القذافي يؤدي قريبا أول زيارة له لفرنسا
ستكون الزيارة الرسمية، التي يعتزم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أداءها إلى فرنسا في غضون الأسابيع المقبلة، مناسبة لتكريس صفقة ضخمة لشراء أسلحة وإقامة شراكة جديدة مع الإتحاد الأوروبي.
ويطمح ساركوزي في لقائه الثاني مع القذافي منذ وصوله إلى سدة الرئاسة في مايو الماضي، إلى جعل المجموعات النفطية والصناعية الفرنسية تحتل المرتبة الأولى في ليبيا، مُتقدمة على نظيراتها الأمريكية.
عندما يصل القذافي إلى باريس في موفى شهر نوفمبر أو في غضون شهر ديسمبر المقبل، يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عاد من زيارة هامة إلى الولايات المتحدة مُقررة ليومي 6 و7 من الشهر نفسه، والأرجح أن الزيارة الأولى للبيت الأبيض ستسمح له بطرح قضايا أساسية بالنسبة لفرنسا مع بوش، من بينها التنافس القائم على النفوذ في المغرب العربي وإفريقيا عموما، فعلى رغم التحالف الجديد الذي قرب المسافات بين باريس وواشنطن، لا زالت المصالح تُباعد بينهما.
ويطمح ساركوزي في لقائه الثاني مع القذافي منذ وصوله إلى سدة الرئاسة في مايو الماضي، إلى جعل المجموعات النفطية والصناعية الفرنسية تحتل المرتبة الأولى في ليبيا، مُتقدمة على نظيراتها الأمريكية، ولا يقتصر هذا السباق على قطاع النفط، حيث حمي وطيس المنافسة بين شركات الطرفين، وإنما يشمل أيضا التجارة والمصارف والمقاولات والنقل.
ومن علاماته، فوز بنك «بي إن بي باريبا» الباريسي مؤخرا بصفقة خوصصة 19% من «بنك صحارى» الليبي، في أول عملية خوصصة من نوعها في ليبيا، وسيتولى البنك الفرنسي بموجب اتِّـفاق مع البنك المركزي، إدارة المصرف الليبي وتحديث شبكته المؤلفة من 48 فرعاً في ليبيا.
لكن الأهم من ذلك بالنسبة لباريس، هو الإطمئنان على السير المُـرضي للصفقة العسكرية الضخمة التي توصّـل ساركوزي لاتفاق بشأنها مع القذافي خلال زيارته لطرابلس في يوليو الماضي، والرامية لشراء طائرات عسكرية ومدنية وخافرات سواحل وأجهزة رادار، وشملت الصفقة تحديث 30 طائرة حربية من طراز ميراج إف1 كانت اشترتها ليبيا من فرنسا قبل فرض حظر على تصدير الأسلحة إليها، وتُراوح قيمة الصفقة التي تتولى متابعتها كل من “أستراك” و”داسو للطيران”، بين 10 و20 مليون يورو لكل طائرة، بحسب مستوى التجديد الذي سيطلبه الجانب الليبي.
وتتميز هذه الفئة من الطائرات بكونها مجهزة بصواريخ جَـو جَـو من طراز “ماجيك”، كذلك تعمل مجموعة “إيدس” EADS)) للتصنيع الحربي على تجهيز ليبيا بنظام رادار لمراقبة الحدود والمواقع النفطية.
ولم تقتصر خطة التحديث العسكرية الليبية على القوات الجوية، وإنما شملت الدفاعات البحرية أيضا، إذ وقعت ليبيا بالأحرف الأولى في يوليو الماضي على صفقة مع شركتي “تيليس” (Thales) و”المنشآت الميكانيكية” في مقاطعة نورماندي (شمال فرنسا) لبناء ست خافرات سواحل مجهزة بالصوايخ الفرنسية – الإيطالية “أوتومات” بقيمة 400 مليون يورو، فيما توصلت مجموعة “إيدس” إلى اتفاق مع مؤسسة “ليبيا أفريكا بورتوفوليو” لإقامة مركز للتدريب والصيانة في مجال الطيران الحربي.
طيران حربي و… مدني
ويسعى الفرنسيون للحصول على حصّـة رئيسية من المشاريع العسكرية الكبيرة، التي تخطط لها ليبيا للمرحلة المقبلة والتي قدّروا موازنتها الإجمالية بنحو 20 مليار دولار.
وأعطت الحكومة الفرنسية، التي تأمل الحصول على حصة لا تقِـل عن عشرين في المائة من الصفقات العسكرية الليبية، موافقتها على بيع طائرات جديدة من طرازي “رافال” و”تيغر” لليبيا، لكنها اشترطت أن تمر الصفقات من خلال اللجان الوزارية المشتركة المكلفة “بدراسة تصدير العتاد الحربي”.
ويعتبر الفرنسيون أنهم تأخروا في قطف ثمار المتغيرات المتمثلة برفع الحظر على تصدير السلاح على ليبيا منذ سنتين، وهم يعملون لكسب الوقت الضائع من خلال التركيز على السوق الليبية.
وفي سياق متصل، توصلت مجموعة “إيدس” EADS إلى اتفاق مبدئي مع الخطوط الليبية (الإفريقية) يخُـص شراء 14 طائرة من طرازي إيرباص أ319 وإيرباص أ320، وست طائرات أخرى من طراز إيرباص أ330، وتقدر قيمة هذه الصفقة بـ 1.7 بليون دولار، وتعتبر هذه الصفقة الأكبر التي حصدتها المجموعة الفرنسية منذ ثلاثين عاما.
وتدل هذه التطورات المتسارعة على تحوّل جذري في العلاقات الليبية – الفرنسية، وخاصة إذا ما تذكرنا الحملة العاصفة التي استقبل بها الإعلام الليبي التصريحات الأولى لساركوزي بعد إعلان فوزه بالرئاسة بسبب الموقف المتشدد الذي أعلنه من مشكلة الممرضات البلغاريات المسجونات في ليبيا، على إثر اتهامهن بحقن دماء ملوثة لأطفال ليبيين في مستشفى بنغازي. وشنت الصحف الليبية هجوما حادا على ساركوزي بعد الكلمة التي ألقاها فور إعلان نتائج الإنتخابات، مُعتبرة أنه “ما كان ينبغي عليه أن يحشر أنفه في قضية الممرضات البلغاريات”، فيما رأت صحيفة “الشمس” في ذلك الوقت أن دماء الأطفال الليبيين “ليست سلعة انتخابية”.
وكان ساركوزي جادا في تعهّـده بأن لا تتخلى باريس عن الممرضات البلغاريات، وهو ما أكَّـدته الوساطة التي قامت بها لاحقا زوجته السابقة سيسيليا، رفقة مفوضة العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي بنيتا فريرو فالدنر، والتي أدّت إلى إطلاقهن وعودتهن إلى بلغاريا.
غير أن القذافي لم يوافق على الصفقة التي عرضتها عليه الوسيطتان الفرنسية والأوروبية إلا بعد الحصول على ضمانات بغلق ملف “لوكربي” نهائيا وإطلاق ضابط المخابرات الليبي عبد الباسط علي المقرحي المسجون في اسكتلندا.
مقايضة “مزدوجة”
وفي معلومات مصادر مطَّـلعة على المِـلف أن الاتفاق تضمن مسافة زمنية بين الخطوتين على نحو يسمح بإيجاد إخراج قانوني للمقايضة. وفعلا، ما أن عادت البلغاريات والطبيب الفلسطيني إلى صوفيا، حتى انطلقت الآلة القانونية لترتيب مخرج يُؤمن الإفراج عن المقرحي. وسرعان ما أقرت لجنة مراجعات جنائية في اسكتلندا بحقه في الإستئناف (بعد أن كانت رفضته)، ثم نظرت محكمة الإستئناف بالفعل يوم 11 أكتوبر الجاري في قضيته.
والأكيد أن هذا المسار سيؤدّي إلى إطلاق المقرحي انسجاما مع الرغبة الليبية، والمؤشرات على ذلك عديدة، من بينها أن الخبير القضائي روبرت بلاك، الذي صاغ الآلية القانونية لتكييف نقل المحكمة بقضاة اسكتلنديين إلى هولندا، أكد أن المُدان في القضية (أي المقرحي) بريء وأن الأدلة لا تبيِّـن أن له أي صلة بتفجير لوكربي”، ويعمل بلاك أستاذا في القانون في جامعة أدنبرة.
كما أن الخبير القضائي هانز بيرينبوم، الذي عيَّـنه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان لمتابعة القضية، أكد أيضا أن المحكمة ستُلغي الحكم الصادر على المقرحي وستُقرر أن العدالة ارتكبت خطأ، عندما اعتمدت على شهادة التاجر المالطي لإدانة المقرحي.
أكثر من ذلك، قال جيم سوير، رئيس رابطة عائلات الضحايا الذي قُتلت ابنته في الحادثة، إنه واثق من الشواهد الجديدة التي تُبرّئ المقرحي، والتي قال إنها ستساعد على إخلاء سبيله.
لكن يبدو أن أجهزة المخابرات الغربية كانت واثقة من براءة الضابط الليبي منذ البداية وأن العملية رُتبت لحمل ليبيا على التخلي عن تِـرسانتها من الأسلحة غير التقليدية والخضوع للشروط الأمريكية في شأن تغيير خطها العربي والدولي المُشاكس، وليس أدل على ذلك من أن إسرائيل كانت تعتبر ليبيا بريئة منذ البداية. كما أن صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، التي كانت واثقة من براءة المقرحي، تحدثت مؤخرا عن “خروقات هامة للعدالة” في محاكمته وتوقعت إطلاقه قريبا.
والجدير بالذكر أن أرييل شارون قال في مدريد بعد سبعة أسابيع من وقوع الحادثة (وكان آنذاك وزيرا للتجارة)، إن إسرائيل “تعتقد أن (منفذ العملية هو) أحمد جبريل”، في إشارة إلى الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة القريبة من إيران.
وفي هذا السياق، ذكَرت “جيروزاليم بوست” أخيرا، بأن تفجير لوكربي جاء بعد إقدام الولايات المتحدة على إسقاط طائرة مدنية إيرانية وتوعُّـد إيران بالثأر للحادثة، لكن ظروف المواجهة مع صدّام حسين خلال حرب الخليج الثانية في عام 1991 جعلت الأمريكيين يغضُّـون الطرف عن دور طهران في إطار محاولة تحييد سوريا وإيران المُعاديتين لصدّام حسين، ويلصقون التهمة بليبيا التي سُلِّـطت عليها عقوبات دولية، اعتبارا من سنة 1992.
من هذه الزاوية، ستكون زيارة القذافي لباريس تكريسا واضحا لتنفيذ المقايضة المزدوجة، القائمة أولا على تبرئة ليبيا وغلق ملف “لوكربي” من جهة، والتطبيع الكامل للعلاقات الليبية – الأوروبية والليبية – الغربية عموما من جهة ثانية.
اتحاد متوسطي
ومادام القذافي هو أول زعيم مغاربي يلتقيه ساركوزي، بعد إطلاق الأخير من المغرب دعوته لقمة متوسطية في باريس في يونيو 2008، فسيُخصصان بالتأكيد قِـسما مُـهمًّـا من المحادثات لمناقشة هذا الملف، خصوصا أن ليبيا لم تكن مشاركة في المسار الأورو متوسطي، بسبب العقوبات الدولية التي فرضت عليها طيلة نحو عشر سنوات.
وستلعب فرنسا، التي تتسلَّـم رئاسة الإتحاد الأوروبي من البرتغال مطلع العام المقبل دورا جوهريا في وضع أسس العلاقة الجديدة بين ليبيا والإتحاد، وكانت مفوضة العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي بنيتا فريرو فالدنر توصلت إلى اتفاق مع وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلغم على إقامة علاقات متطوّرة بين طرابلس الغرب وبروكسل، وتم التوقيع على الإتفاق في ختام مهمَّـة الوساطة التي قامت بها فالدنر مع طليقة الرئيس الفرنسي سيسيليا ساركوزي في يوليو الماضي.
وبناء على هذه التطورات المُرتقبة في العلاقات الفرنسية الليبية، ستشهد الاتصالات بين ساركوزي والقذافي نسقا أكبر في الفترة المقبلة، خاصة أن الإتصالات الهاتفية بينهما على سبيل المثال، كانت الأكثر عددا قياسا على باقي الزعماء المغاربيين منذ مجيء ساركوزي إلى الرئاسة.
وفي هذا السياق، رجحت مصادر فرنسية أن يحضر القذافي الإجتماع المتوسطي، الذي دعا له الرئيس الفرنسي في يونيو المقبل، لاسيما أنه أظهر إقبالا على اللقاءات المتوسطية (مثل قمة 5 + 5، التي حرص على حضورها في تونس في ديسمبر 2003)، أكثر من حرصه على حضور القمم العربية التي اعتبرها دوما مضيعة للوقت وتعاطى معها بكثير من السخرية والإستخفاف.
تونس – رشيد خشانة
باريس (رويترز) – قال مسؤول حكومي فرنسي يوم الاحد 28 أكتوبر 2007 ان الزعيم الليبي معمر القذافي يستعد للقيام بزيارة رسمية لفرنسا وهي أول زيارة من نوعها لباريس يقوم بها منذ أكثر من 30 عاما.
وذكرت صحيفة لو جورنال دي ديمانش الفرنسية في وقت سابق يوم الأحد ان الزيارة ستتم في ديسمبر كانون الاول. ونقلت عن مصدر دبلوماسي قوله ان الزيارة ستتم قبل أو بعد القمة الاوروبية الافريقية التي تعقد في لشبونة في الثامن والتاسع من ديسمبر كانون الاول.
وأكد مكتب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انه يجري الترتيب لزيارة لكنه لم يذكر موعدا محددا.
وقال مسؤول حكومي “ذهب رئيس الجمهورية الى ليبيا في يوليو ولهذا فمن الطبيعي تماما ان يفعل الزعيم الليبي الشيء ذاته.”
ووقع ساركوزي خلال زيارته لليبيا على اتفاق دفاعي ومذكرة تفاهم بشأن اتفاق للطاقة النووية.
وبعد ذلك بأيام اعلنت الحكومة الفرنسية أن ليبيا ستشتري صواريخ مضادة للدبابات وأنظمة اتصال لاسلكية من شركة صناعات الطيران والمعدات الدفاعية الاوروبية.
ونفت الحكومة الفرنسية مزاعم أن اتفاق الاسلحة عقد مقابل اطلاق سراح مجموعة من العاملين الطبيين الاجانب بعد احتجازهم ثماني سنوات والحكم عليهم بالاعدام بتهمة نقل عدوى الفيروس المسبب لمرض الايدز لاطفال ليبيين. وافرج عن المجموعة قبل ساعات من وصول ساركوزي الى ليبيا.
وكان ساركوزي قد أوفد زوجته انذاك سيسيليا في مهمتين الى ليبيا للسعي لاطلاق سراحهم الامر الذي اثار حفيظة مسؤولين في الاتحاد الاوروبي شعروا بانه يتجاهل الجهود التي يبذلونها في التفاوض مع ليبيا. وغادرت المجموعة ليبيا مع سيسيليا على متن طائرة رئاسية فرنسية.
وتمثل ليبيا سوقا مبشرة بالنسبة لكثير من الدول الغربية وقالت صحيفة لو جورنال دي ديمانش انه قد يتم التوقيع خلال زيارة القذافي على صفقات تجارية مهمة. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير قد كشف النقاب عن اتفاق للغاز بين شركة النفط البريطانية بي بي وليبيا في مايو ايار.
وقالت الصحيفة ان فرنسا قد تحاول ابرام اتفاق لصيانة 15 طائرة من طراز ميراج اف 1 تستخدمها حاليا القوات الجوية الليبية بالاضافة الى محاولة بيع ليبيا طائرات مقاتلة من طراز رافال. وتصنع الطرازين مجموعة داسو الفرنسية لصناعات الطيران.
واضافت ان ليبيا وفرنسا قد تحاولان أيضا عقد اتفاقات في مجالي الطاقة النووية ومعالجة المياه. وأضافت أن شراء ليبيا حصصا في شركات فرنسية رائدة قد يكون أيضا من الخيارات محل البحث.
وفي وقت سابق من هذا الشهر انتخبت ليبيا مع اربع دول أخرى لعضوية مجلس الامن الدولي لمدة عامين.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 أكتوبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.