الفندقة السويسرية: مورد اقتصادي ولاعب سياسي
تحتفل رابطة الفنادق السويسرية هذه السنة بذكرى مرور 125 عام على تأسيسها، وتعقد بهذه المناسبة مجموعة من الفعاليات بدأتها بمؤتمر صحفي يوم 13 فبراير، طرح فيه مدراؤها رؤيتهم للمستقل في ظل التحديات المفروضة على القطاع السياحي السويسري والأوروبي بشكل عام.
وأكد مسؤولو الرابطة أن لهذه الصناعة حضورها السياسي القوى استنادا إلى أهميتها الاقتصادية المتنامية، رغم التحديات التي تواجهها.
لم يحتفل قطاع الفندقة السويسري بهذا اليوبيل بالكلمات الرنانة والإسهاب في قصة النجاح التي رافقته عبر أكثر من قرن، بل استخدم المناسبة لتقديم رؤيته السياسية والاقتصادية، إذ اعترف الخبراء أن قطاع السياحة في بلادهم بشكل عام والفنادق بشكل خاص تقف دائما في حالة استنفار بسبب غلاء الأسعار في البلاد مقارنة مع دول الجوار، ويطالب قطاع الفندقة بضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة تعجل من وتيرة الانفتاح على أوروبا والمزيد من الليبرالية وفتح باب المنافسات أمام مختلف الأنشطة، لأنها ستنعكس بشكل أساسي على السياحة إلى سويسرا ومجالات اقتصادية أخرى، حسب رأيهم.
وقال جوغوليمو برينتل رئيس الرابطة في كلمته أمام الصحفيين إن العاملين في قطاع الفندقة السويسري ينظرون إلى الفترة ما بين عامي 2007 – 2011، على أنها لمواجه تحديات اقتصادية هامة، ويجب أن تشهد تغيرات وصفها بالجوهرية لفائدة النظام الاقتصادي بشكل عام.
وأكد برينتل على أن قطاع السياحة على مستوى العالم يشهد تغييرا بوتيرة أسرع من تلك التي تشهدها مجالات اقتصادية أخرى، وهذا ما يتطلب رد فعل سريع للحفاظ على المكانة المتميزة التي وصلت إليها الفندقة السويسرية خلال تاريخها، وهذا لن يكون إلا بتفاعل الساسة ومختلف الدوائر الإقتصادية بشكل إيجابي مع تلك المتغيرات، لأن عجلة العولمة لا تنتظر أحدا، حسب قوله.
نجاح رغم الصعوبات
ويربط القطاع الفندقي النمو الاقتصادي لسويسرا بالحركة السياحية بشكل وثيق؛ فقد ارتفعت نسبة المبيت في الفنادق السويسرية في الفترة ما بين شهري يناير ونوفمبر 2006 بنسبة 5.8% مقارنة بما كانت عليه في عام 2005، بزيادة في عدد الضيوف الأجانب بنسبة 6.9% والسويسريين بنسبة 4.4%، فكلما زادت تعاملات سويسرا الخارجية كلما توافد عليها رجال الأعمال على اختلاف تخصصاتهم، فلابد للقطاع الفندقي أن يتواكب أيضا مع هذه الحركة.
ورغم هذا النجاح، فإن القطاع الفندقي يرى بأن مشكلة غلاء الأسعار في سويسرا تقف دائما مثل شبح يهدد هذا النجاح، ويقول برينتل إن الزائر يدرك بأنه يدفع في طعامه 60% أكثر مما يدفعه في الدول المجاورة، وعلاج هذه المشكلة هو العمل على تخفيض الأسعار والتخلص من جزيرة الغلاء التي نعيش فيها، حسب قوله.
وأكد على أن وجود 56% من نزلاء الفنادق السويسرية من الأجانب يعني أن هذه المقارنة بين الأسعار تأتي بشكل تلقائي، وإذا لم يلاحظ الزوار تخفيضا فإنه من السهل العثور على البديل، مما سينعكس سلبا على عائدات هذا القطاع.
وربما من المتناقضات التي أشارت إليها تقارير الفندقة السويسرية أن مشكلة الأسعار لا تمس الفنادق الفاخرة لأنها في نفس المستوى العالمي مع إضافة الخدمة السويسرية المتميزة، بل إنها تعتبر أرخص من الأسعار العالمية إذا ما تمت المقارنة بين الجودة والكفاءة، لكن الفنادق المتوسطة هي التي تعاني من تلك المشكلة، بينما تختفي في الفنادق البسيطة العادية.
ورغم هذا التفاوت الكبير في العلاقة التناسبية بين الجودة والأسعار، فقد استطاعت مناطق مختلفة تجاوز هذه الأزمات من خلال الباقات المتكاملة، التي يشرحها الخبراء بأنها تقديم سعر المبيت مع تذكرة قطار أو طائرة مع رسوم الدخول إلى متحف أو معرض أو فعالية ثقافية أو رياضية، وهنا يتحمل كل طرف نسبة معينة من التخفيض ليستفيد الجميع في النهاية، وثبت نجاح هذا الأسلوب على مدار العام.
تعاون جيد مع العالم العربي
من ناحيته قال المدير التنفيذي للرابطة كريستوف يون لسويس انفو، بأن نجاح الفندقة السويسرية لا يعني الاعتماد على السمعة الطيبة والشهرة فحسب، لأن الحفاظ عليهما أصعب من الوصول إليهما، وأن العاملين في قطاع الفندقة السويسرية يدركون هذا تماما، ولذا فإنهم يحرصون على أن يكون لهم صوت مسموع في كل جديد في هذا المجال، سواء تعلق الأمر بالتسويق أو الإدارة أو المبيعات، بجانب الناحية الفنية المعنية بالمأكولات والأنشطة ذات العلاقة.
ووصف يون طريق النجاح السويسري في هذا المجال بأنه “كان واقعيا وجادا منذ نشأته، وهو ما شجع على الاستمرار فيه، وساهم في جذب رؤوس أموال لشق الطرق الجبلية ومد شبكات السكك الحديدية إليه والمساهمة في البنية التحتية والتدريب المتواصل لوضع المعايير القياسية الجيدة التي صارت عالمية، فأصبحت مدرسة الفندقة السويسرية واحدة من أشهر 3 في العالم بأسره”، حسب قوله.
وعزز هذه المكانة السويسرية “أن التواصل مع دول العالم المختلفة المهتمة بهذا النشاط كان يتمتع بمميزات مختلفة، أهمها الحفاظ على المصداقية السويسرية والدقة والتجديد والابتكار”.
ويقول يون في حديثه مع سويس انفو: “إن التعاون مع العالم العربي جيد، وهناك اهتمام مشترك بين العاملين في هذا المجال لتبادل الخبرات والوقوف على آخر المستجدات، فالمنطقة العربية ثرية بالحضارة والثقافة، ويتوافد عليها العديد من السياح من كافة بقاع الأرض، ولذا فإن العمل الفندقي فيها له مميزاته الخاصة، التي نراعيها أيضا عند تأهيل وتدريب المهتمين بالعمل في هذا المجال”.
ويؤكد المدير التنفيذي للفندقة السويسرية هذا الاهتمام من خلال التعاون المشترك مع أطراف عربية أخرى أثمرت عن تأسيس مدرستين للفندقة بشراكة سويسرية عربية في كل من المملكة العربية السعودية وإمارة دبي.
ويتابع “يتعلم المهتمون بالعمل الفندقي في هاتين المدرستين جميع الأساسيات الهامة وفقا للمعايير السويسرية وبما يراعي أيضا خصوصيات المنطقة العربية الثقافية، وتتخرج منها الأيادي العاملة والكوادر الإدرابة لتغطية الاحتياجات في سوق الخليج العربي، أما المتميزون من الطلبة فيمكن استقدامهم إلى لوزان لاستكمال دراستهم التي تشمل في هذه الحالة التسويق والمبيعات والإدارة والترويج السياحي، يما يتماشى مع عالمية قطاع الفندقة في هذا العصر”.
وإذا كانت جميع القطاعات المهنية تشكو في سويسرا من نقص في الأيادي العامل المدربة جيدا، فإن الحل كما يراه يون “جاء من خلال الاتفاقيات الثنائية بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، والتي سمحت بحرية تنقل الأفراد للعمل، لذا نحصل على الطاقات البشرية التي نريدها من دول الجوار وأيضا من شرق القارة الأوروبية وهذا يحل لنا المشكلة”.
لا تكتفي الفندقة السويسرية بنجاحها في تحقيق أرباح جيدة والإفلات من الأزمات والتعايش مع كافة المتطلبات، وإنما يرى القائمون على هذه الصناعة أن نجاحهم يتمثل في وجود بصمة سويسرية على أوراق نجاح كل فندق مشهور حول العالم.
سويس انفو – تامر أبوالعينين – برن
تأسست في 11 فبراير 1882 بتحالف بين 65 فندقا واتخذت من العاصمة الفدرالية برن مقرا لها.
تضم اليوم 5800 عضوا، موزعة على الفئات التالية:
80 فندقا 5 نجوم
1400 فندق ما بين 4 و 3 نجوم
والبقية ما بين مطاعم مرتبطة بأعمال فندقية وأماكن مبيت متفرقة.
يقيم 80% من زوار سويسرا في الفنادق.
56% من نزلاء الفنادق في سويسرا من الأجانب.
تقدم الفنادق السويسرية حوالي 33 مليون ليلة مبيت في العام الواحد.
ينظر خبراء الإقتصاد أن مدخولات الفنادق السويسرية تثمل ثلث ارباح قطاع السياحة في البلاد،
مرت الفندقة السويسرية بمراحل مختلفة حيث بدأت أولا بالعمل في المناطق الجبلية السياحية، وساعدت الاستثمارات في البنية التحتية في توسيع هذا القطاع، ليتحول إلى قطاع اقتصادي هام.
ازدهرت الحركة الفندقية في فترة الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) وتوسعت في المدن الكبرى، ثم عانت من الأزمة الإقتصادية اثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها عادوت الإزدهار بعد الحرب لأنها الدولة الوحيدة في وسط أوروبا التي لم تتضرر من الحرب.
بعد الأربعينات، ساهم النمو الإقتصادي في زيادة الإقبال على سويسرا سواء للسياحة أو العمل، حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم عادت إلى الصعود مرة أخرى.
تمثل عائدات الفنادق السويسرية 3.1% ن الناتج القومي الخام وحققت مبيعات في عام 2006 وصلت إلى 8.4 مليار فرنك.
يوفر قطاع الفندقة ما بين 60000 و 80000 فرصة عمل ما بين دائمة وموسمية، من بين 240000 وظيفة يقدمها قطاع السياحة السويسري بشكل عام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.