مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المأزق الأمريكي في العراق بعد عامين من سقوط صدام

Keystone

لم يترك الإخراج المسرحي الأمريكي لعملية إسقاط تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين قبل عامين، ذكريات تقوى على مواجهة الأمر الواقع الرهيب والفوضى وعدم الاستقرار.

سويس إنفو استطلعت آراء خبيرين ومسؤولين أمريكيين سابقين في المشهد العراقي بعد عامين من مشهد سقوط تمثال صدام حسين.

ما هو الأثر الذي تركته إطاحة القوات الأمريكية بالرئيس صدام حسين في منطقة الشرق الأوسط؟ سؤال طرحته سويس إنفو على جوزيف ويلسون، السفير الأمريكي السابق في العراق الذي أوفدته المخابرات الأمريكية للتأكد من مدى صحة ما قيل عن حصول صدام حسين على مواد نووية من النيجر، وشهد أمام الكونغرس بزيف تلك المعلومات فقال، إنه مع التسليم بأن الإطاحة بصدام حسين خلّـصت المنطقة من شرور دكتاتور مفزع، فإن الوجود العسكري الأمريكي في العراق ترك آثارا سلبية لدى الرأي العام العربي عن الولايات المتحدة، كما لم تتحقق الوعود الأمريكية بتحويل العراق إلى نظام ديمقراطي يكون نموذجا تحتذي به دول المنطقة الأخرى. وبدلا من ذلك، دخلت منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها العراق، مرحلة من عدم الاستقرار المروع. وأعرب عن مخاوفه من إمكانية نشوب حرب أهلية في العراق.

“ربيع الديمقراطية في العالم العربي”

عندما طرحت سويس إنفو نفس السؤال على السيد فرانك جافني، النائب السابق لريتشارد بيرل، مساعد وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس ريغن، والذي ساهم في الضغط باتجاه شن الحرب على العراق قال:

“لقد أسفرت الإطاحة بنظام صدام حسين بالقوة إلى تحرير الشعب العراقي، بل وشجعت شعوبا عربية أخرى على أن تتطلع هي الأخرى إلى تحرير أنفسها من الحكم الاستبدادي، وإذا توقفت أنظمة عربية عن مساعيها لحرمان الشعب العراقي من حريته، فسوف تتوقف الفوضى التي يشيعها الإرهابيون الساعون لتقويض عملية التحول الديمقراطي في العراق”.

ومع أن المسؤولين في حكومة الرئيس بوش يروِّجون لفكرة أن الإطاحة بنظام صدام حسين بالقوة قبل عامين، كانت نقطة الانطلاق نحو ما يطلقون عليه ربيع الديمقراطية في العالم العربي، فإن السفير جوزيف ويلسون يرى أنه بعد أن أخفقت إدارة الرئيس بوش في العثور على أي أسلحة للدمار الشامل في العراق أو على أي أدلة على وجود الصلات المزعومة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة، لم يتبق أمام بوش إلا هدف وحيد من الأهداف المعلنة لتبرير شن الحرب، وهو الزعم بأن الإطاحة بصدام ستكون فاتحة للتحول الديمقراطي في العالم العربي، وهو هدف لم يتحقق حتى داخل العراق، وكلف الولايات المتحدة أرواح ألف وستمائة من أبنائها ومئات المليارات من الدولارات، فيما تكبّـد الشعب العراقي عشرات الآلاف من القتلى وتم تخريب المرافق العراقية خلال الحرب.

وأعرب السفير جوزيف ويلسون عن خشيته من أن ما سيشهده الشرق الأوسط في المستقبل القريب نتيجة مغامرة الغزو الأمريكي لعاصمة الخلافة الإسلامية، هو حالة من عدم الاستقرار المُـزمن مع تصاعد المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي.

غير أن السيد فرانك جافني يري أن العالم أصبح أكثر أمنا باختفاء صدام من السلطة في العراق، فقد زالت وحشيته التي كان يمارسها على شعبه وزال خطره على دول المنطقة وعلى الأمن القومي الأمريكي.

ويعتقد السيد جافني أنه مع إنفاق مئات المليارات من الدولارات على الحرب في العراق، فإن ثمن ترك صدام حسين في السلطة، وتمكينه من الإفلات من نظام العقوبات واستخدام موارد تصدير البترول العراقي في بناء أسلحة الدمار الشامل، كان سيكلف الولايات المتحدة أكثر من ذلك بكثير في المستقبل.

أخطاء إدارة بوش

وفيما يحاول المسؤولون الأمريكيون إضفاء مسحة من التفاؤل على الوضع في العراق، رغم استمرار العنف والفوضى وعدم الأمان، يرى السفير جوزيف ويلسون أنه بعد عامين من مشهد سقوط تمثال صدام حسين لا زال اليمين المحافظ المحيط بالرئيس بوش ينفذ أيديولوجيته البعيدة تماما عن أرض الواقع، والتي تستند إلى أوهام وتصورات خاطئة، والتي يرى أنها وقعت في أربعة أخطاء رئيسية مهّـدت السبيل للمأزق الأمريكي في العراق:

أولا، تبرير شن الحرب بأن صدام حسين يشكّـل خطرا داهما على الأمن الأمريكي وعلى دول المنطقة بسبب امتلاكه لأسلحة دمار شامل يمكن أن تصل إلى الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة، وتشن بها هجوما على المدن الأمريكية مع افتراض وجود صلة بين النظام العراقي وبين تنظيم القاعدة.

ثانيا، خطأ تقدير حجم ونوعية القوات اللازمة لصيانة الأمن في عراق ما بعد الحرب، وكذلك خطأ في السيناريوهات المحتملة في المشهد العراقي بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، وافتراض أن القوات الأمريكية سوف تُـستقبَـل بالورود كقوات غازية.

ثالثا، خطأ إغفال حقيقة أن الشعب العراقي، الذي عاش لعقود تحت حكم الفرد والحاكم الدكتاتوري المستبد، لا يمكن أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى شعب متمرس في العمل السياسي من خلال مؤسسات ديمقراطية يُـمكن إقامتها بمجرد سقوط النظام.

رابعا، خطأ الإخفاق في إدراك حقيقة تاريخية تؤكّـد أن الشعب العراقي من أكثر الشعوب رفضا للوجود الأجنبي العسكري على أراضيه، وحقيقة لجوئه إلى المقاومة الضارية للخلاص من المحتلين.

إخفاق أجهزة الاستخبارت

ويختلف السيد فرانك جافني، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي مع السفير جوزيف ويلسون في تحليله للوضع في العراق، وما أعدته الإدارة الأمريكية من تصور لعراق ما بعد الحرب ويقول:

“لقد كان من مفاجآت الحرب، التي لم يكن من السهل التخطيط لها، أن تقرر قوات الرئيس صدام حسين عدم القيام بدورها في القتال، وأن تذوب بدلا من ذلك وسط التجمعات السكانية في أنحاء العراق لتخُـوض القتال ضد العراقيين، وتستخدم المواطنين العراقيين كدروع تحتمي بها في محاولة لمنع نظام حكم جديد من أن يقود البلاد خلفا لصدام حسين، الذي تمّـت الإطاحة به”.

وقبل أيام من حلول ذكرى الإطاحة بصدام حسين، ظهرت نتائج تقرير لجنة كلّـفها الرئيس بوش بالتحقيق في أداء أجهزة الاستخبارات الأمريكية في مرحلة ما قبل غزو العراق، وكان من بين تلك النتائج أن أجهزة الاستخبارت الأمريكية قد أخفقت في جمع وتحليل المعلومات الخاصة ببرامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، ووقعت في أخطاء ذريعة في معظم التقارير التي قدّمتها تلك الأجهزة إلى الرئيس بوش قبل شن الحرب.

وقد سارع جوزيف ويلسون، السفير الأمريكي السابق لدى العراق إلى التنبيه إلى ضرورة ألا ينخدع أحد بمحاولة إلقاء اللّـوم على المخابرات، وأكّـد أن مسؤولية اتخاذ قرار شن الحرب، تقع على كاهل الرئيس وليس على وكالات الاستخبارات. وضرب مثالا على تعمّـد الرئيس بوش ومن حوله تجاهل الحقائق بأن المخابرات الأمريكية أوكلت إليه مهمة السفر إلى النيجر للتأكد من حقيقة المعلومات التي ذكَـرت أن الرئيس صدام حسين، ربما يكون قد اشترى يورانيوم من إفريقيا لبرنامجه النووي، وعاد وأبلغ المسؤولين الأمريكيين، ومنهم نائب الرئيس ديك تشيني، بزيف تلك المعلومات.

ومع ذلك، تضمّـن خطاب الرئيس بوش عن حالة الاتحاد عبارة تُـشير إلى حصول صدام على اليورانيوم، مما يجعله أمام الشعب الأمريكي خطرا على الأمن القومي الأمريكي.

ويختلف فرانك جافني، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي مع تحليل السفير جوزيف ويلسون، ويرى أن تقرير اللجنة يُـظهر حقيقة صعوبة جمع المعلومات عن برامج أسلحة الدمار الشامل التي يعكف على بنائها سرّا حُـكام مستبدون وشموليون من أمثال صدام حسين، وينفي نية القوات الأمريكية في احتلال العراق.

ويؤكّـد أن تلك القوات دخلت لتحرير العراق ومساعدة الشعب العراقي على بناء نظام حكم ديمقراطي مستقل. وخلّـص إلى أن القوات الأمريكية ستكون مستعدة لمغادرة الأراضي العراقية متى تم تشكيل حكومة دائمة، وطلبت سحب القوات الأمريكية من العراق.

كما أعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة لن تحتفظ بقواعد عسكرية لها في العراق، إلا إذا سمحت لها حكومة العراق بذلك.

محمد ماضي – واشنطن

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية