية نقابية تنتمي إلى 150 بلدا
شمل التقرير السنوي للسيزل أوضاع الحريات النقابية في 133 بلدا
بلغ عدد الإغتيالات في صفوف النقابيين 213 في عام 2002 ثمانون في المائة منها في كولومبيا لوحدها
ارتفع عدد العمال المسرحين في عام 2002 إلى 30590 شخص (مقابل 10 آلاف في عام 2001)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.