الفلسطينيون في العراق.. معاناة الحاضر والمستقبل!
منذ سقوط النظام العراقي، يعيش الفلسطينيون المقيمون في العراق ظروفا مأساوية يعود بعضها إلى تراكمات الحقبة الماضية.
فبالإضافة إلى انقطاع مصادر رزقهم، يتعرض الفلسطينيون إلى ضغوط اجتماعية وسياسية كبيرة.
يبدوا الفلسطينيون على قدر دائم مع الشتات والغربة. فالمنافي الفلسطينية تتّـسع باستمرار، ورحلة الشقاء لا تنتهي خطواتها. هذا هو قدر الفلسطينيين المُـزمِـن، سواء كانوا في وطنهم، أو في الشتات.
والفلسطينيون في العراق يجسدون مـأساة وفصلا من فصول الشتات والضياع والغربة، وهي بكل تأكيد قصة تكتسب اليوم فصولا مأساوية جديدة مع مأساة العراق المتفاقمة فصولها هي الأخرى.
90 ألف فلسطيني أو أكثر، هم مجموع اللاجئين في العراق، مهددون اليوم برحلة جديدة نحو المجهول بعد أن زال الغطاء الذي كان يقدّم لهم حدا أدنى من الحماية والاستقرار.
للإحاطة بشيء من المعاناة الفلسطينية، لابد من العودة قليلا إلى الوراء. فقد كان النظام العراقي السابق أنشأ مجمعا سكنيا يضم عشرات البنايات في منطقة البلديات السكنية بجانب الرصافة من العاصمة العراقية بغداد لإيواء آلاف الأسر الفلسطينية، التي يعود زمن وجود نحو 97% منها في العراق إلى عام 1948، حينما قدمت تلك العائلات إلى هذا البلد بعد النكبة العربية الأولى.
ومع اتساع حجم تلك العائلات وزيادة أعداد سكانها، اضطرت الحكومة العراقية السابقة إلى استئجار عشرات الدور في أنحاء متفرقة من البلاد لإيواء الأعداد المتزايدة من الفلسطينيين الذين كانت العاصمة بغداد مركز الثقل الأساسي لتواجدهم مع انتشارهم في مدن أخرى.
ورغم أن عددا من العائلات التي كانت تسكن تلك الدور المستأجرة، لا يخفي انزعاجه وتذمّـره من وجود عائلة أو اثنتين تتقاسم معه السكن في نفس الدار، إلا أنهم جميعا يذرفون الآن الدموع حزنا على تلك الأيام، التي تقول الحاجة أم جهاد، إنها لن تعود أبدا، وتتساءل هذه المرأة السبعينية عما إذا كان قدر الفلسطينيين أن يعيشوا في الخيام دائما؟
مضاعفات سقوط النظام
فقد قام عدد غير قليل من مالكي تلك الدور بطرد العائلات الفلسطينية من مساكنها بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع صدام حسين، ولم يكتف آخرون من مالكي الدور بذلك، بل إنهم حاولوا استخدام الأسلحة لإخراج أولئك اللاجئين والتهديد بهدم البيوت على رؤوسهم إذا لم يستجيبوا إلى مغادرة المنزل. ولكن إلى أين؟ إلى الشارع طبعا، على حدّ قول أم جهاد.
وهكذا، وجدت حوالي مائتي عائلة فلسطينية طريقها نحو الشتات من جديد، مما اضطر السفارة الفلسطينية في العراق إلى نصب مجموعة من الخيام في ساحات نادي حيفا الرياضي ضمن حي البلديات المشار إليه آنفا، بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر العراقية.
وبالطبع، فإن سكان تلك البنايات ليسوا بأحسن حال من إخوانهم سكان الخيم. فقد وجدت مئات القنابل العنقودية الأمريكية في الحرب الأخيرة طريقها إليهم لتوقع بين صفوفهم عشرات الضحايا بين شهيد وجريح لتحمل إلى الشعب الفلسطيني مزيدا من المرارة والألم.
ويقول قاسم ياسين عن الظروف الصعبة التي يعيشها سكان الخيم، إنها تعاني من ندرة المياه الصالحة للشرب والخدمات الأساسية الأخرى، مثل الصرف الصحي والكهرباء وعدم توفّـر الخدمات الطبية الأساسية. ويشير إلى أن معظم هؤلاء اللاجئين من العمال الذين انقطعت مصادر رزقهم بسبب الظروف التي يمر بها العراق في هذه المرحلة، حيث تضرر القطاع الخاص بشكل كبير وانعدمت فرص العمل، فيما ازدادت النفقات المعيشية كثيرا.
ويؤكّـد نديم محمد عبد الله أن النظام السابق كان قد أصدر بعض التعليمات والقوانين التي تنص على معاملة اللاجئين الفلسطينيين في العراق معاملة المواطنين العراقيين. لكنه مع ذلك، يشير إلى حالة من الازدواجية في تطبيق تلك التعليمات والأنظمة، وهي حالة استمرت عدة سنوات ولم تُـحسم حتى عام 2002، حينما صدر قرار حاسم يقضي بمعاملة الفلسطينيين من حاملي الوثائق العراقية معاملة المواطنين العراقيين.
وتم الإيعاز بمنح هؤلاء قطع أراضي سكنية بمساحة مائتي متر مربع لكل عائلة مع سلفة بناء تقدر بعشرة ملايين دينار عراقي حينذاك، إضافة إلى استثناء الطلبة الفلسطينيين من النفقات الدراسية في الجامعات والمعاهد العراقية مع بعض الإجراءات الأخرى. لكن نديم يؤكّـد أن كثيرا من تلك التعليمات لم يتم تنفيذها بسبب الظروف الأخيرة في العراق.
ويطرح نديم تساؤلات مؤلمة ومريرة حقا عن مصير عشرات الآلاف من الفلسطينيين المتواجدين في العراق، وعن مستقبل تنفيذ هذه القوانين والتعليمات، التي يُمكن أن تُبقي لهم بعض الأمل.
ثمة مشكلة أخرى تتعلق بنفس الموضوع، إذ لا يخفي بعض العراقيين تذمرهم من وجود الفلسطينيين بينهم، معتبرين أن الدعم الذي كان يقدمه النظام العراقي السابق للشعب الفلسطيني وقضيته، سياسيا وإعلاميا وماديا، كان أحد أهم الأسباب التي جعلت المأساة العراقية تتفاقم. ويمكن أن نسمع في الشارع العراقي صدى نغمة قطعية ضيقة الأفق تتحدث عن أن العراق يجب أن يكون للعراقيين أولا.
ولئن كان البعض يحاول تبرير هذه المقولة في الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد حاليا، فإن آخرين يعتبرون أن مثل هذه الدعوات لا تصب إلا في زعزعة جذور الانتماء القومي في عراق العهد الجديد.
مصطفى كامل – بغداد
يضم العراق حوالي 130 ألف لاجيء و700 ألف من المرحلين داخل البلاد
اللاجئون الفلسطينيون في العراق: 90 ألف
اللاجئون من إيران : 24 ألف
اللاجئون من تركيا: 13 ألف، أغلبيتهم من الأكراد
أكثر من 90% من الفلسطينيين في العراق هم من لاجئي 1948
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.