“الـفقر السويسري” بين واقع اليوم ومخاوف الغد
في نهاية عام 2005، قدر الفرع السويسري لمنظمة كاريتاس الخيرية عدد الفقراء في البلاد بمليون شخص. فهل تتجه سويسرا نحو انفجار اجتماعي؟
كان هذا السؤال من ضمن الأسئلة التي طرحتها سويس انفو على أستاذين في علوم الإجتماع بجامعة جنيف. بيير فايس وفرانس شولتهايس ينظران بشكل مختلف للوضع الراهن وانعكاساته المستقبلية.
بيير فايس هو نائب ليبرالي (يمين) في برلمان كانتون جنيف وأستاذ علم الاجتماع في جامعة المدينة.
أما فرانس شولتهايس فـيُدير قسم علوم الاجتماع في نفس الجامعة.
سويس انفو: الهوة المتزايدة بين الأجور، والإقصاء الاجتماعي، وبطالة الشباب، والارتفاع المتواصل لأسعار التأمين الصحي…هل تتفقون مع الاستنتاج القائل إن سكان سويسرا يقعون تحت ضغط متزايد؟
بيير فايس: بصفة عامة، ما يميز الوضع الحالي منذ التسعينات هو توقف التحسن المتواصل للأوضاع الفردية.
ومنذ أواسط السبعينات، هنالك توسع أو بالأحرى نمو لـ”لدولة الاجتماعية” بمعناها الواسع (بما في ذلك التأمين الصحي).
وتتجلى الانعكاسات في الاقتطاعات الإضافية من الدخل والإمكانيات المحدودة المتاحة لسكان هذا البلد للتصرف في دخلهم بحرية. فنحن لاحظنا في الواقع إضفاء طابع اشتراكي على الدخل.
وأمام الخاسرين النسبيين والرابحين المطلقين جراء هذا الوضع، يجب جرد حصيلة. هل وضعنا اليوم أكثر سوءا مما عشناه قبل عشرة أو خمسين عاما؟ يصعب علي الرد بـ”نعم”.
فرانس شولهايس: إن السكان يقعون بالفعل تحت ضغط متزايد، ويتجهون نحو وضع مترد على مستوى عال جدا، رغم أن السويسريين مازالوا يتمتعون بامتيازات كثيرة (مقارنة مع سكان العالم).
إن التوترات القوية جدا لدى جيراننا – ألمانيا، وفرنسا وإيطاليا- تظل معتدلة نسبيا في سويسرا، لكن التوجهات واحدة: هنالك توجه نحو تردي الوضع المادي، وشق بين الفئات الأكثر غنى والفئات الأكثر فقرا.
حسب المعطيات المتوفرة لدينا، نستنتج بالفعل اتساع دائرة من يُسمون بـ”الفقراء العاملين” (وإن كان بعض الخبراء لا يتفقون مع هذا الاستنتاج). وهذا يعني أن أدنى الأجور لم تتحرك بينما يرتفع مستوى المعيشة.
وتلتحق نسب هامة ومتزايدة من السكان بفئة الفقراء العاملين الذين يعملون كثيرا بالفعل، لكنهم يجدون صعوبة في إتمام الشهر ودفع الإجار وأقساط التأمين الصحي وفاتورة الهاتف.
سويس انفو: هل يشعر السكان بأن الأمور ازدادت سوءا…
بيير فايس: نعم. إن هذا التباعد بين التطور الحقيقي للأوضاع والتطور المُدرك هو مثير للاهتمام والقلق في آن واحد.
فرانس شولهايس: أستنتج شعورا بعدم الأمان، وشعورا أيضا بالاختفاء التدريجي لبعض المزايا وبعض التسهيلات ومستوى معيشة معين. يجب أخذ هذا الوضع مأخذ الجد. إنه بمثابة جرس إنذار.
سويس انفو: هل يوجد حد لمقاومة مجتمع ما، هل هنالك وقت يبدأ فيه تصدع التوافق الاجتماعي؟
فرانس شولهايس: في القرن التاسع عشر، قام الكثيرون بدور الأنبياء، معتقدين أن المسألة الاجتماعية وإفقار السكان وصلا إلى حد سيحدث لا محالة ثورة قادمة. لكن تلك التنبؤات لم تصدق، وأنا لن أغامر بالمشي على هذا الحقل الجليدي.
ما يمكنني قوله هو أن أي مجتمع يستبيح “ترف” السماح باحتدام اللامساواة وسط شعب متعود على مستوى عيش وأمن معين يجب أن يدفع الثمن الاجتماعي- هؤلاء الناس سيعانون دائما من أمراض جسدية-نفسية، وصعوبات نفسانية، وستعاني منها أيضا أسرهم وأطفالهم.
ليس هنالك ثورة في الأفق، لكن يجب على المجتمع بأكمله أن يستعد لتحمل النفقات المادية والرمزية، خاصة على مستوى الهوية والانسجام الاجتماعي.
بيير فايس: إذا ما استندتُ إلى عدد اتفاقيات العمل الجماعية، فإن هذا الموعد (موعد القطيعة) لم يحن بعد. وإذا ما استندتُ إلى تطور تصويت الناخبين (على المبادرات والاستفتاءات الشعبية الكثيرة في سويسرا)، فهنالك بالفعل إشارات أكثر إثارة للقلق تدل على شعور بالاستياء، خاصة بعد استقطاب المزيد من الناخبين للتصويت لصالح الحزبين الحكوميين اللذين يميلان أكثر للاحتجاج، أي حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) والحزب الاشتراكي.
وليتم التعبير عن الاستياء بشكل آخر، يجب أن يتمكن ذلك الشعور من التبلور بشكل جماعي. لكن ما نلاحظه هو التالي: بعد يوم التصويت، يغادر المصلون الكنيسة…
بيير فرونـسوا بـيسـون- سويس انفو
(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)
حسب دراسة حديثة للبنك العالمي، يظل السويسريون المواطنين الأكثر غنى في العالم (معدل ثروة كل ساكن بالفرنك السويسري):
سويسرا: 817000
الدانمارك: 725000
السويد: 647000
الولايات المتحدة: 646000
ألمانيا: 626000
أما الأكثر فقرا:
إثيوبيا: 2480
بورنـدي: 3608
النيجير: 4663
نـيـبال: 4800
غينيا بيساو: 5015
حسب معطيات المكتب الفدرالي للإحصاء لعام 2004، بلغ معدل السكان الفقراء في سويسرا 12,5% من مجموع السكان، أي واحد من أصل كل ثمانية أشخاص.
يعتبر المؤتمر السويسري لمؤسسات العمل الاجتماعي أن الشخص فقير إذا قل راتبه عن 2480 فرنك في الشهر وهو يعيش بمفرده. أما الأسر بطفلين فتعد فقيرة إذا لم يتجاوز دخلها 4600 فرنك في الشهر. ويتعلق الأمر بالدخل الصافي بعد اقتطاع الضرائب والتأمينات الاجتماعية الإجبارية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.