الفن التشكيلي العراقي: من المُعاناة إلى المعجزة
يعرض الفنانان التشكيليان العراقيان فريد عبد الله الزبيدي ونبيل حسين كاظم في جنيف حتى 5 أغسطس أعمالهما وأعمال عدد من الفنانين المستقلين الأعضاء في جمعية "أفكار".
ويمثل المعرض المنظم من قبل مكتبة الزيتونة العربية بالاشتراك مع مركز دراسات العالم العربي والبحر الأبيض المتوسط، عينة من واقع الفن التشكيلي في عهد ما بعد نظام صدام.
بالاشتراك مع مركز دراسات العالم العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، تنظم المكتبة العربية “الزيتونة” حتى الخامس من أغسطس القادم معرضا للفنانين التشكيليين العراقيين، فريد عبد الله الزبيدي ونبيل حسين كاظم.
يحتوى المعرض على حوالي 40 لوحة لـ 17 فنانا تشكيليا ينتمون كلهم لجمعية “أفكار” التي توصف بأول جمعية مستقلة للفنانين التشكيليين بعد سقوط نظام صدام حسين. وهو ما عبر عنه الفنان فريد عبد الله الزبيدي بالقول “إنه حلم كل فنان رؤية أعماله تخرج عن حدود القطر وإعطاء صورة أخرى عن العراق”.
الفنان الزبيدي تخرج من معهد الفنون الجميلة في بغداد سنة 1985. وترك العمل الفني ليعمل سائق سيارة أجرة على غرار الكثير من الفنانين الذين لم يكن أمامهم خيار سوى قبول أن يصبح فنان النظام أو أن يدخل في خلاف معه. وبعد سقوط نظام صدام حسين، عاد إلى العمل الفني مع مجموعة من زملائه وكان من بين مؤسسي جمعية “أفكار” للفنون التشكيلية.
ونظمت هذه الجمعية المستقلة الشابة أول معرض لها للتعبير عن معارضتها للإرهاب وللتنديد بمقتل مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان سيرجيو فيرا دي ميللو الذي سقط في تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد في 19 أغسطس عام 2003. وتلت تلك التظاهرة العديد من المعارض داخل البلاد، وأربعة معارض في فرنسا افتتح آخرها يوم 11 يوليو في باريس.
الفنان نبيل حسين أيضا من خريجي معهد الفنون الجميلة في عام 1985. وقد زاول الفن منذ تخرجه في فترات قصيرة جدا لظروف خاصة. وسبق أن عرض أعماله في عمان، وهذه هي المرة الأولى التي يعرضان فيها في سويسرا عموما وجنيف بالخصوص.
جولة عبر اللوحات
اللوحات المعروضة في جنيف للفنانين العراقيين هي نتاج عدة مدارس كما يوضح الفنان نبيل حسين “التعبيرية، والرمزية، والواقعية، والأكاديمية، والسريالية. وتوجد حتى التجريدية وهناك أعمال أيضا من المدرسة البغدادية القائمة على أساس “الأبستراكت” والمتأثرة بالفنان المرحوم جواد سليم”.
وفي شرحه لأعماله المعروضة والتي تمثل سيدات عراقيات بأزيائهن التقليدية، إما جالسات او يزاولن بعض الأعمال إما في الحقول أو الصيد في الأهوار، يقول الفنان فريد عبد الله الزبيدي “إنها لوحة الحفافة او صائدة السمك، وهي مشاهد واقعية من التراث التقليدي العراقي استخدمت فيها تقنية خاصة لإدخال عنصر الحداثة والتطوير ولإثارة بعض التساؤلات”.
وفي لوحة أخرى تعرض الفنان الزبيدي إلى موضوع الحرية وجسد ذلك بجسم نصف عار لفتاة ملونة وهي تقوم بحركات تعبر عن الحرية.
أما نبيل حسين، فقد استوقفنا أمام لوحات تستعمل تقنية حديثة باستخدام خامة جديدة تجسد إحداها تمثال “غوديا” من الحضارة السومرية، ثم لوحة ثانية تجسد المرأة العراقية وحولها بقع حمراء يفسرها أنها المشاكل التي يعاني منها عراق اليوم. وعلى امتداد نظرات هذه المرأة العراقية يمتد أفق أخضر يُمثل الأمل والحياة في غد أفضل كما يقول الفنان نبيل حسين.
ومن أعمال الفنانين غير الحاضرين، استوقفتنا لوحات الفنان مؤيد محسن، ليس فقط بما تعرضه من تعابير ليست المرأة غائبة عنها، بل لأنه يتناول موضوع سرقة ونهب آثار العراق القديمة منذ الغزو. وعن هذا الموضوع يقول الفنان نبيل حسين “إن اللوحة المعروضة تمثل لعنة التنقيب وكيف حولت هذه الفتاة التي كانت تقوم بعملية التنقيب إلى ثمثال مهشم”.
التزام خاص
من يزور معرض الفن التشكيلي في مكتبة “الزيتونة” العربية بجنيف، بلوحاته التي يطغى عليها العنصر النسائي بأزياء وعادات تقليدية من بوادي العراق، أو بملامح إفريقية أو أوربية، أو تلك التي تعكس أصالة الجياد العربية، يبدو له أنها تعبير عن واقع فنان عراقي مرتاح نفسيا رغم ما يعرفه العراق اليوم من مآسي وويلات ودمار وعدم استقرار.
ويقول الفنان نبيل حسين عن هذا الانطباع “إن العديد من زوار المعرض طرحوا هذا السؤال”. وفي حديث خص به سويس إنفو رفقة الفنان فريد عبد الله الزبيدي أضاف الفنان حسين “إن العكس هو الصحيح، أي أن هذه اللوحات هي عصارة عمل في درجة حرارة ستين تحت الظل، وسط انقطاع التيار الكهربائي، إضافة إلى الوضع الأمني”. واستطرد قائلا: “إن المعاناة أحيانا تصنع من الفنان معجزة”.
ونوه الفنان نبيل حسين بهذا الشأن إلى أن واقع العراق اليوم يفرض التزاما خاصا، إذ تجند هو ومجموعته من الفنانين لتقديم يد المساعدة لدور الأيتام والمشردين والمعاقين بتعليم الشباب المقيم في تلك الدور أسس الفن التشكيلي، ومحاولة صقل مواهبهم الفنية والتخفيف عنهم عبر شغلهم بفن الرسم.
ولئن عبر الفنانان عن سعادتهما لما تمتع به الفنانون العراقيون منذ سقوط النظام السابق من انفراج في ممارسة فنهم بمزيد من الحرية، فقد أجمعا على القول أن الوضع الأمني والفوضى السائدة يحولان دون تمتعهم بكامل هذه الحرية من خلال الحد من تنقلاتهم ومن اتصالهم بواقع المجتمع الذي يعتبر مصدر إلهامهم اليومي.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.