الـنـوايا الحسنة .. هـل تـكـفـي وحدهـا؟
أعرب الوفد السويسري الذي شارك في قمة "الميثاق العالمي - Global Compact" في نيويورك عن ارتياحه لما توصلت إليه قيادات عالم المال والأعمال مع المنظمات غير الحكومية.
إلا أن تلك الأخيرة والمنظمات المهتمة بالبيئة انتقدت المؤسسات المالية والصناعية والدولية لعدم التزامها بما تتعهد به في المؤتمرات الدولية.
ناقش خبراء عدد كبير من المنظمات غير الحكومية الإنسانية مع مدراء كبريات الشركات والمؤسسات الصناعية، خلف الأبواب المغلقة في نيويورك الحصيلة الثانية لما توصل إليه مشروع “الميثاق العالمي” الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان منذ عام 1999.
ويتمثل الهدف من هذا المشروع الذي ترعاه الأمم المتحدة في حـث الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى على الالتزام بالمعايير الأخلاقية الدولية في مجالات حقوق الإنسان والعمل وحماية البيئة في أنشطتهم التجارية والصناعية في شتى أنحاء العالم، وتطبيقها بشكل واقعي وعملي ملموس.
ويستعرض المؤتمر التقارير السنوية التي تقدمها الشركات المشاركة فيه وتقييم الخطوات التي اتخذتها لمراعاة المعايير الإنسانية في أنشطتها وأعمالها، حيث من الممكن أن يتم استبعاد المؤسسات التي لم تلتزم بما وافقت عليه وتعهدت به من الميثاق.
“لا” للبنود الملزمة و”نعم” للمقترحات
وبينما أعرب سيرغي شاباتي نائب رئيس الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية في حديثه إلى وكالة الأنباء السويسرية عن سعادته لتوجه القيادات الإدارية لكبريات الشركات والمؤسسات للاهتمام بحقوق الإنسان ومبادئها، انتقد مندوبو المنظمات غير الحكومية المؤسسات الموقعة على الميثاق، واتهمتها بأنها تستغل ذلك لتحسين صورتها في العالم.
في المقابل، صرح دانيال فاسيلا من مجلس إدارة شركة نوفارتيس المتخصصة في صناعة الأدوية لوكالة الانباء السويسرية قائلا: ” إننا ندرك أننا لسنا بدون أخطاء، لذلك نسأل أنفسنا دائما عما يمكن أن نفعله بشكل أفضل وأحسن”.
أما الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية فعلى الرغم من ترحيبه بالمبادرة التي أطلقتها الأمم المتحدة، إلا أنه انتقد عدم وضع التوصيات التي ينص عليها الميثاق بشكل ملزم للشركات الموقعة عليه، لضمان العمل على تنفيذها بخطوات ثابتة، مما يعمل على تحميل المؤسسات مسؤولياتها تجاه نصوص الميثاق.
إلا أن وضع معايير وبنود محددة والتهديد باللجوء إلى عقوبات أو بعض أشكال المقاطعة أمور ترفضها الشركات بشكل حاسم، بل إن الحكومة السويسرية نفسها أعلنت قبل عام أن وضع بنود وشروط من هذا القبيل “يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية”.
ومطالب من الجنوب أيضا
ويقول ايف كاوفمان رئيس قسم الاستثمار الدولي في كتابة الدولة للاقتصاد، إن مثل هذه الإجراءات ممكنة إذا كانت الأمم المتحدة قد وضعت هدفا واضحا ومحددا للميثاق يوافق عليه عدد مناسب من الشركات ويلتزم به، إلا أنه يضيف في حديثه إلى وكالة الأنباء السويسرية بأن وضع معايير ملزمة “يقلص من سقف المعايير التي يمكن أن تتوصل إليها الشركات.
ولا تتجه التوقعات فقط إلى المؤسسات الكبرى في الشمال الغني، بل أيضا إلى نظيراتها في الجنوب النامي، فهي أيضا مطالبة بأداء دور هام، وصفه السويسري أنطون شتادلر من مكتب “الميثاق العالمي- Global Compact” في نيويورك بأنه يتميز بتوضيح المعايير المفروض على الشركات في تلك المناطق اتباعها لتحقيق الشفافية في التعاملات والوعي التام بمفاهيم العدالة الاجتماعية، وهي بذلك تقدم صورة ايجابية جيدة، تعمل على تحسين فرص الاستثمار في دول الجنوب النامية.
دعم سويسري مادي ومعنوي
وكانت سويسرا قد دعمت “الميثاق العالمي- Global Compact” منذ أن أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان أثناء انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس (شرق سويسرا) عام 1999، وتبلغ مساهمة الكونفدرالية في تمويل الميثاق 400 ألف فرنك من إجمالي مليون و500 ألف فرنك هي ميزانيته السنوية.
وقد قدمت سويسرا في القمة الأخيرة دراسة أعدتها وزارة الخارجية حول “صناعة المال والأعمال” تضمنت عدة توصيات تطالب المؤسسات المالية الدولية الكبرى بتقديم المزيد من المساعدات من أجل الحفاظ على البيئة وضمان الحقوق الاجتماعية، وتشير الدراسة إلى أن أسهم الشركات التي تتبع نهجا أخلاقيا جيدا وتبتعد عن استغلال القوى العاملة في الدول النامية، ترتفع وتصعد وتسجل ارباحا في أسواق المال العالمية.
وقد وقعت 14 شركة على الميثاق، ووكلها من المؤسسات الكبرى المعروفة على مستوى العالم، مثل “نستلي” و”نوفارتيس” وبنكي “كريدي سويس” و”يو بي اس”، بينما وصل العدد الإجمالي للشركات الموقعة على الميثاق 4000 من جميع أنحاء العالم.
أما جديد مؤتمر هذا العام فتمثل في التطرق إلى مشكلة الرشوة والمعاملات المالية المشبوهة، وهو الموضوع الذي لم يكن ترغب الشركات والمؤسسات المالية الكبرى في طرحه على بساط البحث، بل تعتبره من المحرمات التي لا يجوز الاقتراب منها.
أن توافق 4000 شركة ومؤسسة من جميع أنحاء العالم على التوقيع على هذا الميثاق أمر جيد واعتراف ضمني بالمسؤولية عن الهوة الكبيرة بين الشمال والجنوب .. وأن ترفض أغلبها ميثاقا ملزما يفرض عقوبات مؤثرة على المخالفين أمر قد يمكن تفهمه، إلا أنه لا مفر من أن تكون النتائج – مقابل كل هذا – ملموسة وواضحة وليست مجرد ذر للرماد في العيون أو محاولة للإبتعاد عن الشبهات والتخفي وراء قناع “الميثاق العالمي”.
سويس انفو مع الوكالات
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.