القانون قبل القوة!
جددت سويسرا على لسان رئيسها السيد باسكال كوشبان تمسكها بالموقف الذي عبرت عنه منذ شهر أكتوبر الماضي بخصوص العراق.
في المقابل، أعلن كلود شواب رئيس ومؤسس منتدى دافوس أن لقاء سيُعقد بين السيدة كالمي – راي ونظيرها الأمريكي كولن باول في دافوس قبل موفى الشهر الجاري.
لم تستمر الزوبعة التي أثارتها التسريبات الصحفية عن وزارة الخارجية أكثر من يوم واحد. فقد أعلن كلود شواب رئيس ومؤسس منتدى دافوس ظهر يوم الثلاثاء أنه من المنتظر أن يتم ترتيب لقاء بين وزيرة الخارجية السيدة ميشلين كالمي – راي ونظيرها الأمريكي السيد كولن باول الذي تأكدت مشاركته في أشغال المنتدى الإقتصادي العالمي في الأسبوع الأخير من شهر يناير الجاري.
في المقابل، جددت سويسرا على لسان رئيسها السيد باسكال كوشبان تمسكها بالموقف الذي عبرت عنه منذ شهر أكتوبر الماضي بخصوص العراق والداعي إلى إعلاء القانون على القوة واستنفاذ جميع الوسائل السلمية قبل شن حرب على العراق.
هذا التأكيد “الديبلوماسي” والواضح على تمسك سويسرا بعلوية القانون على القوة جاء متزامنا مع الجدل السياسي العنيف الذي اندلع في نفس اليوم بين أحزاب اليمين (الموصوفة في سويسرا بالبورجوازية) والحزب الإشتراكي الذي تنتمي إليه وزيرة الخارجية ميشلين كالمي-راي.
موقف سويسري واضح
بدون سابق إنذار، تحول مستقبل الأوضاع في العراق إلى محور الإهتمام الإعلامي والديبلوماسي في العاصمة الفدرالية يوم الإثنين. ففي مناسبة تلقي رئيس الكونفدرالية التهاني التقليدية بحلول العام الجديد من طرف السلك الديبلوماسي المعتمد في برن، حرص السيد باسكال كوشبان على توضيح الموقف السويسري من مخاطر نشوب حرب في العراق.
كما قال “إن سويسرا تشدد على ضرورة اتباع جميع الإجراءات التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة” مضيفا بأنه لا مفر من “التوجه إلى مجلس الأمن إذا ما تم التفكير في استعمال القوة” حسب تعبيره.
ودعا الرئيس السويسري إلى استعمال جميع الوسائل السلمية من أجل حل الأزمة العراقية مؤكدا على “أن اللجوء إلى القوة يظل خيارا أخيرا بعد استنفاد جميع وسائل الإقناع الأخرى” مذكرا في الوقت نفسه بأن نهاية الحرب الباردة دشنت “عهدا جديدا يتيح الأمل بأن قاعدة القانون تفرض نفسها كلما كان ذلك ممكنا” حسب ما جاء في نص الخطاب الذي ألقاه أمام السفراء الأجانب في القصر الفدرالي.
هجوم اليمين
فعلى إثر نشر صحف الأحد الأسبوعية أنباء مؤكدة عن اعتزام وزيرة الخارجية السويسرية الجديدة عدم التحول إلى دافوس لحضور أشغال الدورة الثالثة والثلاثين للمنتدى الإقتصادي العالمي (من 23 إلى 28 يناير الجاري) إذا لم يقترن ذلك بإمكانية لقاءها بوزير الخارجية الأمريكي وإبلاغه موقف سويسرا الرافض لشن حرب ضد العراق، وجهت شخصيات سياسية نافذة انتقادات لاذعة للوزيرة.
النائب الراديكالي البارز كلود فراي اعتبر أنه “من الخطأ ترك مهمة تحديد أجندة الوزير السويسري للشؤون الخارجية لآخرين” وانتقد بشدة موقف الوزيرة الذي يحول بقية وزراء الخارجية المشاركين في منتدى دافوس إلى “شيء لا وزن له”.
الديموقراطيون المسيحيون وأعضاء حزب الشعب السويسري زادوا من حدة الإنتقاد ووصفوا القرار بـ “المخطئ وغير الموفق” لأنه يحرم وزيرة الخارجية من اتصالات ثمينة كما أنه “لا يخدم مصالح سويسرا” حسب رأيهم.
وذهب بيان صادر عن الحزب الراديكالي الشريك الرئيسي في الإئتلاف الحكومي إلى حد تذكير الوزيرة بأن “الدفاع عن مصالح سويسرا يدخل ضمن أهم واجباتها لذلك فان تطوير شبكة من العلاقات الدولية (مثلما هو الحال في دافوس) يمثل جزءا لا ينفصل من هذه المهمة” حسب تقديره.
ويرى الراديكاليون أن الشرط الذي وضعته السيدة كالمي-راي للتحول إلى دافوس يمثل “خطأ اتصاليا”، بل إن الإعلان عن الرغبة في الإلتقاء بمحاور أجنبي من أجل إبلاغه رأيها فحسب يمثل “انتهاكا لسياسة الحياد السويسرية” حسب رأيهم.
أما حزب الشعب السويسري (يمين قومي) فقد اعتبر أن موقف السيدة كالمي-راي اتسم بالتعجل والهواية وذكر متحدث باسمه أن “العالم لا يقتصر على الولايات المتحدة فحسب”. وهو نفس الإنتقاد الذي وجهه الحزب الديموقراطي المسيحي لتركيز الوزيرة الجديدة على بلد واحد وهو “ما يمكن أن يكون له أثر سلبي على سويسرا”.
تضامن الحزب الإشتراكي
وعلى الرغم من أن توجيه مثل هذا السيل من الإنتقادات السياسية لوزيرة جديدة ليس أمرا معهودا في سويسرا، إلا أن معظم وسائل الإعلام اعتبرت أن الأمر لا يعدو سوى “قلة خبرة” من جانب السيدة ميشلين كالمي-راي التي لم تستوعب بعد آليات الإتصال والإعلام في العاصمة الفدرالية في ظل عدم تمكنها إلى حد الآن تشكيل فريق العمل الخاص بها.
وفيما أيد الحزب الإشتراكي بقوة موقف وزيرة الخارجية معتبرا أنه “ليس من مهامها التحول إلى دافوس لمجرد حضور حفلات الإستقبال”، طالب متحدث باسم الحزب الحكومة الفدرالية باتخاذ “موقف واضح من الخطط الحربية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق”.
ومع إعلان السيد كلود شواب رئيس ومؤسس منتدى دافوس إثر لقائه بالسفير الأمريكي في جنيف بعد ظهر الثلاثاء عن وجود إمكانية لعقد لقاء بين وزيرة الخارجية السويسرية ونظيرها الأمريكي على هامش منتدى دافوس، يبدو أن السيدة كالمي راي التي تستعد لفرض أسلوب جديد في ممارسة السياسة في سويسرا قد كسبت أول “معركة” لها في برن.
وفيما يرى المراقبون أن ردة فعل الأحزاب اليمينية المتشنجة قد تكون ناجمة عن دخول الأطراف السياسية سنة انتخابية بامتياز حيث تنتظم الإنتخابات البرلمانية في شهر أكتوبر القادم، اعتبرت الصحف الروماندية (الناطقة بالفرنسية) أن تمسك الوزيرة بابلاغ انتقاداتها للتوجهات الحربية الأمريكية إلى السيد كولن باول شخصيا سيلقى تأييدا شعبيا “يتجاوز أوساط الناخبين المؤيدين للإشتراكيين بكثير”.
كمال الضيف – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.