القرار 1701.. سابقة خطيرة في القانون الدولي
هل تحول مجلس الأمن الدولي إلى مجرد إدارة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية يملي من خلالها سفير واشنطن في الأمم المتحدة كل ما يتلاءم مع الأجندة الأمريكية الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط؟
السؤال فرض نفسه مجددا في أعقاب موافقة أعضاء المجلس يوم 11 أغسطس على نص القرار 1701 الذي أثار الكثير من الجدل القانوني والسياسي.
مثلما رفع مكيافيللي شعار”الغاية تبرر الوسيلة” وقدم بذلك للانتهازية السياسية نموذجا يحتذيه الساسة المؤمنون بأنه لا مجال للأخلاق في الأمور السياسية، يبدو أن هذا قد أصبح النموذج الذي اتبعته الإدارة الأمريكية الحالية خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث تحولت الولايات المتحدة في عهد الرئيس بوش إلى قوة احتلال للأرض العربية في العراق وقوة عظمى تدعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، والوقوف في ساحة الشرعية الدولية أمام كل قرار يحاول التصدي لخروج إسرائيل على الشرعية الدولية، كما دأبت الولايات المتحدة أيضا على دعم لاحتلال من نوع آخر تمثله أنظمة الحكم العربية غير المنتخبة التي تدور في الفلك الأمريكي.
لذلك لم يكن غريبا لعديد من المراقبين أن يكشف الكاتب الصحفي الأمريكي الجسور سيمور هيرش في عدد هذا الأسبوع من مجلة نيويوركر عن دور إدارة الرئيس بوش في التخطيط للحرب الإسرائيلية على لبنان بأمل أن تتمكن إسرائيل من تدمير حزب الله وبالتالي تجعل من اليسير على الولايات المتحدة توجيه ضربة إجهاضية للمرافق النووية الإيرانية دون أن تخشى من رد بصواريخ حزب الله على شمال إسرائيل.
وعندما “انقلب السحر على الساحر” تحولت الإدارة الأمريكية بكل ثقلها إلى مجلس الأمن الدولي لتحاول أن تفرض على المجتمع الدولي عبر القرار 1701 ما لم تستطع الآلة العسكرية الإسرائيلية المدعومة بقنابل أمريكا الذكية إنجازه بسبب الصمود المذهل لمقاتلي حزب الله.
القرار حافل بالتزوير
“هذه سابقة الخطيرة في القانون الدولي التي تحول المعتدي إلى ضحية وتحول الضحية إلى جلاد يتعين تقليم أظافره” بهذه العبارة بدأ الدكتور داود خير الله أستاذ القانون الدولي بجامعة جورجتاون لقاءه مع سويس إنفو لتقييم القرار 1701 الذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع يوم الجمعة 11 أغسطس 2006.
وقال الدكتور خير الله: “لقد سمحت الولايات المتحد لنفسها في غمار ضغطها على مجلس الأمن بأن تجعل القرار بعيدا عن أن يعكس روح القانون الدولي أو أن ينطوي على شرح أمين لما حدث بين الجانبين المتحاربين وجاء حافلا بالتزوير. في ديباجة القرار (يعرب مجلس الأمن عن قلقه الشديد من تصعيد الأعمال القتالية في لبنان وإسرائيل منذ هجوم حزب الله على إسرائيل في 12 يوليو والتي تسببت في وقوع مئات من القتلى والجرحى على كلا الجانبين وإلحاق أضرار جسيمة في الهياكل الأساسية المدنية وتشريد مئات الآلاف في الداخل)، وهو تجاهل غير أخلاقي لحقيقة أن حزب الله لم يطلق صواريخه داخل إسرائيل إلا بعد يومين من قيام إسرائيل بتدمير البنية التحتية والأهداف المدنية في لبنان”.
وينتقل الدكتور داود خير الله بعد ذلك إلى الفقرة التنفيذية الأولى الداعية إلى وقف فوري لكل هجمات حزب الله ووقف كل العمليات العسكرية الهجومية من جانب إسرائيل ويرى أنها تمنح إسرائيل الحق في شن هجمات داخل الأرض اللبنانية بذريعة أنها “هجمات عسكرية دفاعية (!)” وهو ما يعكس تزويرا آخر يتعارض مع حق مشروع يقره القانون الدولي للدولة التي تعرضت للاحتلال بمقاومة ذلك الاحتلال. كما أن القرار رقم 1701 تجاهل تماما- بفضل المساندة الأمريكية – جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها إسرائيل في لبنان. ورغم إدراك الولايات المتحدة لأن حزب الله تعهد بالتوقف عن المقاومة إذا أعادت إسرائيل مزارع شبعا المحتلة إلى لبنان فإنها أصرت على ألا يطالب القرار رقم 1701 بحل فوري لمشكلة مزارع شبعا وإنما حولت القضية إلى نقطة يجري بحثها في وقت لاحق.
إلا أن خبير القانون الدولي يرى أنه بينما حاولت واشنطن كتابة شهادة وفاة للشرعية الدولية من خلال تأجيل اتخاذ قرار دولي بوقف إطلاق النار بحجة ضرورة توفر الشروط التي تجعله وقفا دائما لا ينكسر، متيحة لإسرائيل مزيدا من الوقت لتحاول تحقيق أهدافها الاستراتيجية في لبنان، فإن صمود المقاومة حال دون ذلك ويرى أنه يتعين الآن صمود الجبهة الداخلية اللبنانية لكي لا تسمح لواشنطن بتحقيق نصر سياسي لإسرائيل من خلال رفع شعار ضرورة نزع سلاح حزب الله والعمل بدلا من ذلك على إدماجه في القوات المسلحة اللبنانية دون أن يكون مقاتلو حزب الله وحدة خاصة يسهل استهدافها، مع ضرورة تطوير وسائل الدفاع الجوي للحيلولة دون تكرار العربدة الجوية الإسرائيلية في سماء لبنان.
وقال الدكتور خير الله: “إن الدور الخجول الذي حاولت الجامعة العربية القيام به في أروقة مجلس الأمن إنما يعكس حقيقة أن الجامعة العربية تحولت إلى ضريح يقرأ فيه العرب الفاتحة على روح الشعور القومي العربي”، على حد قوله.
وخلص إلى أنه حتى الدول التي تحتفظ بعلاقات صداقة قوية مع الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية ومصر لم تستخدم أيا من أوراق النفوذ أو مظاهر وجودها على الساحة لنصرة لبنان ضد المساندة الأمريكية المتحيزة لجانب إسرائيل وهو ما عكس وفاة الأنظمة العربية وشلل الشعور القومي في الشارع العربي. وقال إن الولايات المتحدة أظهرت من خلال مسلكها خلال الحرب في لبنان أنها مسئولة بشكل مباشر عن إعادة المجتمع الدولي إلى شريعة الغاب وتعطيل الشرعية الدولية والمماطلة للحيلولة دون ممارسة مجلس الأمن لدوره في المحافظة على السلم العالمي.
1701 ليس نهاية استراتيجية
سويس إنفو توجهت بعد ذلك إلى الدكتور منذر سليمان الخبير الاستراتيجي والعسكري ومدير مكتب واشنطن لمركز دراسات الوحدة العربية (مقره بيروت) لتقييم الآثار الاستراتيجية لقرار مجلس الأمن 1701 فقال: “إن وقف القتال مطلب لبناني تمت الاستجابة إليه وإن كان على مراحل لوقف تحول لبنان إلى ساحة قتل وتدمير مفتوحة بفضل التفوق الجوي الإسرائيلي والغطاء الدبلوماسي والسياسي الدولي وخاصة من الولايات المتحدة. كما أن القرار وإن لم يعكس الانتصار الاستراتيجي والمعنوي للمقاومة اللبنانية فإنه يخدم المصلحة اللبنانية رغم ألغام عديدة انطوت عليها ديباجته”.
ونفى الدكتور منذر سليمان صحة الإدعاء الإسرائيلي بأن القرار يشكل انتصارا سياسيا لها وقال: “إن إسرائيل كانت ترغب في تحقيق نتائج سياسية واستراتيجية مختلفة من وراء حربها على لبنان ولم يتحقق لها ما أرادت وأتى القرار ليحرمها من المضي قدما في حملتها البرية التي كانت تأمل في أن تحقق من خلالها ما عجزت عنه جويا، وما أفشله مقاتلو حزب الله بريا في الجنوب.
كما نفى الخبير الاستراتيجي أن يكون البند الثامن من القرار 1701 والذي يدعو إلى اتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، مؤشرا على فرض إبعاد حزب الله عن الجنوب مما يحقق لإسرائيل من خلال القرار ما لم تتمكن من تحقيقه بالحرب.
وقال الدكتور منذر سليمان: “يجب أن نتذكر أن قرارات مجلس الأمن مرتبطة بآليات تنفيذها ولو نظرنا إلى البند العاشر من القرار لوجدنا أنه يمنح الأمين العام للأمم المتحدة الكثير من الصلاحيات لاتخاذ الترتيبات الضرورية لوضع آليات مرتبطة أيضا بتحقيق ضمانات أمنية للبنان وللمقاومة بأن لا تقدم إسرائيل على الاعتداء عليها وفي نفس الوقت سيكون موضوع سلاح حزب الله شأنا داخليا لبنانيا، لأن مشاركة قوات الجيش اللبناني والقوات التابعة للأمم المتحدة ستكون في الجانب الأهم من مهمتها للحيلولة دون وجود أعمال عسكرية عدائية، وحزب الله ملتزم منذ الهدنة التي تم التوصل إليها في عام 1996 بعدم مهاجمة المدنيين”.
الأهداف الاستراتيجية الممكنة
ونبه الدكتور منذر سليمان إلى أنه “من الناحية الاستراتيجية فإن حزب الله لا يرغب في القتال من أجل القتال وإنما لتحرير باقي التراب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وكفر شوبا وبالتالي فإن القرار كلف الأمين العام للأمم المتحدة في البند العاشر وضع مقترحات لترسيم الحدود بما في ذلك منطقة مزارع شبعا وعرضها على مجلس الأمن في غضون ثلاثين يوما وبالتالي فإن القرار يحقق هدفا لبنانيا سعى حزب الله من خلال المقاومة إلى تحقيقه كما استجاب القرار لمطلب لبنان بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب اللبناني بالتزامن مع نشر القوات الدولية وقوات الجيش اللبناني. كما أنه سيتم معالجة قضية تبادل الأسرى المحتجزين بصورة متزامنة من خلال تفاوض غير مباشر، ويشكل هذا تراجعا أمريكيا وإسرائيليا عن مواقف متشددة كانت تتجاهل كل تلك الأمور.
وتطرق الدكتور منذر سليمان في نهاية لقائه مع سويس إنفو إلى الموقف العربي من العدوان الإسرائيلي على لبنان فقال: “إن دور الجامعة العربية في اللحظات الأخيرة قبل استصدار قرار مجلس الأمن كان دورا إيجابيا نسبيا ولكن هذا لا ينفي حقيقة أن الجامعة العربية أصبحت تعبيرا عن ناتج قومي للعجز العربي الرسمي وخاصة الأطراف الفاعلة في الدول العربية الرئيسية التي تبرع بعضها بالتواطؤ في البداية مع العدوان ثم حاولت التجمل بسبب رفض شعوبها لمواقف التواطؤ وبسبب صلابة المقاومة اللبنانية، بحيث لم يعد أمام الموقف الرسمي العربي إلا تبني الموقف اللبناني مع هذا الصمود والانتقال من موقف التواطؤ الواضح بالنسبة لبعض الحكام العرب وموقف العاجز المشلول بالنسبة للبعض الآخر إلى موقف تبني المطالب اللبنانية على الأقل، وهذا أضعف الإيمان” حسب قوله.
أما عن طرح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس لفكرة أن الحرب في لبنان يمكن أن تكون المخاض لولادة شرق أوسط جديد فقال الدكتور منذر سليمان: “سيلاحق هذا التصريح رئيسة الدبلوماسية الأمريكية كما لاحق تصريح مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية السابقة التي قالت بأن قتل مئات الآلاف من الأطفال العراقيين ثمن مقبول لولادة عراق حر! إذ لا يمكن لإنسان عاقل أن يتصور أن قتل المدنيين وتشريدهم وتدمير البنية التحتية المدنية في لبنان يمكن أن يولد منه شرق أوسط جديد، فالشرق الجديد الذي سيولد من ذلك المخاض هو شعور جديد بأن الصمود ممكن في لبنان وفلسطين في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية المدمرة وفي العراق ضد قوات القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.