“القذافي يستعد لتسليم الحكم لنجله في 2009”
كرّست الاحتفالات السنوية بذكرى وصول العقيد القذافي إلى سدّة الحكم بداية نقل السلطة إلى نجله سيف الإسلام، وجعلت طريق التحالف مع أمريكا سالكة.
وكان سيف الإٍسلام، النّـجل الأكبر للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، قد أطلق في 20 أغسطس 2006 تصريحات نارية في ملتقى شبابي نادَى فيها بإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية على النظام الذي أقامه والده وصلت حدّ انتقاد النظام “الجماهيري”.
في 20 أغسطس 2006، أطلق سيف الإسلام، النّـجل الأكبر للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، تصريحات نارية في ملتقى شبابي نادَى فيها بإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية على النظام الذي أقامه والده، وصلت حدّ انتقاد النظام “الجماهيري”، الذي أرساه اعتبارا من سنة 1977 وجعل كتابه الأخضر الشهير دستوره الوحيد.
لكن الوالد مسَـح كل العِـبارات التي رسمها الإبن بعد عشرة أيام في الخطاب الذي ألقاه في ذكرى “ثورة الفاتح”، فتوارى سيف الإسلام من المسرح السياسي أشهرا.
أما في هذه السنة، فأعلن سيف الإسلام مُجدّدا عن الإصلاحات مُركِّـزا على ضرورة سَـنِّ دستور وفصْـل السلطات المالية (البنك المركزي) والقضائية (المحكمة العليا) عن السلطة التنفيذية، من دون أن يتعرّض لموضوع التعددية السياسية وإطلاق الحريات.
ولم يُكذب القذافي الأب في خِـطابه التقليدي تصريحات ابنه هذه المرة، وإنما أعطاه فُـسحة لم يمنحه إياها في الماضي، وهي تمثيله في تدشين مشاريع ضخمة بمناسبة ذكرى الأول من سبتمبر، أهمها خزان المياه “عمر المختار” في بنغازي والمطار الجديد، الذي سيتَّـسع لخمسة ملايين مُـسافر سنويا.
“الوريث الشرعي والوحيد”
وبدا سيف الإسلام في الأسابيع الأخيرة، وخاصة بعد إطلاق فضائيته “الليبية” وصحيفتين تصدُران عن مؤسسة “الغد” التابعة للمؤسسة التي يرأسها، الوريث الشرعي والوحيد لوالده، بعدما حسم العقيد القذافي موضوع الخلافة، على ما يبدو لصالح ابنه البكر.
ولاشك أن الولايات المتحدة والعواصم الغربية المؤثرة شجَّـعته على هذا الخيار، لكونها ترتاح للإبن الذي قاد معها مفاوضات أدّت إلى تسوية الملفات الشائكة التي كانت تحُـول دون إدماج ليبيا في المنظومة الدولية، وخاصة ملف لوكربي وملف طائرة “يو تي آي” الفرنسية وقضية الممرضات البلغاريات.
ودلت الطريقة التي يُـدير بها سيف الإسلام الإعداد لدستور جديد لليبيا، على أنه شرع في وضع الإطار العام لنِـظامه بمعرفة والده وبتزكية منه، إذ جمع عددا من الخبراء القانونيين والأجانب لصوغ وثيقة الدستور، التي ستُراعي عدم الاقتراب من أربعة “مُحرمات” لم يتوان نجل الزعيم الليبي عن كشفها، وهي الشريعة الإسلامية وزعامة القذافي والاستقرار والأمن ونبذ المناطقية والطائفية (أي وحدة ليبيا الترابية والثقافية).
ويُؤشر كل ذلك على تقدّم الإبن على جَـبهات مُـتوازية، دستورية واقتصادية وإعلامية، نحو كرسي الحكم والدور المحوري الذي بات يلعبه، إذ أن رئيس الوزراء وكبار المسؤولين يجلِـسون خلفه ويسيرون وراءه في المناسبات الرسمية على انعطاف نحو التمكين التدريجي.
ويُرجح خبراء في الشؤون الليبية أن العقيد القذافي (65 عاما) المُنهك بسبب أسلوب حياته الخاص وكثرة سفراته، بالإضافة لتعرّضه لمحاولات اغتيال عديدة، يعتزِم تسليم الحُـكم لنجله سيف الإسلام (36 عاما) في أفق 2009، السنة التي تصادِف مرور أربعين عاما على جلوسه على عرش ليبيا.
وخلال المرحلة الانتقالية، يسعى الخليفة المُعيَّـن إلى حشد الدعم الداخلي من خلال زياراته المتكرّرة للمنطقة الشرقية وعاصمتها بنغازي، المعروفة بكونها خزّان المعارضة السياسية للحكم الحالي، إذ شهِـدت عدّة مظاهرات وانتفاضات على مدى العقود الماضية، بالإضافة لأنها شكَّـلت مسرحا للمواجهات التي دارت خلال فترة طويلة مع المعارضة الإسلامية المسلحة.
وفي هذه السنة، كما في السنة الماضية، أقام سيف الإسلام لقاءات كبيرة مع الشباب الذين يُجلَـبون بعشرات الآلاف من مناطق مختلفة لسماع خطابه “الإصلاحي” في 20 أغسطس. كما أنه يحتاج في هذه المرحلة الانتقالية أيضا إلى دعم خارجي، خصوصا من الولايات المتحدة، التي تبدو مُـرتاحة لمُـقايضة إقامة تحالُـف مُميَّـز معها بتزكية توريث السُّـلطة للإبن، والصَّـمت على ملف الحريات والديمقراطية.
ويبدو أن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، التي سبق لسيف الإسلام أن أعلن منذ السنة الماضية أنها ستزور بلده قبل نهاية العام، لكنها لم تفعل في انتظار انجلاء الصورة، أصبحت ترى أن الوقت صار مناسبا اليوم لأداء الزيارة. وجاء التأكيد هذه المرة على لسان مساعدها ديفيد وولش بمناسبة الزيارة التي أدّاها إلى ليبيا مؤخرا، والأرجح، أن الزيارة ستكون في شهر ديسمبر. وآخر الخطوات التي مُـهَّـدت لهذا الانعطاف، هي تعيين جين كريتز، سفيرا جديدا في طرابلس.
غير أن علاقات القذافي الأب مع الأمريكيين لا زالت متقلِّـبة، رغم التطبيع الكامل، وتجلَّـى ذلك من خلال رفضِـه استقبال مُـساعدي رايس جون نغروبونتي ثم ديفيد وولش مؤخرا.
وكان القذافي أصيب بخيبة أمل من الأمريكيين منذ أواسط السنة الماضية لما تلكَّـؤوا في الاستجابة لرغبته بالحُـصول على تكنولوجيا نووية متطوّرة لإنشاء مفاعل لأغراض سلمية، وعندما لقي تجاوبا لدى الفرنسيين (الذين استثمروا المخاتلة الأمريكية)، استقبل رئيسهم ساركوزي بحفاوة غير مسبوقة في 25 يوليو الماضي ومنحه صفقات عسكرية واقتصادية مُجزية.
صعوبات مع الكونغرس
وواجه الرئيس بوش من ناحيته صعوبات للحصول على موافقة الكونغرس على تعيين السفير الجديد في ليبيا، الذي سماه في 11 مايو الماضي، على رغم معاودة فتح السفارة الأمريكية منذ العام الماضي (بعدما ظلت مُقفلة منذ سنة 1980). وتمثلت العقبة الرئيسية فيما يعتبره الأمريكيون تراخي ليبيا في صرف التعويضات لـ 270 أسْـرة من ضحايا حادثة تفجير طائرة مدنية تابعة لشركة “بان أمريكان” فوق لوكربي في سنة 1988. وكان السفير جين كريتز المُعيَّـن في ليبيا للمرة الأولى منذ 35 عاما، يشغل منصب نائب رئيس البعثة في السفارة الأمريكية في تل أبيب، ولا زالت هناك خِـلافات بين الجانبين بشأن تقدير المبلغ النهائي للتعويضات التي ستُدفع لأسَـر الضحايا، وكذلك تقدير الخسائر الليبية نتيجة الغارات الأمريكية على بنغازي وطرابلس الغرب في أعقاب الهجوم على مرقَـص في برلين الغربية يرتاده جنود أمريكيون في عام 1986.
وينطلق الحُـكم الليبي في حِـرصه على توثيق العلاقات مع واشنطن من الشعور بالحاجة البالغة إلى تحديث جيشه بعد فترة العقوبات المديدة التي حالت دُون الحُـصول على قِـطع الغيار والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، مما جعل ليبيا في وضع ضعيف نِـسبيا، قياسا على جارتيها مصر والجزائر.
وفي هذا الإطار، تندرج الصَّـفقة الضخمة الموقَّـعة مع فرنسا في هذا المجال خلال زيارة ساركوزي، إلا أن ليبيا تسعى أيضا للحصول من أمريكا على طائرات هليكوبتر وحاملات جنود مدرّعة، على رغم عدم وجود تهديد خارجي لليبيا.
وعزا مُحللون تِـلك المساعي إلى شعور القذافي بأنه مؤهل للَـعب دور إقليمي في القارة الإفريقية، مما تسبَّـب في احتكاكات مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وحاول الجانِـبان وضع قواعد لُـعبة في هذا الشأن لدى زيارة نيغروبونتي ليبيا في الربيع الماضي.
وشكَّـلت طبيعة الوفد الذي رافقه والذي ضمّ غينادي فريزر، مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الإفريقية ونائب مساعد الوزيرة لشؤون الشرق الأدنى غولدن غري، مؤشرا إلى أن مِـحور الزيارة دار حول الملف الإفريقي ورسم الخطوط الأساسية لشراكة بين البلدين في هذا الفضاء، الذي باتت واشنطن تُـوليه أهمية كبيرة.
وعكس إرسال نيغروبونتي، المسؤول السابق عن مكافحة حركات التمرّد في أمريكا اللاتينية إلى ليبيا، علامة على اتفاق على إنهاء جميع أشكال الدعم الليبي للحركات المُسلّـحة التي صنَّـفتها واشنطن في خانة الإرهاب، وبخاصة الفصائل الفلسطينية والتنظيمات اللبنانية والجيش الجمهوري الإيرلندي والحركات اليسارية المسلحة في أمريكا اللاتينية.
وكشف القذافي بعضا من مُـنطلقات رؤيته الجديدة للعلاقات مع واشنطن في الخِـطاب الذي ألقاه في أبريل الماضي في الذكرى الحادية والعشرين للغارات الأمريكية أمام الآلاف من الرجال والنساء المُجنّـدين في “اللِّـجان الثورية” و”الحرس الثوري الأخضر”، إذ وجّـه رسالة إلى أمريكا مَـفادها أنه حليف قوي وليس إمعة، واعتبر أن “أمريكا بعد ريغن المجنون، جنحت للسِّـلم ولم تتعامل معنا بالقوة العسكرية ونكون نحن أغبياء إذا فرّطنا في مصافحة العدو لنا لمصلحة الناس، وهاهي أمريكا مستمرة في سياسة الدبلوماسية معنا”.
شراكة إستراتيجية
على هذا الأساس، تسعى ليبيا لإقامة “شراكة إستراتيجية كاملة” مع الولايات المتحدة، بما في ذلك التوصُّـل إلى عقود لتسليح الجيش بمُـعدات متطورة، من دون القبول بمكانة الحليف العادي التي ارتضتها البلدان العربية والإفريقية التي تشارك حاليا في مناورات ” فلينتلوك 2007″، والتي تُـشرف عليها أمريكا وتجري غير بعيد عن العاصمة المالية باماكو لمدة شهر.
في المقابل، يرغب الحُـكم الليبي في الحصول على تعهُّـد رسمي ضِـمن اتفاقية عسكرية مُـشتركة تضمن فيها الولايات المتحدة سلامة الأراضي الليبية في حال التعرّض لهجوم خارجي، لكن مَـن يُهدِّد ليبيا؟ لا أحد، فعلاقاتها جيِّـدة مع جميع الجيران.
وتردّد أن القيادة الليبية لا تُـمانع من إعطاء تسهيلات للقوات الأمريكية، وحتى وجود محدود لخبراء عسكريين على أراضيها. والأرجح، أن هذا الموضوع سيكون من ضِـمن النِّـقاط الرئيسية التي سيبحث فيها وفد أمني ليبي رفيع المستوى سيزور واشنطن في الأيام المقبلة. ومن غير المستبعد تتويج تلك الاتصالات والمحادثات التي جرت في كل من ليبيا وأمريكا باتفاق إطاري، يُكشف عن مضمونه خلال زيارة رايس المُـرتقبة للعاصمة الليبية (وربما لن يُكشف عنه).
ويتهافت الأمريكيون على سوق النفط الليبية محاولين التعويض عن الوقت الضائع الذي استثمرته الشركات الأوروبية المنافسة، فهُـم أعلنوا دعمهم بقوة لخطة الإصلاحات الاقتصادية، التي قالت السلطات الليبية إنها باشرت تنفيذها لإخراج الاقتصاد من حالة الترهّـل، كما أنهم لم يخفوا تشجيعهم للإصلاحات السياسية، التي قال سيف الإسلام القذافي إنه يسعى لإدخالها على نظام الحكم “الجماهيري” الذي أرساه والده في سنة 1977 بموجب وثيقة “قيام سلطة الشعب”، وخاصة الدعوة إلى سَـن دستور والفصل بين السلطات وإقامة محكمة عليا مستقلة، لكن في إطار استمرار أسُـس النظام الحالي.
وعلى ضوء المصالح الاقتصادية المتنامية، يتحدّد نوع التعاطي مع الملف الليبي بما يفرضه من غضّ طرف بات “ضروريا” أكثر فأكثر عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
تونس – رشيد خشانة
واشنطن (رويترز) – قال مسؤول أمريكي كبير إن الولايات المتحدة تريد من ليبيا أن تسوي بعض القضايا العالقة منذ فترة طويلة، بما في ذلك تفجيران وقعا في عقد الثمانينات، وأنها لم تحدد بعد موعدا لزيارة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إلى طرابلس.
وتحسنت الروابط بين البلدين منذ أن تخلت ليبيا عن أسلحة الدمار الشامل في عام 2003، لكن مما يقيد تقدمها، غياب تسوية نهائية لتفجير حانة في ألمانيا في 1986 وتفجير طائرة لشركة طيران بان أمريكان فوق بلدة لوكربي باسكتلندا في 1988.
ووافقت ليبيا، التي اتُّـهمت بالتورط في الحادثين على دفع تعويضات قدرها 10 ملايين دولار عن كل قتيل إلى أسر ضحايا تفجير لوكربي، لكنها لم تدفع القسط الأخير، ولم تتوصل إلى أي اتفاق لدفع تعويضات إلى أسَـر الضحايا الأمريكيين في تفجير حانة لابل.
وقتل عسكريان أمريكيان في الهجوم على الحانة في برلين الغربية، فيما قتل 270 شخصا بينهم عشرات من الأمريكيين في تفجير طائرة لوكربي.
وأحد علامات القيود على العلاقات، هو حقيقة أنه لم يَـزر أي وزير أمريكي ليبيا منذ أن زارها جون فوستر دالاس في 1953.
وقال المسؤول الأمريكي، الذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه، أن ديفيد وولش، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لمس “روحا إيجابية” بين المسؤولين الليبيين عندما زار طرابلس الأسبوع الماضي لمحادثات كان من المنتظر أن تشمل زيارة محتملة لرايس.
وأضاف المسؤول قائلا “لم نُـعلن أو نقرر موعدا لأي شيء حتى الآن، لكننا نرى احتمالات متزايدة أنه في مرحلة ما أمل أن تكون في المستقبل غير البعيد جدا ستكون هناك زيارة على مستوى وزاري واعتقد أن من الملائم أن تكون وزيرة الخارجية هي أول من يفعل ذلك”. “بين الرغبة والواقع لا زال هناك عمل يتعين انجازه”.
وأثناء زيارته لم يلتق وولش بالزعيم الليبي معمر القذافي، وقال المسؤول إنه اجتمع مع وزير الخارجية ورؤساء أجهزة الاستخبارات واثنين من أنجال القذافي، هما سيف الإسلام، الذي ينظر إليه على أنه أكثر أبناء الزعيم الليبي نفوذا، ومعتصم القذافي مستشار الأمن القومي لليبيا.
وأزالت ليبيا الشهر الماضي إحدى العقبات الرئيسية أمام تحسين العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، عندما أطلقت سراح خمس ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني أدينوا بحق أطفال ليبيين عمدا بفيروس الأيدز.
وقال المسؤول الأمريكي إن هذا يبدو أنه أعطى ثقة للمسؤولين الليبيين الذين يريدون توثيق الروابط مع الغرب، وأضاف قائلا “يبدو أن هناك روحا ايجابية من جانبهم… الآن وقد انتهت قضية الممرضات البلغاريات، فإن أولئك الذين ينادون بالتغيير والانفتاح بشكل أكبر على العالم الخارجي، يشعرون أن لديهم بعض الفرص للسير قدما”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 أغسطس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.