مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الفلسطينيون يضحكون.. أيضا

لقطة من مسرحية "ابتسم أنت فلسطيني" (تصوير جمال عاروري) swissinfo.ch

يتسربل الفلسطينيون للحرب، وتفرض الوجوه العابسة الغاضبة في التظاهرات ومراسم تشييع القتلى نفسها على المشهد في الأراضي المحتلة.

لكن هؤلاء، يجدون أيضا هامشا، يضيق ويكبر حسب الظروف، للانطلاق في فضاء الروح التي تتوق للهو والمرح.

غير بعيد عن حواجز التفتيش العسكرية، والجدران الفاصلة، ولحظات شن الغارات وتفاصيل الاغتيالات، ثمة نشاط إنساني عادي يحتل مكانه على حلبة مسرح أو قاعة تغص بجمهور هارب من صوت المدفع الرشاش إلى حيث موسيقى كلاسيكية تصدح.

في رام الله المحاطة بطوق من المستوطنات وآليات الجيش الإسرائيلي التي لا تكُـف عن مداهمة المكان، وفي بيت لحم قليلا إلى الجنوب، وبالرغم من قسوة الواقع وسوداوية النظرة، تنجح مجموعات، أفراد ومؤسسات، في انتزاع وقت للاسترخاء والاغتباط.

وفي غزة، رغم الحصار وضربات القاذفات الإسرائيلية المتلاحقة، ووسط عتمة المنازل المهدمة، وبجوار أنقاض بناية غادرتها جرافات العسكر للتو، تتبدّل الصور وينتقل الجمهور إلى عرض يحمل كل معاني الحياة.

“ابتسم انت فلسطيني”

“ابتسم أنت فلسطيني”، عنوان آخر مسرحية في سلسلة نشاطات ثقافية وفنية يقدمها مسرح القصبة بمدينة رام الله لجمهوره، الذي لم تردعه أنباء القتل والدمار عن الالتفات إلى ما فيه حياة واستمرار.

المسرحية المأخوذة عن نص لشاعر لبناني، وأعاد جورج إبراهيم مدير مسرح القصبة، كتابتها لتوافق الحال الفلسطيني، تعكس بطريقة كوميدية ساخرة أسلوب حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وفي ظل الحصار والاغلاقات والمداهمات المستمرة للجيش الإسرائيلي.

بقدر ما تحث المسرحية الجمهور الفلسطيني على تغليب الأمل على القهر والإحباط والحياة على القتل والموت، فإن المسرح ذاته ومعه مراكز أخرى في المدينة مُـصرّون على ترويج الحياة وسط الدمار.

وفي مركز خليل السكاكيني الثقافي برام الله أيضا، تستطيع الاستمتاع بأمسية يُـحييها عازفون إسبان أو التعرف على الموهبة الأخرى للممثل الأمريكي الشهير ريشارد غير، الذي سيفتتح شخصيا خلال أيام معرضا لصور من مجموعاته.

ستكون غزة ومناطقها خلال أشهر الصيف المقبلة على موعد مع عرض لمسرحية “في شي عم بصير”، المسرحية التي تعدها مؤسسة “فكرة” المحلية تريد أن تخاطب أهالي القطاع في موضوع الديمقراطية، وليس في مسألة خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون العتيدة حول انسحاب جيشه من هناك.

مسارح غزة المتواضعة، لاسيما قاعة الهلال الأحمر، استضافت في شهر أبريل الماضي أحد أكثر الأشهر دموية من عمر الانتفاضة، حفلا موسيقيا، وآخراً للعرض الأولي لمسرحية “نحكي وإلا ننام” المخصصة للأطفال.

ثقافة الحياة تنتصر

على عكس الانتفاضة الأولى بين أعوام 1987 و1994، جاءت الانتفاضة الحالية. وإن تكن الانتفاضة الحالية قد سجّـلت أعلى درجات المواجهة الدموية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنها اتّـسمت أيضا بحس تغليب الحياة.

تقول عادلة العادلي، مديرة مركز السكاكيني بمدينة رام الله، إن الفلسطينيين يُـدركون أن مواجهة الاحتلال ستكون عملية طويلة لا يستطيع أحد التكهّـن بمدى استمرارها، لذلك، كان القرار بعدم معاقبة النفس والتحرك نحو النشاطات الإنسانية الثقافية الفنية.

وتشير العادلي أن النشاط الموسيقى، سواء كان محليا أو أجنبيا، يحظى بنصيب الأسد بين جمهور رام الله لا يوازيه في ذلك سوى الإقبال على النشاطات الترفيهية والتعليمية الخاصة بالأطفال.

وتُـضيف، أنه وبعد صدمة الأشهر الأولى من الانتفاضة الحالية، وباستثناء الفترات التي لم يكن العمل معها ممكنا، أخذ تفكير المنتجين ينصَـبُّ على الاهتمام بالقيمة النفسية لدى الجمهور بالتركيز على إحياء النشاط الإنساني الثقافي.

كانت المفاجأة في إقبال الجمهور الذي بدا متعطشا ومتفاعلا مع النشاطات المعروضة، بالرغم من الظروف المحيطة، لاسيما صعوبة الانتقال والقيود على الحركة والأجواء الخانقة الناجمة عن عمليات القتل والدمار المستمرة.

وفي حين جرى التركيز في البدايات على مخاطبة جمهور الأطفال في محاولة للتخفيف من أوضاع الرهبة والخوف التي يعيشونها، إلا أن النشاطات المخصصة للبالغين، كانت هناك أيضا وراحت في ازدياد مع مرور الوقت والمعاناة.

وباستثناء مدن لا زالت تغوص في حصار كامل مثل نابلس وجنين وطولكرم في الشمال، فإنه بإمكان جمهور المدن الأخرى التعرف على مهرجانات أفلام دولية، ومشاهدة عروض مسرحية وموسيقية وفنية.

“سنستمر رغما عن الاحتلال”

وباعتراف مختصّـين في المسرح والفن، فإن تفاعل الجمهور مع الأعمال والنشاطات تجاوز التوقعات، ودفع إلى التفكير بمزيد منها.

الكاتب المسرحي محمد أبو زايد من غزة، أحد المشرفين في مؤسسة “فكرة” يُـقِـرّ بالظروف الصعبة للعمل ويقول إن الاحتلال استطاع أن يُـحوّل غزة إلى سجن، لكنه لا يخفي اندهاشه من تجاوب الجمهور مع النشاطات المعروضة.

كان محمد وزملاؤه قد بدءوا نشاطهم في مؤسسة “فكرة” عام 2002، العام الثاني للانتفاضة، عندما قدّموا مسرحية “مستر بيرفكيت”، ثم مسرحية “في شي عم بيصير”، انتهاء بالعرض الخاص للأطفال في مسرحية “نحكي وإلا ننام”، وهم مستعدون لمزيد من العروض خلال الصيف المقبل.

ويقول أبو زايد في حديث لسويس انفو إن “تفاعل الجمهور مدهش. هناك شعور قوي يقول إنه يجب أن نعيش ونستمر رغما عن الاحتلال الذي لا يقدّم سوى القتل والموت، وذلك من خلال الفن الذي يقدم نوعا من التطهير من كل الشوائب التي يخلّـفها الاحتلال وأدواته”.

هشام عبدالله – رام الله

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية